رسالة قائد مهم

يسعدني أن‭ ‬أكتب‭ ‬هذه‭ ‬المقدمة‭ ‬للعدد‭ ‬الجديد‭ ‬من‭ ‬مجلة‭ ‬يونيباث‭ ‬الذي‭ ‬يركز‭ ‬على‭ ‬موضوعات‭ ‬السلام‭ ‬والاستقرار‭ ‬والحكم‭ ‬الرشيد‭. ‬ويقتضي‭ ‬تحقيق‭ ‬هذه‭ ‬الأهداف‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬ووسط‭ ‬وجنوب‭ ‬آسيا‭ ‬التصدي‭ ‬لتهديدات‭ ‬الإرهاب‭ ‬والتشدد‭ ‬والتطرف‭. ‬ويبقى‭ ‬السؤال‭ ‬المطروح‭: ‬ما‭ ‬أفضل‭ ‬السبل‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬التحديات؟‭ ‬بالنسبة‭ ‬لدول‭ ‬المنطقة،‭ ‬أعتقد‭ ‬أنه‭ ‬علينا‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الخصال‭ ‬الثلاث‭: ‬الالتزام‭ ‬والتماسك‭ ‬والترابط‭.‬

أمَّا‭ ‬الالتزام،‭ ‬فأقصد‭ ‬به‭ ‬التمسك‭ ‬بقواعد‭ ‬ومبادئ‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬المعروفة،‭ ‬مثل‭ ‬حل‭ ‬النزاعات‭ ‬بالوسائل‭ ‬السلمية،‭ ‬وعدم‭ ‬استخدام‭ ‬القوة‭ ‬أو‭ ‬التهديد‭ ‬باستخدامها،‭ ‬والكف‭ ‬عن‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الداخلية‭ ‬للدول‭ ‬الأخرى‭. ‬كما‭ ‬يشمل،‭ ‬بصورة‭ ‬أعم،‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬نشر‭ ‬ثقافة‭ ‬الحوار‭ ‬والاحترام‭ ‬المتبادل‭.‬

وأمَّا‭ ‬التماسك،‭ ‬فيعني‭ ‬نشر‭ ‬الأمن‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التعاون‭ ‬وتوحيد‭ ‬الصف،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬النهج‭ ‬الذي‭ ‬تتبناه‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي؛‭ ‬لأننا‭ ‬نكون‭ ‬أشد‭ ‬قوة‭ ‬وبأساً‭ ‬وأثراً‭ ‬حين‭ ‬نتحدث‭ ‬بصوت‭ ‬واحد،‭ ‬سواء‭ ‬للأعداء‭ ‬داخل‭ ‬منطقتنا‭ ‬أو‭ ‬لدول‭ ‬خارج‭ ‬المنطقة،‭ ‬بما‭ ‬يكفل‭ ‬سماع‭ ‬مصالحنا‭ ‬وفهمها‭ ‬على‭ ‬الوجه‭ ‬الصحيح‭.‬

وأمَّا‭ ‬الترابط،‭ ‬فيعني‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬إقامة‭ ‬شراكات‭ ‬مع‭ ‬البلدان‭ ‬ذات‭ ‬التفكير‭ ‬المماثل‭ ‬في‭ ‬منطقتنا‭ ‬وخارجها،‭ ‬إذ‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لهذه‭ ‬الشراكات‭ ‬دور‭ ‬مباشر‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬أمننا‭ ‬المشترك‭ ‬وإنشاء‭ ‬شبكات‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬الصمود‭ ‬أمام‭ ‬الأعداء‭ ‬المحتملين‭ ‬وردعهم‭.‬

‭ ‬وتعد‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬السبيل‭ ‬الوحيد‭ ‬لتحقيق‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الأهداف‭ ‬الثلاثة‭ ‬بشكل‭ ‬مستدام؛‭ ‬فاذن‭ ‬علينا‭ ‬جميعاً‭ ‬داخل‭ ‬المنطقة‭ ‬وخارجها‭ ‬ألا‭ ‬نغفل‭ ‬أبداً‭ ‬عن‭ ‬ضرورة‭ ‬التوصل‭ ‬لحلول‭ ‬سياسية‭ ‬سلمية‭ ‬للقضايا‭ ‬والخلافات‭. ‬ويجب‭ ‬ألا‭ ‬ندخر‭ ‬جهداً‭ ‬لمنع‭ ‬الصراعات‭ ‬قبل‭ ‬نشوبها‭ ‬والإسراع‭ ‬بإنهاء‭ ‬الحروب‭ ‬الدائرة‭. ‬فهذا‭ ‬هو‭ ‬الموقف‭ ‬الواضح‭ ‬والثابت‭ ‬لمملكة‭ ‬البحرين‭ ‬ودول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي‭.‬

فسواء‭ ‬تعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بالصراع‭ ‬الدائر‭ ‬بين‭ ‬روسيا‭ ‬وأوكرانيا،‭ ‬أو‭ ‬أرمينيا‭ ‬وأذربيجان،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬اليمن،‭ ‬فإننا‭ ‬نؤكد‭ ‬دائماً‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬الحل‭ ‬السياسي‭ ‬السلمي‭. ‬والحق‭ ‬أنَّ‭ ‬قيم‭ ‬الحوار‭ ‬والتعايش‭ ‬والاحترام‭ ‬المتبادل‭ ‬كانت‭ ‬ركيزة‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬لمملكة‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الأحوال‭. ‬ونعتقد‭ ‬أنها‭ ‬خير‭ ‬ما‭ ‬يرشدنا‭ ‬لضمان‭ ‬السلام‭ ‬والأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬في‭ ‬منطقتنا‭ ‬والعالم‭ ‬بأسره‭.‬

