إعادة إعمار أفغانستان

استقرار‭ ‬أفغانستان‭ ‬سيعود‭ ‬بالنفع‭ ‬على‭ ‬منطقة‭ ‬جنوب‭ ‬ووسط‭ ‬آسيا‭ ‬بأسرها

الأستاذ‭ ‬الدكتور‭ ‬أديب‭ ‬فرهادي  |  ‬الصور‭ ‬بعدسة‭ ‬وكالة‭ ‬الأنباء‭ ‬الفرنسية‭/‬جيتي‭ ‬إميجز
تُولي الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أهمية‭ ‬كُبرى‭ ‬لقضية‭ ‬“التنافس‭ ‬بين‭ ‬القوى‭ ‬العظمى”‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬سياستها‭ ‬الخارجية،‭ ‬وتجلّى‭ ‬هذا‭ ‬المفهوم‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬الأمريكية‭ ‬مؤخراً‭ ‬في‭ ‬استراتيجية‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬لعام‭ ‬2017‭ ‬والاستراتيجية‭ ‬الوطنية‭ ‬للدفاع‭ ‬لعام‭ ‬2018،‭ ‬حيث‭ ‬يُلزم‭ ‬الدولة‭ ‬باحتواء‭ ‬الطموحات‭ ‬التوسعية‭ ‬للصين‭ ‬وروسيا‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬مثل‭ ‬وسط‭ ‬آسيا‭ ‬وأفغانستان‭.‬
إلّا‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬التحوّل‭ ‬في‭ ‬استراتيجية‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬يطرح‭ ‬آفاقاً‭ ‬لتسوية‭ ‬الأمور‭ ‬العالقة،‭ ‬إذ‭ ‬يُلزم‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬“بالبحث‭ ‬عن‭ ‬مناطق‭ ‬للتعاون‭ ‬مع‭ ‬المنافسين‭ ‬انطلاقاً‭ ‬من‭ ‬مركز‭ ‬قوة،‭ ‬ويأتي‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬المقام‭ ‬الأول‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬التأكد‭ ‬من‭ ‬تفوقها‭ ‬العسكري‭ ‬وتكاملها‭ ‬التام‭ ‬مع‭ ‬حلفائنا‭.‬”‭ ‬وتأتي‭ ‬أفغانستان‭ ‬ضمن‭ ‬المناطق‭ ‬التي‭ ‬يلزم‭ ‬فيها‭ ‬تحقيق‭ ‬التعاون،‭ ‬وتوافق‭ ‬الرؤى‭ ‬والاتجاهات،‭ ‬وتبادل‭ ‬الموارد‭.‬
إن‭ ‬موقع‭ ‬أفغانستان‭ ‬المحوري،‭ ‬وتعدد‭ ‬ثرواتها‭ ‬الطبيعية،‭ ‬ووضعها‭ ‬الأمني‭ ‬الخطير‭ ‬يجعل‭ ‬منها‭ ‬بؤرة‭ ‬منطقية‭ ‬لإرساء‭ ‬قواعد‭ ‬السلام‭ ‬والاستقرار‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬برمتها‭.‬
عرف‭ ‬الدكتور‭ ‬فريدريك‭ ‬ستار‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬بتأييده‭ ‬لمشروع‭ ‬“استراتيجية‭ ‬طريق‭ ‬الحرير‭ ‬الجديد”‭ ‬لإنعاش‭ ‬أفغانستان‭ ‬ودول‭ ‬الجوار،‭ ‬ويلخّص‭ ‬هذا‭ ‬الرجل‭ ‬الأكاديمي‭ ‬النهج‭ ‬الذي‭ ‬تتبناه‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬المنطقة‭ ‬على‭ ‬النحو‭ ‬التالي‭:‬
أفغانستان تحتفي بتعدد ثرواتها المعدنية، ومنها الزمرد، ولكنها تتعطش للاستثمارات الأجنبية لتحديث قطاع التعدين بها.
