رسالة قائد مهم

يشرفنا أن‭ ‬نشارك‭ ‬معاً‭ ‬في‭ ‬كتابة‭ ‬افتتاحية‭ ‬هذا‭ ‬العدد‭ ‬الخاص‭ ‬من‭ ‬يونيباث‭ ‬والذي‭ ‬يركز‭ ‬على‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬الحدود‭ ‬والسواحل؛‭ ‬حيث‭ ‬يتطلب‭ ‬الدفاع‭ ‬عيوناً‭ ‬ساهرة‭ ‬لحماية‭ ‬الأمن‭ ‬ومواجهة‭ ‬التهديدات‭ ‬والمخاطر‭ ‬التي‭ ‬يتعرَّض‭ ‬لها‭ ‬الأمن‭ ‬الوطني‭ ‬والإقليمي‭ ‬والعالمي،‭ ‬إذ‭ ‬تتعدَّد‭ ‬التهديدات‭ ‬الأمنية‭ ‬التقليدية‭ ‬وغير‭ ‬التقليدية‭ ‬التي‭ ‬تتطلب‭ ‬التعاون‭ ‬والشراكة‭ ‬في‭ ‬مواجهتها‭ ‬لضمان‭ ‬الأمن‭ ‬والاستقرار‭. ‬

تعكس‭ ‬العلاقة‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬المتجذرة‭ ‬بين‭ ‬سلطنة‭ ‬عُمان‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬الشراكة‭ ‬الوثيقة‭ ‬بينهما؛‭ ‬فقد‭ ‬وقعت‭ ‬سلطنة‭ ‬عُمان‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1833‭ ‬على‭ ‬معاهدة‭ ‬صداقة‭ ‬وتجارة‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وصدَّق‭ ‬عليها‭ ‬الكونغرس‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1834‭. ‬وبعد‭ ‬ذلك‭ ‬بستة‭ ‬أعوام،‭ ‬وصلت‭ ‬السفينة‭ ‬العمانية‭ ‬‮«‬سلطانة‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬نيويورك؛‭ ‬أرسلها‭ ‬السلطان‭ ‬سعيد‭ ‬بن‭ ‬سلطان،‭ ‬حاكم‭ ‬عُمان‭ ‬آنذاك،‭ ‬وكان‭ ‬على‭ ‬متنها‭ ‬أحمد‭ ‬بن‭ ‬النعمان‭ ‬الكعبي،‭ ‬مبعوث‭ ‬السلطان،‭ ‬الذي‭ ‬أصبح‭ ‬أول‭ ‬دبلوماسي‭ ‬عربي‭ ‬معتمد‭ ‬لدى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬وهكذا‭ ‬بدأت‭ ‬شراكة‭ ‬عسكرية‭ ‬وسياسية‭ ‬واقتصادية‭ ‬وثقافية‭ ‬دائمة‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭.‬

وتقوم‭ ‬تلك‭ ‬العلاقة‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬على‭ ‬ثوابت‭ ‬ومبادئ‭ ‬معروفة‭ ‬لكلا‭ ‬البلدين؛‭ ‬ومن‭ ‬ضمن‭ ‬تلك‭ ‬العلاقات،‭ ‬العلاقة‭ ‬العسكرية‭ ‬الوثيقة‭ ‬بين‭ ‬سلطنة‭ ‬عُمان‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬قوات‭ ‬السلطان‭ ‬المسلحة‭ ‬والقيادة‭ ‬المركزية‭ ‬الأمريكية‭. ‬

