نشر ثقافة الأمن البيولوجي في الشرق الأوسط
جائحة كورونا (كوفيد- 19) أبرزت ضرورة تأمين الفيروسات والبكتيريا التي يمكن أن تشكل خطورة
الدكتورة نسرين الحمود، مديرة مركز السلامة والأمن الحيوي، الجمعية العلمية الملكية، الأردن
كانالتأكد من حرمان العناصر الخارجة على سلطة الدولة من الحصول على الفيروسات والبكتيريا والعوامل البيولوجية الأخرى واستخدامها كسلاح لتهديد السلم والأمن الدوليَين هو هدف قرار مجلس الأمن الدولي رقم [1540] لعام 2004 واتفاقية الأسلحة البيولوجية والسمية لعام 1972.
وتكاد تكون كافة دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا – ومنها الأردن – قد وقعت على ذلك القرار وتلك الاتفاقية، ولكن التقدم كان متفاوتاً نحو تشديد اللوائح لتجنب الكوارث في حالة وقوع المواد البيولوجية الخطرة في الأيادي الخاطئة.
وفي سبيل الوفاء بالمتطلبات الواردة في هذين النصين القانونيين الدوليين، تحتاج بلدان المنطقة، أياً كان وضعها التنموي، إلى زيادة العلم وبناء الخبرة والنهوض بالبنية التحتية. ويكمن الهدف من هذه المقالة في تلخيص المشاريع المتعلقة بالأمن البيولوجي في الشرق الأوسط ومساهمتها في العمل الراهن لإنشاء شبكة عالمية ملتزمة بضمان استخدام المواد والتكنولوجيا الحيوية للأغراض السلمية دون سواها.
لطالما أهملت الحكومات دور المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني الأخرى في سعيها لتأمين العالم من ويلات الأسلحة البيولوجية أو الإرهاب البيولوجي، وتبرز الاتجاهات الجديدة زيادة الاقتناع بأهمية الشراكات التي تقوم على التكاتف والتعاون.
لمؤسسات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خبرة مباشرة وواسعة في التعامل مع قضايا الحد من التسلح ومنع انتشار الأسلحة بسبب ظروفها السياسية والجيواستراتيجية الفريدة.
وعلى سبيل المثال، اجتمع فريق عمل بين عامي 2010 و2012 لمناقشة فكرة إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وتألف الفريق من خبراء في السياسات والمسائل الفنية، بصفتهم الشخصية، بالإضافة إلى مساعدين ومراقبين من أوروبا والولايات المتحدة.
وآثروا التركيز على الأسلحة البيولوجية ابتداءً؛ وذلك بسبب قلة العقبات السياسية التي تشكلها أمام المناقشة البناءة مقارنة بأسلحة الدمار الشامل الأخرى.
وحدث جهد آخر يتمثل في برنامج المشاركة البيولوجية الذي أجراه مركز العلوم والتكنولوجيا والسياسة الأمنية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (بما في ذلك أفغانستان وباكستان)، وركز على مد جسور الثقة وإقامة الشراكات بين علماء الولايات المتحدة والمنطقة للنهوض بأبحاث علوم الحياة السليمة والآمنة والأخلاقية.
واجهت برامج المشاركة البيولوجية عقبات يأخذ بعضها برقاب بعض، منها نقص الأموال والاستدامة. ولا يخلو إثبات نجاح برامج المشاركة البيولوجية من الصعوبات بسبب غياب معايير التقييم لقياس أهدافها وغاياتها، وهي حرمان العناصر الإرهابية من الحصول على الأدوات والخبرات واكتشاف إمكانيات استخدامها في وقت قصير.
ويعتبر التنسيق بين مؤسسات التمويل والبلدان المانحة تحدياً منفصلاً يؤثر على استدامة برامج المشاركة البيولوجية على المدى البعيد في مناطق معينة. وما أكثر مؤسسات التمويل والمنفذين الذين يدعمون أنشطة المشاركة البيولوجية أو ينفذونها، لا سيما في المناطق التي تكثر فيها المخاوف من غوائل الإرهاب أو الأسلحة البيولوجية.
