تطوير العلاقات الدولية في مرحلة مابعد فايروس كورونا

اللواء‭ ‬المتقاعد‭ ‬عوده‭ ‬ارشيد‭ ‬الشديفات،‭ ‬القوّات‭ ‬المسلحة‭ ‬الأردنية‭ ‬
تتأثر‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬اليوم‭ ‬إما‭ ‬سلباً‭ ‬أو‭ ‬ايجاباً‭ ‬أو‭ ‬وقوفاً‭ ‬على‭ ‬الحياد‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان،‭ ‬وشهدت‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬تجاذبات‭ ‬كثيرة‭ ‬وتغيرات‭ ‬أكثر،‭ ‬انسجاماً‭ ‬مع‭ ‬المعطيات‭ ‬والاحداث‭ ‬والكوارث‭ ‬والأزمات‭ ‬والمستجدات،‭ ‬فكانت‭ ‬الحروب‭ ‬وتبعاتها‭ ‬ومخلفاتها‭ ‬ونتائجها،‭ ‬ربما‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬العوامل‭ ‬تأثيرا‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية،‭ ‬وقد‭ ‬شهد‭ ‬العالم‭ ‬أحداثاً‭ ‬كثيرة‭ ‬ساهمت‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬الأحلاف‭ ‬الدولية‭ ‬والاتحادات‭ ‬ومجالس‭ ‬التعاون‭ ‬وغيرها‭ ‬بما‭ ‬يخدم‭ ‬مصالح‭ ‬الدول‭.‬
يمر‭ ‬العالم‭ ‬الآن‭ ‬بإحدى‭ ‬أسوأ‭ ‬الازمات‭ ‬التي‭ ‬ارتقت‭ ‬لمستوى‭ ‬حرب‭ ‬كونية‭ ‬لما‭ ‬نعيشه‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬بسبب‭ ‬ظهور‭ ‬وباء‭ ‬فايروس‭ ‬كورونا‭ ‬المستجد‭ ‬وانتشار‭ ‬هذا‭ ‬الفيروس‭ ‬ليتحول‭ ‬من‭ ‬وباء‭ ‬إلى‭ ‬جائحة‭ ‬عابرة‭ ‬لجميع‭ ‬قارات‭ ‬العالم‭ ‬والعدو‭ ‬الخفي‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يشهد‭ ‬التاريخ‭ ‬ربما‭ ‬شبيها‭ ‬له‭ ‬بسرعة‭ ‬الانتشار‭ ‬والتأثير‭ ‬والقتل‭ ‬والتدمير‭ ‬الذي‭ ‬طال‭ ‬كل‭ ‬أركان‭ ‬ومقومات‭ ‬حياة‭ ‬الدول‭ ‬وبنيتها‭ ‬ومؤسساتها،‭ ‬وجعل‭ ‬العالم‭ ‬يقف‭ ‬على‭ ‬الحافة‭. ‬فتغيرت‭ ‬لغة‭ ‬الخطاب‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬وتبدلت‭ ‬أولوياتها‭ ‬واهتماماتها‭ ‬وزاد‭ ‬الشك‭ ‬في‭ ‬سلوكيات‭ ‬بعضها‭ ‬تجاه‭ ‬البعض‭ ‬الاخر،‭ ‬وكل‭ ‬ذلك‭ ‬انعكس‭ ‬على‭ ‬تعاونها‭ ‬وثقة‭ ‬بعضها‭ ‬ببعض‭ ‬وبرزت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المفاهيم‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تؤطر‭ ‬لنوع‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية،‭ ‬وربما‭ ‬تشهد‭ ‬أنماطاً‭ ‬أخرى‭ ‬تساهم‭ ‬في‭ ‬تغيير‭ ‬نظرة‭ ‬الدول‭ ‬لبعضها‭ ‬مثل‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬الذات‭ ‬والفرديه‭ ‬وأولويات‭ ‬المصالح‭ ‬والاهتمامات‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬غائبه‭ ‬عن‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬عندما‭ ‬أُعطِيَ‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والتسلح‭ ‬والتكنولوجيا‭ ‬وغيرها‭ ‬أولوية‭ ‬على‭ ‬حياة‭ ‬البشر‭ ‬وصحة‭ ‬الانسان‭ ‬وصارت‭ ‬القوى‭ ‬المسيرة‭ ‬للأحداث‭ ‬العالمية‭.
