قوة لدعم الاستقرار

السلطان‭ ‬الراحل‭ ‬قابوس‭ ‬كان‭ ‬قائداً‭ ‬شجاعاً‭ ‬استطاع‭ ‬النهوض‭ ‬بسلطنة‭ ‬عُمان

عن‭ ‬عالمنا‭ ‬صاحب‭ ‬الجلالة‭ ‬السلطان‭ ‬قابوس‭ ‬بن‭ ‬سعيد‭ ‬في‭ ‬كانون‭ ‬الثاني‭/ ‬يناير‭ ‬2020،‭ ‬وخلف‭ ‬ورائه‭ ‬إرثاً‭ ‬عريقاً‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬الدؤوب‭ ‬والأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬عاد‭ ‬بالخير‭ ‬على‭ ‬سلطنة‭ ‬عُمان‭ ‬والمنطقة‭ ‬بأسرها‭.‬
واعتلى‭ ‬عرش‭ ‬السلطنة‭ ‬من‭ ‬بعده‭ ‬السلطان‭ ‬هيثم‭ ‬بن‭ ‬طارق‭ ‬آل‭ ‬سعيد،‭ ‬مما‭ ‬يعد‭ ‬بمواصلة‭ ‬مسيرة‭ ‬التقدم؛‭ ‬فهو‭ ‬ابن‭ ‬عم‭ ‬السلطان‭ ‬الراحل‭ ‬قابوس،‭ ‬ويوصف‭ ‬بأنه‭ ‬دبلوماسي‭ ‬مخضرم،‭ ‬وكان‭ ‬يشغل‭ ‬منصب‭ ‬وزير‭ ‬التراث‭ ‬والثقافة‭. ‬
أرسلت‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬والأجنبية‭ ‬برقيات‭ ‬التعازي‭ ‬في‭ ‬وفاة‭ ‬السلطان‭ ‬قابوس،‭ ‬وأشادت‭ ‬بحكمته‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬القضايا‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية‭ ‬ودوره‭ ‬في‭ ‬النهوض‭ ‬ببلاده‭ ‬خلال‭ ‬50‭ ‬عاماً‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬تقلّد‭ ‬زمام‭ ‬الحكم‭. ‬
ونكّست‭ ‬الأمانة‭ ‬العامة‭ ‬للجامعة‭ ‬العربية‭ ‬علمها‭ ‬لمدة‭ ‬ثلاثة‭ ‬أيام‭ ‬لوفاة‭ ‬السلطان‭ ‬قابوس،‭ ‬ونعاه‭ ‬أمينها‭ ‬العام‭ ‬السيد‭ ‬أحمد‭ ‬أبو‭ ‬الغيط‭ ‬في‭ ‬بيان‭ ‬رسمي‭.‬
وقال‭ ‬أبو‭ ‬الغيط‭: ‬“إن‭ ‬الأمة‭ ‬العربية‭ ‬فقدت‭ ‬حاكماً‭ ‬من‭ ‬طرازٍ‭ ‬نادر،‭ ‬دأب‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬حكمه‭ ‬على‭ ‬تبني‭ ‬خطٍ‭ ‬مستقل‭ ‬لبلاده‭ ‬جنبها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأزمات‭ ‬والصراعات‭ ‬التي‭ ‬اجتاحت‭ ‬المنطقة‭.‬”
كما‭ ‬نعى‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬سلمان‭ ‬بن‭ ‬عبد‭ ‬العزيز‭ ‬آل‭ ‬سعود،‭ ‬خادم‭ ‬الحرمين‭ ‬الشريفين،‭ ‬وسمو‭ ‬الأمير‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬سلمان،‭ ‬ولي‭ ‬العهد،‭ ‬السلطان‭ ‬قابوس‭ ‬بوصفه‭ ‬“قائد‭ ‬سلطنة‭ ‬عُمان‭ ‬وباني‭ ‬نهضتها‭ ‬الحديثة‭.‬”
لم‭ ‬يكن‭ ‬اعتلاء‭ ‬السلطان‭ ‬قابوس‭ ‬عرش‭ ‬البلاد‭ ‬بالأمر‭ ‬الهيّن،‭ ‬إذ‭ ‬كان‭ ‬الطريق‭ ‬وعر‭ ‬ومحفوف‭ ‬بالمخاطر؛‭ ‬لأنه‭ ‬تقلّد‭ ‬الحكم‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬كانت‭ ‬تعاني‭ ‬فيه‭ ‬سلطنة‭ ‬عُمان‭ ‬من‭ ‬صراعات‭ ‬داخلية‭ ‬خطيرة،‭ ‬وتطلب‭ ‬استقرار‭ ‬عُمان‭ ‬ورخاؤها‭ ‬قيادة‭ ‬حكيمة‭ ‬بسبب‭ ‬موقعها‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬الاستقرار‭. ‬
فقد‭ ‬شهدت‭ ‬سلطنة‭ ‬عُمان‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬1963‭ ‬إلى‭ ‬1975‭ ‬واحداً‭ ‬من‭ ‬أطول‭ ‬الصراعات‭ ‬المسلحة‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬فيما‭ ‬يُعرف‭ ‬باسم‭ ‬ثورة‭ ‬ظفار،‭ ‬إذ‭ ‬خاضت‭ ‬قوات‭ ‬السلطان‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬بريطانيا‭ ‬العظمى‭ ‬حرباً‭ ‬ضد‭ ‬حركة‭ ‬ماركسية‭ ‬مسلحة‭ ‬يدعمها‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يُعرف‭ ‬آنذاك‭ ‬باسم‭ ‬جمهورية‭ ‬اليمن‭ ‬الديمقراطية‭ ‬الشعبية‭.‬
