الحنكة في القيادة

الفريق الركن قيس خلف رحيمة في مواجهة التهديدات التقليدية وغير التقليدية

أسرة‭ ‬يونيباث‭  | ‬‭ ‬ملكية‭ ‬الصور‭ ‬عائدة‭ ‬لوزارة‭ ‬الدفاع‭ ‬العراقية‭ ‬

تدل سحنته‭ ‬السمراء‭ ‬وملامحه‭ ‬المميَّزة‭ ‬على‭ ‬جذوره‭ ‬السومرية؛‭ ‬جواد‭ ‬وشجاع‭ ‬ومهذب،‭ ‬يشذب‭ ‬كلماته‭ ‬حين‭ ‬يحادث‭ ‬ضيفه‭ ‬ليصوغ‭ ‬منها‭ ‬قصائداً‭ ‬تجسد‭ ‬روح‭ ‬الضيافة‭ ‬الجنوبية‭. ‬لا‭ ‬يمنعه‭ ‬تواضعه‭ ‬ودماثة‭ ‬خلقه‭ ‬من‭ ‬إخبارنا‭ ‬بنظرته‭ ‬الثاقبة‭ ‬في‭ ‬العلوم‭ ‬العسكرية‭: ‬النظرة‭ ‬التي‭ ‬اكتسبها‭ ‬من‭ ‬معارك‭ ‬كثيرة‭ ‬خاضها‭ ‬خلال‭ ‬مسيرته‭ ‬كجندي‭ ‬مضحٍ‭ ‬عنيدٍ‭ ‬لا‭ ‬مجال‭ ‬في‭ ‬ذهنه‭ ‬إلَّا‭ ‬للنصر‭.‬

إنه‭ ‬الفريق‭ ‬الركن‭ ‬قيس‭ ‬خلف‭ ‬رحيمة،‭ ‬قائد‭ ‬القوات‭ ‬المشتركة‭ ‬و‭ ‬معاون‭ ‬رئيس‭ ‬أركان‭ ‬الجيش‭ ‬للعمليات؛‭ ‬اسم‭ ‬وتاريخ‭ ‬يعنيان‭ ‬الكثير‭ ‬لدى‭ ‬القيادات‭ ‬الأمنية‭ ‬والسياسية،‭ ‬أثبت‭ ‬بمهنيته‭ ‬ونزاهته‭ ‬أنه‭ ‬أهل‭ ‬للنهوض‭ ‬بمهام‭ ‬جسام‭ ‬للذود‭ ‬عن‭ ‬حياض‭ ‬الوطن‭.‬

وُلد‭ ‬في‭ ‬محافظة‭ ‬ميسان‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1962،‭ ‬وتربى‭ ‬على‭ ‬أدب‭ ‬الحديث‭ ‬ومجالسة‭ ‬الرجال‭ ‬منذ‭ ‬نعومة‭ ‬أظافره،‭ ‬وتخرج‭ ‬من‭ ‬الكلية‭ ‬العسكرية‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬تموز‭/‬يوليو‭ ‬1984،‭ ‬وحاز‭ ‬على‭ ‬شهادة‭ ‬الماجستير‭ ‬بعد‭ ‬حرب‭ ‬الخليج‭ ‬الأولى‭ ‬والدكتوراه‭ ‬بعد‭ ‬تحرير‭ ‬الموصل،‭ ‬فكانت‭ ‬دراسته‭ ‬معزَّزة‭ ‬بخبرات‭ ‬المعارك‭ ‬الميدانية‭. ‬

