قيرغيزستان تتصدى للتطرف العنيف

الأجهزة‭ ‬الأمنية‭ ‬تركّز‭ ‬على‭ ‬التصدي‭ ‬للفكر‭ ‬العنيف‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬التثقيف‭ ‬الديني،‭ ‬وإعادة‭ ‬التأهيل،‭ ‬والعمل‭ ‬الشرطي‭ ‬المجتمعي

سلطنات‭ ‬بيرديكيفا
زادت التهديدات‭ ‬التي‭ ‬يفرضها‭ ‬الفكر‭ ‬المتطرف‭ ‬والإرهاب‭ ‬في‭ ‬قيرغيزستان‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬وإذا‭ ‬اقتصرت‭ ‬مشكلات‭ ‬قيرغيزستان‭ ‬سابقاً‭ ‬على‭ ‬احتواء‭ ‬انتشار‭ ‬دعاية‭ ‬التطرف‭ ‬العنيف‭ ‬وتسلل‭ ‬الجماعات‭ ‬الإرهابية‭ ‬عبر‭ ‬الحدود‭ ‬—‭ ‬مثل‭ ‬حركة‭ ‬أوزبكستان‭ ‬الإسلامية‭ ‬التي‭ ‬اشتبكت‭ ‬مع‭ ‬القوات‭ ‬الأمنية‭ ‬القرغيزية‭ ‬عام‭ ‬1999‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬قيرغيزستان‭ ‬—‭ ‬فإنها‭ ‬تتعامل‭ ‬الآن‭ ‬مع‭ ‬قضايا‭ ‬داخلية‭.‬
وتحاول‭ ‬قيرغيزستان،‭ ‬وهي‭ ‬دولة‭ ‬صغيرة‭ ‬تقع‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬آسيا،‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬سبل‭ ‬لإعادة‭ ‬تأهيل‭ ‬المواطنين‭ ‬الذين‭ ‬عادوا‭ ‬إلى‭ ‬البلاد‭ ‬بعدما‭ ‬قاتلوا‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬تنظيم‭ (‬داعش‭) ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬والعراق،‭ ‬وسبل‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬مئات‭ ‬الأشخاص‭ ‬الذين‭ ‬ألقت‭ ‬القبض‭ ‬عليهم‭ ‬في‭ ‬قيرغيزستان‭ ‬بتهم‭ ‬التطرف‭ ‬والإرهاب‭. ‬
وتعمل‭ ‬على‭ ‬التصدي‭ ‬لعمليات‭ ‬التجنيد‭ ‬الإلكتروني‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬بها‭ ‬الجماعات‭ ‬المتطرفة‭ ‬دون‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬إجراءات‭ ‬الحظر‭ ‬الإشكالية‭ ‬لاستخدام‭ ‬الإنترنت‭. ‬وأخيراً،‭ ‬فقد‭ ‬أدركت‭ ‬السلطات‭ ‬القرغيزية‭ ‬تنامي‭ ‬التدين‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬بعد‭ ‬سقوط‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي؛‭ ‬ولذلك‭ ‬شرعت‭ ‬في‭ ‬رعاية‭ ‬برامج‭ ‬تسلّط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬تفسير‭ ‬الإسلام‭ ‬تفسيراً‭ ‬ينفي‭ ‬عنه‭ ‬الدعوة‭ ‬إلى‭ ‬العنف‭ ‬والإرهاب‭.‬
إعادة‭ ‬تأهيل‭ ‬المقاتلين
