تحت المجهر تحقيق الأمن عبر الحكم الرشيد بواسطة Unipath في فبراير 11, 2019 شارك Facebook Twitter ينبغي على الحكومة الأفغانية تحسين الخدمات العامة لكسب ولاء المواطنين أحمد فريد فاروزي مدير البرامج السابق، ديموكراسي إنترناشيونال، أفغانستان أظهرت الأدلة العملية وجود روابط إيجابية بين جودة وكفاءة تقديم الخدمات العامة ومستوى ثقة المواطنين في حكومتهم. بالنسبة لبلد ضعيف مثل أفغانستان تتنافس فيها الجهات الفاعلة غير الحكومية بالمناطق النائية مع الحكومة، نجد أن شرعية الدولة تعتمد في الأساس على ثقة وإطمئنان المواطنين. أما بالنسبة للمناطق الريفية التي يسكنها المواطنون الأفغان، والتي تمارس فيها العناصر المناوئة للحكومة نفوذها بشكل مباشر، نجد أن جودة وكفاءة المؤسسات العامة من أكثر العوامل بالغة الأهمية. ولذلك، وبصرف النظر عما إذا كان مزود الخدمة هو أحد زعماء الحرب المحليين، أو مجموعة مناوئة للحكومة، أو الحكومة المحلية، فإن كل الأطراف تدرك حاجتها لتقديم خدمات عامة أفضل لكسب أفئدة وعقول الشعب. ولا تعد عملية تقييم جودة الخدمات أمراً صعباً. فالمواطنون يقيمون جودة تجربتهم حال تعاملهم مع أي مؤسسة عامة لحل أي نزاع، أو طلب الحماية، أو دفع الضرائب، أو تجديد جواز السفر، أو رخصة القيادة. وتتشكل تصوراتهم وصورة المؤسسات الحكومية في أذهانهم بعد أول تعامل معها. حينما تُلبى جميع الاحتياجات بصورة قانونية، يشعر المواطنون بحالة من الرضا وتُستعاد الطمأنينة والثقة بالحكومة. لكن إذا كانت التجربة سلبية، فسيتجه المواطنون للبحث عن قنوات بديلة، ونظراً للظروف المعيشية بالمناطق الريفية في أفغانستان، قد يضطر المواطنون للجوء لجهات غير حكومية. ونتيجة لذلك، ترسخت علاقة عكسية بين ثقة وطمأنينة المواطنين تجاه مؤسسات الدولة من جهة، وبين العناصر المناوئة للدولة من جهة أخرى. في الواقع، لعبت هذه الظاهرة دورها كأحد العوامل الرئيسية للتنبؤ بالحالة الأمنية في المناطق الريفية في أفغانستان التي ينقسم فيها المواطنون الى من نما بينهم تعاطف مع المتطرفين المنتهجين للعنف وبين من قاوموا نفوذهم. البحث عن الحلول بدعم سخي من المجتمع الدولي، تم تنفيذ عدد كبير من المشاريع لتقديم وتحسين الخدمات العامة في أفغانستان. نفذت الحكومة الأفغانية بمساعدة الوكالات الخارجية والمنظمات غير الحكومية العديد من المشروعات لتقديم الخدمات العامة في مجالات التعليم، والرعاية الصحية، والوصول للعدالة، وإصدار جوازات السفر والرخص التجارية، وسندات ملكية الأراضي، وغيرها من الخدمات الحكومية الأساسية. أسفرت هذه الجهود عن نتائج إيجابية مؤقتة، لكنها أخفقت إلى حد كبير في تقديم النتائج المستدامة المنشودة. وتعددت أسباب الإخفاق في تحقيق النجاح المستدام، لعل أبرزها التركيز المنصب على ما تسمى بـ “المدن المركزية.” ومع ذلك، عانى البرنامج الشامل الذي حاولت الحكومة من خلاله تحسين عملية تقديم الخدمات العامة من بعض أوجه القصور. وفي ظل حاجة قطاع تقديم الخدمات العامة الأفغاني للتحول من القيود البيروقراطية العتيقة إلى نهج حديث يركز على المواطن، تواصل الحكومة تعقيد النظام القديم. وتجسد عملية إصدار رخص القيادة وتراخيص السيارات وسندات ملكية الأراضي وجوازات السفر مثالاً على عملية تقديم الخدمات بصورة بيروقراطية فاسدة وغير فعالة، ولم تتحسن بشكل كاف رغم الجهود المبذولة والمتكررة. وبالتالي، يظل نظام الدولة في تقديم الخدمات العامة نظامًا ضعيفًا في جودته وعسيرًا في الاستفادة منه. بالإضافة إلى ذلك، يتسم النظام بعدم الفعالية والفوضوية وعدم التركيز على المواطن بشكل كاف إلى جانب كونه عرضة للفساد والرشوة. وكثيراً ما أخفقت السلطات في إدراك أهمية نظام تقديم الخدمات العامة المرتكز على مصلحة المواطن واعتباره أداة فعالة لمعالجة بعض أكثر القضايا الاجتماعية والاقتصادية إلحاحاً بالمجتمع الأفغاني، لا سيما