“تركّز‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الجديدة‭ ‬على‭ ‬دعم‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لسيادة‭ ‬بلدان‭ ‬وسط‭ ‬آسيا‭ ‬واستقلالها،‭ ‬وتشجّع‭ ‬على‭ ‬نمو‭ ‬التعاون‭ ‬الإقليمي‭ ‬فيما‭ ‬بينها،‭ ‬وتضع‭ ‬خطوات‭ ‬إيجابية‭ ‬لتحقيق‭ ‬الإصلاح‭ ‬السياسي‭ ‬والاقتصادي‭. ‬كما‭ ‬تدعم‭ ‬توسّع‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬بلدان‭ ‬وسط‭ ‬آسيا‭ ‬وأفغانستان،‭ ‬وتركّز‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬الشراكة‭ ‬بين‭ ‬بلدان‭ ‬المنطقة‭ ‬لإحراز‭ ‬التقدم‭ ‬في‭ ‬الموضوعات‭ ‬الحساسة‭ ‬مثل‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬والحرية‭ ‬الدينية‭.‬”
وقد‭ ‬عقد‭ ‬مركز‭ ‬الشرق‭ ‬الأدنى‭ ‬وجنوب‭ ‬آسيا‭ ‬للدراسات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬جامعة‭ ‬جنوب‭ ‬فلوريدا‭ ‬مؤتمراً‭ ‬في‭ ‬كانون‭ ‬الثاني‭/ ‬يناير‭ ‬2020،‭ ‬ركّز‭ ‬فيه‭ ‬الخبراء‭ ‬من‭ ‬الأوساط‭ ‬الأكاديمية‭ ‬والحكومة‭ ‬والجيش‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬الموقع‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والجيوسياسي‭ ‬لأفغانستان‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬التنافس‭ ‬بين‭ ‬القوى‭ ‬العظمى‭.‬
وقد‭ ‬شهدت‭ ‬أفغانستان‭ ‬حروباً‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬عقود،‭ ‬وانتقلت‭ ‬تداعياتها‭ ‬إلى‭ ‬أراضي‭ ‬دول‭ ‬الجوار‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬زعزعة‭ ‬الاستقرار‭ ‬السياسي،‭ ‬وأزمات‭ ‬اللاجئين،‭ ‬والتهديدات‭ ‬الإرهابية،‭ ‬والضغوط‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬والاتّجار‭ ‬في‭ ‬المخدرات،‭ ‬وغيرها؛‭ ‬ولذلك‭ ‬بات‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬مصادر‭ ‬زعزعة‭ ‬الاستقرار‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬المصلحة‭ ‬الوطنية‭ ‬للجميع‭.‬
فقد‭ ‬تسببت‭ ‬تجارة‭ ‬المخدرات‭ ‬في‭ ‬أفغانستان‭ ‬في‭ ‬معاناة‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬الروسيين‭ ‬والإيرانيين‭ ‬والباكستانيين‭ ‬من‭ ‬إدمان‭ ‬الأفيون‭ ‬الذي‭ ‬يُزرع‭ ‬ويُجهّز‭ ‬في‭ ‬أفغانستان،‭ ‬ويمثل‭ ‬ضبط‭ ‬المواد‭ ‬المخدرة‭ ‬والقبض‭ ‬على‭ ‬المجرمين‭ ‬الذين‭ ‬يهرّبونها‭ ‬واحداً‭ ‬من‭ ‬جوانب‭ ‬التعاون‭ ‬التي‭ ‬تتجاوز‭ ‬حدود‭ ‬الصراعات‭ ‬القومية‭. ‬وقد‭ ‬قامت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وروسيا‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬بتنسيق‭ ‬جهودهما‭ ‬—‭ ‬ومنها‭ ‬التدريب‭ ‬المشترك‭ ‬لقوات‭ ‬الأمن‭ ‬بوسط‭ ‬آسيا‭ ‬—‭ ‬لمكافحة‭ ‬تجارة‭ ‬المخدرات‭.‬
وعلاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬فقد‭ ‬أسفرت‭ ‬الحروب‭ ‬الدائرة‭ ‬في‭ ‬أفغانستان‭ ‬عن‭ ‬خروج‭ ‬أفواج‭ ‬مستمرة‭ ‬من‭ ‬اللاجئين‭ ‬إلى‭ ‬باكستان‭ ‬وإيران‭ ‬اللتين‭ ‬آوتا‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭ ‬الأفغانيين‭ ‬الذين‭ ‬فروا‭ ‬من‭ ‬منازلهم،‭ ‬ومن‭ ‬شأن‭ ‬توقف‭ ‬الأعمال‭ ‬العدائية‭ ‬في‭ ‬أفغانستان‭ ‬أن‭ ‬يسمح‭ ‬بعودة‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬هؤلاء‭ ‬المواطنين‭ ‬الذين‭ ‬تعرضوا‭ ‬لضغوط‭ ‬شديدة‭ ‬إلى‭ ‬وطنهم،‭ ‬وتخفيف‭ ‬الضغوط‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬عن‭ ‬دول‭ ‬الجوار‭ ‬لأفغانستان‭.‬
ويمكن‭ ‬أن‭ ‬يأخذ‭ ‬التعاون‭ ‬أشكالاً‭ ‬كثيرة؛‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬يتعلق‭ ‬تحقيق‭ ‬الاستقرار‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬في‭ ‬نواحٍ‭ ‬كثيرة،‭ ‬بالمساعدات‭ ‬التي‭ ‬تقدمها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والقوى‭ ‬الأخرى‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بممارسة‭ ‬دور‭ ‬القيادة‭ ‬و”حشد‭ ‬القوة“‭ ‬للتنسيق‭ ‬بين‭ ‬الحكومات‭ ‬ومؤسسات‭ ‬الأعمال‭ ‬والمنظمات‭ ‬غير‭ ‬الحكومية‭ ‬المهتمة‭ ‬بمساعدة‭ ‬المنطقة‭.‬
وسيراً‭ ‬على‭ ‬هدي‭ ‬التدريب‭ ‬الروسي‭ ‬الأمريكي‭ ‬المشترك‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬مكافحة‭ ‬المخدرات،‭ ‬فيمكن‭ ‬للبلدان‭ ‬أن‭ ‬تتخذ‭ ‬خطوات‭ ‬لتخفيف‭ ‬أعباء‭ ‬الفقر‭ ‬وعدم‭ ‬الاستقرار‭ ‬عن‭ ‬كاهل‭ ‬دولة‭ ‬أفغانستان‭ ‬التي‭ ‬ليس‭ ‬لها‭ ‬منافذ‭ ‬بحرية،‭ ‬مع‭ ‬تجنيب‭ ‬المنطقة‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬تداعيات‭ ‬هذه‭ ‬الأعباء‭ ‬عليها‭. ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬تأخذ‭ ‬تدابير‭ ‬إرساء‭ ‬قواعد‭ ‬السلام‭ ‬شكل‭ ‬برامج‭ ‬التنمية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬مثل‭ ‬التنقيب‭ ‬عن‭ ‬المعادن‭ ‬الأرضية‭ ‬النادرة،‭ ‬وخط‭ ‬أنابيب‭ ‬تركمانستان‭-‬أفغانستان‭-‬باكستان‭-‬الهند،‭ ‬وطريق‭ ‬الحرير‭ ‬الجديد‭.‬
أوزبكستان أنشأت أول خط للسكك الحديد يصل إلى أفغانستان، إلّا أن المستثمرين يطالبون بمزيد من الاستقرار لمواصلة مد خطوط السكك الحديد في البلاد.
