توحيد القبائل

مع‭ ‬تطور‭ ‬الدول،‭ ‬الولاء‭ ‬للوطن‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يتسامى‭ ‬على‭ ‬الولاء‭ ‬للقبيلة

اللواء‭ ‬الركن‭ ‬محمد‭ ‬زيد‭ ‬ابراهيم،‭ ‬الملحق‭ ‬العسكري‭ ‬لسفارة‭ ‬اليمن‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية
اللواء الركن محمد زيد ابراهيم
تشكل‭ ‬القبيلة‭ ‬اللبنة‭ ‬الاساسية‭ ‬أو‭ ‬حجر‭ ‬الزاوية‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬المجتمعات‭ ‬العربية‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬والمجتمع‭ ‬اليمني‭ ‬بشكل‭ ‬خاص‭. ‬القبيلة‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تعيش‭ ‬الحياة‭ ‬البدائية‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬حالها‭ ‬في‭ ‬العصور‭ ‬السحيقة،‭ ‬بل‭ ‬طرأت‭ ‬على‭ ‬حياة‭ ‬أفرادها‭ ‬تغييرات‭ ‬نوعية‭ ‬متأثرة‭ ‬بالحركات‭ ‬الفكرية‭ ‬والسياسية‭ ‬العربية‭ ‬والعالمية،‭ ‬وتكللت‭ ‬هذه‭ ‬الحركات‭ ‬الفكرية‭ ‬بنشوء‭ ‬مفهوم‭ ‬الدولة‭ ‬المعاصر‭ ‬كجزء‭ ‬من‭ ‬النظام‭ ‬العالمي‭ ‬الجديد‭. ‬
نظمت‭ ‬المفاهيم‭ ‬والقوانين‭ ‬المعاصرة‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬أفراد‭ ‬القبيلة‭ ‬من‭ ‬جانب،‭ ‬وبينهم‭ ‬وبين‭ ‬أفراد‭ ‬القبائل‭ ‬الأخرى‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬آخر‭ ‬ضمن‭ ‬إطار‭ ‬جغرافي‭ ‬وكيان‭ ‬سياسي‭ ‬صار‭ ‬يطلق‭ ‬عليه‭ ‬مصطلح‭ ‬“دولة‭.‬”‭ ‬وفي‭ ‬اليمن‭ ‬المعاصرة،‭ ‬لعبت‭ ‬القبيلة‭ ‬وتلعب‭ ‬دوراً‭ ‬إيجابياً‭ ‬في‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬اللُحمة‭ ‬الوطنية‭ ‬والتماسك‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وتالياً‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬الأمن‭ ‬والوئام‭. ‬لذا‭ ‬كتب‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الباحثين‭ ‬عن‭ ‬رؤية‭ ‬القبيلة‭ ‬وأبرزوا‭ ‬دورها‭ ‬في‭ ‬صياغة‭ ‬مستقبل‭ ‬اليمن،‭ ‬وهناك‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الطروحات‭ ‬التي‭ ‬تبرز‭ ‬مفاهيمها‭ ‬ومعانيها‭ ‬المختلفة‭ ‬التي‭ ‬ذابت‭ ‬في‭ ‬مفاهيم‭ ‬الدولة‭ ‬المدنية‭ ‬لإرساء‭ ‬مشروع‭ ‬حضاري‭ ‬انساني‭ ‬يواكب‭ ‬روح‭ ‬العصر،‭ ‬إذ‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الطروحات‭ ‬الحيوية‭ ‬التي‭ ‬تؤكد‭ ‬دور‭ ‬القبيلة‭ ‬في‭ ‬صياغة‭ ‬مستقبل‭ ‬اليمن‭ ‬الممثل‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬المجتمع‭ ‬الديمقراطي‭ ‬وقيام‭ ‬الدولة‭ ‬المدنية‭ ‬الحديثة،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬القيام‭ ‬بعملية‭ ‬تحديث‭ ‬اجتماعي‭ ‬لأبناء‭ ‬القبائل‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬رفع‭ ‬مستواهم‭ ‬التعليمي‭ ‬والمعاشي‭. ‬وسيعمل‭ ‬هذا‭ ‬التحديث‭ ‬على‭ ‬إحداث‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬التوأمة‭ ‬والاندماج‭ ‬مع‭ ‬النظام‭ ‬المدني‭. ‬وهذا‭ ‬لن‭ ‬يتأتى‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬العناية‭ ‬بتدريب‭ ‬وتأهيل‭ ‬أبناء‭ ‬القبائل‭ ‬وتنمية‭ ‬المناطق‭ ‬القبلية،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬معالجة‭ ‬ظاهرة‭ ‬البطالة‭ ‬بين‭ ‬الشباب‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬القبائل،‭ ‬وإيجاد‭ ‬فرص‭ ‬العمل‭ ‬للخريجين‭ ‬منهم،‭ ‬عوضاً‭ ‬عن‭ ‬الحاقهم‭ ‬بمعسكرات‭ ‬الجيش‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬الوظائف‭ ‬العسكرية،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الخطوة‭ ‬تعد‭ ‬مهمة‭ ‬وطنية‭ ‬مطلوبة‭. ‬ولا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الجيش‭ ‬المؤسسة‭ ‬الوحيدة‭ ‬التي‭ ‬تستوعب‭ ‬أبناء‭ ‬القبائل،‭ ‬لأن‭ ‬هذا‭ ‬الظرف‭ ‬استثنائي‭ ‬ونتمنى‭ ‬زواله‭ ‬وعودة‭ ‬اليمن‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬أمن‭ ‬واستقرار‭. ‬
ولتعزيز‭ ‬التعليم‭ ‬لدى‭ ‬أبناء‭ ‬القبائل‭ ‬وتطوير‭ ‬قدراتهم‭ ‬الإدراية،‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬لنا‭ ‬من‭ ‬دعمهم‭ ‬وتشجيعهم‭ ‬على‭ ‬الانخراط‭ ‬في‭ ‬منظمات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يستطيعون‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬إيجاد‭ ‬فرص‭ ‬العمل‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬ويستطيعون‭ ‬نقل‭ ‬تجاربهم‭ ‬إلى‭ ‬القرية‭.‬
‏لا‭ ‬زال‭ ‬بعض‭ ‬أبناء‭ ‬القبائل‭ ‬ممن‭ ‬يترسخ‭ ‬لديهم‭ ‬الاعتقاد‭ ‬بأن‭ ‬مشروع‭ ‬الدولة‭ ‬المدنية‭ ‬‏هو‭ ‬مشروع‭ ‬أجنبي‭ ‬غربي‭ ‬المنشأ‭ ‬‏يستهدف‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬البنية‭ ‬القبلية‭ ‬اجتماعياً‭ ‬وسياسياً‭. ‬وهذا‭ ‬مفهوم‭ ‬خاطئ‭ ‬لأن‭ ‬القبيلة‭ ‬كنظام‭ ‬اجتماعي‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬السلم‭ ‬والتعايش،‭ ‬سيصب‭ ‬حتماً‭ ‬في‭ ‬مصلحة‭ ‬أي‭ ‬دولة‭ ‬مدنية‭ ‬لأن‭ ‬غاية‭ ‬الدولة‭ ‬المدنية،‭ ‬أية‭ ‬دولة‭ ‬كانت،‭ ‬هي‭ ‬تنظيم‭ ‬حياة‭ ‬مواطنيها‭ ‬وتطوير‭ ‬حياتهم‭ ‬المعيشية‭ ‬وتوفير‭ ‬الأمن‭ ‬والسلام‭ ‬لهم‭ ‬وأبنائهم‭. ‬
