تشديد الدفاع عن حدود مضطربة

لبنان أطلق استراتيجية متكاملة لإدارة الحدود بمساعدة دولية

العميد‭ ‬جو‭ ‬حداد،‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬اللبنانية

لبنان‭ ‬دولة‭ ‬صغيرة‭ ‬وسط‭ ‬بيئة‭ ‬جيواستراتيجية‭ ‬متوترة،‭ ‬ولا‭ ‬يسلم‭ ‬من‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬التحديات‭ ‬الأمنية‭: ‬الإرهاب،‭ ‬والحرب‭ ‬التقليدية،‭ ‬والتهديدات‭ ‬غير‭ ‬المتناظرة،‭ ‬والكوارث‭ ‬التي‭ ‬يسببها‭ ‬الإنسان،‭ ‬والهجرة‭ ‬الجماعية‭ ‬غير‭ ‬الشرعية‭ ‬والاتجار‭ ‬بالبشر،‭ ‬وتهريب‭ ‬البضائع‭ ‬والأسلحة‭ ‬والممنوعات‭. ‬وكل‭ ‬هذه‭ ‬المشكلات‭ ‬تثقل‭ ‬كاهل‭ ‬حدوده‭ ‬البرية‭ ‬والبحرية‭.‬

يبلغ‭ ‬عدد‭ ‬سكان‭ ‬لبنان‭ ‬ما‭ ‬يُقدَّر‭ ‬بنحو‭ ‬5‭.‬6‭ ‬مليون‭ ‬نسمة،‭ ‬ويستضيف‭ ‬أكبر‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬اللاجئين‭ ‬لكل‭ ‬فرد‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬بنحو‭ ‬1‭.‬5‭ ‬مليون‭ ‬لاجئ‭ ‬سوري‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬نحو‭ ‬500‭,‬000‭ ‬لاجئ‭ ‬فلسطيني‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬مخيمات‭ ‬مكتظة‭.‬

وفي‭ ‬عام‭ ‬2006،‭ ‬أهاب‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬الدولي‭ ‬بالحكومة‭ ‬اللبنانية‭ ‬لتأمين‭ ‬حدودها‭ ‬وجميع‭ ‬معابرها‭ ‬لمنع‭ ‬الهجرة‭ ‬غير‭ ‬الشرعية‭ ‬والتهريب‭. ‬وضع‭ ‬لبنان،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬اللبنانية،‭ ‬برامج‭ ‬لمراقبة‭ ‬الحدود‭ ‬مع‭ ‬شركاء‭ ‬دوليين‭. ‬وساعدتنا‭ ‬كندا‭ ‬والاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬وفرنسا‭ ‬وألمانيا‭ ‬وإيطاليا‭ ‬وهولندا‭ ‬وسويسرا‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الملف‭ ‬الحرج‭.‬

وأُنشئت‭ ‬في‭ ‬آب‭/‬أغسطس‭ ‬2006‭ ‬اللجنة‭ ‬المشتركة‭ ‬لأمن‭ ‬الحدود‭ ‬بمرسوم‭ ‬حكومي‭ ‬ووُضعت‭ ‬تحت‭ ‬القيادة‭ ‬المباشرة‭ ‬لنائب‭ ‬رئيس‭ ‬الأركان‭ ‬لعمليات‭ ‬الجيش‭ ‬اللبناني‭. ‬وبالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬مسؤولياتها‭ ‬العسكرية‭ ‬الأساسية،‭ ‬فإنَّ‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬اللبنانية‭ ‬مكلفة‭ ‬بمراقبة‭ ‬الحدود‭ ‬البرية‭ ‬والبحرية‭ ‬وتأمينها‭. ‬وتضطلع‭ ‬بدور‭ ‬بارز‭ ‬في‭ ‬حماية‭ ‬الحدود‭ ‬الريفية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬نشر‭ ‬أفواج‭ ‬الحدود‭ ‬البرية،‭ ‬ومنها‭ ‬الأنشطة‭ ‬المشتركة‭ ‬التي‭ ‬تجري‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬القوة‭ ‬المشتركة‭ ‬لضبط‭ ‬الحدود‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬الشمالية‭ ‬مع‭ ‬سوريا‭.‬