جرت‭ ‬أحداث‭ ‬الثورة‭ ‬في‭ ‬إقليم‭ ‬ظفار‭ ‬الواقع‭ ‬جنوبي‭ ‬البلاد،‭ ‬وقرر‭ ‬الماركسيون‭ ‬المتشددون‭ ‬فيما‭ ‬كان‭ ‬يُعرف‭ ‬بمؤتمر‭ ‬حمرير‭ ‬توسيع‭ ‬الثورة‭ ‬لتشمل‭ ‬سائر‭ ‬بلدان‭ ‬الخليج‭ ‬العربي؛‭ ‬ومن‭ ‬ثمّ‭ ‬غيّرت‭ ‬الجماعة‭ ‬اسمها‭ ‬من‭ ‬“الجبهة‭ ‬الشعبية‭ ‬لتحرير‭ ‬ظفار”‭ ‬إلى‭ ‬“الجبهة‭ ‬العربية‭ ‬لتحرير‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬المحتل‭.‬”
وتقلّد‭ ‬السلطان‭ ‬قابوس‭ ‬حكم‭ ‬البلاد‭ ‬عام‭ ‬1970‭ ‬خلفاً‭ ‬لأبيه‭ ‬السلطان‭ ‬سعيد،‭ ‬وشرع‭ ‬في‭ ‬حركة‭ ‬إصلاح‭ ‬موسّعة‭ ‬أعطى‭ ‬فيها‭ ‬الأولوية‭ ‬لبناء‭ ‬المدارس‭ ‬والمستشفيات‭ ‬والطرق‭. ‬وتحسّنت‭ ‬الأوضاع‭ ‬لصالح‭ ‬قوات‭ ‬السلطان‭ ‬قابوس‭ ‬وانتهت‭ ‬ثورة‭ ‬ظفار‭ ‬عام‭ ‬1975؛‭ ‬وذلك‭ ‬بفضل‭ ‬حكمته‭ ‬وعقله،‭ ‬وبفضل‭ ‬الدعم‭ ‬الإقليمي‭ ‬والدولي‭ ‬الذي‭ ‬تمكن‭ ‬من‭ ‬حشده‭ ‬لجانبه‭.‬
وقد‭ ‬تحلّى‭ ‬السلطان‭ ‬قابوس‭ ‬منذ‭ ‬انتهاء‭ ‬الثورة‭ ‬حتى‭ ‬وافته‭ ‬المنية‭ ‬بالحيادية،‭ ‬وتبنى‭ ‬سياسة‭ ‬خارجية‭ ‬تتصف‭ ‬بعدم‭ ‬الانحياز،‭ ‬وتقوم‭ ‬على‭ ‬مبادئ‭ ‬المعاملة‭ ‬بالمثل‭ ‬والاحترام‭ ‬المتبادل‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬الجوار‭ ‬وسائر‭ ‬بلدان‭ ‬العالم‭. ‬
وقام‭ ‬السلطان‭ ‬قابوس‭ ‬في‭ ‬أحايين‭ ‬عدة‭ ‬بدور‭ ‬الوسيط‭ ‬بين‭ ‬البلدان‭ ‬المتنازعة،‭ ‬وسعى‭ ‬إلى‭ ‬إيجاد‭ ‬أرضية‭ ‬مشتركة‭ ‬لتعزيز‭ ‬المصالحة‭ ‬بين‭ ‬أطراف‭ ‬النزاع‭. ‬وعُرفت‭ ‬سلطنة‭ ‬عُمان‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬حاكمها‭ ‬المخلص‭ ‬بالحكم‭ ‬الرشيد‭ ‬والسياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬المؤثرة،‭ ‬مما‭ ‬أرسى‭ ‬دعائم‭ ‬الاستقرار‭ ‬والرخاء‭ ‬اللذين‭ ‬رفعا‭ ‬مكانتها‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬والعالم‭ ‬أجمع،‭ ‬حيث‭ ‬احتلت‭ ‬شرطة‭ ‬عُمان‭ ‬مؤخراً‭ ‬مرتبة‭ ‬مرموقة‭ ‬عالمياً‭ ‬للخدمات‭ ‬التي‭ ‬تقدمها‭. ‬
وتجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬الانجازات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬لسلطنة‭ ‬عُمان‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬السلطان‭ ‬قابوس؛‭ ‬فقد‭ ‬كرّمتها‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬عام‭ ‬2010‭ ‬بوصفها‭ ‬البلد‭ ‬الذي‭ ‬حقق‭ ‬أعلى‭ ‬معدلات‭ ‬التنمية‭ ‬خلال‭ ‬الـ‭ ‬40‭ ‬عاماً‭ ‬المنصرمة،‭ ‬حتى‭ ‬أنها‭ ‬تفوقت‭ ‬على‭ ‬الصين‭ ‬نفسها‭ ‬في‭ ‬ذلك‭. ‬
أمّا‭ ‬صاحب‭ ‬الجلالة‭ ‬السلطان‭ ‬هيثم‭ ‬بن‭ ‬طارق،‭ ‬فقد‭ ‬عُرف‭ ‬بنظرته‭ ‬العالمية‭ ‬خلال‭ ‬سنوات‭ ‬اشتغاله‭ ‬في‭ ‬السلك‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬العُماني،‭ ‬وتخرّج‭ ‬من‭ ‬برنامج‭ ‬جامعة‭ ‬أكسفورد‭ ‬للخدمات‭ ‬الخارجية‭ ‬عام‭ ‬1979‭. ‬وهكذا،‭ ‬ينظر‭ ‬إليه‭ ‬العالم‭ ‬باعتباره‭ ‬القائد‭ ‬الذي‭ ‬سيواصل‭ ‬مسيرة‭ ‬العطاء‭ ‬والسلام‭. 

التعليقات مغلقة.