الحوثيون يضطهدون الصحفيين

حرية‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬الرأي‭ ‬في‭ ‬يمن‭ ‬مابعد‭ ‬الصراع‭ ‬تحتاج‭ ‬الى‭ ‬حماية

ماجد‭ ‬المذحجي،‭ ‬المدير‭ ‬التنفيذي‭ ‬لمركز‭ ‬صنعاء‭ ‬للدراسات‭ ‬الاستراتيجية‭  | ‬صور‭ ‬وزارة‭ ‬الإعلام‭ ‬اليمنية
علىمدى‭ ‬سنوات‭ ‬الحرب‭ ‬الراهنة،‭ ‬اُختطفت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬النساء‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬اليمن‭ ‬وتعرضن‭ ‬للاختفاء‭ ‬القسري‭ ‬والتعذيب‭ ‬والاغتصاب،‭ ‬لإجبارهن‭ ‬على‭ ‬الإدلاء‭ ‬باعترافات‭ ‬كاذبة‭ ‬بممارسة‭ ‬أعمال‭ ‬الدعارة،‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬لإصابتهن‭ ‬بصدمات‭ ‬نفسية‭ ‬ووصمهن‭ ‬بالعار‭. ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬عقابهن‭ ‬لمعارضة‭ ‬سلطات‭ ‬الحوثيين‭ ‬بشكل‭ ‬علني‭. ‬لطالما‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬سرًا‭ ‬مفتوحًا‭ ‬في‭ ‬صنعاء‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬يتوجب‭ ‬على‭ ‬الصحفيين‭ ‬اليمنيين‭ ‬المستقلين‭ ‬أن‭ ‬يحققوا‭ ‬بشأن‭ ‬هذه‭ ‬المزاعم‭ ‬وينشروا‭ ‬تفاصيلها‭ ‬لتسليط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬زاوية‭ ‬مظلمة‭ ‬تغذي‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأعمال‭ ‬الوحشية،‭ ‬ولكن‭ ‬إسكات‭ ‬جميع‭ ‬الأصوات‭ ‬المعارضة،‭ ‬سواء‭ ‬إعلاميين‭ ‬أو‭ ‬نشطاء‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬مواطنين‭ ‬عاديين،‭ ‬جعل‭ ‬ممارسة‭ ‬أي‭ ‬عمل‭ ‬صحفي‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يعرّض‭ ‬سلطات‭ ‬الحوثيين‭ ‬للمساءلة،‭ ‬أمراً‭ ‬مستحيلاً‭.‬
اختفت‭ ‬الصحافة‭ ‬المستقلة‭ ‬من‭ ‬صنعاء‭ ‬منذ‭ ‬استيلاء‭ ‬الحوثيين‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬سبتمبر‭/‬أيلول‭ ‬2014‭. ‬وأغلقت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المؤسسات‭ ‬الإعلامية‭ ‬أبوابها‭ ‬ولم‭ ‬يتبقَ‭ ‬سوى‭ ‬بضعة‭ ‬وسائل‭ ‬إعلامية‭ ‬مهمتها‭ ‬نشر‭ ‬البروباغندا‭ ‬الطائفية‭ ‬التابعة‭ ‬للحوثيين‭. ‬اختطف‭ ‬الحوثيون‭ ‬عشرة‭ ‬صحفيين‭ ‬عام‭ ‬2015‭ ‬وعذبوهم‭ ‬وسجنوهم‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭. ‬تدفع‭ ‬أجواء‭ ‬الخوف‭ ‬هذه‭ ‬بالصحفيين‭ ‬إلى‭ ‬فرض‭ ‬رقابة‭ ‬ذاتية‭ ‬على‭ ‬أنفسهم‭ ‬–‭ ‬إما‭ ‬الالتزام‭ ‬بقواعد‭ ‬اللعبة‭ ‬الجديدة‭ ‬أو‭ ‬خسارة‭ ‬وظيفتك،‭ ‬حريتك،‭ ‬كرامتك‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬حياتك‭ ‬–‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬قصصاً‭ ‬مهمة‭ ‬كتلك‭ ‬المتعلقة‭ ‬بتعذيب‭ ‬واستغلال‭ ‬النساء‭ ‬ستبقى‭ ‬طي‭ ‬الكتمان‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الراهن‭.‬