فقد‭ ‬أكدت‭ ‬فرق‭ ‬البحث‭ ‬الجيولوجي‭ ‬الأمريكية‭ ‬والأفغانية‭ ‬عام‭ ‬2010على‭ ‬وجود‭ ‬كميات‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الحديد‭ ‬والنحاس‭ ‬والكوبالت‭ ‬والذهب‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬عدة‭ ‬في‭ ‬أفغانستان،‭ ‬إلّا‭ ‬أن‭ ‬أهم‭ ‬اكتشاف‭ ‬يتعلّق‭ ‬بالمعادن‭ ‬الأرضية‭ ‬النادرة،‭ ‬هو‭ ‬الليثيوم‭ ‬الذي‭ ‬يعد‭ ‬مورداً‭ ‬شديد‭ ‬الأهمية‭ ‬للاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬الحديث‭.‬
فكثيراً‭ ‬ما‭ ‬دخل‭ ‬الليثيوم‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬الزجاج‭ ‬والخزف،‭ ‬لكنه‭ ‬أثبت‭ ‬فعاليته‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬الأدوية،‭ ‬ويدخل‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬بطاريات‭ ‬أيون‭ ‬الليثيوم‭ ‬التي‭ ‬تستخدمها‭ ‬مليارات‭ ‬من‭ ‬الهواتف‭ ‬المحمولة‭. ‬وتأتي‭ ‬أفغانستان‭ ‬ضمن‭ ‬قائمة‭ ‬البلدان‭ ‬الأكثر‭ ‬إنتاجاً‭ ‬لمعدن‭ ‬الليثيوم،‭ ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬يتجاوز‭ ‬الطلب‭ ‬على‭ ‬الليثيوم‭ ‬معدلات‭ ‬إنتاجه‭ ‬عام‭ ‬2020،‭ ‬وتستعد‭ ‬أفغانستان‭ ‬لاستغلال‭ ‬هذه‭ ‬الفرصة،‭ ‬وذلك‭ ‬حسبما‭ ‬ذكره‭ ‬السيد‭ ‬جيفري‭ ‬رييفز‭ ‬من‭ ‬معهد‭ ‬غريفيث‭ ‬آسيا‭.‬
وتتراوح‭ ‬قيمة‭ ‬هذا‭ ‬المعدن‭ ‬من‭ ‬تريليون‭ ‬إلى‭ ‬3‭ ‬تريليونات‭ ‬دولار‭ ‬لأفغانستان،‭ ‬وذلك‭ ‬وفق‭ ‬تقديرات‭ ‬السيد‭ ‬عمر‭ ‬شيراز،‭ ‬كبير‭ ‬المحللين‭ ‬السياسيين‭ ‬للعلوم‭ ‬والتكنولوجيا‭ ‬لمنظمة‭ ‬التعاون‭ ‬الإسلامي‭. ‬ويمكن‭ ‬لمثل‭ ‬هذه‭ ‬الثروة‭ ‬الجديدة‭ ‬أن‭ ‬تغير‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الأفغاني‭ ‬للأبد،‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬يتخطى‭ ‬النشاط‭ ‬الرسمي‭ ‬للاقتصاد‭ ‬الأفغاني‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الراهن‭ ‬حاجز‭ ‬الـ‭ ‬20‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬سنوياً‭. ‬وقد‭ ‬أمدّت‭ ‬الجهات‭ ‬المانحة‭ ‬الأجنبية‭ ‬أفغانستان‭ ‬بنسبة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬ميزانيتها،‭ ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬يوفّر‭ ‬استخراج‭ ‬الليثيوم‭ ‬جرعة‭ ‬التنشيط‭ ‬الاقتصادي‭ ‬اللازمة‭ ‬لخلق‭ ‬آلاف‭ ‬الوظائف‭ ‬للشعب‭ ‬الأفغاني،‭ ‬وتحفيز‭ ‬الاستقرار‭ ‬السياسي‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الصادرات‭ ‬الشرعية‭ ‬والضرائب،‭ ‬والقضاء‭ ‬على‭ ‬التطرف‭ ‬الذي‭ ‬يتسرب‭ ‬إلى‭ ‬دول‭ ‬الجوار‭.‬
