تأمين إمدادات الطاقة

على الدول أن تحقق التوازن بين توفير الطاقة وحماية الكوكب

الشيخ‭ ‬سالم‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬الجابر‭ ‬الصباح،‭ ‬وزير‭ ‬خارجية‭ ‬الكويت

تقع دولة‭ ‬الكويت‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬منطقة‭ ‬حيوية‭ ‬غنية‭ ‬بالموارد‭ ‬لكنها‭ ‬شهدت‭ ‬مايكفي‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬الاستقرار‭. ‬وفي‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬المضطربة‭ ‬وخارجها،‭ ‬لطالما‭ ‬شاركت‭ ‬دولة‭ ‬الكويت‭ ‬في‭ ‬حماية‭ ‬الاستقرار‭ ‬السياسي‭ ‬واستقرار‭ ‬الطاقة‭ ‬إقليمياً‭ ‬ودولياً‭. ‬

شاهدنا‭ ‬كيفية‭ ‬ارتباط‭ ‬الاسواق‭ ‬ببعضها‭ ‬البعض‭ ‬والطبيعة‭ ‬الجماعية‭ ‬للأمن،‭ ‬فالأمواج‭ ‬التي‭ ‬تحدث‭ ‬في‭ ‬شبه‭ ‬جزيرة‭ ‬القرم‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬فيضانات‭ ‬في‭ ‬كامبريدج‭ ‬وماساتشوستس،‭ ‬ولا‭ ‬تسلم‭ ‬أي‭ ‬منطقة‭ ‬من‭ ‬ويلات‭ ‬الصراع،‭ ‬وللأسف‭ ‬فإن‭ ‬أسعار‭ ‬الطاقة‭ ‬ترتفع‭ ‬على‭ ‬دقات‭ ‬طبول‭ ‬الحرب‭.‬

ولهذا‭ ‬السبب‭ ‬بالأخص،‭ ‬تتجلى‭ ‬أهمية‭ ‬الحوار‭ ‬ووقف‭ ‬التصعيد‭ ‬،‭ ‬فواجب‭ ‬علينا‭ ‬زيادة‭ ‬الحوار‭ ‬الذي‭ ‬يخفف‭ ‬التحديات‭ ‬التي‭ ‬نواجهها‭ ‬معاً‭.‬

وستواصل‭ ‬دولة‭ ‬الكويت‭ ‬القيام‭ ‬بواجبها‭ ‬في‭ ‬حل‭ ‬الأزمات‭ ‬بالسبل‭ ‬السلمية‭.‬

وفضلاً‭ ‬عن‭ ‬الأحداث‭ ‬الجيوسياسية،‭ ‬علينا‭ ‬أيضاً‭ ‬أن‭ ‬نأخذ‭ ‬عاملَين‭ ‬أساسيين‭ ‬يحولان‭ ‬دون‭ ‬أمن‭ ‬الطاقة‭ ‬بعين‭ ‬الاعتبار‭. ‬أما‭ ‬العامل‭ ‬الأول،‭ ‬فهو‭ ‬إمكانية‭ ‬حدوث‭ ‬ركود‭ ‬اقتصادي،‭ ‬إذ‭ ‬تتفق‭ ‬التقييمات‭ ‬التي‭ ‬انتهى‭ ‬إليها‭ ‬خبراؤنا‭ ‬وخبراؤكم،‭ ‬وهي‭ ‬ما‭ ‬دفع‭ ‬الدول‭ ‬المنتجة‭ ‬للنفط‭ ‬إلى‭ ‬العمل‭ ‬الجماعي‭ ‬للتأهب‭ ‬للركود،‭ ‬ولإعداد‭ ‬المستثمرين‭ ‬والدول‭ ‬المستهلكة‭ ‬لما‭ ‬سيحدث‭ ‬في‭ ‬الأسواق‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2023‭. ‬والقرارات‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬ليست‭ ‬قرارات‭ ‬سياسية،‭ ‬بل‭ ‬وجودية‭.‬

وأما‭ ‬العامل‭ ‬الثاني،‭ ‬فهو‭ ‬تفاقم‭ ‬سلاسل‭ ‬إمداد‭ ‬الطاقة‭. ‬فلا‭ ‬بدَّ‭ ‬لنا‭ ‬جميعاً‭ ‬من‭ ‬زيادة‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬كلٍ‭ ‬من‭ ‬العمليات‭ ‬الاستخراجية‭ ‬والتحويلية،‭ ‬وتقادم‭ ‬مصافي‭ ‬النفط‭ ‬وتوقفها‭ ‬لن‭ ‬يؤدي‭ ‬إلا‭ ‬إلى‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬قدرتنا‭ ‬على‭ ‬اتخاذ‭ ‬الإجراءات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬التي‭ ‬تحمي‭ ‬الدول‭ ‬المنتجة‭ ‬والمستهلكة‭.‬