‭ ‬وكما‭ ‬أوضح‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬حمد‭ ‬بن‭ ‬عيسى‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬خلال‭ ‬زيارة‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬قداسة‭ ‬البابا‭ ‬فرنسيس‭ ‬مؤخراً‭ ‬الى‭ ‬البحرين،‭ ‬فإنَّ‭ ‬الحوار‭ ‬السلمي‭ ‬ركيزة‭ ‬منع‭ ‬الصراعات‭ ‬وحلها‭. ‬ووصف‭ ‬البابا‭ ‬فرنسيس‭ ‬البحرين‭ ‬بأنها‭ ‬ملتقى‭ ‬الثراء‭ ‬المتبادل‭ ‬بين‭ ‬الشعوب‭. ‬

لا‭ ‬ريب‭ ‬أنَّ‭ ‬للقوى‭ ‬الخارجية‭ ‬دور‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬أمن‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬كمواصلة‭ ‬دعم‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬الإبراهيمية‭ ‬مثلاً،‭ ‬كما‭ ‬يوجد‭ ‬مجال‭ ‬لأن‭ ‬تنهض‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭ ‬بدور‭ ‬رئيسي‭ ‬وبنَّاء‭ ‬في‭ ‬المساعدة‭ ‬على‭ ‬حل‭ ‬التحديات‭ ‬الدولية‭.‬

ولكن‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬مصلحة‭ ‬أحد‭ ‬أن‭ ‬تتحول‭ ‬المنطقة‭ ‬إلى‭ ‬مسرح‭ ‬بالوكالة‭ ‬لعداوات‭ ‬أوسع‭.‬

إنَّ‭ ‬رؤية‭ ‬التحديات‭ ‬الإقليمية‭ ‬الراهنة‭ ‬من‭ ‬منظور‭ ‬الصراعات‭ ‬الدائرة‭ ‬خارج‭ ‬المنطقة‭ ‬يحول‭ ‬دون‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬حل‭. ‬وكما‭ ‬هي‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬منطقة،‭ ‬فإنَّ‭ ‬لدول‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬مصالحها‭ ‬الخاصة‭ ‬وتحدياتها‭ ‬التي‭ ‬عليها‭ ‬مواجهتها‭. ‬

وإننا‭ ‬نقدِّر‭ ‬ضرورة‭ ‬العمل‭ ‬جهد‭ ‬الامكان‭ ‬على‭ ‬تقليل‭ ‬تداعيات‭ ‬أي‭ ‬صراع‭ ‬ومخاطر‭ ‬انتشاره‭ ‬إلى‭ ‬مناطق‭ ‬أخرى،‭ ‬سواء‭ ‬أكانت‭ ‬تلك‭ ‬المناطق‭ ‬داخل‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬أم‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مكان‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬العالم،‭ ‬ونحرص‭ ‬على‭ ‬تقليص‭ ‬هذه‭ ‬التداعيات‭ ‬قدر‭ ‬الإمكان‭.‬

تلك‭ ‬بعض‭ ‬التحديات‭ ‬التي‭ ‬تعترض‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭. ‬وأود‭ ‬أن‭ ‬أكرر‭ ‬كلام‭ ‬جلالة‭ ‬الملك،‭ ‬إذ‭ ‬نوَّه‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬زيارة‭ ‬البابا‭ ‬إلى‭ ‬أهمية‭ ‬الشراكات‭ ‬الدولية‭ ‬الفعالة‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬السلم‭ ‬والأمن‭ ‬الدوليَين،‭ ‬وتجنب‭ ‬التصعيد‭ ‬والمواجهة،‭ ‬وإعادة‭ ‬توجيه‭ ‬الجهود‭ ‬العالمية‭ ‬نحو‭ ‬معالجة‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬التحديات‭.‬

وهذا‭ ‬يؤكد‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬التعاون‭ ‬على‭ ‬الصعيدين‭ ‬الإقليمي‭ ‬والدولي‭ ‬للتخفيف‭ ‬من‭ ‬عواقب‭ ‬التحديات‭ ‬الأمنية،‭ ‬ويعد‭ ‬إدراكاً‭ ‬بأنَّ‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الجهود‭ ‬ليست‭ ‬لعبة‭ ‬يكسب‭ ‬فيها‭ ‬الفائز‭ ‬كل‭ ‬شيئ‭ ‬ويخرج‭ ‬الخاسر‭ ‬منها‭ ‬خالي‭ ‬الوفاض،‭ ‬وإنما‭ ‬هي‭ ‬وسيلة‭ ‬يكسب‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬الجميع‭ ‬لانها‭ ‬ستؤدي‭ ‬الى‭ ‬دفع‭ ‬عجلة‭ ‬السلام‭ ‬والتنمية‭ ‬والازدهار‭ ‬الى‭ ‬الأمام‭.‬

الدكتور‭ ‬عبد‭ ‬اللطيف‭ ‬بن‭ ‬راشد‭ ‬الزياني

وزير‭ ‬خارجية‭ ‬البحرين

التعليقات مغلقة.