رقمنة الحرب

الجيوش تدخل عصر الابتكار وتقادم الأسلحة والتكتيكات

اللواء‭ ‬محمد‭ ‬صلاح‭ ‬الدين‭ ‬حسن

مساعد‭ ‬وزير‭ ‬الدفاع‭ ‬للعلاقات‭ ‬الدولية،‭ ‬وزارة‭ ‬الدفاع‭ ‬والإنتاج‭ ‬الحربي،‭ ‬مصر

سهلت التكنولوجيا‭ ‬الحرب‭ ‬وتحكمت‭ ‬في‭ ‬مجرياتها،‭ ‬ولطالما‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬دور‭ ‬أساسي‭ ‬في‭ ‬تطويرها‭ ‬ونقلها‭ ‬نقلة‭ ‬نوعية،‭ ‬مثلما‭ ‬فعلت‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬الأنشطة‭ ‬البشرية‭ ‬الأخرى‭.‬

فكان‭ ‬على‭ ‬الجيوش‭ ‬عبر‭ ‬العصور‭ ‬الارتقاء‭ ‬بقدراتها‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬فعاليتها‭ ‬في‭ ‬ساحات‭ ‬القتال،‭ ‬وخسر‭ ‬المتخلفون‭ ‬عن‭ ‬ركب‭ ‬التحديث‭ ‬أفضليتهم‭ ‬في‭ ‬مسارح‭ ‬الحرب‭. ‬ولكن‭ ‬أخذ‭ ‬هذا‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬التجهيزات‭ ‬يفسح‭ ‬الطريق‭ ‬أمام‭ ‬الاهتمام‭ ‬المتنامي‭ ‬بالقدرات‭ ‬المبتكرة‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬اليوم‭.‬

ففي‭ ‬حين‭ ‬شهد‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬تغيرات‭ ‬جذرية‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬–‭ ‬بداية‭ ‬من‭ ‬العربات‭ ‬التي‭ ‬تجرها‭ ‬الخيول‭ ‬في‭ ‬العقد‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬مروراً‭ ‬بالآليات‭ ‬في‭ ‬الثلاثينيات،‭ ‬ووصولاً‭ ‬إلى‭ ‬الطائرات‭ ‬النفاثة‭ ‬في‭ ‬الأربعينيات،‭ ‬ثمَّ‭ ‬عصر‭ ‬الأسلحة‭ ‬النووية‭ ‬–‭ ‬فإنَّ‭ ‬تكنولوجيا‭ ‬اليوم‭ ‬تتفوق‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬العصور‭ ‬الأخرى‭ ‬بكل‭ ‬منجزاتها‭.‬

توجد‭ ‬علاقة‭ ‬جوهرية‭ ‬منذ‭ ‬قديم‭ ‬الزمان‭ ‬بين‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬العسكرية‭ ‬والتكتيكات‭ ‬المستخدمة‭ ‬لنشرها،‭ ‬ولطالما‭ ‬كان‭ ‬الفوز‭ ‬في‭ ‬القتال‭ ‬غاية‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬العسكرية‭.‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬الصدد،‭ ‬يمكن‭ ‬تصنيف‭ ‬تكنولوجيا‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬خمس‭ ‬فئات‭ ‬رئيسية‭: ‬القدرات‭ ‬الهجومية‭ (‬لإلحاق‭ ‬الضرر‭ ‬بالعدو‭) ‬والقدرات‭ ‬الدفاعية‭ (‬لصد‭ ‬العدو‭ ‬وحماية‭ ‬الجنود‭) ‬والنقل‭ (‬لنقل‭ ‬القدرات‭ ‬والأسلحة‭ ‬والعتاد‭ ‬إلى‭ ‬مسرح‭ ‬العمليات‭) ‬والاتصالات‭ (‬للتحكم‭ ‬في‭ ‬حركة‭ ‬القدرات‭ ‬وتنسيقها‭) ‬وأجهزة‭ ‬الاستشعار‭ (‬لاكتشاف‭ ‬القوات‭ ‬وتوجيه‭ ‬الأسلحة‭).‬

شهد‭ ‬أول‭ ‬عقدين‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الـ‭ ‬21‭ ‬ثورة‭ ‬في‭ ‬التطورات‭ ‬التكنولوجية‭ ‬أثرت‭ ‬على‭ ‬الثقافات‭ ‬والاقتصادات‭ ‬والحكومات‭ ‬في‭ ‬ربوع‭ ‬العالم،‭ ‬كما‭ ‬تأثرت‭ ‬بها‭ ‬الجيوش،‭ ‬إذ‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬تعديل‭ ‬طريقة‭ ‬تعاملها‭ ‬مع‭ ‬بعضها‭ ‬البعض‭ ‬شيئاً‭ ‬فشيئاً،‭ ‬وتعيد‭ ‬بذلك‭ ‬كتابة‭ ‬خطط‭ ‬خوض‭ ‬الصراعات‭.‬

