تكامل الدفاعات الجوية
تمرين «حسم العقبان 22» يسمح لضباط الخليج العربي بالعمل في إطار فريق متعدد الجنسيات لصد هجمات الصواريخ والطائرات المسيَّرة
أسرة يونيباث
إنَّ مواطن الخطر التي لا تسلم منها دول الخليج العربي، لا سيما تعرضها لهجمات محتملة من الصواريخ والطائرات المسيَّرة المسلحة والعبوَّات الناسفة محلية الصنع، تتطلب منظومة دفاعية تجمع بين قوة جيوش المنطقة.
قدم تمرين «حسم العقبان 22»، وهو تمرين متعدد الجنسيات أجرته القيادة المركزية الأمريكية في آذار/مارس 2022، لمحة أولية عن كيفية قيام دول مثل البحرين والكويت والسعودية بتشغيل منظومة دفاع جوي صاروخي متكاملة لصد مثل هذه الهجمات.
تضمنت فعاليات تمرين «حسم العقبان» هجمات بالصواريخ وأسراب الطائرات المسيَّرة وتفجير عبوَّات ناسفة ودعاية مغرضة على وسائل الإعلام الاجتماعي تهدف إلى تفتيت عزيمة البلدان المستهدفة. فإذا اكتشفت أجهزة الاستشعار في دولة ما هجوماً، يُرسَل التحذير عبر شبكة استخبارات عسكرية مشتركة، لكي تتأهب قوات الأمن متعددة الجنسيات في الخليج.
وتضمن المتدربون في قاعدة «فورت كارسون» بولاية كولورادو 30 ضابطاً من الكويت و14 من السعودية وستة من البحرين. وشارك أكثر من 100 من رجال الجيش الأمريكي، وقدموا القاعدة والتنسيق والمعدات العسكرية لاختبار مفاهيم المنظومة. وأرسلت سلطنة عُمان مراقبين عسكريين.
قال العميد خالد الشريان، نائب قائد قوات الدفاع الجوي الكويتي: “تطورت التهديدات الجوية والصاروخية بسرعة، وأصبحت أكثر دقة وانتشاراً. وتعد منظومة الدفاع الجوي الصاروخي المتكاملة مهمة أساسية ومستمرة في أوقات السلم والأزمات والصراعات.”
وأضاف قائلاً: “لا بدَّ من الربط بين أنظمة الدفاع الجوي الوطنية والحليفة المكونة من أجهزة الاستشعار وأصول القيادة والتحكم وأنظمة الأسلحة، فهذا سيحمي الأصول الوطنية مع نشر الأمن وضمان حرية التحرك.”
بدأ تمرين المحاكاة بإنشاء قيادة العمليات المشتركة التي أدارها ضباط من الكويت والسعودية والبحرين، وقامت بنوك الكمبيوتر الأمريكية بإرسال المعلومات إلى الضباط من القوات المنتشرة والتقارير الإخبارية ووسائل الإعلام الاجتماعي في ربوع منطقة الخليج العربي.
وتابع الضباط بث فيديو مباشر عُرض على شاشات كبيرة لتتبع سرب من الطائرات المسيَّرة تحلق فوق طريق بحري حيوي في الخليج. ومن المحتمل أنها كانت تشارك في جهود الاستطلاع لتحديد الأهداف المستقبلية ومضايقة قدرات قوة العمل المشتركة الموحدة في المنطقة. كما أشارت عدة تقارير استخبارية إلى أنَّ دولة معادية تعتزم إطلاق صواريخ باليستية وصواريخ كروز ضد دول الخليج العربي.
رفعت القوات الإقليمية معاً حالة التأهب القصوى، وخلال بضع ساعات، كشفت منظومة رادار إقليمية عن إطلاق عدة صواريخ باليستية وصواريخ كروز، أعقبها سرب من الطائرات المسيَّرة. ولم تستهدف منشأة واحدة بل عدة منشآت في الخليج.
انبرى الضباط الكويتيون في مركز العمليات المشتركة للعمل ونقلوا الخبر إلى القيادات العسكرية المسؤولة عن صد القصف الجوي. وفي غضون ساعة، اشتبكت قوة العمل المشتركة الموحدة مع التهديدات الواردة ودمرت جميع الصواريخ باستثناء صاروخين أصابا مصفاة نفط.