لعب‭ ‬الجهل‭ ‬بالدين‭ ‬والبطالة‭ ‬دوراً‭ ‬كبيراً‭ ‬في‭ ‬تجنيد‭ ‬أبناء‭ ‬قيرغيزستان‭ ‬للقتال‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬والعراق،‭ ‬وذلك‭ ‬حسبما‭ ‬صرّح‭ ‬به‭ ‬السيد‭ ‬راخات‭ ‬سليمانوف،‭ ‬ممثل‭ ‬اللجنة‭ ‬الوطنية‭ ‬للأمن‭ ‬القومي؛‭ ‬وقد‭ ‬استخدم‭ ‬المتطرفون‭ ‬الإنترنت‭ ‬لتجنيد‭ ‬هؤلاء‭ ‬المواطنين‭ ‬البسطاء‭ ‬وأغروهم‭ ‬بالمال،‭ ‬ويتمثل‭ ‬التحدي‭ ‬الجديد‭ ‬لقيرغيزستان‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬هؤلاء‭ ‬المواطنين‭ ‬ومن‭ ‬يعيلون‭ ‬إلى‭ ‬وطنهم‭ ‬وإعادة‭ ‬تأهيلهم‭ ‬وادماجهم‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭.‬
وقد‭ ‬تبنّت‭ ‬قيرغيزستان‭ ‬نهجاً‭ ‬متسامحاً‭ ‬مع‭ ‬المقاتلين‭ ‬السابقين‭ ‬لإعادة‭ ‬إدماجهم‭ ‬في‭ ‬المجتمع؛‭ ‬فبالرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬قانون‭ ‬قيرغيزستان‭ ‬ينص‭ ‬على‭ ‬أحكام‭ ‬بالسجن‭ ‬تتراوح‭ ‬من‭ ‬خمسة‭ ‬إلى‭ ‬ثمانية‭ ‬أعوام‭ ‬للمشاركة‭ ‬في‭ ‬الحروب‭ ‬الأجنبية،‭ ‬ومن‭ ‬ثمانية‭ ‬إلى‭ ‬15‭ ‬عاماً‭ ‬للانضمام‭ ‬إلى‭ ‬صفوف‭ ‬الجنود‭ ‬المرتزقةـ،‭ ‬فإن‭ ‬المحاكم‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تنظر‭ ‬في‭ ‬الظروف‭ ‬القضائية‭ ‬المخففة‭ ‬للمتهمين،‭ ‬مثل‭ ‬رغبتهم‭ ‬في‭ ‬التعاون‭ ‬مع‭ ‬السلطات‭ ‬أو‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬كانوا‭ ‬انخرطوا‭ ‬في‭ ‬القتال‭ ‬مباشرة‭ ‬أم‭ ‬لا‭.‬
الجنود القرغيزيون يجرون تمريناً لمكافحة الإرهاب عام 2019. رويترز
وقد‭ ‬عادت‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬مواطني‭ ‬قيرغيزستان‭ ‬من‭ ‬مناطق‭ ‬القتال‭ ‬للبدء‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬مجتمعاتهم‭ ‬وأحيائهم‭ ‬السابقة‭ ‬بمساعدة‭ ‬اللجنة‭ ‬الوطنية‭ ‬للأمن‭ ‬القومي‭ ‬وأجهزة‭ ‬الدولة‭ ‬الأخرى،‭ ‬وتضع‭ ‬اللجنة‭ ‬الوطنية‭ ‬إجراءات‭ ‬مشددة‭ ‬لمراقبة‭ ‬العائدين‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬الاختبار‭ ‬التي‭ ‬تستوجب‭ ‬عليهم‭ ‬البقاء‭ ‬داخل‭ ‬البلاد‭.‬
ولم‭ ‬تقتصر‭ ‬الجهود‭ ‬الرامية‭ ‬إلى‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬التطرف‭ ‬الديني‭ ‬على‭ ‬الحكومة‭ ‬المركزية؛‭ ‬إذ‭ ‬تنظم‭ ‬الأقسام‭ ‬الشرطية‭ ‬المحلية‭ ‬وسلطات‭ ‬الأحياء‭ ‬باستمرار‭ ‬لقاءات‭ ‬مجتمعية‭ ‬وحلقات‭ ‬نقاشية‭ ‬في‭ ‬المساجد‭ ‬والمدارس‭ ‬والمراكز‭ ‬العامة‭ ‬بهدف‭ ‬التصدي‭ ‬للتشدد‭ ‬الديني،‭ ‬وقد‭ ‬شارك‭ ‬بعض‭ ‬العائدين‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬اللقاءات‭ ‬ليتحدثوا‭ ‬عن‭ ‬تجربتهم‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬القتال،‭ ‬ويحذروا‭ ‬أفراد‭ ‬مجتمعاتهم‭ ‬من‭ ‬مخاطر‭ ‬الانضمام‭ ‬إلى‭ ‬الجماعات‭ ‬المتطرفة‭.‬