إن‭ ‬هذه‭ ‬الاحداث،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬معركة‭ ‬الكورونا،‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬صوت‭ ‬الحكمة‭ ‬والعقل‭ ‬والضمير‭ ‬واحترام‭ ‬انسانية‭ ‬الانسان،‭ ‬وإعادة‭ ‬قراءة‭ ‬تامة‭ ‬للأولويات‭ ‬وبناء‭ ‬منظومة‭ ‬أخلاقية‭ ‬وسلوكية‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬ترتقي‭ ‬إلى‭ ‬المعاني‭ ‬السامية‭ ‬والقيم‭ ‬النبيلة‭ ‬للحس‭ ‬بالمسؤولية‭ ‬والعمل‭ ‬الجاد‭ ‬والصبر‭ ‬واخذ‭ ‬الدروس‭ ‬والعبر‭ ‬مما‭ ‬جرى‭ ‬ويجري‭ ‬حولنا،‭ ‬نعم‭ ‬نحتاج‭ ‬صوت‭ ‬العقل‭ ‬والشجاعة‭ ‬في‭ ‬وصف‭ ‬الأشياء‭ ‬وتسميتها‭ ‬بالاسماء‭ ‬الحقيقية‭ ‬وحكمة‭ ‬الحكماء‭ ‬واستشراف‭ ‬المستقبل‭ ‬فلا‭ ‬يمكن‭ ‬لشعوب‭ ‬الارض‭ ‬أن‭ ‬تعيش‭ ‬دون‭ ‬تعاون‭ ‬وثقة‭ ‬وتبادل‭ ‬للمعارف‭ ‬والآراء‭ ‬ونبذ‭ ‬كل‭ ‬أشكال‭ ‬التفرقة‭ ‬والأنانية‭ ‬والتمييز‭ ‬بين‭ ‬بني‭ ‬البشر‭ ‬دينا‭ ‬ولونا‭ ‬وعرقا‭ ‬“فكلكم‭ ‬لادم‭ ‬وادم‭ ‬من‭ ‬تراب”،‭ ‬وعلى‭ ‬الشعوب‭ ‬أيضا‭ ‬أن‭ ‬تسعى‭ ‬مجتمعة‭ ‬نحو‭ ‬الخير‭ ‬والتعاون‭ ‬والتسامح‭ ‬وتحمل‭ ‬المسؤولية‭ ‬والالتزام‭ ‬بدلاً‭ ‬عن‭ ‬السعي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أهوائها‭ ‬ورغباتها‭ ‬الخاصة،‭ ‬فيمكن‭ ‬للجميع‭ ‬تحويل‭ ‬هذه‭ ‬الجائحة‭ ‬إلى‭ ‬فرص‭ ‬يعاد‭ ‬فيها‭ ‬ترتيب‭ ‬الاولويات‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية‭ ‬وداخل‭ ‬الدولة‭ ‬الواحدة‭ ‬بما‭ ‬يخدم‭ ‬مصلحة‭ ‬شعوب‭ ‬الارض‭ ‬وصحة‭ ‬الانسان‭ ‬قبل‭ ‬كل‭ ‬أنواع‭ ‬السباقات‭ ‬التي‭ ‬غصت‭ ‬بها‭ ‬أجندة‭ ‬العالم‭ ‬قبل‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬الكونية‭ ‬التي‭ ‬جاءت‭ ‬على‭ ‬حين‭ ‬غفلة‭. ‬لقد‭ ‬كان‭ ‬النموذج‭ ‬الأردني‭ ‬بقيادة‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬سباقاً‭ ‬لفتح‭ ‬قنوات‭ ‬التواصل‭ ‬والتشاور‭ ‬والتكافل‭ ‬وتبادل‭ ‬الآراء‭ ‬والافكار‭ ‬والمعارف‭ ‬وبناء‭ ‬الثقة‭ ‬ومد‭ ‬جسور‭ ‬التعاون‭ ‬وبث‭ ‬روح‭ ‬الأمل‭ ‬بين‭ ‬المواطنين‭ ‬وكافة‭ ‬شعوب‭ ‬العالم،‭ ‬إنه‭ ‬نموذج‭ ‬الخير‭ ‬مثل‭ ‬الشجرة‭ ‬المباركة،‭ ‬“أصلها‭ ‬ثابت‭ ‬وفرعها‭ ‬في‭ ‬السماء‭.‬”‭ 

التعليقات مغلقة.