تقع‭ ‬سلطنة‭ ‬عُمان‭ ‬في‭ ‬أقصى‭ ‬الجنوب‭ ‬الشرقي‭ ‬لشبه‭ ‬الجزيرة‭ ‬العربية،‭ ‬ويمتد‭ ‬شريطها‭ ‬الساحلي‭ ‬من‭ ‬شمال‭ ‬مضيق‭ ‬هرمز‭ ‬إلى‭ ‬حدود‭ ‬اليمن‭ ‬جنوباً،‭ ‬وتطل‭ ‬على‭ ‬ثلاث‭ ‬مسطحات‭ ‬مائية‭ ‬رئيسية‭ ‬وهي‭: ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬وبحر‭ ‬العرب‭ ‬وبحر‭ ‬عُمان‭. ‬ولما‭ ‬كانت‭ ‬عُمان‭ ‬دولة‭ ‬بحرية‭ ‬ذات‭ ‬تاريخ‭ ‬بحري‭ ‬راسخ،‭ ‬فقد‭ ‬سافر‭ ‬التجار‭ ‬والعلماء‭ ‬العمانيون‭ ‬بين‭ ‬ثقافات‭ ‬عدة‭ ‬وتفاعلوا‭ ‬معها‭ ‬وانصهروا‭ ‬فيها‭. ‬ولذا‭ ‬أقام‭ ‬العمانيون‭ ‬علاقات‭ ‬مع‭ ‬عدة‭ ‬ثقافات‭ ‬وحضارات،‭ ‬وما‭ ‬زال‭ ‬هذا‭ ‬دأبهم‭. ‬فالنشاط‭ ‬البحري‭ ‬يعدّ‭ ‬أهم‭ ‬المجالات‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬العولمة‭ ‬الذي‭ ‬نعيشه،‭ ‬وقد‭ ‬حرصت‭ ‬سلطنة‭ ‬عُمان‭ ‬على‭ ‬الإبقاء‭ ‬على‭ ‬روح‭ ‬التبادل‭ ‬الحر‭ ‬والشراكة‭ ‬التي‭ ‬سادت‭ ‬عصر‭ ‬العولمة‭ ‬الأول،‭ ‬وما‭ ‬تزال‭ ‬هذه‭ ‬الأنشطة‭ ‬توفر‭ ‬المناخ‭ ‬الذي‭ ‬يشجع‭ ‬على‭ ‬التعاون‭ ‬الثقافي‭ ‬والتجاري‭ ‬والعلمي،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬إثراء‭ ‬التعايش‭ ‬والسلام‭ ‬والوئام‭ ‬والاحترام‭ ‬المتبادل،‭ ‬حتى‭ ‬تدفع‭ ‬الرياح‭ ‬اشرعة‭ ‬الجميع‭. ‬

ونظراً‭ ‬للموقع‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬الذي‭ ‬تتمتع‭ ‬به‭ ‬سلطنة‭ ‬عُمان،‭ ‬فإنَّ‭ ‬الموانئ‭ ‬العمانية‭ ‬تتميز‭ ‬بسهولة‭ ‬النفاذ‭ ‬من‭ ‬المسطحات‭ ‬المائية‭ ‬سالفة‭ ‬الذكر‭ ‬ومضيق‭ ‬هرمز‭ ‬وإليها‭. ‬وجاء‭ ‬توقيع‭ ‬اتفاقية‭ ‬الموانئ‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬بين‭ ‬سلطنة‭ ‬عمان‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬تأكيداً‭ ‬لالتزام‭ ‬البلدين‭ ‬بتعزيز‭ ‬الأهداف‭ ‬الأمنية‭ ‬المشتركة‭.‬