تلقى ضابط الاتصال في مركز العمليات طلب مساعدة من وزارة الداخلية على إثر تسرب غازات سامة من مصفاة النَّفط المحترقة وحاجة المصابين إلى الرعاية الطبية. فوضع المركز خطة، ونسق عملية تسليم مستشفىً ميداني من إحدى دول الجوار، وطلب أربع سيارات إطفاء لإخماد حريق المصفاة وكتيبة من الحرس الوطني الكويتي للمشاركة في عمليات الإخلاء.
وفي الوقت نفسه، تعاون المركز مع قوات الدفاع الجوي للدولة الشريكة لتعقب سرب الطائرات المسيَّرة واعتراضه، ونجحوا في تدمير طائرات العدو المسيَّرة دون وقوع خسائر في الأرواح.
بغض النظر عن التهديدات التقليدية، ابتكر تمرين «حسم العقبان 22» سيناريو لهجوم غير متناظر ركز فيه الوكلاء الذين ترعاهم الدول على الأهداف التي رأوا أنها لقمة سائغة لإثارة الذعر. وأفادت خلية الاستخبارات الكويتية بمركز العمليات أنَّ مجموعة إرهابية تخطط لاستهداف منطقة سكنية غير محددة باستخدام سيارات مفخخة تحمل مواداً كيميائية.
وفي غضون بضع ساعات، تلقى المركز تقريراً استخبارياً عن تفجير سيارة مفخخة بالقرب من مستشفىً أسفر عن سقوط العديد من القتلى والجرحى. وأرسل المركز إحدى وحدات مكافحة أسلحة الدمار الشامل للعمل مع الحرس الوطني والدفاع المدني لتطهير المنطقة وإخلاء الجرحى.
استخدم الإرهابيون وسائل الإعلام الاجتماعي لنشر الشائعات والفوضى حول هجوم السيارة المفخخة في محاولة لتوجيه أصابع الاتهام إلى دولة أخرى. فاكتشف منسقو العمليات الإلكترونية في المركز حملة التضليل تلك، وردوا عليها بحملة استراتيجية ركزت على طمأنة المواطنين بأن الجيش يعمل على حماية الأمن القومي، وتضمنت نشر آخر مستجدات الوضع من قادة الجيش.
وقال العقيد محمد العوضي، مدير الاتصالات الاستراتيجية بالجيش الكويتي: “تدربنا على دور التواصل الاستراتيجي الذي يشمل العمليات السيبرانية والمعلوماتية وفرق العمليات الإلكترونية المعنية بتوحيد رسائلنا في وسائل الإعلام ووسائل الإعلام الاجتماعي لمواجهة روايات العدو. ويكمن هدفنا في السيطرة على بيئة المعلومات وطمأنة مواطنينا على أمنهم مع بث الخوف في نفوس أعدائنا.”
أشاد القادة المشاركون في تمرين «حسم العقبان» بواقعية سيناريوهات التدريب في ضوء الحوادث الفعلية التي تشهدها المنطقة. وخلال إحدى ندوات كبار القادة في التمرين، قال اللواء ستيفن دي ميليانو، مدير التدريب بالقيادة المركزية الأمريكية، إنَّ تطور التهديدات الجوية والصاروخية يستدعي التنسيق والتكامل بين منظومات الدفاع الجوي.
وقال: “كما تعلمون جميعاً، نتعامل منذ سنوات مع عناصر إقليمية خبيثة تتزايد وقاحتها يوماً تلو الآخر، ولكنها باتت أشد وقاحة منذ عام 2019.”
كبار مساعديه. رئيسة رقباء ليو جنكينز/الجيش الأمريكي
كما شجع تمرين «حسم العقبان» ضباط الأركان على التعاون في حالات الطوارئ كاختطاف الطائرات ومفاوضات الرهائن والاستيلاء على ناقلة نفط. وكان الهدف من ذلك إعدادهم لاتخاذ القرار الصحيح تحت ضغط الأزمات المتتالية.
قال العقيد كايد العازمي، رئيس وفد الحرس الوطني الكويتي لدى تمرين «حسم العقبان»: “كان هذا التمرين فرصة عظيمة لصقل المهارات العملياتية وإدارة الأزمات؛ فما أروع العمل في بيئة متعددة الجنسيات وقوات مشتركة لإدارة الكوارث.”
