الغزو الروسي يفاقم أزمة غياب الأمن

الهجوم على أوكرانيا ولّد عدم استقرار في الشرق الأوسط وجنوب ووسط آسيا

لم تقتصر‭ ‬تداعيات‭ ‬هجوم‭ ‬روسيا‭ ‬على‭ ‬أوكرانيا‭ ‬على‭ ‬زعزعة‭ ‬الاستقرار‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬وحدها،‭ ‬بل‭ ‬وفي‭ ‬ربوع‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وجنوب‭ ‬ووسط‭ ‬آسيا‭. ‬وكانت‭ ‬عواقب‭ ‬الغزو‭ ‬الروسي‭ ‬وخيمة‭ ‬سواء‭ ‬أكانت‭ ‬تلك‭ ‬التهديدات‭ ‬للأمن‭ ‬مباشرة‭ (‬فرار‭ ‬اللاجئين‭ ‬من‭ ‬مناطق‭ ‬القتال‭) ‬أم‭ ‬غير‭ ‬مباشرة‭ (‬نقص‭ ‬القمح‭ ‬الذي‭ ‬تسبب‭ ‬في‭ ‬ارتفاع‭ ‬الأسعار‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭).‬

تناول‭ ‬خبراء‭ ‬المجال‭ ‬الأمني،‭ ‬العسكريون‭ ‬والمدنيون،‭ ‬الأضرار‭ ‬الناجمة‭ ‬عن‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬خلال‭ ‬فعاليات‭ ‬امؤتمر‭ ‬التنافس‭ ‬بين‭ ‬القوى‭ ‬العظمىب‭ ‬السادس‭ ‬بجامعة‭ ‬جنوب‭ ‬فلوريدا‭ ‬في‭ ‬كانون‭ ‬الأول‭/‬ديسمبر‭ ‬2022‭. ‬وانصب‭ ‬تركيز‭ ‬المؤتمر‭ ‬على‭ ‬تداعيات‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬القيادة‭ ‬العسكرية‭ ‬المركزية‭ ‬للولايات‭ ‬الأمريكية‭ ‬وشركائها‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭.‬

وذكر‭ ‬المحاضرون‭ ‬والمتحدثون‭ ‬في‭ ‬المؤتمر‭ ‬مشكلات‭ ‬لا‭ ‬حصر‭ ‬لها‭ ‬تفاقمت‭ ‬بسبب‭ ‬الأزمة‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬الشرقية‭: ‬

تمكين‭ ‬إيران‭ ‬إذ‭ ‬جنت‭ ‬مئات‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬اليوروات‭ ‬من‭ ‬الأسلحة‭ ‬التي‭ ‬باعتها‭ ‬لروسيا،‭ ‬ويسمح‭ ‬الدخل‭ ‬الإضافي‭ ‬لطهران‭ ‬بزيادة‭ ‬قمعها‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬والخارج‭. ‬

زيادة‭ ‬أهمية‭ ‬مضيق‭ ‬هرمز‭ ‬كممر‭ ‬ملاحي‭ ‬دولي،‭ ‬فمقاطعة‭ ‬النفط‭ ‬والغاز‭ ‬الروسي‭ ‬جعلت‭ ‬العملاء‭ ‬يتطلعون‭ ‬إلى‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬لتوفير‭ ‬احتياجاتهم‭ ‬من‭ ‬الوقود‭. ‬

إضعاف‭ ‬تطبيق‭ ‬القانون‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬وسط‭ ‬آسيا،‭ ‬ذلك‭ ‬لأن‭ ‬تركيز‭ ‬روسيا‭ ‬على‭ ‬أوكرانيا‭ ‬قلل‭ ‬من‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬التصدي‭ ‬لتهريب‭ ‬المخدرات‭ ‬من‭ ‬أفغانستان‭.‬

صرف‭ ‬انتباه‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬عن‭ ‬حل‭ ‬مشكلة‭ ‬غياب‭ ‬الأمن‭ ‬في‭ ‬أفغانستان،‭ ‬فعادت‭ ‬تجارة‭ ‬الأفيون‭/‬الهيروين‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬عليه،‭ ‬وهذه‭ ‬المخدرات‭ ‬تعبر‭ ‬الحدود‭ ‬البرية‭ ‬والبحرية‭ ‬بكميات‭ ‬تثير‭ ‬القلق‭.‬

وسواء‭ ‬شنت‭ ‬روسيا‭ ‬احرب‭ ‬غزو‭ ‬إمبرياليةب،‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬أحد‭ ‬المتحدثين‭ ‬في‭ ‬المؤتمر،‭ ‬أم‭ ‬كانت‭ ‬غايتها‭ ‬بسط‭ ‬سيطرتها‭ ‬ونفوذها‭ ‬على‭ ‬المنطقة‭ ‬بطرق‭ ‬غير‭ ‬مباشرة،‭ ‬فإنَّ‭ ‬عواقب‭ ‬الحرب‭ ‬الأوكرانية‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬متوقعة‭.‬