يعتبر‭ ‬مضيق‭ ‬هرمز‭ ‬أحد‭ ‬أبرز‭ ‬الممرات‭ ‬الملاحية‭ ‬الدولية‭ ‬للنَّفط‭ ‬والغاز،‭ ‬إذ‭ ‬تمر‭ ‬عبره‭ ‬60‭,‬000‭ ‬سفينة‭ ‬سنوياً،‭ ‬بواقع‭ ‬17‭ ‬مليون‭ ‬برميل‭ ‬من‭ ‬النَّفط‭ ‬يومياً،‭ ‬وهذا‭ ‬يمثل‭ ‬نسبة‭ ‬30‭% ‬من‭ ‬النَّفط‭ ‬المنقول‭ ‬بحراً‭. ‬وعلاوة‭ ‬على‭ ‬النَّفط،‭ ‬فإنَّ‭ ‬الغاز‭ ‬الطبيعي‭ ‬المسال‭ ‬يُنقل‭ ‬عبر‭ ‬هذا‭ ‬الممر‭ ‬المائي‭ ‬أيضاً،‭ ‬بواقع‭ ‬30‭% ‬من‭ ‬تجارة‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬السلعة‭ ‬القيمة‭. ‬وهكذا‭ ‬تلعب‭ ‬القوة‭ ‬البحرية‭ ‬العمانية،‭ ‬بالتنسيق‭ ‬مع‭ ‬القيادة‭ ‬المركزية‭ ‬الأمريكية‭ ‬والقوات‭ ‬البحرية‭ ‬الإقليمية،‭ ‬دوراً‭ ‬محورياً‭ ‬باعتبارها‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬القوات‭ ‬التي‭ ‬تذود‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الممر‭ ‬الحيوي،‭ ‬وتلعب‭ ‬وحداتها‭ ‬وقواتها‭ ‬البحرية‭ ‬دوراً‭ ‬محورياً‭ ‬في‭ ‬ضمان‭ ‬أمن‭ ‬وسلامة‭ ‬الممرات‭ ‬الملاحية‭ ‬لمضيق‭ ‬هرمز‭ ‬الواقع‭ ‬في‭ ‬نطاق‭ ‬المياه‭ ‬الإقليمية‭ ‬العُمانية‭.‬

وقد‭ ‬تعزز‭ ‬هذا‭ ‬الدور‭ ‬وتوطد‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬‮«‬مركز‭ ‬الأمن‭ ‬البحري‮»‬؛‭ ‬إذ‭ ‬يُعنى‭ ‬المركز‭ ‬هذا‭ ‬بإدارة‭ ‬وقيادة‭ ‬عمليات‭ ‬الأمن‭ ‬البحري‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬البحرية‭ ‬العمانية‭ ‬وتوفير‭ ‬الحماية‭ ‬اللازمة‭ ‬للموانئ‭ ‬من‭ ‬الجهة‭ ‬البحرية‭ ‬والمنشآت‭ ‬والسواحل‭ ‬البحرية‭ ‬ومكافحة‭ ‬التهديدات‭ ‬الأمنية‭ ‬البحرية،‭ ‬وذلك‭ ‬بالتنسيق‭ ‬مع‭ ‬الجهات‭ ‬المعنية‭ ‬بالأمن‭ ‬البحري‭ ‬في‭ ‬سلطنة‭ ‬عمان،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬جمع‭ ‬وتحليل‭ ‬وتبادل‭ ‬المعلومات‭ ‬بين‭ ‬مراكز‭ ‬العمليات‭ ‬المختلفة‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬المعنية‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬يهدد‭ ‬الأمن‭ ‬البحري‭. ‬ووقعت‭ ‬سلطنة‭ ‬عُمان‭ ‬اتفاقيات‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬الشقيقة‭ ‬والصديقة‭ ‬لتعزيز‭ ‬الأمن‭ ‬البحري‭ ‬وتبادل‭ ‬المعلومات‭.‬

ومن‭ ‬خلال‭ ‬ملاحظة‭ ‬المتغيرات‭ ‬في‭ ‬البيئة‭ ‬الأمنية‭ ‬البحرية،‭ ‬نجد‭ ‬تصاعداً‭ ‬ملحوظاً‭ ‬في‭ ‬المخاطر‭ ‬والتهديدات‭ ‬البحرية،‭ ‬خصوصاً‭ ‬تلك‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالقرصنة‭ ‬البحرية،‭ ‬والسطو‭ ‬المسلح،‭ ‬والتسلل‭ ‬والتهريب،‭ ‬وإعاقة‭ ‬طرق‭ ‬الملاحة‭ ‬الدولية،‭ ‬والإرهاب‭ ‬البحري،‭ ‬والجرائم‭ ‬المنظمة‭ ‬العابرة‭ ‬للحدود‭ ‬الوطنية،‭ ‬والتجارة‭ ‬غير‭ ‬المشروعة،‭ ‬كجرائم‭ ‬الاتجار‭ ‬بالبشر‭ ‬والأسلحة‭. ‬