قال‭ ‬السيد‭ ‬الفريق‭: ‬“عند‭ ‬دخولي‭ ‬الكلية‭ ‬العسكرية‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1984،‭ ‬كانت‭ ‬المعارك‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬العراقية‭-‬الإيرانية‭ ‬على‭ ‬أشدها‭. ‬فكانت‭ ‬الكلية‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬جبهة‭ ‬قتال‭ ‬يتلقى‭ ‬فيها‭ ‬الطلاب‭ ‬خبرات‭ ‬أساتذتهم‭ ‬العائدين‭ ‬من‭ ‬جبهات‭ ‬القتال‭ ‬ليشاركوهم‭ ‬الخبرات‭ ‬الميدانية‭ ‬والدروس‭ ‬المستقاة‭ ‬من‭ ‬المعارك‭. ‬تعلمنا‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬القادة‭ ‬الميدانيين‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬يأتون‭ ‬لإلقاء‭ ‬المحاضرات،‭ ‬فعندما‭ ‬تخرجنا‭ ‬كانت‭ ‬لدينا‭ ‬خبرات‭ ‬ميدانية‭ ‬وأكاديمية‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬أننا‭ ‬اشتركنا‭ ‬فعلاً‭ ‬في‭ ‬الحرب‭.‬”

رغم‭ ‬عمله‭ ‬في‭ ‬قطاعات‭ ‬العمليات،‭ ‬كان‭ ‬الفريق‭ ‬قيس‭ ‬يطمح‭ ‬للخوض‭ ‬في‭ ‬غمار‭ ‬الدراسة‭ ‬الاستراتيجية،‭ ‬فانخرط‭ ‬في‭ ‬كلية‭ ‬جامعة‭ ‬الدفاع‭ ‬الوطني‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2010‭.‬

فيقول‭: ‬“كنت‭ ‬سعيداً‭ ‬جداً‭ ‬بترشيحي‭ ‬عن‭ ‬وزارة‭ ‬الدفاع‭ ‬لدراسة‭ (‬استراتيجية‭ ‬الأمن‭ ‬الوطني‭) ‬والحصول‭ ‬على‭ ‬شهادة‭ ‬الماجستير‭. ‬وكانت‭ ‬الدراسة‭ ‬مميزة‭ ‬وعلى‭ ‬يد‭ ‬أساتذة‭ ‬متخصصين‭ ‬في‭ ‬العلوم‭ ‬السياسية‭ ‬والعسكرية،‭ ‬وكانت‭ ‬تجربة‭ ‬نادرة‭ ‬لما‭ ‬اكتسبته‭ ‬من‭ ‬خبرات‭ ‬ميدانية‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬تلعفر،‭ ‬وبدأت‭ ‬أحلل‭ ‬مسار‭ ‬الخطط‭ ‬التي‭ ‬وضعتها‭ ‬لبسط‭ ‬الأمن‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المدينة‭ ‬مع‭ ‬المناهج‭ ‬الدراسية؛‭ ‬مما‭ ‬دفعني‭ ‬لدراسة‭ ‬الدكتوراه‭ ‬بموضوع‭ ‬‮«‬الحروب‭ ‬الجديدة‭ ‬والتحول‭ ‬في‭ ‬مفاهيم‭ ‬القوى‮»‬‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2019‭. ‬وبرغم‭ ‬مشاغلي‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬كقائد‭ ‬عمليات‭ ‬الفرات‭ ‬الأوسط‭ ‬والظروف‭ ‬الأمنية‭ ‬التي‭ ‬يمر‭ ‬بها‭ ‬الوطن،‭ ‬وبرغم‭ ‬تأجيل‭ ‬مناقشة‭ ‬الأطروحة‭ ‬لعدة‭ ‬مرات،‭ ‬كنت‭ ‬مصراً‭ ‬على‭ ‬إكمال‭ ‬دراستي؛‭ ‬خاصة‭ ‬وأنَّ‭ ‬التخصص‭ ‬ذو‭ ‬علاقة‭ ‬بكل‭ ‬التحديات‭ ‬التي‭ ‬يمر‭ ‬بها‭ ‬العراق،‭ ‬وخاصة‭ ‬الجيل‭ ‬الخامس‭ ‬والسادس‭ ‬من‭ ‬الحروب‭.‬”

دبابة عراقية من طراز «إم 1 إيه 1» تابعة للفرقة التاسعة المدرعة تتخذ موقعاً دفاعياً خارج الموصل في عام 2017.