كما‭ ‬توفر‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬اللبنانية‭ ‬الأمن‭ ‬في‭ ‬المعابر‭ ‬الرسمية‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬الشمالية‭ ‬والشرقية،‭ ‬وفي‭ ‬المعابر‭ ‬البحرية‭ ‬وفي‭ ‬مطار‭ ‬رفيق‭ ‬الحريري‭ ‬الدولي‭ ‬في‭ ‬بيروت‭. ‬تتولى‭ ‬المديرية‭ ‬العامة‭ ‬للأمن‭ ‬العام‭ ‬والمديرية‭ ‬العامة‭ ‬للدفاع‭ ‬المدني‭ ‬إدارة‭ ‬وتنظيم‭ ‬المعابر‭ ‬البرية‭ ‬والبحرية‭ ‬الرسمية،‭ ‬بينما‭ ‬تنتشر‭ ‬قوى‭ ‬الأمن‭ ‬الداخلي‭ ‬في‭ ‬المستوى‭ ‬الثاني‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬الحدودية‭ ‬وفي‭ ‬مطار‭ ‬بيروت‭.‬

القوات المسلحة اللبنانية تعمل على دمج نظام إدارة حدودها لزيادة وعيها بالوضع الأمني على الحدود. القوات المسلحة اللبنانية

النشاطات‭ ‬الحدودية

شهد‭ ‬عام‭ ‬2009‭ ‬اللحظة‭ ‬التي‭ ‬تولى‭ ‬فيها‭ ‬لبنان‭ ‬إدارة‭ ‬شريطه‭ ‬الساحلي‭ ‬بطول‭ ‬225‭ ‬كيلومتراً‭ ‬وحدوده‭ ‬البرية‭ ‬بطول‭ ‬375‭ ‬كيلومتراً‭ ‬بالكامل‭. ‬وتوجد‭ ‬ستة‭ ‬معابر‭ ‬شرعية‭ ‬مع‭ ‬سوريا‭: ‬ثلاثة‭ ‬في‭ ‬الشمال،‭ ‬واثنان‭ ‬في‭ ‬الشمال‭ ‬الشرقي،‭ ‬وواحد‭ ‬في‭ ‬الشرق‭. ‬أمَّا‭ ‬الحدود‭ ‬الجنوبية‭ ‬فهي‭ ‬مغلقة‭ ‬تماماً‭. ‬وعلى‭ ‬سواحل‭ ‬لبنان‭ ‬ميناءان‭ ‬رئيسيان،‭ ‬بيروت‭ ‬وطرابلس؛‭ ‬وميناءان‭ ‬صغيران‭ ‬في‭ ‬الجنوب‭: ‬صيدا‭ ‬وصور؛‭ ‬والكثير‭ ‬من‭ ‬موانئ‭ ‬الترفيه‭ ‬والصيد‭.‬

ما‭ ‬تزال‭ ‬بعض‭ ‬الأراضي‭ ‬الواقعة‭ ‬على‭ ‬طول‭ ‬الحدود‭ ‬البرية‭ ‬الشمالية‭ ‬والشرقية‭ ‬متنازع‭ ‬عليها‭ ‬منذ‭ ‬زمن‭ ‬الاستعمار‭ ‬مع‭ ‬جارتنا‭ ‬سوريا،‭ ‬بينما‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬بعد‭ ‬ترسيم‭ ‬الحدود‭ ‬البحرية‭ ‬الجنوبية‭ ‬والغربية‭ ‬والشمالية‭.‬

تتميز‭ ‬تضاريس‭ ‬الحدود‭ ‬البرية‭ ‬للبنان‭ ‬بأنها‭ ‬شديدة‭ ‬التنوع‭ ‬وتتعدد‭ ‬تداعياتها‭ ‬الأمنية،‭ ‬وتنطوي‭ ‬على‭ ‬أنواع‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬التحديات‭ ‬لإجراء‭ ‬العمليات‭. ‬وتقع‭ ‬منطقة‭ ‬عكار‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬الشمالية‭ ‬وتضم‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬280‭ ‬قرية‭ ‬وبلدة،‭ ‬وتمتد‭ ‬بعض‭ ‬القرى‭ ‬عبر‭ ‬الحدود‭.‬