ويبقى‭ ‬السؤال‭: ‬ما‭ ‬تلك‭ ‬التقنيات‭ ‬الجديدة‭ ‬المستخدمة‭ ‬في‭ ‬ساحة‭ ‬المعركة؟‭ ‬إنها‭ ‬باختصار‭ ‬البيانات‭ ‬والذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬وقوة‭ ‬الاتصال‭ ‬والأتمتة؛‭ ‬فهذه‭ ‬هي‭ ‬الأشياء‭ ‬التي‭ ‬ستكون‭ ‬ركيزة‭ ‬الأسلحة‭ ‬الرقمية‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭.‬

تشير‭ ‬هذه‭ ‬الثورة‭ ‬الرقمية‭ ‬إلى‭ ‬نوع‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬الحروب‭ ‬فائقة‭ ‬الحداثة،‭ ‬والذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬خير‭ ‬مثال‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬فإذا‭ ‬كانت‭ ‬كمية‭ ‬البيانات‭ ‬التي‭ ‬تستطيع‭ ‬إحدى‭ ‬أدوات‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬قراءتها‭ ‬في‭ ‬دقيقة‭ ‬واحدة‭ ‬تتجاوز‭ ‬كمية‭ ‬البيانات‭ ‬التي‭ ‬يستطيع‭ ‬الإنسان‭ ‬قراءتها‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬كامل،‭ ‬فإنها‭ ‬أداة‭ ‬لا‭ ‬تقدر‭ ‬بثمن‭ ‬بالنسبة‭ ‬للجيوش‭.‬

لقد‭ ‬أسفر‭ ‬ظهور‭ ‬الرقمنة‭ ‬عن‭ ‬ظهور‭ ‬نوع‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬الحروب،‭ ‬وهو‭ ‬نوع‭ ‬هجين‭ ‬من‭ ‬التقنيات‭ ‬الموجودة‭ ‬والتقنيات‭ ‬الناشئة،‭ ‬أي‭ ‬دمج‭ ‬العتاد‭ ‬الصناعي‭ ‬بالتطورات‭ ‬الإلكترونية‭ ‬الجديدة‭. ‬وقد‭ ‬تجلى‭ ‬هذا‭ ‬الاتجاه‭ ‬خلال‭ ‬الصراعات‭ ‬الأخيرة‭.‬

فالطائرات‭ ‬المسيَّرة‭ ‬يمكنها‭ ‬تحديد‭ ‬الأهداف‭ ‬وتدميرها‭ ‬تلقائياً،‭ ‬وتنطلق‭ ‬بضغطة‭ ‬زر‭ ‬واحدة،‭ ‬وتكلفتها‭ ‬لا‭ ‬تكاد‭ ‬تقارَن‭ ‬بتكاليف‭ ‬الأصول‭ ‬الجوية‭ ‬التقليدية‭. ‬وذهب‭ ‬بعض‭ ‬المحللين‭ ‬إلى‭ ‬القول‭ ‬إنَّ‭ ‬تسخير‭ ‬الطائرات‭ ‬المسيَّرة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأغراض‭ ‬ينذر‭ ‬بموت‭ ‬الدبابات‭ ‬المدرَّعة،‭ ‬وسوف‭ ‬يعفو‭ ‬عليها‭ ‬الزمن‭ ‬كما‭ ‬عفا‭ ‬على‭ ‬سلاح‭ ‬الفرسان‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى‭.‬

وفي‭ ‬المجال‭ ‬البحري،‭ ‬تحقق‭ ‬قوة‭ ‬المهام‭ ‬59‭ ‬المتمركزة‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬وحوله‭ ‬ابتكارات‭ ‬مماثلة‭ ‬في‭ ‬البحار‭. ‬ولا‭ ‬يسعني‭ ‬أن‭ ‬أقول‭ ‬شيئاً‭ ‬خيراً‭ ‬من‭ ‬الاستشهاد‭ ‬بكلام‭ ‬الفريق‭ ‬بحري‭ ‬براد‭ ‬كوبر،‭ ‬قائد‭ ‬القوات‭ ‬البحرية‭ ‬بالقيادة‭ ‬المركزية‭ ‬الأمريكية‭:‬

“وخلاصة‭ ‬القول‭ ‬سبب‭ ‬قيامنا‭ ‬بذلك‭ ‬–‭ ‬أي‭ ‬قوة‭ ‬المهام‭ ‬59‭ ‬–‭ ‬هو‭ ‬أنه‭ ‬يمكننا‭ ‬تطوير‭ ‬المسيَّرات‭ ‬والذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬ودمجها‭ ‬كوسيلة‭ ‬للقيام‭ ‬بشيئين‭: ‬أولهما‭ ‬رفع‭ ‬وعينا‭ ‬بالمجال‭ ‬البحري،‭ ‬وثانيهما‭ ‬تشديد‭ ‬الردع‭.‬”‭  

التعليقات مغلقة.