وينقص‭ ‬قيرغيزستان‭ ‬الخبرة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬إعادة‭ ‬تأهيل‭ ‬العائلات‭ ‬العائدة‭ ‬من‭ ‬مناطق‭ ‬القتال‭ ‬والجماعات‭ ‬المتطرفة‭ ‬وإعادة‭ ‬إدماجها‭ ‬في‭ ‬المجتمع؛‭ ‬ولذلك‭ ‬تحاول‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬خبرات‭ ‬دول‭ ‬الجوار،‭ ‬إذ‭ ‬بذلت‭ ‬كلٌ‭ ‬من‭ ‬كازاخستان‭ ‬وأوزبكستان‭ ‬وطاجيكستان‭ ‬جهوداً‭ ‬مضنية‭ ‬وموارد‭ ‬مالية‭ ‬وبشرية‭ ‬هائلة‭ (‬ضمت‭ ‬المعالجين‭ ‬النفسيين،‭ ‬وعلماء‭ ‬النفس،‭ ‬والأخصائيين‭ ‬الاجتماعيين،‭ ‬والمعلّمين‭) ‬لإعادة‭ ‬المقاتلين‭ ‬السابقين‭ ‬لحياتهم‭ ‬الطبيعية‭. ‬وتحشد‭ ‬السلطات‭ ‬القرغيزية‭ ‬مواردها‭ ‬لإعداد‭ ‬برامج‭ ‬شاملة‭ ‬لإعادة‭ ‬التأهيل؛‭ ‬لأنها‭ ‬تتوقع‭ ‬عودة‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭ ‬من‭ ‬سوريا‭ ‬والعراق‭.‬
منع‭ ‬التجنيد‭ ‬داخل‭ ‬السجون
لا‭ ‬تُعد‭ ‬برامج‭ ‬إعادة‭ ‬التأهيل‭ ‬وإعادة‭ ‬الإدماج‭ ‬إلّا‭ ‬جزءاً‭ ‬من‭ ‬الجهود‭ ‬التي‭ ‬تبذلها‭ ‬قيرغيزستان‭ ‬لمكافحة‭ ‬التطرف‭ ‬والإرهاب؛‭ ‬إذ‭ ‬تحاول‭ ‬أيضاً‭ ‬أن‭ ‬تفهم‭ ‬كيفية‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الأشخاص‭ ‬المتهمين‭ ‬بالتحريض‭ ‬على‭ ‬الأعمال‭ ‬المتطرفة‭ ‬أو‭ ‬الإرهابية‭ ‬في‭ ‬قيرغيزستان‭ ‬أو‭ ‬المشاركة‭ ‬فيها‭. ‬وقد‭ ‬تبنّت‭ ‬السلطات‭ ‬في‭ ‬بادئ‭ ‬الأمر‭ ‬موقفاً‭ ‬متشدداً‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بحيازة‭ ‬الكتب‭ ‬التي‭ ‬تحث‭ ‬على‭ ‬العنف‭ ‬والتطرف،‭ ‬ولكن‭ ‬شرع‭ ‬البرلمان‭ ‬القرغيزي‭ ‬في‭ ‬تعديل‭ ‬القانون‭ ‬الجنائي‭ ‬لتخفيف‭ ‬العقوبة‭ ‬على‭ ‬حيازة‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الكتب،‭ ‬وكثيراً‭ ‬ما‭ ‬تقتصر‭ ‬العقوبة‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الراهن‭ ‬على‭ ‬الغرامة‭ ‬دون‭ ‬الحبس‭.‬
