قيرغيزستان تتصدى للتطرف العنيف
الأجهزة الأمنية تركّز على التصدي للفكر العنيف عن طريق التثقيف الديني، وإعادة التأهيل، والعمل الشرطي المجتمعي
سلطنات بيرديكيفا
زادت التهديدات التي يفرضها الفكر المتطرف والإرهاب في قيرغيزستان في السنوات الأخيرة، وإذا اقتصرت مشكلات قيرغيزستان سابقاً على احتواء انتشار دعاية التطرف العنيف وتسلل الجماعات الإرهابية عبر الحدود — مثل حركة أوزبكستان الإسلامية التي اشتبكت مع القوات الأمنية القرغيزية عام 1999 في جنوب قيرغيزستان — فإنها تتعامل الآن مع قضايا داخلية.
وتحاول قيرغيزستان، وهي دولة صغيرة تقع في وسط آسيا، البحث عن سبل لإعادة تأهيل المواطنين الذين عادوا إلى البلاد بعدما قاتلوا في صفوف تنظيم (داعش) في سوريا والعراق، وسبل التعامل مع مئات الأشخاص الذين ألقت القبض عليهم في قيرغيزستان بتهم التطرف والإرهاب.
وتعمل على التصدي لعمليات التجنيد الإلكتروني التي تقوم بها الجماعات المتطرفة دون اللجوء إلى إجراءات الحظر الإشكالية لاستخدام الإنترنت. وأخيراً، فقد أدركت السلطات القرغيزية تنامي التدين في المجتمع بعد سقوط الاتحاد السوفييتي؛ ولذلك شرعت في رعاية برامج تسلّط الضوء على تفسير الإسلام تفسيراً ينفي عنه الدعوة إلى العنف والإرهاب.
إعادة تأهيل المقاتلين
لعب الجهل بالدين والبطالة دوراً كبيراً في تجنيد أبناء قيرغيزستان للقتال في سوريا والعراق، وذلك حسبما صرّح به السيد راخات سليمانوف، ممثل اللجنة الوطنية للأمن القومي؛ وقد استخدم المتطرفون الإنترنت لتجنيد هؤلاء المواطنين البسطاء وأغروهم بالمال، ويتمثل التحدي الجديد لقيرغيزستان في إعادة هؤلاء المواطنين ومن يعيلون إلى وطنهم وإعادة تأهيلهم وادماجهم في المجتمع.
وقد تبنّت قيرغيزستان نهجاً متسامحاً مع المقاتلين السابقين لإعادة إدماجهم في المجتمع؛ فبالرغم من أن قانون قيرغيزستان ينص على أحكام بالسجن تتراوح من خمسة إلى ثمانية أعوام للمشاركة في الحروب الأجنبية، ومن ثمانية إلى 15 عاماً للانضمام إلى صفوف الجنود المرتزقةـ، فإن المحاكم يمكن أن تنظر في الظروف القضائية المخففة للمتهمين، مثل رغبتهم في التعاون مع السلطات أو إذا ما كانوا انخرطوا في القتال مباشرة أم لا.
وقد عادت مجموعة من مواطني قيرغيزستان من مناطق القتال للبدء في حياة جديدة في مجتمعاتهم وأحيائهم السابقة بمساعدة اللجنة الوطنية للأمن القومي وأجهزة الدولة الأخرى، وتضع اللجنة الوطنية إجراءات مشددة لمراقبة العائدين خلال فترة الاختبار التي تستوجب عليهم البقاء داخل البلاد.
ولم تقتصر الجهود الرامية إلى التعامل مع التطرف الديني على الحكومة المركزية؛ إذ تنظم الأقسام الشرطية المحلية وسلطات الأحياء باستمرار لقاءات مجتمعية وحلقات نقاشية في المساجد والمدارس والمراكز العامة بهدف التصدي للتشدد الديني، وقد شارك بعض العائدين في مثل هذه اللقاءات ليتحدثوا عن تجربتهم في مناطق القتال، ويحذروا أفراد مجتمعاتهم من مخاطر الانضمام إلى الجماعات المتطرفة.
وينقص قيرغيزستان الخبرة في مجال إعادة تأهيل العائلات العائدة من مناطق القتال والجماعات المتطرفة وإعادة إدماجها في المجتمع؛ ولذلك تحاول الاستفادة من خبرات دول الجوار، إذ بذلت كلٌ من كازاخستان وأوزبكستان وطاجيكستان جهوداً مضنية وموارد مالية وبشرية هائلة (ضمت المعالجين النفسيين، وعلماء النفس، والأخصائيين الاجتماعيين، والمعلّمين) لإعادة المقاتلين السابقين لحياتهم الطبيعية. وتحشد السلطات القرغيزية مواردها لإعداد برامج شاملة لإعادة التأهيل؛ لأنها تتوقع عودة المزيد من المواطنين من سوريا والعراق.