وقد‭ ‬يجادل‭ ‬البعض‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬الولاء‭ ‬للقبيلة‭ ‬يتعارض‭ ‬مع‭ ‬الولاء‭ ‬للوطن،‭ ‬لكننا‭ ‬نقول‭ ‬لهؤلاء‭ ‬لا،‭ ‬لا‭ ‬يتعارض‭ ‬مفهوم‭ ‬الولاء‭ ‬إلى‭ ‬القبيلة‭ ‬مع‭ ‬أسس‭ ‬ومبادئ‭ ‬الدولة‭ ‬الحديثة‭ ‬طالما‭ ‬يبقى‭ ‬الولاء‭ ‬الأعلى‭ ‬والأسمى‭ ‬للقبيلة‭ ‬الكبرى‭ ‬والتي‭ ‬تنضوي‭ ‬تحت‭ ‬لوائها‭ ‬كل‭ ‬القبائل،‭ ‬وهي‭ ‬قبيلة‭ ‬الوطن‭. ‬
لكن‭ ‬التعصب‭ ‬للقبيلة‭ ‬والانتماء‭ ‬الأعمى‭ ‬لها‭ ‬يتعارض‭ ‬مع‭ ‬مفهوم‭ ‬الهوية‭ ‬الوطنية‭ ‬ومبادئ‭ ‬الإسلام‭ ‬السامية،‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬يمت‭ ‬إلى‭ ‬المدنية‭ ‬بصلة،‭ ‬لذا‭ ‬يتوجب‭ ‬علينا‭ – ‬نحن‭ ‬دعاة‭ ‬الدولة‭ ‬المدنية‭ ‬التي‭ ‬تتساوي‭ ‬فيها‭ ‬القوانين‭ ‬بين‭ ‬أبناء‭ ‬كل‭ ‬القبائل‭ ‬والذين‭ ‬لا‭ ‬ينتمون‭ ‬إلى‭ ‬قبيلة‭ – ‬أن‭ ‬نرفض‭ ‬التعصب‭ ‬الأعمى‭ ‬للقبيلة‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الهوية‭ ‬الوطنية‭. ‬
والواقع‭ ‬يرى‭ ‬المتخصصون‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬الإنسان‭ ‬أو‭ ‬الأنثروبولوجيا‭ ‬‏أنه‭ ‬من‭ ‬المبادئ‭ ‬الأساسية‭ ‬‏لهذا‭ ‬‏العلم،‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬البنية‭ ‬الثقافية‭ ‬لأي‭ ‬مجتمع‭ ‬كان‭. ‬وأنه‭ ‬لا‭ ‬يحق‭ ‬لأحد‭ ‬أن‭ ‬يقرر‭ ‬أو‭ ‬يرسم‭ ‬للآخرين‭ ‬حياتهم‭ ‬وما‭ ‬يجب‭ ‬‏أن‭ ‬‏يفعلوه‭ ‬وفق‭ ‬مايراه‭ ‬هو‭ ‬صائباً؛‭ ‬فالخطأ‭ ‬والصواب‭ ‬نسبي،‭ ‬‏وما‭ ‬يعتبر‭ ‬‏صواباً‭ ‬عند‭ ‬مجتمع‭ ‬ما‭ ‬‏قد‭ ‬يعتبر‭ ‬خطأ‭ ‬عند‭ ‬مجتمع‭ ‬آخر‭. ‬‏وما‭ ‬هو‭ ‬مرفوض‭ ‬اليوم‭ ‬قد‭ ‬يصبح‭ ‬مقبولاً‭ ‬غداً،‭ ‬‏بمعنى‭ ‬أن‭ ‬القيم‭ ‬تختلف‭ ‬باختلاف‭ ‬الزمان‭ ‬والمكان‭.‬
‏ولذلك‭ ‬فإن‭ ‬أهم‭ ‬مبدأ‭ ‬يجب‭ ‬تطبيقه‭ ‬في‭ ‬حياتنا‭ ‬هو‭ ‬مراعاة‭ ‬قيم‭ ‬ومفاهيم‭ ‬وإرادة‭ ‬الآخرين،‭ ‬وأن‭ ‬لا‭ ‬نفرض‭ ‬عليهم‭ ‬مانراه‭ ‬صائباً‭ ‬ونسف‭ ‬ما‭ ‬يرون،‭ ‬بل‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نلتقي‭ ‬معهم‭ ‬في‭ ‬نقطة‭ ‬وسطية‭ ‬تتواءم‭ ‬بين‭ ‬أفكارنا‭ ‬جميعاً،‭ ‬وهذا‭ ‬أحد‭ ‬أسس‭ ‬الدولة‭ ‬المدنية‭ ‬حيث‭ ‬نقبل‭ ‬الآخر‭ ‬المختلف‭ ‬معنا‭ ‬ونحترم‭ ‬رأيه‭.‬