وتدرك‭ ‬السلطات‭ ‬القرغيزية‭ ‬أن‭ ‬السجون‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تصبح‭ ‬أرضية‭ ‬خصبة‭ ‬للمجاميع‭ ‬الدينية‭ ‬العنيفة‭ ‬لتجنيد‭ ‬المواطنين‭. ‬ويمثل‭ ‬الشباب،‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬الحال‭ ‬حول‭ ‬العالم،‭ ‬عدداً‭ ‬كبيراً‭ ‬من‭ ‬السجناء،‭ ‬وكانت‭ ‬نسبة‭ ‬77‭% ‬منهم‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬البطالة‭ ‬قبل‭ ‬القبض‭ ‬عليهم‭ ‬وإيداعهم‭ ‬في‭ ‬السجون‭. ‬وتذكر‭ ‬أجهزة‭ ‬إنفاذ‭ ‬القانون‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬يقومون‭ ‬بتجنيد‭ ‬الشباب‭ ‬داخل‭ ‬السجون‭ ‬يقدّمون‭ ‬رؤية‭ ‬رومانسية‭ ‬للمستقبل‭ ‬لهؤلاء‭ ‬الشباب‭ ‬البائسين‭ ‬الذين‭ ‬يقنعون‭ ‬أنفسهم‭ ‬بأنهم‭ ‬يقاتلون‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬الله‭ ‬وفي‭ ‬سبيل‭ ‬إعلاء‭ ‬كلمة‭ ‬الحق‭. ‬
ويقوم‭ ‬علماء‭ ‬الدين‭ ‬بالإدارة‭ ‬الروحية‭ ‬للمسلمين‭ ‬في‭ ‬قيرغيزستان‭ ‬بإلقاء‭ ‬خطب‭ ‬داخل‭ ‬السجون‭ ‬لتوعية‭ ‬السجناء‭ ‬بالإسلام‭ ‬وتعاليمه‭ ‬السمحة‭ ‬مرة‭ ‬أو‭ ‬مرتين‭ ‬أسبوعياً‭ ‬بهدف‭ ‬التصدي‭ ‬لعمليات‭ ‬غسل‭ ‬الدماغ‭ ‬داخل‭ ‬السجون‭. ‬وقامت‭ ‬الإدارة‭ ‬الروحية‭ ‬في‭ ‬مطلع‭ ‬عام‭ ‬2019‭ ‬بتعيين‭ ‬عالميْن‭ ‬بدوام‭ ‬كامل‭ ‬بهدف‭ ‬تعزيز‭ ‬خطاب‭ ‬مكافحة‭ ‬الإرهاب‭ ‬بين‭ ‬السجناء‭.‬
مكافحة‭ ‬الدعاية‭ ‬الإلكترونية‭ ‬
ليست‭ ‬السجون‭ ‬المصدر‭ ‬الوحيد‭ ‬لتجنيد‭ ‬الشباب‭ ‬بالنسبة‭ ‬للجماعات‭ ‬الدينية‭ ‬المتطرفة‭ ‬والإرهابية؛‭ ‬إذ‭ ‬يفيد‭ ‬مركز‭ ‬مكافحة‭ ‬الإرهاب‭ ‬التابع‭ ‬للجنة‭ ‬الوطنية‭ ‬للأمن‭ ‬القومي‭ ‬أن‭ ‬عمليات‭ ‬التجنيد‭ ‬ونشر‭ ‬الدعاية‭ ‬وجمع‭ ‬الأموال‭ ‬وتأهيل‭ ‬المسلحين‭ ‬تجري‭ ‬على‭ ‬الإنترنت‭ ‬بشكل‭ ‬كبير،‭ ‬وكثيراً‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬التدريب‭ ‬على‭ ‬التكتيكات‭ ‬الإرهابية‭ ‬وتنسيق‭ ‬الأعمال‭ ‬الإجرامية‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬تطبيقات‭ ‬الرسائل‭ ‬الفورية‭ ‬مثل‭ ‬الواتساب‭ ‬وفايبر‭. ‬وطبقاً‭ ‬لإحدى‭ ‬الدراسات‭ ‬التي‭ ‬تناولت‭ ‬قضية‭ ‬التطرف‭ ‬العنيف‭ ‬عبر‭ ‬الإنترنت‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬آسيا،‭ ‬فإن‭ ‬الفيسبوك‭ ‬والتيليجرام‭ ‬يعدان‭ ‬من‭ ‬الوسائل‭ ‬التي‭ ‬يقبل‭ ‬عليها‭ ‬الإرهابيون‭ ‬للقيام‭ ‬بأعمال‭ ‬الدعاية‭ ‬والتجنيد‭.‬