وتشكل‭ ‬التركيبة‭ ‬السكانية‭ ‬تحدياً‭ ‬مماثلاً‭ ‬لأنَّ‭ ‬عكار‭ ‬تعد‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬المناطق‭ ‬الريفية‭ ‬حرماناً‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬التاريخ،‭ ‬وأدت‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬ووصولها‭ ‬إلى‭ ‬طريق‭ ‬مسدود،‭ ‬وكذلك‭ ‬أزمة‭ ‬اللاجئين‭ ‬السوريين‭ ‬وتدفقهم‭ ‬الجماعي‭ ‬على‭ ‬المنطقة،‭ ‬إلى‭ ‬تفاقم‭ ‬الوضع‭ ‬الاقتصادي‭ ‬المحلي‭ ‬المتردي‭ ‬أصلا‭ ‬،‭ ‬فكثرت‭ ‬الجريمة‭ ‬على‭ ‬الحدود،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬الاتجار‭ ‬بالبشر‭.‬

تتميز‭ ‬الحدود‭ ‬الشرقية‭ ‬بالجبال‭ ‬الشاهقة‭ ‬والصحاري‭ ‬الجرداء‭ ‬والتضاريس‭ ‬الوعرة،‭ ‬وتحكم‭ ‬أهلها،‭ ‬مع‭ ‬قلة‭ ‬عددهم‭ ‬نسبياً،‭ ‬روابط‭ ‬عشائرية‭ ‬وقبلية‭ ‬تمتد‭ ‬على‭ ‬جانبي‭ ‬الحدود،‭ ‬فتتفاقم‭ ‬التحديات‭ ‬الأمنية‭.‬

الجيش‭ ‬اللبناني‭ ‬ومهمة‭ ‬الحدود

شهدت‭ ‬الـ‭ ‬10‭ ‬سنوات‭ ‬الماضية‭ ‬قيام‭ ‬لبنان‭ ‬بإنشاء‭ ‬أربعة‭ ‬أفواج‭ ‬حدودية‭ ‬تتولى‭ ‬مدرسة‭ ‬تدريب‭ ‬أفواج‭ ‬الحدود‭ ‬البرية‭ ‬تدريب‭ ‬أفرادها‭. ‬وتطورت‭ ‬مهمتها‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬السنين‭ ‬من‭ ‬المراقبة‭ ‬والإبلاغ‭ ‬إلى‭ ‬الانتشار‭ ‬الكامل‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬الحدودية‭ ‬ولكل‭ ‬منها‭ ‬قطاع‭ ‬مسؤولية‭ ‬محدد‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬الحدود‭ ‬وإجراء‭ ‬عمليات‭ ‬فرض‭ ‬الاستقرار‭.‬

وعملاً‭ ‬بقرار‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬الدولي‭ ‬رقم‭ [‬1701‭]‬،‭ ‬يتواجد‭ ‬الجيش‭ ‬اللبناني‭ ‬بقوة‭ ‬في‭ ‬الجنوب،‭ ‬حيث‭ ‬يجري‭ ‬عمليات‭ ‬لفرض‭ ‬الاستقرار‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬قوة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬المؤقتة‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ (‬اليونيفيل‭).‬