قائد كويتي يتحدث عن تقييم تمرين «حسم العقبان 22»
العميد مبارك الزعبي، قائد قوة الواجب المشتركة لتمرين «حسم العقبان 22»، يتحدث عن هذا التمرين المخصص للخليج العربي:
يونيباث: ما أهمية تمرين «حسم العقبان» لدولة الكويت؟
العميد مبارك الزعبي: يعتبر تمرين «حسم العقبان» من أهم التمارين المشتركة التي تحرص الدول على المشاركة فيها لاكتساب الخبرات العملياتية والميدانية في بيئة القوات المشتركة. استضافت دولة الكويت النسختين الـ 13 والـ 14 من التمرين حيث شاركت الولايات المتحدة الأمريكية ودول الخليج العربي بقطاعات ميدانية. ويعتبر تمرين «حسم العقبان 22» أول تمرين بعد جائحة كورونا، وهي المرة الأولى التي يُعقد فيها في الولايات المتحدة. كان للكويت الدور الأكبر في التمرين إذ شاركت بـ 30 ضابطاً من مختلف الصفوف العسكرية موزعة على جميع خلايا التمرين. ومن الجدير بالذكر أنَّ الضباط الكويتيين تولوا قيادة التمرين وإدارة الخلايا الرئيسية.
يونيباث: ما أفضل فقرات التمرين برأيك؟
العميد الزعبي: يختلف تمرين «حسم العقبان 22» عن التمارين السابقة من حيث مكان التنفيذ والسيناريوهات التي تمَّ العمل عليها؛ إذ ركز على مفهوم توحيد وحدات الدفاع الجوي والصاروخي ضمن نظام مركزي يقوم بإبلاغ جميع الدول الصديقة والشقيقة في المنطقة في حال وقوع أي هجوم صاروخي أو بالطائرات المسيَّرة. ويعتبر هذا المفهوم جديد ويحتاج لتوحيد المفاهيم والعمل مع تقنيات حديثة متعددة. كما كانت فقرة التنفيذ مهمة جداً وذلك لمراقبة كيفية التوافق العملياتي بين الدول المشاركة؛ فكانت التقارير الاستخبارية تصل إلى مقر قيادة العمليات المشتركة بكل مرونة ومن ثمَّ تقوم الخلايا بتمرير العمليات من خلال شبكة التمرين بطريقة مرنة وسهلة ويطلع عليها الجميع بنفس الوقت دون الإخلال بباقي الأعمال الأخرى. وجهَّز الجانب الأمريكي جميع أدوات البنية التحتية للتمرين كما في غرفة العمليات الحقيقية. ومن الأهمية بمكان تقديم الشكر للجانب الأمريكي على ما قدموه في الأسبوع الأول وهو الأسبوع الأكاديمي الذي شهد توحيد جميع المفاهيم والإجراءات وكيفية إدارة التمرين لجميع الدول المشاركة قبل بدء التمرين وتعريف المشاركين على جميع المتطلبات وكيفية القيام بإجراءات صنع القرار وعمل الأركان.
يونيباث: كيف استفدتم من مواضيع مؤتمر كبار القادة؟
العميد الزعبي: قدَّم قادة ومحاضرون من الجانب الكويتي والأمريكي يتمتعون بخبره عالية في مجال تخصصاتهم عدة مواضيع مهمة، وكانت المعلومات التي طُرحت ونوقشت ذات فائدة كبيرة لجميع المشاركين، خاصة في مجال الدفاع الجوي والصاروخي وكيفية مواجهة التهديدات الحالية والمستقبلية للصواريخ الباليستية والطائرات المسيَّرة. وهنا لا بدَّ لي من الإشارة إلى الاستفادة الكبيرة من خبرة قيادة الدفاع الجوي المشترك لأمريكا الشمالية؛ إذ قدَّم العقيد بالبحرية الأمريكية شون غرونويل، رئيس الدفاع الجوي والصاروخي المتكامل في قيادة الدفاع الجوي المشترك، نبذة عن تاريخ تلك القيادة وكيفية توحيد أجهزة الرادارات والشبكات بين الولايات المتحدة وكندا. وأعتقد أنَّ فكرة توحيد أنظمة الدفاع الجوي مهمة جداً لدول المنطقة. كما ألقى العميد خالد الشريعان، مساعد آمر سلاح الدفاع الجوي الكويتي، محاضرة تحدث فيها عن مواضيع مهمة تهم دول الخليج بشكل عام ودولة الكويت بشكل خاص، إذ بيَّن من خلال الخبرة التي اكتسبها كيفية مواجهة التهديدات الصاروخية والحلول المناسبة.