لم‭ ‬يتوقف‭ ‬الفريق‭ ‬قيس‭ ‬عند‭ ‬محطة‭ ‬الحروب‭ ‬التقليدية،‭ ‬بل‭ ‬سبق‭ ‬أبناء‭ ‬جيله‭ ‬في‭ ‬اقتحام‭ ‬عالم‭ ‬العلوم‭ ‬العسكرية‭ ‬المعاصرة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬بحوثه‭ ‬الاستراتيجية،‭ ‬ومعرفته‭ ‬بأهمية‭ ‬الحرب‭ ‬السيبرانية،‭ ‬وخطورة‭ ‬هيمنة‭ ‬الجماعات‭ ‬الإرهابية‭ ‬والمتطرفة‭ ‬على‭ ‬قنوات‭ ‬الإعلام‭ ‬الاجتماعي‭.‬

‭ ‬فيقول‭: ‬“بعد‭ ‬هول‭ ‬الصدمة‭ ‬وسيطرة‭ ‬داعش‭ ‬على‭ ‬مساحة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الأرض،‭ ‬اعتمدت‭ ‬عصابات‭ ‬داعش‭ ‬على‭ ‬توظيف‭ ‬الحرب‭ ‬النفسية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬بث‭ ‬الإشاعات‭ ‬في‭ ‬قنوات‭ ‬الإعلام‭ ‬الاجتماعي‭ ‬لزيادة‭ ‬إرباك‭ ‬الوضع‭ ‬الأمني‭.‬”

وتابع‭ ‬قائلاً‭: ‬“في‭ ‬تلك‭ ‬المرحلة‭ ‬كانت‭ ‬المجابهة‭ ‬الإعلامية‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الدولة‭ ‬والمؤسسات‭ ‬الإعلامية‭ ‬الرسمية‭ ‬وغير‭ ‬الرسمية‭ ‬دون‭ ‬المستوى‭ ‬المطلوب‭. ‬وكانت‭ ‬الجماعات‭ ‬الإرهابية‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬مسرح‭ ‬عمليات‭ ‬واسع‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬بث‭ ‬الرعب‭ ‬في‭ ‬قلوب‭ ‬السكان‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إنتاج‭ ‬مشاهد‭ ‬جز‭ ‬الرؤوس‭ ‬وتفجير‭ ‬الأسواق‭ ‬وسبي‭ ‬النساء‭ ‬وتحميلها‭ ‬على‭ ‬صفحات‭ ‬الإعلام‭ ‬الاجتماعي‭ ‬لتكون‭ ‬رسائل‭ ‬للآخرين‭.‬”

واستطرد‭ ‬قائلاً‭: ‬“الغرض‭ ‬منها‭ ‬تحطيم‭ ‬العامل‭ ‬النفسي‭ ‬لدى‭ ‬مناهضيهم،‭ ‬وإجبار‭ ‬المواطنين‭ ‬على‭ ‬المساومة‭ ‬والرضوخ،‭ ‬واستسلام‭ ‬الأجهزة‭ ‬الأمنية‭. ‬بدأنا‭ ‬العمل‭ ‬بتفكيك‭ ‬شبكاتهم‭ ‬السيبرانية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تعمل‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬العراق‭ ‬ومن‭ ‬المناطق‭ ‬التي‭ ‬تحت‭ ‬سيطرتهم‭.‬”