الأدميرال‭ ‬كيرت‭ ‬رينشو،‭ ‬مدير‭ ‬العمليات‭ ‬بالقيادة‭ ‬المركزية‭ ‬الأمريكية،‭ ‬بيّن‭ ‬كيف‭ ‬تسبب‭ ‬هذا‭ ‬العدوان‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬اتحالف‭ ‬شرّيرب‭ ‬بين‭ ‬روسيا‭ ‬وإيران‭.‬

جنت‭ ‬الحكومة‭ ‬الإيرانية‭ ‬أموالاً‭ ‬طائلة‭ ‬من‭ ‬بيع‭ ‬الأسلحة‭ (‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬مئات‭ ‬المسيَّرات‭)‬،‭ ‬وكانت‭ ‬تحتاج‭ ‬هذه‭ ‬الأموال‭ ‬لإطالة‭ ‬أمد‭ ‬الحروب‭ ‬بالوكالة‭ ‬في‭ ‬الخارج‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬كاليمن‭. ‬

وبتواطؤ‭ ‬إيراني،‭ ‬شددت‭ ‬روسيا‭ ‬قبضتها‭ ‬على‭ ‬قاعدة‭ ‬طرطوس‭ ‬البحرية‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬حيث‭ ‬تستخدمها‭ ‬للاحتفاظ‭ ‬بوجودها‭ ‬في‭ ‬شرق‭ ‬المتوسط‭. ‬

ولطالما‭ ‬انصب‭ ‬قدر‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬تركيز‭ ‬القيادة‭ ‬المركزية‭ ‬الأمريكية‭ ‬على‭ ‬حماية‭ ‬الشحن‭ ‬القانوني‭ ‬والتصدي‭ ‬للشحن‭ ‬غير‭ ‬القانوني‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬وحوله‭. ‬وكلاهما‭ ‬تأثر‭ ‬بعدم‭ ‬الاستقرار‭ ‬الناجم‭ ‬عن‭ ‬الغزو‭ ‬الروسي‭ ‬لأوكرانيا‭.‬

ففي‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة،‭ ‬نجحت‭ ‬القوات‭ ‬البحرية‭ ‬المشتركة،‭ ‬وهي‭ ‬التحالف‭ ‬البحري‭ ‬متعدد‭ ‬الجنسيات‭ ‬بقيادة‭ ‬الأسطول‭ ‬الخامس‭ ‬للبحرية‭ ‬الأمريكية‭ ‬المتمركز‭ ‬في‭ ‬البحرين،‭ ‬في‭ ‬تحديد‭ ‬177‭ ‬مركباً‭ ‬يحتمل‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬منخرطة‭ ‬في‭ ‬عمليات‭ ‬التهريب،‭ ‬لكنها‭ ‬لم‭ ‬تتمكن‭ ‬من‭ ‬إيقاف‭ ‬إلا‭ ‬33‭ ‬مركباً‭ ‬منها‭ ‬بسبب‭ ‬نقص‭ ‬القطع‭ ‬البحرية‭ ‬والقوة‭ ‬البشرية‭. ‬وذكر‭ ‬الأدميرال‭ ‬رينشو‭ ‬أنَّ‭ ‬نشر‭ ‬مدمرة‭ ‬واحدة‭ ‬في‭ ‬بحر‭ ‬العرب‭ ‬للقبض‭ ‬على‭ ‬المهربين‭ ‬يشبه‭ ‬تكليف‭ ‬سيارة‭ ‬شرطة‭ ‬واحدة‭ ‬بالقيام‭ ‬بدوريات‭ ‬في‭ ‬أرجاء‭ ‬ولاية‭ ‬كاليفورنيا‭ ‬الأمريكية‭ ‬بأكملها‭. ‬

يتمثل‭ ‬حل‭ ‬القيادة‭ ‬المركزية‭ ‬في‭ ‬تكثيف‭ ‬التدريب‭ ‬وتوسيع‭ ‬الشراكات‭ ‬والاستثمار‭ ‬في‭ ‬ابتكارات‭ ‬كالمسيَّرات‭ ‬الجوية‭ ‬والسطحية‭ ‬والغوَّاصة‭ ‬والذكاء‭ ‬الاصطناعي‭. ‬وتستدعي‭ ‬الضرورة‭ ‬هذا‭ ‬النهج‭ ‬بسبب‭ ‬نقص‭ ‬الكوادر‭ ‬البشرية‭ ‬والسفن‭ ‬والطائرات‭. ‬

قال‭ ‬الفريق‭ ‬أول‭ ‬مايكل‭ ‬كوريلا،‭ ‬قائد‭ ‬القيادة‭ ‬المركزية‭ ‬الأمريكية‭: ‬زعلينا‭ ‬تأسيس‭ ‬شراكات‭ ‬متينة‭ ‬وملزمة‭.‬س‭ ‬