أما‭ ‬قضية‭ ‬أمن‭ ‬الطاقة،‭ ‬فلا‭ ‬يسعنا‭ ‬أن‭ ‬نتجاهل‭ ‬عواقبها‭ ‬على‭ ‬المناخ‭. ‬وهنا‭ ‬أستشهد‭ ‬بكلام‭ ‬أحد‭ ‬القادة‭ ‬الذين‭ ‬طالما‭ ‬تصدوا‭ ‬لهذه‭ ‬القضية،‭ ‬وهو‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬تشارلز‭ ‬الثالث،‭ ‬ملك‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة،‭ ‬إذ‭ ‬يقول‭: ‬”يشكل‭ ‬تغير‭ ‬المناخ‭ ‬تهديداً‭ ‬وجودياً‭ ‬خطيراً‭ ‬يجبرنا‭ ‬على‭ ‬التأهب‭ ‬لوضع‭ ‬أشبه‭ ‬بالحرب‭.‬“‭ ‬

ينبغي‭ ‬ألا‭ ‬يوجد‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬ذلك؛‭ ‬فتغير‭ ‬المناخ‭ ‬يشكل‭ ‬تهديداً‭ ‬عابراً‭ ‬للحدود،‭ ‬تهديد‭ ‬يصاحب‭ ‬الأجيال،‭ ‬وقد‭ ‬توصل‭ ‬اتفاق‭ ‬باريس‭ ‬ومؤتمرات‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬بشأن‭ ‬تغير‭ ‬المناخ‭ ‬إلى‭ ‬التزامات‭ ‬شديدة‭ ‬الأهمية،‭ ‬ومنها‭ ‬التزام‭ ‬الكويت‭ ‬بالوصول‭ ‬إلى‭ ‬تحييد‭ ‬الكربون‭ ‬في‭ ‬قطاعي‭ ‬النفط‭ ‬والغاز‭ ‬لدينا‭ ‬بحلول‭ ‬عام‭ ‬2050،‭ ‬بهدف‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬تحييد‭ ‬تام‭ ‬للكربون‭ ‬بحلول‭ ‬عام‭ ‬2060‭. ‬وكما‭ ‬تعهدنا‭ ‬مؤخراً‭ ‬في‭ ‬مؤتمر‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬لتغيرالمناخ‭ ‬بالقاهرة،‭ ‬فسوف‭ ‬نفي‭ ‬بما‭ ‬قطعناه‭ ‬على‭ ‬أنفسنا‭ ‬من‭ ‬عهود‭.‬

نلتقي‭ ‬عند‭ ‬حلقة‭ ‬الوصل‭ ‬بين‭ ‬تغير‭ ‬المناخ‭ ‬والأمن‭ ‬والرخاء،‭ ‬وكما‭ ‬حذَّر‭ ‬إخواننا‭ ‬في‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬باستمرار‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬طوال،‭ ‬فلا‭ ‬يمكننا‭ ‬أن‭ ‬نكتفي‭ ‬بالتركيز‭ ‬على‭ ‬المناخ‭ ‬دون‭ ‬الاهتمام‭ ‬بأمن‭ ‬الطاقة‭ ‬والرخاء‭ ‬الاقتصادي‭. ‬وهذان‭ ‬العاملان‭ ‬يقومان‭ ‬على‭ ‬مقاييس‭ ‬حساسة‭.‬

وطُرح‭ ‬سؤال‭ ‬صريح‭ ‬يقول‭: ‬هل‭ ‬نتجمد‭ ‬في‭ ‬الظلام‭ ‬اليوم‭ ‬أم‭ ‬نحترق‭ ‬تحت‭ ‬الشمس‭ ‬في‭ ‬المستقبل؟‭ ‬وعند‭ ‬تناول‭ ‬هذه‭ ‬المعضلة،‭ ‬ينبغي‭ ‬للمرء‭ ‬أن‭ ‬يؤكد‭ ‬على‭ ‬هشاشة‭ ‬أسواق‭ ‬الطاقة‭ ‬والتحول‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الطاقة،‭ ‬وتأثيرهما‭ ‬على‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬والتهديدات‭ ‬الجيوستراتيجية‭ ‬وتداعياتها‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬والشعوب‭ ‬الأقل‭ ‬ثراءً‭.‬

وإذ‭ ‬تتأهب‭ ‬أسواق‭ ‬الطاقة‭ ‬للقادم،‭ ‬وإذ‭ ‬تحتدم‭ ‬الصراعات‭ ‬ويقترب‭ ‬الركود‭ ‬العالمي،‭ ‬وإذ‭ ‬تجتمع‭ ‬الأسر‭ ‬وتبحث‭ ‬عن‭ ‬الدفء‭ ‬والراحة،‭ ‬دعونا‭ ‬نوحد‭ ‬صفوفنا‭ ‬ونعمل‭ ‬يداً‭ ‬بيد،‭ ‬فصداقتنا‭ ‬سبيل‭ ‬الرخاء،‭ ‬وشراكتنا‭ ‬سبيل‭ ‬الازدهار‭.  

التعليقات مغلقة.