عمل‭ ‬الفريق‭ ‬ورفاقه‭ ‬مع‭ ‬قوات‭ ‬التحالف‭ ‬الدولي‭ ‬على‭ ‬متابعة‭ ‬الشبكات‭ ‬التي‭ ‬يستخدمها‭ ‬داعش‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬السيبرانية‭ ‬وغلقها‭. ‬كما‭ ‬تعاونت‭ ‬فرق‭ ‬الحرب‭ ‬الإلكترونية‭ ‬العراقية‭ ‬مع‭ ‬فرق‭ ‬قوات‭ ‬التحالف‭ ‬على‭ ‬ملاحقة‭ ‬مغردي‭ ‬ومدوني‭ ‬داعش‭ ‬وغلق‭ ‬حساباتهم‭.‬

فيقول‭ ‬الفريق‭: ‬“ثمَّ‭ ‬ركزنا‭ ‬على‭ ‬إعادة‭ ‬بناء‭ ‬الثقة‭ ‬ورفع‭ ‬المعنويات‭ ‬لدى‭ ‬الجيش،‭ ‬فنجحنا‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬الاستعداد‭ ‬النفسي‭ ‬للقتال‭ ‬لدى‭ ‬أفراد‭ ‬وحداتنا،‭ ‬وبالتالي‭ ‬صمد‭ ‬أبطالنا‭ ‬في‭ ‬ساحات‭ ‬القتال‭ ‬ولم‭ ‬ينسحبوا‭ ‬من‭ ‬قطاعات‭ ‬مسؤولياتهم‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬أشد‭ ‬المعارك‭ ‬ضراوة؛‭ ‬إذ‭ ‬بدأ‭ ‬يتضح‭ ‬لهم‭ ‬أنَّ‭ ‬الصورة‭ ‬الكاذبة‭ ‬التي‭ ‬رسمتها‭ ‬دعاية‭ ‬داعش‭ ‬على‭ ‬الإنترنت‭ ‬عن‭ ‬الإرهابيين‭ ‬–‭ ‬وكأنهم‭ ‬مقاتلين‭ ‬من‭ ‬كوكب‭ ‬آخر‭ ‬لا‭ ‬يُهزمون‭ ‬ولا‭ ‬يقتلهم‭ ‬الرصاص‭ ‬–‭ ‬إنما‭ ‬هي‭ ‬أكذوبة‭ ‬كبيرة‭.‬”‭ ‬

وأشاد‭ ‬الفريق‭ ‬قيس‭ ‬بدور‭ ‬قنوات‭ ‬الإعلام‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والشباب‭ ‬في‭ ‬دحر‭ ‬داعش،‭ ‬إذ‭ ‬فضحوا‭ ‬أكاذيبه،‭ ‬وأصبح‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬عليه‭ ‬نشر‭ ‬أي‭ ‬أكذوبة‭. ‬وهكذا‭ ‬هُزمت‭ ‬الماكينة‭ ‬الإعلامية‭ ‬والجيش‭ ‬الإلكتروني‭ ‬لداعش‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬الناشطين‭ ‬المدنيين‭ ‬ورجال‭ ‬الاستخبارات‭ ‬وقوات‭ ‬التحالف،‭ ‬مما‭ ‬مهد‭ ‬لهزيمة‭ ‬داعش‭ ‬على‭ ‬الأرض‭.‬

دبابة من طراز «إم 1 إيه 1» تابعة للفرقة التاسعة المدرعة تدخل معركة الموصل في عام 2017.

انطلاقاً‭ ‬من‭ ‬إدراكه‭ ‬أنَّ‭ ‬حروب‭ ‬الجيل‭ ‬الرابع‭ ‬والخامس‭ ‬والسادس‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬التقنيات‭ ‬الحديثة،‭ ‬ينصح‭ ‬الفريق‭ ‬قيس‭ ‬الجيوش‭ ‬على‭ ‬مواكبة‭ ‬التطور‭ ‬التكنولوجي‭ ‬حتى‭ ‬تتمكن‭ ‬من‭ ‬مواجهة‭ ‬التهديدات‭ ‬الحالية‭ ‬والمستقبلية‭ ‬التي‭ ‬تندرج‭ ‬عادةً‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬الحرب‭ ‬غير‭ ‬المتناظرة‭.‬