رجال الجيش اللبناني يتدربون للدفاع عن حدود البلاد.القوات المسلحة اللبنانية

المساعدات‭ ‬الدولية

في‭ ‬ضوء‭ ‬مختلف‭ ‬التحديات‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬وتنوع‭ ‬الأجهزة‭ ‬الأمنية‭ ‬المعنية‭ ‬–‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬تدخل‭ ‬وحدات‭ ‬الأمن‭ ‬العام‭ ‬والجمارك‭ ‬اللبنانية‭ ‬–‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬تنسيق‭ ‬الأنشطة‭ ‬لحسن‭ ‬استغلال‭ ‬الموارد‭ ‬وتنسيقها‭. ‬وضعت‭ ‬الحرب‭ ‬الأهلية‭ ‬المؤسفة‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬ضغوطاً‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭ ‬على‭ ‬أفواج‭ ‬الحدود‭ ‬التابعة‭ ‬للجيش‭ ‬اللبناني‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الهجرة‭ ‬غير‭ ‬الشرعية‭ ‬وما‭ ‬يصاحبها‭ ‬من‭ ‬جرائم‭ ‬عابرة‭ ‬للحدود‭. ‬فأدركت‭ ‬القيادة‭ ‬العليا‭ ‬للجيش‭ ‬اللبناني‭ ‬ضرورة‭ ‬سد‭ ‬الثغرات‭ ‬التي‭ ‬تعتري‭ ‬الخبرات‭ ‬والمهارات‭ ‬والموارد‭.‬

فوضعت‭ ‬آلية‭ ‬محكمة‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬الشركاء‭ ‬الدوليين‭. ‬وعلى‭ ‬المستوى‭ ‬الاستراتيجي،‭ ‬وضع‭ ‬لبنان‭ ‬استراتيجية‭ ‬متكاملة‭ ‬لإدارة‭ ‬الحدود،‭ ‬وأعقبها‭ ‬بخطة‭ ‬عمل‭ ‬مفصلة‭ ‬تهتم‭ ‬بالتنسيق‭ ‬بين‭ ‬مختلف‭ ‬الأجهزة‭ ‬المعنية‭. ‬وعلى‭ ‬المستوى‭ ‬العملياتي‭ ‬والتكتيكي،‭ ‬انصب‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬وضع‭ ‬مفهوم‭ ‬للعمليات‭ ‬والإطار‭ ‬القانوني‭ ‬المناسب‭ ‬للقوات‭ ‬المسلحة‭ ‬بحيث‭ ‬يدمج‭ ‬أفرعها‭ ‬المختلفة‭ (‬أفواج‭ ‬الحدود‭ ‬البرية‭ ‬والقوات‭ ‬الجوية‭ ‬والبحرية‭ ‬وفوج‭ ‬مغاوير‭ ‬البحر‭ ‬والأمن‭ ‬السيبراني‭) ‬وإعداد‭ ‬تدريب‭ ‬متخصص‭ ‬لأفواج‭ ‬الحدود‭ ‬البرية‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬نشرها‭ ‬في‭ ‬أماكن‭ ‬قاصية‭.‬

وكان‭ ‬الحل‭ ‬الصحيح‭ ‬والعملي‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬مزيج‭ ‬من‭ ‬نموذج‭ ‬التدريب‭ ‬اللامركزي‭ ‬مع‭ ‬التدريب‭ ‬الميداني‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬فرق‭ ‬متخصصة‭ ‬في‭ ‬أفواج‭ ‬الحدود‭ ‬البرية‭ ‬وإنشاء‭ ‬مدرسة‭ ‬تدريب‭ ‬مركزي‭ ‬لأفواج‭ ‬الحدود‭ ‬البرية‭. ‬ومن‭ ‬المأمول‭ ‬أن‭ ‬تغدو‭ ‬المدرسة،‭ ‬بمساعدة‭ ‬هولندا،‭ ‬مركزاً‭ ‬إقليمياً‭ ‬متميزاً‭ ‬سيوفر‭ ‬دعماً‭ ‬إضافياً‭ ‬لفرض‭ ‬الاستقرار‭ ‬على‭ ‬طول‭ ‬الحدود‭ ‬الأردنية‭ ‬والعراقية‭.‬

قام‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬بتمويل‭ ‬وضع‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬المتكاملة‭ ‬لإدارة‭ ‬الحدود‭ ‬وخطة‭ ‬العمل‭ ‬وأشرف‭ ‬على‭ ‬ذلك‭. ‬واستغرق‭ ‬وضعها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬بمشاركة‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬وزارات‭ ‬الحكومة‭ ‬اللبنانية‭ ‬والتزامها‭ ‬الكامل‭ ‬تجاهها،‭ ‬واعتمدت‭ ‬الحكومة‭ ‬اللبنانية‭ ‬الخطة‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬للحدود‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2019‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬الصعاب‭ ‬التي‭ ‬واجهتها‭.‬