وقد‭ ‬فرضت‭ ‬قيرغيزستان‭ ‬حظراً‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬100‭ ‬موقعٍ‭ ‬إلكتروني‭ ‬يعرض‭ ‬محتوىً‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬التطرف‭ ‬والإرهاب‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬إلّا‭ ‬أن‭ ‬الخبراء‭ ‬الدينيين‭ ‬يعتقدون‭ ‬أن‭ ‬التجنيد‭ ‬الإلكتروني‭ ‬للشباب‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬المواقع‭ ‬وشبكات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬ما‭ ‬يزال‭ ‬مستمراً،‭ ‬وترى‭ ‬مصادر‭ ‬قرغيزية‭ ‬أن‭ ‬بلدان‭ ‬وسط‭ ‬آسيا‭ ‬تتعرض‭ ‬لـ‭ ‬500‭ ‬موقع‭ ‬إلكتروني‭ ‬يعرض‭ ‬محتوىً‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬التطرف‭ ‬العنيف‭. ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬حظر‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المواقع‭ ‬ما‭ ‬يزال‭ ‬شائعاً‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬وسط‭ ‬آسيا،‭ ‬فإن‭ ‬خبراء‭ ‬المنطقة‭ ‬يقولون‭ ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬الطريقة‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تُعد‭ ‬الطريقة‭ ‬المثلى‭ ‬لحل‭ ‬المشكلة‭ ‬نظراً‭ ‬لصعوبة‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬تدفق‭ ‬المعلومات‭ ‬على‭ ‬الإنترنت‭.‬
وقد‭ ‬شدّد‭ ‬السيد‭ ‬عصام‭ ‬الدين‭ ‬أتوييف،‭ ‬رئيس‭ ‬سياسة‭ ‬المبادرة‭ ‬المدنية‭ ‬للإنترنت‭ ‬في‭ ‬قيرغيزستان‭ ‬والخبير‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التطرف‭ ‬العنيف‭ ‬على‭ ‬الإنترنت،‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬التثقيف‭ ‬الصحيح‭ ‬للمواطنين‭ ‬لتحصينهم‭ ‬من‭ ‬أنشطة‭ ‬التشدد‭ ‬على‭ ‬الإنترنت؛‭ ‬لأن‭ ‬المواطنين‭ ‬الذين‭ ‬يفهمون‭ ‬ثوابت‭ ‬الإسلام‭ ‬سيميزون‭ ‬بين‭ ‬رسالته‭ ‬السمحة‭ ‬والتحريفات‭ ‬التي‭ ‬تدعو‭ ‬إلى‭ ‬العنف‭ ‬والتطرف‭.‬
وتحسّر‭ ‬السيد‭ ‬أروزبك‭ ‬مولدالييف،‭ ‬رئيس‭ ‬اللجنة‭ ‬الوطنية‭ ‬للشؤون‭ ‬الدينية‭ ‬سابقاً،‭ ‬على‭ ‬نقص‭ ‬الموارد‭ ‬المادية‭ ‬والبشرية‭ ‬في‭ ‬بلاده‭ ‬لمراقبة‭ ‬المواقع‭ ‬وشبكات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬المتداولة‭ ‬التي‭ ‬تميل‭ ‬إلى‭ ‬الدعوة‭ ‬إلى‭ ‬العنف‭. ‬ووفقاً‭ ‬لما‭ ‬صرّح‭ ‬به‭ ‬الخبير‭ ‬الديني‭ ‬القرغيزي‭ ‬أمان‭ ‬سالييف،‭ ‬فإنه‭ ‬يجدر‭ ‬بالسلطات‭ ‬القرغيزية‭ ‬مواكبة‭ ‬النشاط‭ ‬الإلكتروني‭ ‬للجماعات‭ ‬الإرهابية،‭ ‬ويمثل‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬تحدياً‭ ‬لبلدان‭ ‬العالم‭ ‬التي‭ ‬تفاجأت‭ ‬بالظهور‭ ‬السريع‭ ‬لداعش‭ ‬وبراعتها‭ ‬في‭ ‬الدعاية‭ ‬والتجنيد‭ ‬على‭ ‬الإنترنت‭. ‬