فيرى‭ ‬أنه‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬الجيوش‭ ‬تحصين‭ ‬دفاعاتها‭ ‬الإلكترونية‭ ‬وبناء‭ ‬أجهزة‭ ‬استخباراتية‭ ‬سيبرانية‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬رصد‭ ‬الأنشطة‭ ‬المعادية‭ ‬لمنع‭ ‬أي‭ ‬خرق‭ ‬للأمن‭ ‬القومي‭ ‬وعدم‭ ‬السماح‭ ‬للجماعات‭ ‬الخبيثة‭ ‬بشن‭ ‬هجوم‭ ‬سيبراني‭. ‬كما‭ ‬أنَّ‭ ‬توفر‭ ‬التقنيات‭ ‬الحديثة‭ ‬والإنترنت‭ ‬والطائرات‭ ‬المسيَّرة‭ ‬يجعل‭ ‬عمل‭ ‬الأجهزة‭ ‬الأمنية‭ ‬أشد‭ ‬تعقيداً‭. ‬

كان‭ ‬الفريق‭ ‬قيس‭ ‬آمر‭ ‬اللواء‭ ‬العاشر‭ ‬في‭ ‬قضاء‭ ‬تلعفر‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬2004‭ ‬و2008،‭ ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬القضاء‭ ‬مرتعاً‭ ‬للقاعدة‭ ‬وكان‭ ‬العراق‭ ‬يتجه‭ ‬الى‭ ‬منزلق‭ ‬خطير‭: ‬الاقتتال‭ ‬الطائفي‭ ‬وسيطرة‭ ‬العصابات‭ ‬الإرهابية‭ ‬على‭ ‬المدن‭.‬

فيقول‭: ‬“كُلفت‭ ‬بمهام‭ ‬ومسؤوليات‭ ‬معقدة‭ ‬لأسباب‭ ‬عدة،‭ ‬أهمها‭ ‬سيطرة‭ ‬القاعدة‭ ‬على‭ ‬المدينة‭ ‬والمناطق‭ ‬المحيطة،‭ ‬إضافة‭ ‬الى‭ ‬التركيبة‭ ‬السكانية‭ ‬المتكونة‭ ‬من‭ ‬أطياف‭ ‬ومذاهب‭ ‬متعددة‭. ‬استلمت‭ ‬منصب‭ ‬آمر‭ ‬اللواء‭ ‬العاشر‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬كان‭ ‬الخوف‭ ‬والوجوم‭ ‬ظاهرين‭ ‬على‭ ‬وجوه‭ ‬العراقيين،‭ ‬وشبح‭ ‬الموت‭ ‬يحوم‭ ‬على‭ ‬رؤوسهم،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬جهاز‭ ‬الشرطة‭ ‬قد‭ ‬تشكل‭ ‬بعد،‭ ‬مما‭ ‬أضاف‭ ‬عبئاً‭ ‬أكبر‭ ‬على‭ ‬الجيش‭ ‬لتوفير‭ ‬الأمن‭. ‬وكانت‭ ‬فجوة‭ ‬الثقة‭ ‬كبيرة‭ ‬جداً‭ ‬بين‭ ‬المواطن‭ ‬والقوات‭ ‬الأمنية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬عاجزة‭ ‬عن‭ ‬حماية‭ ‬المدينة‭ ‬من‭ ‬الأعمال‭ ‬الإرهابية‭.‬”‭ ‬

على اليمين: فريق في المركز الإعلامي لوزارة الدفاع العراقية يراقب البرامج للرد على أي دعاية إرهابية.