وعلى‭ ‬المستوى‭ ‬العملياتي‭ ‬والتكتيكي،‭ ‬ومن‭ ‬حيث‭ ‬مراقبة‭ ‬الحدود،‭ ‬يوفر‭ ‬الجيش‭ ‬اللبناني‭ ‬القوة‭ ‬البشرية‭ ‬والخبرات‭ ‬البرية‭ ‬والهندسية،‭ ‬وتوفر‭ ‬بريطانيا‭ ‬العظمى‭ ‬الأساس‭ ‬لأبراج‭ ‬المراقبة‭ ‬والتدريب‭ ‬التكتيكي‭ ‬لرجال‭ ‬حرس‭ ‬الحدود،‭ ‬وتوفر‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الإلكترونيات‭ ‬والخبرة‭ ‬لمراقبة‭ ‬الحدود‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬24‭ ‬ساعة‭. ‬وتشمل‭ ‬تكنولوجيا‭ ‬الكشف‭ ‬المتقدمة‭ ‬التي‭ ‬تستخدمها‭ ‬قوات‭ ‬الحدود‭ ‬راداراً‭ ‬وكاميرات‭ ‬وأجهزة‭ ‬استشعار،‭ ‬بعضها‭ ‬متنقل‭.‬

ويكمن‭ ‬الغرض‭ ‬العام‭ ‬من‭ ‬المشروع‭ ‬في‭ ‬دمج‭ ‬المعلومات‭ ‬المستمدة‭ ‬من‭ ‬الكاميرات‭ ‬والرادار‭ ‬الحدودي‭ ‬مع‭ ‬المعلومات‭ ‬التي‭ ‬جمعها‭ ‬مركز‭ ‬العمليات‭ ‬البحرية‭ ‬وأصول‭ ‬القوات‭ ‬الجوية‭ ‬والاتصالات‭ ‬اللاسلكية‭ ‬للقوات‭ ‬المسلحة‭ ‬اللبنانية‭ ‬ليقوم‭ ‬مركز‭ ‬معلومات‭ ‬العمليات‭ ‬المشتركة‭ ‬في‭ ‬مقر‭ ‬قيادة‭ ‬الجيش‭ ‬اللبناني‭ ‬بتحليلها‭.‬

وبالتوازي‭ ‬مع‭ ‬تلك‭ ‬الجهود،‭ ‬تدعم‭ ‬وكالة‭ ‬الدفاع‭ ‬الأمريكية‭ ‬المعنية‭ ‬بخفض‭ ‬التهديدات‭ ‬قيادة‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬اللبنانية‭ ‬لتحسين‭ ‬مستوى‭ ‬التكامل‭ ‬بين‭ ‬أدوار‭ ‬ومهام‭ ‬مختلف‭ ‬الأجهزة‭ ‬المعنية‭ ‬لمواجهة‭ ‬التحديات‭ ‬الناجمة‭ ‬عن‭ ‬التهديدات‭ ‬الجوية‭ ‬والبحرية‭ ‬والبرية‭ ‬والسيبرانية‭. ‬ومن‭ ‬السمات‭ ‬المميزة‭ ‬لهذه‭ ‬الوثيقة‭ ‬أنها‭ ‬تتبنى‭ ‬نهجاً‭ ‬يراعي‭ ‬المخاطر‭ ‬التي‭ ‬تهدد‭ ‬أمن‭ ‬الحدود‭ ‬وسلامتها،‭ ‬فيتوالى‭ ‬تحديثها‭ ‬مع‭ ‬تغير‭ ‬المخاطر‭ ‬وتطورها‭.‬

ونشرت‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬الكندية‭ ‬فرق‭ ‬تدريب‭ ‬متمرسة‭ ‬في‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي‭ ‬في‭ ‬مدرسة‭ ‬القتال‭ ‬الجبلي‭ ‬في‭ ‬جبال‭ ‬الأرز‭ ‬لتدريب‭ ‬وحدات‭ ‬الحدود‭ ‬البرية،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬الوحدات‭ ‬المنتشرة‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬الشرقية‭.‬