وقضية‭ ‬القبيلة‭ ‬ودورها‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬التقليدية‭ ‬‏قضية‭ ‬هامة‭ ‬استحوذت‭ ‬على‭ ‬اهتمام‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬علماء‭ ‬الإنسان‭. ‬ومن‭ ‬‏أوائل‭ ‬العلماء‭ ‬العرب‭ ‬الذين‭ ‬اهتموا‭ ‬بظاهرة‭ ‬العصبية‭ ‬القبلية‭ ‬‏وبحثها‭ ‬‏بعمق‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬هو‭ ‬“ابن‭ ‬‏خلدون”‭ ‬الذي‭ ‬أكد‭ ‬‏في‭ ‬مقدمته‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬العصبية‭ ‬‏‏القبلية‭ ‬ودورها‭ ‬في‭ ‬بنية‭ ‬المجتمع‭ ‬البدوي،‭ ‬‏بمعنى‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬دعامتين‭ ‬هامتين‭ ‬هي‭ ‬العصبية‭ ‬والمال‭. ‬ولكن‭ ‬مفهوم‭ ‬العصبية‭ ‬هنا‭ ‬عصبية‭ ‬صاحب‭ ‬الدولة‭ ‬الخاصة‭ ‬من‭ ‬عشيرة‭ ‬وقبيلة،‭ ‬‏أي‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يقصده‭ ‬هنا‭ ‬يوازي‭ ‬مفهوم‭ ‬المواطنة‭ ‬في‭ ‬عصرنا‭ ‬الحالي‭. ‬ويفترض‭ ‬أن‭ ‬تتحول‭ ‬هذه‭ ‬العصبية‭ ‬إلى‭ ‬العصبية‭ ‬الوطنية،‭ ‬التي‭ ‬تعني‭ ‬الانتماء‭ ‬بمعناه‭ ‬المدني‭ ‬والسلمي‭ ‬ولا‭ ‬نقصد‭ ‬البتة‭ ‬الغلو‭ ‬فى‭ ‬الوطنية‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يطلق‭ ‬عليه‭ ‬الشوفينية‭. ‬
‏وهناك‭ ‬دورٌ‭ ‬آخر‭ ‬تلعبه‭ ‬العصبية‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬‏ونرى‭ ‬أن‭ ‬فكرة‭ ‬العصبية‭ ‬‏مرتبطة‭ ‬بفكرة‭ ‬الوازع‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وليس‭ ‬‏الوازع‭ ‬الأخلاقي‭. ‬‏في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬الإنسان‭ ‬شرير‭ ‬بطبعه،‭ ‬وهذه‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬ضرورة‭ ‬طبيعية‭ ‬تفرضها‭ ‬الظروف‭ ‬الموضوعية‭ ‬على‭ ‬الإنسان‭ ‬ليعيش‭ ‬بسلام‭ ‬مع‭ ‬الآخرين‭. ‬‏وقد‭ ‬تكون‭ ‬العصبية‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬تقليدية‭ ‬ضرورية‭ ‬‏لاتحاد‭ ‬أفراد‭ ‬المجتمع‭ ‬القبلي‭ ‬الواحد‭ ‬‏ضد‭ ‬غيرهم‭ ‬من‭ ‬المجتمعات‭ ‬‏الأخرى‭.‬
وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬النظرة‭ ‬الإيجابية‭ ‬للعصبية‭ ‬القبيلة‭ ‬عند‭ ‬‏البعض،‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬للإسلام‭ ‬رأي‭ ‬آخر‭ ‬في‭ ‬العصبية‭ ‬القبلية‭. ‬‏ولأن‭ ‬الإسلام‭ ‬دين‭ ‬محبة‭ ‬وسلام،‭ ‬يرى‭ ‬ضرورة‭ ‬نبذ‭ ‬العصبية‭ ‬‏القبلية‭ ‬لأنها‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬التنازع‭ ‬‏والفرقة‭ ‬والفشل‭.‬