وقد‭ ‬بدأت‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2019‭ ‬تسيير‭ ‬دوريات‭ ‬أمنية‭ ‬مكثفة‭ ‬في‭ ‬المياه‭ ‬الإقليمية‭. ‬ويقول‭ ‬بيان‭ ‬الأسطول‭ ‬الأمريكي‭ ‬البحري‭ ‬الخامس‭ ‬التابع‭ ‬للقيادة‭ ‬المركزية‭ ‬الأمريكية‭: ‬“نجحت‭ ‬دول‭ ‬المجلس‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬الاتصال‭ ‬والتنسيق‭ ‬فيما‭ ‬بينها‭ ‬لدعم‭ ‬التعاون‭ ‬البحري‭ ‬الإقليمي،‭ ‬وعمليات‭ ‬الأمن‭ ‬البحري‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭.‬”‭ ‬وأوضح‭ ‬أنَّ‭ ‬“سفن‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬السفن‭ ‬التابعة‭ ‬للقوات‭ ‬البحرية‭ ‬وخفر‭ ‬السواحل،‭ ‬تعمل‭ ‬في‭ ‬تنسيق‭ ‬وثيق‭ ‬بين‭ ‬بعضها‭ ‬البعض‭ ‬وكذلك‭ ‬البحرية‭ ‬الأمريكية‭.‬”‭ ‬وتغطي‭ ‬منطقة‭ ‬عمليات‭ ‬الأسطول‭ ‬الخامس‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬2‭.‬5‭ ‬مليون‭ ‬ميل‭ ‬مربع،‭ ‬وتشمل‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬وخليج‭ ‬عمان‭ ‬والبحر‭ ‬الأحمر‭ ‬وأجزاء‭ ‬من‭ ‬المحيط‭ ‬الهندي‭. ‬وتضم‭ ‬المنطقة‭ ‬21‭ ‬دولة،‭ ‬وثلاث‭ ‬نقاط‭ ‬مهمة‭ ‬وهي‭: ‬مضيق‭ ‬هرمز‭ ‬وقناة‭ ‬السويس‭ ‬ومضيق‭ ‬باب‭ ‬المندب‭.‬

وأطلق‭ ‬الأسطول‭ ‬الخامس‭ ‬مؤخراً‭ ‬مبادرة‭ ‬جديدة‭ ‬لمواجهة‭ ‬التهديدات‭ ‬الناشئة‭. ‬تمثلت‭ ‬هذه‭ ‬المبادرة‭ ‬في‭ ‬‮«‬قوة‭ ‬المهام‭ ‬الـ‭ ‬59‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬قوة‭ ‬جديدة‭ ‬تضم‭ ‬مسيَّرات‭ ‬جوية‭ ‬وبحرية‭ ‬وتحت‭ ‬مائية‭. ‬ويهدف‭ ‬إطلاق‭ ‬هذه‭ ‬القوة‭ ‬إلى‭ ‬دمج‭ ‬الأنظمة‭ ‬المسيَّرة‭ ‬والذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬بسرعة‭ ‬مع‭ ‬العمليات‭ ‬البحرية‭. ‬

ولا‭ ‬شك‭ ‬أنَّ‭ ‬هذه‭ ‬القوة‭ ‬تعتمد‭ ‬أشد‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬الشراكات‭ ‬الإقليمية‭ ‬والتحالفات؛‭ ‬فنحن‭ ‬أقوى‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬وحدتنا‭ ‬وشراكتنا‭.‬

الفريق‭ ‬الركن‭ ‬بحري‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬بن‭ ‬خميس‭ ‬الرئيسي،‭ ‬رئيس‭ ‬أركان‭ ‬قوات‭ ‬
السلطان‭ ‬المسلحة،‭ ‬والفريق‭ ‬بحري‭ ‬جيمس‭ ‬مالوي،‭ ‬نائب‭ ‬قائد‭ ‬القيادة‭ ‬
المركزية‭ ‬الأمريكية‭ ‬آنذاك

التعليقات مغلقة.