كما يتسبب تفاوت القدرات العلمية في زيادة تعقيد وضع البرامج في أفغانستان والشرق الأوسط وشمال إفريقيا وباكستان، ومثال ذلك أنَّ الخبرة اللازمة لتأمين العدوى البيولوجية في المختبرات تختلف اختلافاً كبيراً بين بلدان المنطقة.
وعلى الصعيد الآخر، حدد البرنامج فرصاً جديدة للمشاركة البيولوجية وتحسينات نوعية لعملية المشاركة البيولوجية لمراعاة تفاوت القدرات الوطنية. واستندت التوصيات إلى التحديات والثغرات والاحتياجات التي تعترض التصدي للمخاطر البيولوجية. ومن الأهمية بمكان أنَّ الفرص المتاحة والمناهج المتبعة ستسهم في بناء مفهوم شبكة الوقاية الممتدة عبر عقود من الزمان والتي شهدت تنفيذ باقة من البرامج للتصدي لبواعث القلق الأمنية.
مشاركة الاتحاد الأوروبي
مراكز التميز المعنية بمكافحة الأسلحة الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية التابعة للاتحاد الأوروبي عبارة عن مبادرة عالمية يجري تنفيذها بالاشتراك مع مركز البحوث المشتركة التابع للمفوضية الأوروبية ومعهد الأمم المتحدة الأقاليمي لأبحاث الجريمة والعدالة.
وتهدف المبادرة إلى التخفيف من مخاطر المواد الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية الناجمة عن الأنشطة الإجرامية أو العارضة أو الطبيعية من خلال العمل بسياسة قوية، وتحسين التنسيق والتأهب على الصعيدين الوطني والإقليمي، وتقديم نهج شامل يغطي الجوانب القانونية والعلمية والفنية وإنفاذ القانون. وتسخر المبادرة الموارد الوطنية والإقليمية والدولية لوضع سياسة قوية لمكافحة الأسلحة الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية على كافة الأصعدة للخروج باستجابة مؤثرة.
وحتى وقتنا هذا، جرى قدر كبير من تدريب المفوضية الأوروبية حول هذه المواد في دول الاتحاد السوفيتي سابقاً، مع التركيز على مكافحة المواد النووية والوقاية منها. إلا أنَّ تنامي الطلب على الطاقة النووية والتكنولوجيا الحيوية والمواد الكيميائية في بقاع من إفريقيا والشرق الأوسط وجنوب آسيا وجنوب شرق آسيا يتطلب التوسع في مثل هذا التدريب. ويجسد هذا التحول المطلب المنصوص عليه في قرار مجلس الأمن الدولي رقم [1540] لمساعدة أي دولة وقت الشدة، وقد وافقت مجموعة الدول الصناعية الثماني الكبرى على تيسير تقديم هذه المساعدة.
يساهم مركز التميز في تحقيق المتطلبات الرئيسية الواردة في القرار من خلال تقديم المساعدة والدعم الفني لمساعدة الحكومات على تقييم الاحتياجات الوطنية والإقليمية والمساعدة على إعداد مشاريع مراكز تميز لمكافحة الأسلحة الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية غايتها سد ثغرات القدرات.
نفذت مبادرة الاتحاد الأوروبي في الشرق الأوسط 12 مشروعاً ابتداءً من عام 2013. تناولت القضايا الرئيسية المتعلقة بالأسلحة الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية، كتحسين الأطر القانونية المتعلقة بها، والنهوض بإدارة النفايات الكيميائية والبيولوجية، وتقييم مخاطر إساءة استخدام تلك المواد، وتحسين الأمن والسلامة البيولوجية، وبناء القدرات لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمواد الكيميائية أو النووية أو الإشعاعية، ورفع الوعي بالموضوعات المتعلقة بهذه المواد، وتعزيز الاستجابة الطارئة لحوادثها، والاهتمام بالتبادل الآمن لبيانات تلك الحوادث.
ومن أحدث المشاريع التي انطلقت في الشرق الأوسط مشروع بعنوان «تعزيز القدرات في مجال الاستجابة للأسلحة الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية والطوارئ الكيميائية والطبية». وتكمن غاية هذا المشروع في وضع هيكل شامل بين البلدان (العراق والأردن ولبنان) وبين الأجهزة والمؤسسات لتنسيق وإنشاء وتنفيذ الاستجابة للحوادث الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية في ربوع المنطقة.