تلك المشاكل المتعلقة بالمجتمعات الريفية. تفاصيل المشكلة تتسم الخطوات والعمليات المتبعة للحصول على الخدمات العامة بأنها طويلة دون داع. وقد يَضطر المواطن كثيراً لدفع الرشاوي لمختلف رُتب المسؤولين الحكوميين للحصول على الخدمات. وحال رغبة أحد المواطنين الأفغان في حل نزاع قائم على قطعة أرض صغيرة من خلال الاستعانة بنظام العدالة الرسمي للبلاد، فمن الغالب أن يستغرق ذلك وقتاً طويلاً ويكلف أكثر من قيمة الأرض. وفي ظل تلك الظروف، يظل سكان الريف والمهمشون والمواطنون الضعفاء خارج نطاق النظام الأفغاني الرسمي لتقديم الخدمات العامة، ويتحولون فريسة للمتطرفين المنتهجين للعنف. وقد يجد بعض قاطني القرى أنه من السهل أن تُحل قضاياهم من خلال الجماعات المسلحة النشطة بالمنطقة بدلا من زيارة المكاتب الحكومية وإضاعة الوقت والمال في الحصول على الموافقة الحكومية المضنية. ويترتب على هذا الإخفاق الحكومي عواقب أكثر عمقاً. ولذلك يغادر العديد من الشباب المحبطين البلاد بحثا عن فرص بأماكن أخرى أو ينضمون إلى الجماعات المسلحة. وتنقل الشركات رؤوس أموالها خارج أفغانستان وإلى أسواق أكثر استقرارًا وملاءمة للأنشطة التجارية. وفقاً لدراسة استقصائية شملت أفغانستان بأكملها وأجرتها “مؤسسة آسيا” في عام 2017، يرى 61% من المشاركين أن البلاد تسير في الاتجاه الخاطئ، ويعزى ذلك بشكل رئيسي إلى انعدام الأمن وانتشار الخوف ونقص الفرص الاقتصادية وسوء الحوكمة. وتشير نفس الدراسة إلى أن سوء الحوكمة تسهم في رغبة 39% من المواطنين الأفغان في مغادرة البلاد، بينما يرى 84% من المشاركين في الدراسة بأن الفساد يمثل مشكلة رئيسية بمختلف أنحاء أفغانستان. واستغرقت تلك الدراسة الاستقصائية جهدًا مضنيًا للحصول على عينة إجابات وافية وممثلة للمواطنين الأفغان. أجاب على الدراسة أكثر من من 10.000 شخص ينتمون لـ 18 فئة عرقية من مختلف الولايات البالغ عددها 34 مقاطعة. ما الذي بنبغي فعله؟ أفغانستان بحاجة إلى إعادة هيكلة نهج توفير الخدمات لمواطنيها. فهناك حاجة إلى التحول الشامل من النظام الحالي العتيق إلى نظام حديث يركز على المواطن — تصمم فيه الحكومة الخدمات وتقدمها بناءً على متطلبات المواطنين —وليس متطلبات الحكومة. ويمكن تحقيق ذلك من خلال تبني إستراتيجية شاملة وعملية وطويلة الأمد لتقديم الخدمات العامة ومكافحة الفساد واستعادة ثقة المواطنين. وسيتطلب ذلك تيسير وإعادة تعريف طبيعة عمل العديد من المنظمات المتداخلة وغير الفعالة. وفي إطار النظام الجديد، قد تحتاج بعض الهيئات مثل المكتب الأعلى للرقابة ومكافحة الفساد، ومركز العدالة لمكافحة الفساد، وهيئة الإصلاح الإداري، والمكتب الأعلى للتدقيق، ومركز “آسان خدمت” إلى دمج وإعادة تشكيل نفسها مرة أخرى. ومن شأن إعادة الهيكلة الأساسية أن تساعد أفغانستان في محاربة الفساد على مختلف المستويات: الوطنية والفرعية، والإقليمية، والمحلية، والقروية. ومن شأنها تهيئة بيئة مواتية لأعضاء المجتمع المدني الحقيقيين لتوحيد صفوفهم مع حكومتهم بغرض تحسين تقديم الخدمات العامة بمجتمعاتهم المحلية لكسب أفئدة وعقول المواطنين بجميع أنحاء البلاد. وكوني متمرسًا بالمجال التنموي وأمضيت السنوات الخمسة عشر الأخيرة في التعاون مع المجتمعات المحلية والمدنية والجهات الحكومية والجهات المانحة الدولية، فإنني أعتقد إعتقادًا جازماً بإمتلاك أفغانستان للفرصة الذهبية والدعم اللازم لتعديل المنهجيات القديمة غير المثمرة والبدء من جديد. وعبر إعادة هيكلة عملية تقديم الخدمات العامة، ستأسر أفغانستان وداعميها الدوليون عقول وأفئدة الشعب الأفغاني. ويكمن البديل في استغلال الجماعات المتطرفة المنتهجة للعنف واستفادتها من الاختلال الحكومي بغرض توسيع نطاق نفوذها بالمناطق الريفية والحد بصورة متزايدة من سلطة الحكومة لتقتصر على المدن الكبرى والعاصمة. Facebook Twitter شارك
التعليقات مغلقة.