منع التجنيد داخل السجون
لا تُعد برامج إعادة التأهيل وإعادة الإدماج إلّا جزءاً من الجهود التي تبذلها قيرغيزستان لمكافحة التطرف والإرهاب؛ إذ تحاول أيضاً أن تفهم كيفية التعامل مع الأشخاص المتهمين بالتحريض على الأعمال المتطرفة أو الإرهابية في قيرغيزستان أو المشاركة فيها. وقد تبنّت السلطات في بادئ الأمر موقفاً متشدداً فيما يتعلق بحيازة الكتب التي تحث على العنف والتطرف، ولكن شرع البرلمان القرغيزي في تعديل القانون الجنائي لتخفيف العقوبة على حيازة مثل هذه الكتب، وكثيراً ما تقتصر العقوبة في الوقت الراهن على الغرامة دون الحبس.
وتدرك السلطات القرغيزية أن السجون يمكن أن تصبح أرضية خصبة للمجاميع الدينية العنيفة لتجنيد المواطنين. ويمثل الشباب، كما هي الحال حول العالم، عدداً كبيراً من السجناء، وكانت نسبة 77% منهم تعاني من البطالة قبل القبض عليهم وإيداعهم في السجون. وتذكر أجهزة إنفاذ القانون أن من يقومون بتجنيد الشباب داخل السجون يقدّمون رؤية رومانسية للمستقبل لهؤلاء الشباب البائسين الذين يقنعون أنفسهم بأنهم يقاتلون في سبيل الله وفي سبيل إعلاء كلمة الحق.
ويقوم علماء الدين بالإدارة الروحية للمسلمين في قيرغيزستان بإلقاء خطب داخل السجون لتوعية السجناء بالإسلام وتعاليمه السمحة مرة أو مرتين أسبوعياً بهدف التصدي لعمليات غسل الدماغ داخل السجون. وقامت الإدارة الروحية في مطلع عام 2019 بتعيين عالميْن بدوام كامل بهدف تعزيز خطاب مكافحة الإرهاب بين السجناء.
مكافحة الدعاية الإلكترونية
ليست السجون المصدر الوحيد لتجنيد الشباب بالنسبة للجماعات الدينية المتطرفة والإرهابية؛ إذ يفيد مركز مكافحة الإرهاب التابع للجنة الوطنية للأمن القومي أن عمليات التجنيد ونشر الدعاية وجمع الأموال وتأهيل المسلحين تجري على الإنترنت بشكل كبير، وكثيراً ما يحدث التدريب على التكتيكات الإرهابية وتنسيق الأعمال الإجرامية عن طريق تطبيقات الرسائل الفورية مثل الواتساب وفايبر. وطبقاً لإحدى الدراسات التي تناولت قضية التطرف العنيف عبر الإنترنت في وسط آسيا، فإن الفيسبوك والتيليجرام يعدان من الوسائل التي يقبل عليها الإرهابيون للقيام بأعمال الدعاية والتجنيد.
وقد فرضت قيرغيزستان حظراً على ما يزيد على 100 موقعٍ إلكتروني يعرض محتوىً يدعو إلى التطرف والإرهاب في السنوات الأخيرة، إلّا أن الخبراء الدينيين يعتقدون أن التجنيد الإلكتروني للشباب عن طريق المواقع وشبكات التواصل الاجتماعي ما يزال مستمراً، وترى مصادر قرغيزية أن بلدان وسط آسيا تتعرض لـ 500 موقع إلكتروني يعرض محتوىً يدعو إلى التطرف العنيف. وبالرغم من أن حظر مثل هذه المواقع ما يزال شائعاً في بلدان وسط آسيا، فإن خبراء المنطقة يقولون إن هذه الطريقة قد لا تُعد الطريقة المثلى لحل المشكلة نظراً لصعوبة السيطرة على تدفق المعلومات على الإنترنت.
وقد شدّد السيد عصام الدين أتوييف، رئيس سياسة المبادرة المدنية للإنترنت في قيرغيزستان والخبير في مجال التطرف العنيف على الإنترنت، على أهمية التثقيف الصحيح للمواطنين لتحصينهم من أنشطة التشدد على الإنترنت؛ لأن المواطنين الذين يفهمون ثوابت الإسلام سيميزون بين رسالته السمحة والتحريفات التي تدعو إلى العنف والتطرف.