تلوح‭ ‬فرص‭ ‬لتعزيز‭ ‬الشراكات‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تضاؤل‭ ‬تركيز‭ ‬روسيا‭ ‬على‭ ‬وسط‭ ‬آسيا؛‭ ‬والدليل‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬أنَّ‭ ‬بعض‭ ‬دول‭ ‬وسط‭ ‬آسيا‭ ‬رفضت‭ ‬مؤخراً‭ ‬إرسال‭ ‬قواتها‭ ‬لجهود‭ ‬موسكو‭ ‬الحربية‭.‬

ويأتي‭ ‬التعاون‭ ‬على‭ ‬مراقبة‭ ‬الحدود‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬تلك‭ ‬الشراكات،‭ ‬إذ‭ ‬يمثل‭ ‬إنتاج‭ ‬الأفيون‭ ‬في‭ ‬أفغانستان‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬85%‭ ‬من‭ ‬كميات‭ ‬الأفيون‭ ‬والهيروين‭ ‬غير‭ ‬المشروعة‭ ‬المتوفرة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العالم،‭ ‬ويعمل‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬500,000‭ ‬أفغاني‭ ‬في‭ ‬تجارة‭ ‬الأفيون،‭ ‬وكثيراً‭ ‬ما‭ ‬يفلت‭ ‬تجار‭ ‬الأفيون‭ ‬من‭ ‬العقاب،‭ ‬ويخوضون‭ ‬معارك‭ ‬مع‭ ‬حرس‭ ‬الحدود‭ ‬في‭ ‬أماكن‭ ‬مثل‭ ‬إيران‭. ‬

وبما‭ ‬أنَّ‭ ‬مبيعات‭ ‬المخدرات‭ ‬كانت‭ ‬مصدراً‭ ‬رئيسياً‭ ‬لتمويل‭ ‬الإرهابيين،‭ ‬فإنَّ‭ ‬جهود‭ ‬مكافحة‭ ‬المخدرات‭ ‬كثيراً‭ ‬ما‭ ‬تتضاعف‭ ‬مع‭ ‬جهود‭ ‬مكافحة‭ ‬الإرهاب‭. ‬وتحدث‭ ‬رينشو‭ ‬عن‭ ‬زوجوب‭ ‬إقامة‭ ‬شراكةس‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬وسط‭ ‬آسيا‭ ‬للنهوض‭ ‬بأمن‭ ‬حدود‭ ‬تلك‭ ‬المنطقة‭.‬

ومثال‭ ‬ذلك‭ ‬أنَّ‭ ‬حدود‭ ‬طاجيكستان‭ ‬الوعرة‭ ‬مع‭ ‬أفغانستان‭ ‬ما‭ ‬تزال‭ ‬مليئة‭ ‬بالثغرات‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬اختراقها،‭ ‬وتتألف‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬من‭ ‬نقاط‭ ‬عسكرية‭ ‬كل‭ ‬15‭ ‬ميلاً‭ [‬24‭ ‬كيلومتراً‭] ‬ولا‭ ‬يوجد‭ ‬بها‭ ‬سوى‭ ‬بضعة‭ ‬جنود‭. ‬وتساهم‭ ‬المساعدات‭ ‬المقدمة‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وشركائها‭ ‬على‭ ‬إعادة‭ ‬بناء‭ ‬هذه‭ ‬المراكز‭ ‬الحدودية،‭ ‬ولكن‭ ‬لن‭ ‬تفلح‭ ‬هذه‭ ‬الجهود‭ ‬بدون‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬تحسين‭ ‬مستوى‭ ‬الاستطلاع‭ ‬والمراقبة‭ ‬وجمع‭ ‬المعلومات‭ ‬الاستخبارية‭. ‬

وفي‭ ‬كلمة‭ ‬رئيسية‭ ‬ألقاها‭ ‬خلال‭ ‬فعاليات‭ ‬المؤتمر،‭ ‬شدَّد‭ ‬الفريق‭ ‬أول‭ ‬كوريلا‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬الابتكارات‭ ‬التكنولوجية‭ ‬للتغلب‭ ‬على‭ ‬التهديدات‭ ‬القادمة‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬مثل‭ ‬إيران‭ ‬وروسيا،‭ ‬فكلاهما‭ ‬عازم‭ ‬على‭ ‬انتهاك‭ ‬قواعد‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭. ‬وأشار‭ ‬إلى‭ ‬أنَّ‭ ‬الخيرات‭ ‬والمواهب‭ ‬التي‭ ‬يزخر‭ ‬بها‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬تجعله‭ ‬خير‭ ‬مكان‭ ‬لمثل‭ ‬هذا‭ ‬الابتكار‭. ‬

وقال‭: ‬سيجب‭ ‬أن‭ ‬تمثل‭ ‬القيادة‭ ‬المركزية‭ ‬الأمريكية‭ ‬الخط‭ ‬الأول‭ ‬للفكر‭ ‬الابتكاري‭.‬ز‭ 

التعليقات مغلقة.