تدابير‭ ‬مكافحة‭ ‬التطرف‭ ‬والإرهاب
يُعد‭ ‬برنامج‭ ‬الحكومة‭ ‬القرغيزية‭ ‬لمكافحة‭ ‬التطرف‭ ‬والإرهاب‭ ‬للفترة‭ ‬من‭ ‬2017‭ ‬إلى‭ ‬2022‭ ‬جزءاً‭ ‬مهماً‭ ‬من‭ ‬مفهوم‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬لجمهورية‭ ‬قيرغيزستان‭ ‬الذي‭ ‬أقره‭ ‬المرسوم‭ ‬الرئاسي‭ ‬الصادر‭ ‬عام‭ ‬2012،‭ ‬ويقدم‭ ‬البرنامج‭ ‬التدابير‭ ‬اللازمة‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬المشكلات‭.‬
فيركز‭ ‬البرنامج‭ ‬على‭ ‬إجراء‭ ‬حملات‭ ‬التوعية‭ ‬في‭ ‬المساجد‭ ‬بمشاركة‭ ‬الرموز‭ ‬الدينية‭ ‬البارزة،‭ ‬والمسؤولين‭ ‬المحليين،‭ ‬وأجهزة‭ ‬إنفاذ‭ ‬القانون،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬يركزعلى‭ ‬أهمية‭ ‬قيام‭ ‬أجهزة‭ ‬إنفاذ‭ ‬القانون،‭ ‬وممثلي‭ ‬الحكومات‭ ‬المحلية،‭ ‬والجامعات،‭ ‬ووسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬بتنظيم‭ ‬المحاضرات‭ ‬والندوات‭ ‬والحلقات‭ ‬النقاشية‭ ‬لاستعراض‭ ‬تهديدات‭ ‬التطرف‭ ‬والإرهاب‭. ‬وستعقد‭ ‬الحكومة‭ ‬القرغيزية‭ ‬تدريباً‭ ‬مماثلاً‭ ‬للوحدات‭ ‬العسكرية‭.‬
ومن‭ ‬الأولويات‭ ‬الأخرى‭ ‬للبرنامج‭ ‬تدشين‭ ‬حملات‭ ‬لمكافحة‭ ‬الفكر‭ ‬المتطرف‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬نشر‭ ‬الفيديوهات‭ ‬المناهضة‭ ‬للتطرف‭ ‬والإرهاب‭ ‬على‭ ‬الإنترنت‭ ‬ووسائل‭ ‬الإعلام‭. ‬ومن‭ ‬العناصر‭ ‬المهمة‭ ‬لهذه‭ ‬الجهود‭ ‬تدشين‭ ‬صفحات‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الاجتماعي‭ ‬تتناول‭ ‬مواضيع‭ ‬بعينها‭ ‬وتبث‭ ‬رسائل‭ ‬مناهضة‭ ‬للتطرف‭ ‬والإرهاب‭. ‬
وقد‭ ‬وضعت‭ ‬مدارس‭ ‬التعليم‭ ‬الثانوي‭ ‬في‭ ‬قيرغيزستان‭ ‬مقررات‭ ‬تتناول‭ ‬موضوعات‭ ‬دينية‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬احتمالية‭ ‬تقبّل‭ ‬المراهقين‭ ‬للأفكار‭ ‬المتشددة‭. ‬ومع‭ ‬تنامي‭ ‬دور‭ ‬الدين‭ ‬في‭ ‬المجتمع،‭ ‬يتفق‭ ‬الخبراء‭ ‬الدينيون‭ ‬والمختصون‭ ‬بالأمن‭ ‬في‭ ‬قيرغيزستان‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تثقيف‭ ‬الشباب‭ ‬بثوابت‭ ‬دينهم،‭ ‬ورفع‭ ‬كفاءة‭ ‬الأئمة،‭ ‬وتنظيم‭ ‬حملات‭ ‬التوعية‭ ‬التي‭ ‬تركز‭ ‬على‭ ‬تعاليم‭ ‬الإسلام‭ ‬السمحة‭ ‬ستساعد‭ ‬على‭ ‬ملء‭ ‬الفراغ‭ ‬الديني‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬والحد‭ ‬من‭ ‬انتشار‭ ‬الفكر‭ ‬المتطرف‭.‬