وسيلبي الاحتياجات الوطنية في البلدان من خلال النهوض بالقدرات الحالية للاستجابة لحالات الطوارئ الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية وتوفير التكنولوجيا والتدريب في مجالات الوقاية والتأهب والاستجابة.
الاتحاد الدولي للأمن والسلامة البيولوجية
يعمل الاتحاد الدولي للأمن والسلامة البيولوجية على تمكين بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من تحديد المخاطر البيولوجية التي تتعرَّض لها والتخفيف من حدتها من خلال استراتيجيات وطنية وإقليمية للأمن والسلامة البيولوجية تدعمها التشريعات والبنية التحتية البشرية والمادية.
وهذا المنهج عبارة عن رؤية حكومية شاملة تراعي العالم أجمع بحيث تنظر للمخاطر البيولوجية عبر مختلف التهديدات الطبيعية والعرضية والمتعمدة من حيث صلتها بالإنسان والحيوان والنبات والبيئة، ومنها المياه. وتشمل أنشطة الشبكة عقد مؤتمرات نصف سنوية، ووضع استراتيجيات وطنية، وإنشاء جمعيات وطنية وإقليمية للسلامة البيولوجية.
وساهم الاتحاد في إنشاء مركزين للتدريب على الأمن والسلامة البيولوجية في المنطقة، أحدهما في الأردن والآخر في المغرب. كما اعتمد الكثير من مختبرات الاحتواء البيولوجي لإجراء البحوث والتحقيقات في بيئة آمنة، وتوجد مختبرات الاحتواء البيولوجي هذه في باكستان والمغرب ودول أخرى.
الاستنتاجات والتوصيات
تعد الشبكات والأنشطة الإقليمية السبيل المناسب للمساهمة في التغلب على تحديات تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم [1540]، والكثير من خبراء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يشاركون في هذه الأنشطة والمبادرات الإقليمية. فمن خلال جمع النشطاء من كل قطاع من القطاعات المعنية معاً، تبني هذه المبادرات شبكة من الخبراء على الصعيدين الوطني والإقليمي لضمان وجود علاقات للتعامل مع الحوادث البيولوجية قبل وقوعها.
ومن خلال تبادل الخبرات والمعارف المكتسبة عبر مثل هذه المبادرات والشبكات، يمكن لخبراء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إسداء النصح لصناع القرار في أوطانهم. كما تعمل هذه الشبكات عبر الحدود السياسية المتأزمة من خلال الاتصالات المستدامة، ويمكن أن تنهض مثل هذه المبادرات بدور قيم في تحديد الآليات التي من شأنها تحقيق مصالح مختلف البلدان المعنية.
تشكل الاجتماعات المباشرة والورش والندوات والتدريب الركائز الأساسية التي تكفل نجاح أي شبكة من الشبكات في منطقة تشتمل على بعض الحدود الحساسة سياسياً. وقد ساهمت المبادرات والأنشطة المرتبطة بها في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في الإلمام بالتهديدات وفهمها على حقيقتها، وبناء علاقات بين خبراء الأمن والمسؤولين والأكاديميين، وكانت بمثابة مختبر للأفكار الجديدة.
إلا أنَّ الحفاظ على أنشطة مكافحة الأسلحة الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (كالتدريب ووضع السياسات وبناء القدرات) يقتضي توفير أداة تمويل مستدامة للنهوض بقدرة الشبكات الإقليمية على التنفيذ وضمان قدرتها على تيسير التدابير المتعلقة بالأمن، ومنها قرار مجلس الأمن رقم [1540].
وتشتد أهمية التمويل من المؤسسات الخاصة لتعزيز المسؤولية الإقليمية ومكافحة التصور بأنَّ هذه العملية إنما تحركها حكومات من خارج المنطقة.
إنَّ أنشطة الأمن والسلامة البيولوجية المستدامة والفعالة التي وُضعت ونفذت في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بمساعدة الخبرة والتمويل الموضوع في مكانه الصحيح، ستساهم في نشر الأمن وتعزيز التضامن الإقليمي والعالمي.
التعليقات مغلقة.