الإدارة‭ ‬المتكاملة‭ ‬للحدود

تكمن‭ ‬القيمة‭ ‬الأساسية‭ ‬لهذا‭ ‬النهج‭ ‬المتكامل‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يفهم‭ ‬كل‭ ‬جهاز‭ ‬من‭ ‬أجهزة‭ ‬الدولة‭ ‬الأدوار‭ ‬المنوطة‭ ‬بالأجهزة‭ ‬الأخرى،‭ ‬وهذا‭ ‬يزيل‭ ‬الحواجز‭ ‬ويبني‭ ‬جسور‭ ‬التعاون‭. ‬ويجري‭ ‬العمل‭ ‬بمفهوم‭ ‬الإدارة‭ ‬المتكاملة‭ ‬للحدود‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬أنشطة‭ ‬بناء‭ ‬القدرات‭ (‬التدريب،‭ ‬والتمارين‭ ‬العملية،‭ ‬والورش،‭ ‬واجتماعات‭ ‬الموائد‭ ‬المستديرة‭)‬،‭ ‬وتوريد‭ ‬المعدات‭ ‬الخاصة،‭ ‬وتجديد‭ ‬المباني،‭ ‬واستخدام‭ ‬أجهزة‭ ‬الكمبيوتر،‭ ‬وبرامج‭ ‬التبادل‭ ‬الدولي‭.‬

وكان‭ ‬لهولندا‭ ‬دور‭ ‬جبار‭ ‬في‭ ‬تمكين‭ ‬مدرسة‭ ‬تدريب‭ ‬أفواج‭ ‬الحدود‭ ‬البرية‭ ‬وتجهزها‭ ‬لتعزيز‭ ‬إدارة‭ ‬الحدود،‭ ‬إذ‭ ‬تسلط‭ ‬المدرسة‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬التعاون‭ ‬بين‭ ‬الأجهزة،‭ ‬والعمل‭ ‬بنهج‭ ‬حقوقي‭ ‬للنهوض‭ ‬بأمن‭ ‬الحدود،‭ ‬وتيسير‭ ‬التجارة‭ ‬وشفافية‭ ‬الإجراءات‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬الفساد،‭ ‬وتساهم‭ ‬في‭ ‬استقرار‭ ‬المجتمعات‭ ‬الحدودية،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬المجتمعات‭ ‬التي‭ ‬تتحمل‭ ‬عبئاً‭ ‬كبيراً‭ ‬بإيواء‭ ‬المهجَّرين‭.‬

ووضع‭ ‬لبنان‭ ‬مشاريع‭ ‬مدنية‭-‬عسكرية‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬منظمات‭ ‬غير‭ ‬حكومية‭ ‬محلية‭ ‬ومنظمات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬ومؤسسات‭ ‬قطاع‭ ‬الأمن‭. ‬وتجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬المشروع‭ ‬السويسري‭ ‬الذي‭ ‬يدعم‭ ‬نهجاً‭ ‬حقوقياً‭ ‬يراعي‭ ‬الفروق‭ ‬بين‭ ‬الجنسين‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬الحدود‭ ‬والهجرة،‭ ‬والمشاركة‭ ‬الإيطالية‭ ‬في‭ ‬إعداد‭ ‬الدورات‭ ‬الأساسية‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬المواد‭ ‬الكيميائية‭ ‬والبيولوجية‭ ‬والإشعاعية‭ ‬والنووية‭ ‬والمتفجرة‭ ‬خلال‭ ‬إجراءات‭ ‬الاستطلاع‭ ‬وإزالة‭ ‬التلوث‭ ‬للوحدات‭ ‬منتشرة‭ ‬على‭ ‬الحدود‭.‬