يونيباث: ما الدروس المستفادة من العمل مع الشركاء الأمريكيين في التمرين؟
العميد الزعبي: أولاً تعزيز الرؤى المشتركة حول الأمن الإقليمي والاطلاع على التقنيات الحديثة في مجال الدفاع الجوي والسيبراني. كما تمتلك القوات الأمريكية خبرات تراكمية كبيرة من خلال المشاركة في صراعات متعددة وبيئات عمليات متنوعة، إضافة الى امتلاكها أحدث التقنيات والتكتيكات العسكرية مما يجعل التعاون والتدريب المشترك معها ذا فائدة كبيرة. نحن نكتسب منهم الخبرات العملياتية، وهم يتعلمون منا العمل في بيئات مختلفة، وهكذا تعود الفائدة على جميع المشاركين.
يونيباث: هل لك أن تحدِّثنا عن التعاون العسكري مع الدول الشقيقة والصديقة؟
العميد الزعبي: لقد تغيَّرت مفاهيم الحروب التقليدية ولم يعد بمقدور دولة مواجهة تهديدات الحروب غير المتكافئة بمفردها، ولذلك لا بدَّ من وجود تعاون مشترك على المستوى الإقليمي والدولي لمواجهة التهديدات غير التقليدية. تربطنا مع أشقائنا في دول مجلس التعاون الخليجي علاقات مبنية على الفهم والمصير المشترك في جميع المجالات العسكرية والأمنية. لذلك نعمل معاً لمواجهة التحديات القائمة ونتدرب على مواجهة التحديات المستقبلية. نتبادل المعلومات والخبرات ونعمل معاً من أجل الحفاظ على أمن المنطقة واستقرارها.
يونيباث: كيف تقيِّم أداء المشاركين من القوات المسلحة الكويتية في التمرين؟
العميد الزعبي: اكتسب الجيش الكويتي خبرة كبيرة ومتراكمة من خلال المشاركة المستمرة في هذا التمرين والتمارين المشابهة، حيث كان يوجد فهم وإدراك لتطورات الموقف منذ البداية ومعرفة تامة بكيفية التعامل مع المواقف الطارئة من خلال القيام بجميع خطوات وإجراءات صنع القرار باحترافية عالية. وهنا أود أن أؤكد على الدور المهم كذلك لأشقائنا المشاركين من دول الخليج العربي لما قدموه من خبرات في هذا المجال وكذلك الجانب الأمريكي لما قدموه وخاصة في مجال لعبة الحرب والمعاضل الواقعية.
يونيباث: ما رأيك بخطة الدفاع الجوي الصاروخي المشترك؟
العميد الزعبي: فكرة الدفاع الجوي الصاروخي المشترك مفهوم جديد على الجيوش، لكنه الحل الأمثل لمواجهة التهديدات غير المتكافئة. فقد أصبح امتلاك الطائرات المسيَّرة متوفر وبتكلفة منخفضة مما يشجع الجماعات الإرهابية والفصائل المسلحة التي تعمل خارج نطاق الدول على استخدامها، لذلك لا يمكن حماية الأجواء والمنشآت الحيوية من هذا النوع من الهجمات دون إيجاد نظام دفاع جوي موحد وإنذار مبكر. بيد أنَّ هذا المفهوم يحتاج دراسة أعمق خاصة في موضوع توحيد عمل الأنظمة متعددة المناشئ. ويجب تهيئة جميع السبل المتاحة لإنجاح الخطة ومنها أن تكون متوافقة في جميع المجالات الدبلوماسية والعملياتية والتكتيكية وتنفيذ تمارين مشابهة وفحص الخطط بين فترة وأخرى وضمان التنسيق المستمر بين الدول. وفي النهاية أود أن أخص بالشكر القيادة المركزية الأمريكية على استضافة التمرين خلال عام 2022 بالرغم من الظروف الصعبة والتنقلات. فقد قاموا بجهد كبير وعملوا على تهيئة الظروف المناسبة وتوفير البنية التحتية والمترجمين والمستشارين لإنجاح التمرين، والشكر موصول للواء الأمريكي ستيفن ديميليانو والعاملين معه، ونتطلع إلى مشاركات وتعاون مستقبلي لما يخدم المصالح المشتركة.
التعليقات مغلقة.