وكما‭ ‬أسلفنا،‭ ‬طرأت‭ ‬على‭ ‬القبيلة‭ ‬تغييرات،‭ ‬واختلفت‭ ‬مفاهيم‭ ‬القبيلة‭ ‬اليوم‭ ‬كثيراً‭ ‬عن‭ ‬مفاهيمها‭ ‬السابقة‭ ‬إما‭ ‬سلباً‭ ‬أو‭ ‬ايجاباً‭. ‬وصار‭ ‬‏من‭ ‬الصعب‭ ‬أن‭ ‬نعيد‭ ‬للقبيلة‭ ‬مكانتها‭ ‬التي‭ ‬‏كانت‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬العهود‭ ‬الغابرة،‭ ‬‏حيث‭ ‬اختلف‭ ‬الزمان‭ ‬والمكان،‭ ‬‏واختلفت‭ ‬المفاهيم‭. ‬ورغم‭ ‬تغير‭ ‬وظائف‭ ‬القبيلة‭ ‬في‭ ‬المجتمعات،‭ ‬بقي‭ ‬للقبيلة‭ ‬قيمتها‭ ‬الرمزية‭ ‬والاجتماعية‭. ‬لكن‭ ‬الزمن‭ ‬كفيل‭ ‬بفرض‭ ‬متغيرات‭ ‬جديدة‭ ‬على‭ ‬قيم‭ ‬القبيلة‭ ‬نظراً‭ ‬للظروف‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والتطور‭ ‬الفكري‭. ‬
‏وإذا‭ ‬ما‭ ‬أحس‭ ‬‏الفرد‭ ‬بعدم‭ ‬أهميتها‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬‏وبأنها‭ ‬أصبحت‭ ‬عائقا‭ ‬أمام‭ ‬ممارسة‭ ‬حياته‭ ‬بشكل‭ ‬طبيعي،‭ ‬تنتهي‭ ‬القبيلة‭ ‬كنظام‭ ‬اجتماعي‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬‏تفكيك‭ ‬الأواصر‭ ‬القبلية‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يُفرض‭ ‬من‭ ‬الخارج‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬قوانين‭ ‬حكومية،‭ ‬بل‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬عن‭ ‬قناعة‭ ‬يتوصل‭ ‬إليها‭ ‬أفراد‭ ‬القبيلة‭ ‬بأنفسهم‭.‬
‏فاعتزاز‭ ‬الفرد‭ ‬بنفسه‭ ‬أو‭ ‬بعائلته‭ ‬أو‭ ‬قبيلته‭ ‬‏لا‭ ‬يُعد‭ ‬عيباً‭ ‬أو‭ ‬جُرماً‭ ‬أو‭ ‬أمراً‭ ‬مُحرماً،‭ ‬‏ولكن‭ ‬العيب‭ ‬أو‭ ‬الخطر‭ ‬يظهر‭ ‬عندما‭ ‬يضع‭ ‬الفرد‭ ‬المصلحة‭ ‬القبلية‭ ‬قبل‭ ‬مصلحة‭ ‬الوطن‭ ‬‏مثل‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬اليمن‭ ‬والعراق‭ ‬وبعض‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬الأخرى،‭ ‬‏حيث‭ ‬يكون‭ ‬الفصل‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬الهوية‭ ‬المذهبية‭ ‬مع‭ ‬الأسف‭ ‬الشديد‭. ‬‏أو‭ ‬أن‭ ‬أفعال‭ ‬وسلوكيات‭ ‬‏القبيلة‭ ‬تكون‭ ‬سبباً‭ ‬لظلم‭ ‬الآخرين‭. ‬
وأخيراً،‭ ‬لسنا‭ ‬ضد‭ ‬القبيلة‭ ‬جملة‭ ‬وتفصيلاً،‭ ‬بل‭ ‬نساند‭ ‬مفاهيم‭ ‬القبيلة‭ ‬الداعمة‭ ‬لمبادئ‭ ‬الدولة‭ ‬المدنية‭ ‬التي‭ ‬تراعي‭ ‬حقوق‭ ‬كل‭ ‬أبنائها‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬امتداداتهم‭ ‬الدينية‭ ‬أو‭ ‬الفكرية‭ ‬أو‭ ‬الاجتماعية‭ ‬أو‭ ‬العرقية‭. 

التعليقات مغلقة.