ونهضت‭ ‬لجنة‭ ‬مراقبة‭ ‬وضبط‭ ‬الحدود‭ ‬ومدرسة‭ ‬تدريب‭ ‬أفواج‭ ‬الحدود‭ ‬البرية‭ ‬بدور‭ ‬حيوي‭ ‬في‭ ‬تنفيذ‭ ‬الإدارة‭ ‬المتكاملة‭ ‬للحدود،‭ ‬فساهما‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬خطط‭ ‬لحالات‭ ‬الطوارئ،‭ ‬وهو‭ ‬إنجاز‭ ‬كبير‭ ‬لتنسيق‭ ‬الاستجابة‭ ‬الأولى‭ ‬للأجهزة‭ ‬المعنية‭ ‬في‭ ‬أوقات‭ ‬الأزمات‭ ‬في‭ ‬نقاط‭ ‬العبور‭ ‬القانونية‭ ‬على‭ ‬طول‭ ‬الحدود‭ ‬الشمالية‭ ‬والشرقية‭. ‬وتتعاون‭ ‬الوكالة‭ ‬الأوروبية‭ ‬لحرس‭ ‬الحدود‭ ‬والسواحل‭ (‬فرونتكس‭) ‬مع‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬اللبنانية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬لجنة‭ ‬مراقبة‭ ‬وضبط‭ ‬الحدود‭ ‬لإجراء‭ ‬تدريب‭ ‬مشترك‭ ‬بين‭ ‬مختلف‭ ‬الأجهزة‭ ‬في‭ ‬نقاط‭ ‬العبور‭ ‬الرسمية،‭ ‬ومنها‭ ‬مطار‭ ‬بيروت‭ ‬الدولي‭.‬

شجع‭ ‬نجاح‭ ‬إدارة‭ ‬الحدود‭ ‬البرية‭ ‬على‭ ‬إطلاق‭ ‬مشروع‭ ‬مماثل‭ ‬يركز‭ ‬على‭ ‬المجال‭ ‬البحري‭ ‬يُسمى‭ ‬الإدارة‭ ‬البحرية‭ ‬المتكاملة‭. ‬ومبعث‭ ‬ذلك‭ ‬تعدد‭ ‬التحديات‭ ‬الجسام‭ ‬التي‭ ‬يواجهها‭ ‬لبنان‭ ‬ومنها‭: ‬مناطق‭ ‬الصراع‭ ‬الإقليمية،‭ ‬وضعف‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬البحرية،‭ ‬والجريمة‭ ‬المنظمة‭ ‬العابرة‭ ‬للحدود،‭ ‬والتلوث‭ ‬البحري،‭ ‬وانتشار‭ ‬الأسلحة،‭ ‬وحماية‭ ‬المواقع‭ ‬الأثرية‭ ‬المغمورة‭ ‬بالمياه،‭ ‬والاتجار‭ ‬بالبشر،‭ ‬والهجرة‭ ‬غير‭ ‬الشرعية‭ ‬مؤخراً‭.‬

وفي‭ ‬إطار‭ ‬الهدف‭ ‬العام‭ ‬لرفع‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬الصمود‭ ‬أمام‭ ‬الأزمات،‭ ‬أشرك‭ ‬لبنان‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الوزارات‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬المجال‭ ‬البحري،‭ ‬ومنها‭ ‬وزارات‭ ‬النقل‭ ‬والزراعة‭ ‬والصحة‭ ‬والاقتصاد‭ ‬والطاقة‭ ‬والخارجية‭. ‬وساهمت‭ ‬فرنسا‭ ‬في‭ ‬إنشاء‭ ‬مركز‭ ‬بحث‭ ‬وإنقاذ‭ ‬بمقر‭ ‬قيادة‭ ‬البحرية‭ ‬اللبنانية‭ ‬في‭ ‬‮«‬قاعدة‭ ‬بيروت‭ ‬البحرية‮»‬،‭ ‬وتشارك‭ ‬ألمانيا‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬بناء‭ ‬القاعدة‭ ‬وتمويل‭ ‬مدرسة‭ ‬القوات‭ ‬البحرية‭ ‬اللبنانية‭ ‬الجديدة‭ ‬في‭ ‬‮«‬قاعدة‭ ‬جونيه‭ ‬البحرية‮»‬‭.‬