تمادت‭ ‬سلطات‭ ‬الحوثيين‭ ‬في‭ ‬إشاعة‭ ‬أجواء‭ ‬الخوف‭ ‬والذعر،‭ ‬وبعد‭ ‬استمرار‭ ‬اعتقال‭ ‬عشرة‭ ‬صحفيين‭ ‬منذ‭ ‬يونيو‭ ‬2015،‭ ‬قضت‭ ‬خلال‭ ‬محاكمة‭ ‬معيبة‭ ‬وشكلية‭ ‬بإعدام‭ ‬أربعة‭ ‬صحفيين‭ ‬منهم‭: ‬عبد‭ ‬الخالق‭ ‬عمران1،‭ ‬وأكرم‭ ‬الوليدي2،‭ ‬وحارث‭ ‬حميد3،‭ ‬وتوفيق‭ ‬المنصوري4،‭ ‬في‭ ‬11‭ ‬أبريل‭/‬نيسان،‭ ‬وأدانت‭ ‬ستة‭ ‬آخرين‭ ‬مع‭ ‬الاكتفاء‭ ‬بالمدة‭ ‬التي‭ ‬قضوها‭ ‬في‭ ‬السجن‭. ‬شملت‭ ‬التهم‭ ‬الموجهة‭ ‬ضدهم‭ ‬التجسس‭ ‬لصالح‭ ‬التحالف‭ ‬العسكري‭ ‬المناهض‭ ‬للحوثيين‭. ‬وبحلول‭ ‬نهاية‭ ‬الشهر،‭ ‬لم‭ ‬يُفرج‭ ‬إلا‭ ‬عن‭ ‬صحفي‭ ‬واحد‭ ‬منهم‭ ‬هو،‭ ‬صلاح‭ ‬القاعدي‭. ‬تعرض‭ ‬الصحفيون‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الخمس‭ ‬الماضية‭ ‬للاختفاء‭ ‬القسري‭ ‬لمدة‭ ‬ستة‭ ‬أشهر،‭ ‬وعُذبوا‭ ‬وحُرموا‭ ‬من‭ ‬تلقي‭ ‬العلاج‭ ‬الطبي،‭ ‬ومن‭ ‬حقهم‭ ‬في‭ ‬الإجراءات‭ ‬القانونية‭ ‬الواجبة‭. ‬لا‭ ‬يملك‭ ‬الحوثيون‭ ‬أي‭ ‬شرعية‭ ‬قانونية‭ ‬أو‭ ‬دستورية‭ ‬لإدارة‭ ‬المحاكم،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬تنفيذ‭ ‬أية‭ ‬أحكام‭ ‬بالإعدام‭ ‬يرقى‭ ‬إلى‭ ‬أعمال‭ ‬قتل‭ ‬خارج‭ ‬نطاق‭ ‬القانون‭.‬
يدرك‭ ‬الحوثيون‭ ‬جيداً‭ ‬خطر‭ ‬الصحافة‭ ‬المستقلة‭ ‬على‭ ‬نظامهم‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬الفساد‭ ‬والتخويف‭ ‬والعنف‭ ‬والظلم،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬المستغرب‭ ‬هو‭ ‬عمق‭ ‬العداوة‭ ‬التي‭ ‬يبدونها‭ ‬تجاه‭ ‬الصحفيين،‭ ‬إذ‭ ‬أظهرت‭ ‬سلطات‭ ‬الحوثيين‭ ‬استخفافاً‭ ‬متهوراً‭ ‬تجاه‭ ‬حياتهم‭ ‬مراراً‭ ‬وتكراراً‭. ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬احتجز‭ ‬الحوثيون‭ ‬عام‭ ‬2015‭ ‬الصحفيين‭ ‬عبدالله‭ ‬قابل‭ ‬ويوسف‭ ‬العيزري‭ ‬في‭ ‬مبنى‭ ‬تعرض‭ ‬للقصف‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬ذمار،‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬مقتلهما‭ ‬إثر‭ ‬غارة‭ ‬جوية‭. ‬
تبادل‭ ‬الحوثيون‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬الحرب‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأسرى‭ ‬مع‭ ‬تنظيم‭ ‬القاعدة‭ ‬وأطلقوا‭ ‬سراح‭ ‬المئات‭ ‬من‭ ‬المقاتلين‭ ‬من‭ ‬أعدائهم،‭ ‬كما‭ ‬عرضوا‭ ‬مؤخرًا‭ ‬تبادل‭ ‬خمسة‭ ‬جنود‭ ‬سعوديين‭ ‬من‭ ‬بينهم‭ ‬طيار‭ ‬أُسقطت‭ ‬طائرته‭ ‬فوق‭ ‬محافظة‭ ‬الجوف‭ ‬في‭ ‬فبراير‭/‬شباط،‭ ‬ولكنهم‭ ‬رفضوا‭ ‬جميع‭ ‬المناشدات‭ ‬للإفراج‭ ‬عن‭ ‬الصحفيين‭ ‬المحكوم‭ ‬عليهم‭ ‬بالإعدام،‭ ‬وصدوا‭ ‬محاولات‭ ‬الوساطة‭ ‬الأجنبية‭ ‬والمحلية‭. ‬بوسع‭ ‬الجندي‭ ‬أن‭ ‬ينهي‭ ‬حياتك‭ ‬بطلقة‭ ‬ولكن‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أسوأ‭ ‬بكثير‭ ‬في‭ ‬حسابات‭ ‬الحوثيين‭: ‬صحفي‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬كشف‭ ‬حقيقتك‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬وفضحك‭ ‬على‭ ‬الملأ‭.‬