واستدرك‭ ‬قائلاً‭: ‬“لكن‭ ‬بدأت‭ ‬الأوضاع‭ ‬تستتب‭ ‬تدريجياً‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬العمل‭ ‬بروح‭ ‬الفريق‭ ‬الواحد‭ ‬مع‭ ‬قوات‭ ‬التحالف؛‭ ‬وكان‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬العمل‭ ‬الأمني‭ ‬والاستخباري‭ ‬والاعتماد‭ ‬على‭ ‬مصادر‭ ‬مدنية‭ ‬ووطنية‭ ‬لبسط‭ ‬الاستقرار‭ ‬في‭ ‬المدينة‭. ‬كما‭ ‬كنا‭ ‬نشجع‭ ‬أبناء‭ ‬أهل‭ ‬السنة‭ ‬في‭ ‬تلعفر‭ ‬على‭ ‬الانخراط‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬الجيش‭ ‬والشرطة،‭ ‬وكان‭ ‬هذا‭ ‬أحد‭ ‬الأهداف‭ ‬المهمة‭ ‬الذي‭ ‬استطعنا‭ ‬تحقيقها‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭. ‬وعمل‭ ‬الفريق‭ ‬على‭ ‬تقليص‭ ‬الفجوة‭ ‬بين‭ ‬المكونات‭ ‬العرقية‭ ‬والدينية‭ ‬في‭ ‬المدينة‭ ‬وزرع‭ ‬الثقة‭ ‬ونبذ‭ ‬الطائفية‭ ‬وبناء‭ ‬جسور‭ ‬التواصل‭ ‬مع‭ ‬السكان‭.‬”

عاشت‭ ‬بغداد‭ ‬أياماً‭ ‬دامية‭ ‬في‭ ‬مطلع‭ ‬تشرين‭ ‬الأول‭/‬أكتوبر‭ ‬2019‭ ‬حين‭ ‬طالب‭ ‬المتظاهرون‭ ‬بتحسين‭ ‬الوضع‭ ‬الاقتصادي‭ ‬ومحاربة‭ ‬الفساد‭ ‬الحكومي‭ ‬وجوبهوا‭ ‬بالقوة‭ ‬المفرطة‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬الجهات‭ ‬غير‭ ‬المنضبطة‭ ‬كادت‭ ‬تقود‭ ‬العراق‭ ‬لمنزلق‭ ‬خطير‭. ‬فلم‭ ‬يكن‭ ‬أمام‭ ‬القيادة‭ ‬السياسية‭ ‬والعسكرية‭ ‬خيار‭ ‬سوى‭ ‬استبدال‭ ‬القيادات‭ ‬الأمنية‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المناطق‭ ‬ووضع‭ ‬قائد‭ ‬يتحلَّى‭ ‬بشيم‭ ‬ضبط‭ ‬النفس‭ ‬والوطنية‭ ‬والشجاعة؛‭ ‬وهنا‭ ‬برز‭ ‬اسم‭ ‬الفريق‭ ‬قيس‭ ‬لتكليفه‭ ‬بهذه‭ ‬المهمة‭ ‬الصعبة‭.‬

فيقول‭: ‬“أحدث‭ ‬سقوط‭ ‬الضحايا‭ ‬بين‭ ‬المواطنين‭ ‬فجوة‭ ‬ثقة‭ ‬عميقة‭ ‬بين‭ ‬الشعب‭ ‬والقوات‭ ‬الأمنية،‭ ‬وتفاقم‭ ‬الوضع‭ ‬بسبب‭ ‬الصورة‭ ‬الأمنية‭ ‬المرتبكة‭. ‬وكانت‭ ‬توجد‭ ‬معضلة‭ ‬كبيرة‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬قوات‭ ‬متخصصة‭ ‬ومدرَّبة‭ ‬ومجهزة‭ ‬للقيام‭ ‬بهذه‭ ‬المهمة؛‭ ‬فمثل‭ ‬هذه‭ ‬المهمات‭ ‬والواجبات‭ ‬الخاصة‭ ‬تتطلب‭ ‬الحكمة‭ ‬والروح‭ ‬الوطنية‭ ‬ورباطة‭ ‬الجأش‭ ‬والتروي،‭ ‬قبل‭ ‬الخبرة‭ ‬العسكرية‭ ‬وفن‭ ‬القيادة،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬كسب‭ ‬ثقة‭ ‬المتظاهرين‭ ‬السلميين‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬حمايتهم‭ ‬ومنع‭ ‬قوى‭ ‬الأمن‭ ‬من‭ ‬استفزازهم‭.‬”