هذا،‭ ‬ويتزايد‭ ‬بالبلاد‭ ‬عدد‭ ‬الأصوات‭ ‬التي‭ ‬تنادي‭ ‬بضرورة‭ ‬أن‭ ‬تلعب‭ ‬الإدارة‭ ‬الروحية‭ ‬للمسلمين‭ ‬دوراً‭ ‬تثقيفياً‭ ‬أكثر‭ ‬تأثيراً‭. ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬تباطؤ‭ ‬الإدارة‭ ‬الروحية‭ ‬في‭ ‬التغيير،‭ ‬فقد‭ ‬كثّفت‭ ‬حملاتها‭ ‬التوعوية‭ ‬حول‭ ‬التعاليم‭ ‬السمحة‭ ‬للإسلام،‭ ‬ومنها‭ ‬تدريب‭ ‬قوات‭ ‬حرس‭ ‬الحدود‭ ‬على‭ ‬ثوابت‭ ‬الإسلام‭ ‬لمساعدتهم‭ ‬على‭ ‬التعرف‭ ‬على‭ ‬المتطرفين‭ ‬القادمين‭ ‬من‭ ‬الخارج‭.‬
ويُعد‭ ‬تحديث‭ ‬النظام‭ ‬التعليمي‭ ‬الإسلامي‭ ‬القائم‭ ‬في‭ ‬قيرغيزستان‭ ‬جزءاً‭ ‬رئيسياً‭ ‬من‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الوطنية‭ ‬للتنمية‭ ‬للفترة‭ ‬من‭ ‬2018‭ ‬إلى‭ ‬2040،‭ ‬إذ‭ ‬ستعمل‭ ‬مراكز‭ ‬التعليم‭ ‬الإسلامي‭ ‬التي‭ ‬ترعاها‭ ‬الدولة‭ ‬على‭ ‬إعداد‭ ‬جيل‭ ‬من‭ ‬المثقفين‭ ‬المسلمين‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يتأثرون‭ ‬بالفكر‭ ‬المتطرف‭ ‬المستقدم‭ ‬من‭ ‬الخارج‭.‬
وجدير‭ ‬بالذكر‭ ‬أن‭ ‬الدين‭ ‬عانى‭ ‬من‭ ‬الكبت‭ ‬والخمول‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬في‭ ‬قيرغيزستان‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي‭. ‬أمّا‭ ‬اليوم،‭ ‬فتحاول‭ ‬الدولة‭ ‬أن‭ ‬تستغل‭ ‬تنامي‭ ‬دور‭ ‬الدين‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬في‭ ‬حث‭ ‬المجتمع‭ ‬على‭ ‬التشبث‭ ‬بالتعاليم‭ ‬السمحة‭ ‬للإسلام‭. ‬ولن‭ ‬تقتصر‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الجهود‭ ‬على‭ ‬إرساء‭ ‬قواعد‭ ‬الفهم‭ ‬الصحيح‭ ‬للدين،‭ ‬وإنما‭ ‬ستحد‭ ‬من‭ ‬احتمالية‭ ‬التشدد‭ ‬بين‭ ‬المواطنين‭ ‬الذين‭ ‬أصبحوا‭ ‬أكثر‭ ‬تديناً‭ ‬عما‭ ‬كانوا‭ ‬عليه‭ ‬منذ‭ ‬30‭ ‬عاماً‭. 

نبذة‭ ‬عن‭ ‬الكاتبة‭: ‬ولدت‭ ‬سلطنات‭ ‬بيرديكيفا‭ ‬في‭ ‬قيرغيزستان،‭ ‬وهي‭ ‬كاتبة‭ ‬ومحللة‭ ‬ومدونة‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬الاقتصاد‭ ‬وسياسة‭ ‬الطاقة‭ ‬والأمن‭ ‬في‭ ‬آسيا‭ ‬الوسطى‭ ‬والشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭.‬

التعليقات مغلقة.