بمناسبة‭ ‬اليوم‭ ‬العالمي‭ ‬لحرية‭ ‬الصحافة‭ ‬الموافق‭ ‬للثالث‭ ‬من‭ ‬مايو‭/ ‬أيار،‭ ‬اُطلقت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدعوات‭ ‬الدولية‭ ‬الجديرة‭ ‬بالثناء‭ ‬مطالبة‭ ‬بحماية‭ ‬الصحفيين‭ ‬حول‭ ‬العالم‭ ‬–‭ ‬بعضها‭ ‬حثت‭ ‬سلطات‭ ‬الحوثيين‭ ‬على‭ ‬إلغاء‭ ‬الأحكام‭ ‬الصادرة‭ ‬ضد‭ ‬الصحفيين‭ ‬والإفراج‭ ‬عنهم‭. ‬هناك‭ ‬أيضاً‭ ‬الصحفيون‭ ‬اليمنيون‭ ‬خارج‭ ‬الأراضي‭ ‬الخاضعة‭ ‬لسيطرة‭ ‬الحوثيين‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬ينبغي‭ ‬نسيانهم‭ ‬عند‭ ‬المناداة‭ ‬بحرية‭ ‬الصحافة،‭ ‬إذ‭ ‬تعرض‭ ‬العديد‭ ‬منهم‭ ‬للهجوم‭ ‬والسجن‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬قوى‭ ‬مختلفة‭ ‬لكن‭ ‬غالباً‭ ‬ما‭ ‬يُطلق‭ ‬سراح‭ ‬هؤلاء‭ ‬بسرعة،‭ ‬على‭ ‬عكس‭ ‬ما‭ ‬يحل‭ ‬بالصحفيين‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يزالون‭ ‬في‭ ‬قبضة‭ ‬الحوثيين‭.‬
في‭ ‬ضوء‭ ‬التهديد‭ ‬الحالي‭ ‬الذي‭ ‬يمثله‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا‭ ‬على‭ ‬السجناء‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يملكون‭ ‬خيار‭ ‬التباعد‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬أطلقت‭ ‬الحكومة‭ ‬اليمنية‭ ‬المعترف‭ ‬بها‭ ‬دولياً‭ ‬وسلطات‭ ‬الحوثيين‭ ‬سراح‭ ‬مئات‭ ‬السجناء‭ ‬لتخفيف‭ ‬الاكتظاظ‭ ‬داخل‭ ‬السجون،‭ ‬ولكن‭ ‬لا‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬الطرفين‭ ‬أفرجا‭ ‬عن‭ ‬صحفيين‭ ‬أو‭ ‬معارضين‭ ‬سياسيين‭. ‬والآن‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬بدأ‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا‭ ‬بالتفشي‭ ‬في‭ ‬اليمن،‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬الحكومة‭ ‬والحوثيين‭ ‬أخذ‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬التدابير‭ ‬وإطلاق‭ ‬سراح‭ ‬المعتقلين‭ ‬السياسيين‭ ‬ومعتقلي‭ ‬الرأي،‭ ‬بمن‭ ‬فيهم‭ ‬جميع‭ ‬الصحفيين‭ ‬الذين‭ ‬يحتجزهم‭ ‬الحوثيون‭.‬
لا‭ ‬يُتوقع‭ ‬من‭ ‬الأنظمة‭ ‬الاستبدادية‭ ‬الإقليمية‭ ‬أن‭ ‬تولي‭ ‬أي‭ ‬اهتمام‭ ‬بانتهاكات‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬لذلك‭ ‬على‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬والدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬أن‭ ‬تمارس‭ ‬الضغط‭ ‬لكي‭ ‬تدفع‭ ‬الحوثيين‭ ‬وغيرهم‭ ‬إلى‭ ‬إطلاق‭ ‬سراح‭ ‬الصحفيين‭ ‬والسجناء‭ ‬السياسيين‭. ‬إن‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬نار‭ ‬وتسوية‭ ‬سياسية‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬المس‭ ‬بحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬يُعد‭ ‬بمثابة‭ ‬رضوخ‭ ‬دولي‭ ‬مفاده‭ ‬أنه‭ ‬عندما‭ ‬يتعلق‭ ‬الأمر‭ ‬باضطهاد‭ ‬الصحفيين‭ ‬والنشطاء‭ ‬والمعارضين،‭ ‬فإنه‭ ‬لا‭ ‬بأس‭ ‬من‭ ‬قمع‭ ‬شعبك‭ ‬بوحشية‭ ‬طالما‭ ‬أنك‭ ‬تقوم‭ ‬بحماية‭ ‬مصالح‭ ‬واستقرار‭ ‬جيرانك‭ ‬الأغنياء‭. 

التعليقات مغلقة.