وجدير‭ ‬بالذكر‭ ‬أنَّ‭ ‬الجيش‭ ‬اللبناني‭ ‬يعد‭ ‬الجهاز‭ ‬الأول‭ ‬بين‭ ‬الأجهزة‭ ‬الأمنية‭ ‬اللبنانية‭ ‬الذي‭ ‬أنشأ‭ ‬إدارة‭ ‬للمرأة‭ ‬لتحسين‭ ‬مستوى‭ ‬دمجها‭ ‬في‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭. ‬فقد‭ ‬عكست‭ ‬الخبرات‭ ‬العملية‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬الحاجة‭ ‬الماسة‭ ‬لإشراك‭ ‬العنصر‭ ‬النسائي‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬قضية‭ ‬الاتجار‭ ‬بالنساء‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى‭. ‬ونرجو‭ ‬لهذه‭ ‬الخطوة‭ ‬الكبرى‭ ‬نحو‭ ‬توسيع‭ ‬نطاق‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬قواتنا‭ ‬المسلحة‭ ‬أن‭ ‬تلهم‭ ‬الأجهزة‭ ‬الأمنية‭ ‬الأخرى‭ ‬بأن‭ ‬تحذو‭ ‬حذونا‭.‬

جندية لبنانية تنفذ حملة مدنية عسكرية للتوعية بمخاطر الألغام. القوات المسلحة اللبنانية

الخاتمة

ومما‭ ‬يسترعي‭ ‬النظر‭ ‬أنَّ‭ ‬إدارة‭ ‬الحدود‭ ‬اللبنانية‭ ‬ظلت‭ ‬أولوية‭ ‬من‭ ‬أولويات‭ ‬شركائنا‭ ‬الدوليين‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬التحديات‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬والدمار‭ ‬الناجم‭ ‬عن‭ ‬انفجار‭ ‬مرفأ‭ ‬بيروت‭ ‬في‭ ‬آب‭/‬أغسطس‭ ‬2020‭. ‬وتطور‭ ‬التعاون‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬الثقة‭ ‬بين‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬اللبنانية‭ ‬وكندا‭ ‬والاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وسائر‭ ‬الشركاء‭ ‬الأوروبيين،‭ ‬وظلت‭ ‬تلك‭ ‬الجهود‭ ‬تتضافر‭ ‬فسمحت‭ ‬بتعريف‭ ‬لبنان‭ ‬بالمعايير‭ ‬والممارسات‭ ‬الدولية‭.‬

تبلورت‭ ‬جوانب‭ ‬كثيرة‭ ‬من‭ ‬دعم‭ ‬مشروع‭ ‬الإدارة‭ ‬المتكاملة‭ ‬للحدود‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬السنين،‭ ‬من‭ ‬تنامي‭ ‬واتساع‭ ‬الإلمام‭ ‬بمفهوم‭ ‬إدارة‭ ‬الحدود‭ ‬إلى‭ ‬حسن‭ ‬استغلال‭ ‬المساعدات‭ ‬الدولية‭ ‬والتجهيزات‭ ‬والمرافق،‭ ‬وتطوير‭ ‬التدريب‭ ‬الداخلي‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬ركيزة‭ ‬قوية‭ ‬للنهوض‭ ‬بأمن‭ ‬الحدود‭.‬

اعتمدت‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬على‭ ‬قدر‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬التعاون‭ ‬الإيجابي‭ ‬والاحترام‭ ‬المتبادل‭ ‬الذي‭ ‬ساد‭ ‬بين‭ ‬المستفيدين‭ ‬الرئيسيين‭: ‬الجيش‭ ‬اللبناني،‭ ‬وقوى‭ ‬الأمن‭ ‬الداخلي،‭ ‬والمديرية‭ ‬العامة‭ ‬للأمن‭ ‬العام،‭ ‬والجمارك‭ ‬اللبنانية،‭ ‬والمديرية‭ ‬العامة‭ ‬لأمن‭ ‬الدولة،‭ ‬والمديرية‭ ‬العامة‭ ‬للدفاع‭ ‬المدني،‭ ‬وفوج‭ ‬إطفاء‭ ‬بيروت‭.  ‬F

التعليقات مغلقة.