كما‭ ‬كان‭ ‬يجب‭ ‬التعامل‭ ‬ضمن‭ ‬صلاحيات‭ ‬الدستور‭ ‬والقوانين‭ ‬لمكافحة‭ ‬أعمال‭ ‬الشغب‭ ‬والتعامل‭ ‬مع‭ ‬المتظاهرين‭ ‬غير‭ ‬السلميين‭ ‬ممَّن‭ ‬يعتدون‭ ‬على‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬والقطاعات‭ ‬الأمنية‭ ‬بطريقة‭ ‬تختلف‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬يُعامل‭ ‬بها‭ ‬المحتجون‭ ‬السلميون‭ ‬الذي‭ ‬يمارسون‭ ‬التظاهر‭ ‬وفق‭ ‬ما‭ ‬نص‭ ‬عليه‭ ‬الدستور‭. ‬

على اليسار: الفريق قيس، قائد عمليات بغداد آنذاك، يتحدث مع ناشط عراقي في ساحة التحرير في عام 2019.

فيقول‭ ‬السيد‭ ‬الفريق‭: ‬“حال‭ ‬استلامي‭ ‬للمنصب،‭ ‬عملت‭ ‬على‭ ‬تحديد‭ ‬قطاعات‭ ‬المسؤولية،‭ ‬وحددت‭ ‬صلاحيات‭ ‬كل‭ ‬ضابط،‭ ‬مع‭ ‬وضع‭ ‬حواجز‭ ‬واضحة‭ ‬تراعي‭ ‬معاهدات‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬الدولية‭ ‬للفصل‭ ‬بين‭ ‬المتظاهرين‭ ‬والقوات‭ ‬الأمنية‭.‬”

واسترسل‭ ‬بالحديث‭ ‬قائلاً‭: ‬“نُصبت‭ ‬كاميرات‭ ‬على‭ ‬الحواجز‭ ‬والنقاط‭ ‬الأمنية‭ ‬لمراقبة‭ ‬أي‭ ‬مخالفات‭ ‬انضباطية‭. ‬وأَصدرت‭ ‬أوامر‭ ‬حازمة‭ ‬وأَخذت‭ ‬تعهدات‭ ‬خطية‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬الضباط‭ ‬بعدم‭ ‬استخدام‭ ‬الرصاص‭ ‬الحي‭ ‬ضد‭ ‬المتظاهرين‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬الأسباب،‭ ‬ومنعت‭ ‬استخدام‭ ‬الرصاص‭ ‬المطاطي‭ ‬وبعض‭ ‬القنابل‭ ‬المسيلة‭ ‬للدموع‭.‬”

كما‭ ‬حرص‭ ‬الفريق‭ ‬قيس‭ ‬على‭ ‬التواصل‭ ‬اليومي‭ ‬مع‭ ‬الناشطين‭ ‬والمتظاهرين‭ ‬السلميين،‭ ‬مما‭ ‬ساعد‭ ‬على‭ ‬تهدئة‭ ‬الوضع‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬قصيرة‭.‬

ونختم‭ ‬بقوله‭: ‬“استطعنا‭ ‬فرض‭ ‬هيبة‭ ‬الدولة‭ ‬واحترام‭ ‬الجيش‭ ‬والقوات‭ ‬الأمنية‭ ‬التي‭ ‬وُجدت‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الشعب‭ ‬ومنه‭ ‬تستمد‭ ‬القوة‭ ‬والعزيمة‭.‬”

التعليقات مغلقة.