وتحسّر السيد أروزبك مولدالييف، رئيس اللجنة الوطنية للشؤون الدينية سابقاً، على نقص الموارد المادية والبشرية في بلاده لمراقبة المواقع وشبكات التواصل الاجتماعي المتداولة التي تميل إلى الدعوة إلى العنف. ووفقاً لما صرّح به الخبير الديني القرغيزي أمان سالييف، فإنه يجدر بالسلطات القرغيزية مواكبة النشاط الإلكتروني للجماعات الإرهابية، ويمثل هذا الأمر تحدياً لبلدان العالم التي تفاجأت بالظهور السريع لداعش وبراعتها في الدعاية والتجنيد على الإنترنت.
تدابير مكافحة التطرف والإرهاب
يُعد برنامج الحكومة القرغيزية لمكافحة التطرف والإرهاب للفترة من 2017 إلى 2022 جزءاً مهماً من مفهوم الأمن القومي لجمهورية قيرغيزستان الذي أقره المرسوم الرئاسي الصادر عام 2012، ويقدم البرنامج التدابير اللازمة للتعامل مع هذه المشكلات.
فيركز البرنامج على إجراء حملات التوعية في المساجد بمشاركة الرموز الدينية البارزة، والمسؤولين المحليين، وأجهزة إنفاذ القانون، كما أنه يركزعلى أهمية قيام أجهزة إنفاذ القانون، وممثلي الحكومات المحلية، والجامعات، ووسائل الإعلام بتنظيم المحاضرات والندوات والحلقات النقاشية لاستعراض تهديدات التطرف والإرهاب. وستعقد الحكومة القرغيزية تدريباً مماثلاً للوحدات العسكرية.
ومن الأولويات الأخرى للبرنامج تدشين حملات لمكافحة الفكر المتطرف عن طريق نشر الفيديوهات المناهضة للتطرف والإرهاب على الإنترنت ووسائل الإعلام. ومن العناصر المهمة لهذه الجهود تدشين صفحات على وسائل الإعلام الاجتماعي تتناول مواضيع بعينها وتبث رسائل مناهضة للتطرف والإرهاب.
وقد وضعت مدارس التعليم الثانوي في قيرغيزستان مقررات تتناول موضوعات دينية للحد من احتمالية تقبّل المراهقين للأفكار المتشددة. ومع تنامي دور الدين في المجتمع، يتفق الخبراء الدينيون والمختصون بالأمن في قيرغيزستان على أن تثقيف الشباب بثوابت دينهم، ورفع كفاءة الأئمة، وتنظيم حملات التوعية التي تركز على تعاليم الإسلام السمحة ستساعد على ملء الفراغ الديني في البلاد والحد من انتشار الفكر المتطرف.
هذا، ويتزايد بالبلاد عدد الأصوات التي تنادي بضرورة أن تلعب الإدارة الروحية للمسلمين دوراً تثقيفياً أكثر تأثيراً. وبالرغم من تباطؤ الإدارة الروحية في التغيير، فقد كثّفت حملاتها التوعوية حول التعاليم السمحة للإسلام، ومنها تدريب قوات حرس الحدود على ثوابت الإسلام لمساعدتهم على التعرف على المتطرفين القادمين من الخارج.
ويُعد تحديث النظام التعليمي الإسلامي القائم في قيرغيزستان جزءاً رئيسياً من الاستراتيجية الوطنية للتنمية للفترة من 2018 إلى 2040، إذ ستعمل مراكز التعليم الإسلامي التي ترعاها الدولة على إعداد جيل من المثقفين المسلمين الذين لا يتأثرون بالفكر المتطرف المستقدم من الخارج.
وجدير بالذكر أن الدين عانى من الكبت والخمول على مدار سنوات طويلة من القرن الماضي في قيرغيزستان في عهد الاتحاد السوفييتي. أمّا اليوم، فتحاول الدولة أن تستغل تنامي دور الدين في البلاد في حث المجتمع على التشبث بالتعاليم السمحة للإسلام. ولن تقتصر مثل هذه الجهود على إرساء قواعد الفهم الصحيح للدين، وإنما ستحد من احتمالية التشدد بين المواطنين الذين أصبحوا أكثر تديناً عما كانوا عليه منذ 30 عاماً.
نبذة عن الكاتبة: ولدت سلطنات بيرديكيفا في قيرغيزستان، وهي كاتبة ومحللة ومدونة في شؤون الاقتصاد وسياسة الطاقة والأمن في آسيا الوسطى والشرق الأوسط والولايات المتحدة.
التعليقات مغلقة.