وتتمثل‭ ‬تحديات‭ ‬استخراج‭ ‬هذه‭ ‬المعادن‭ ‬الأرضية‭ ‬النادرة‭ ‬بصورة‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬عدم‭ ‬توفر‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬في‭ ‬أفغانستان‭ ‬ووضعها‭ ‬الأمني‭ ‬الخطير؛‭ ‬إذ‭ ‬تسببت‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬المتدنية‭ ‬بالفعل‭ ‬في‭ ‬ضياع‭ ‬الفرص‭ ‬وعرقلة‭ ‬النمو،‭ ‬وقد‭ ‬أضافت‭ ‬أفغانستان‭ ‬ثمانيَ‭ ‬محافظات‭ ‬في‭ ‬الشبكة‭ ‬القومية‭ ‬للكهرباء،‭ ‬ولكنها‭ ‬ما‭ ‬تزال‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬شراء‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الكهرباء‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬الجوار‭ ‬لتوفيرها‭ ‬في‭ ‬شتى‭ ‬أرجاء‭ ‬البلاد‭.‬
وضاعت‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬بأسرها‭ ‬مليارات‭ ‬الدولارات‭ ‬بسبب‭ ‬عدم‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬توفير‭ ‬الكهرباء‭ ‬لتشغيل‭ ‬الأعمال‭ ‬التجارية‭ ‬والمصانع،‭ ‬ومثال‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬دولة‭ ‬قيرغيزستان‭ ‬تنتج‭ ‬فائضاً‭ ‬من‭ ‬الكهرباء‭ ‬وتريد‭ ‬بيعه‭ ‬إلى‭ ‬جيرانها‭ ‬في‭ ‬الجنوب،‭ ‬إلّا‭ ‬أن‭ ‬عدم‭ ‬توفر‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬يحول‭ ‬دون‭ ‬ذلك‭.‬
وقد‭ ‬تسببت‭ ‬هذه‭ ‬المخاوف‭ ‬ذاتها‭ ‬في‭ ‬عرقلة‭ ‬إتمام‭ ‬خط‭ ‬أنابيب‭ ‬تركمانستان‭-‬أفغانستان‭-‬باكستان‭-‬الهند‭ ‬للغاز‭ ‬الطبيعي‭ ‬والذي‭ ‬سيمر‭ ‬بهذه‭ ‬البلدان‭ ‬الأربعة،‭ ‬وقد‭ ‬وصف‭ ‬الخبراء‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬بأنه‭ ‬”طريق‭ ‬الحرير‭ ‬الجديد‭ ‬للطاقة“‭ ‬لأنه‭ ‬سيساهم‭ ‬في‭ ‬توفير‭ ‬الطاقة‭ ‬النظيفة‭ ‬نسبياً‭ ‬والمستدامة‭ ‬والموثوق‭ ‬فيها‭ ‬للمنطقة‭ ‬بأسرها‭. ‬ومن‭ ‬شأن‭ ‬إشراك‭ ‬أفغانستان‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬ألّا‭ ‬يمدها‭ ‬بالوقود‭ ‬فحسب،‭ ‬وإنما‭ ‬سيخلق‭ ‬أيضاً‭ ‬الفرص‭ ‬الاقتصادية‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬توفير‭ ‬فرص‭ ‬العمل‭ ‬والعائدات‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬وكذلك‭ ‬تعزيز‭ ‬الربط‭ ‬الإقليمي‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬زيادة‭ ‬التجارة‭ ‬بين‭ ‬بلدان‭ ‬المنطقة؛‭ ‬مما‭ ‬سيؤدي‭ ‬بدورة‭ ‬إلى‭ ‬تعزيز‭ ‬استقرار‭ ‬المنطقة‭ ‬بأسرها‭.‬
المزارعون الأفغانيون يستخلصون عصارة الأفيون، وقد تسببت المخدرات التي تُصنع في أفغانستان في إدمان الملايين حول العالم للمخدرات؛ ولذلك تحتاج عملية مكافحة المخدرات إلى تضافر الجهود الدولية.
وينبغي‭ ‬تناول‭ ‬المشروعات‭ ‬سالفة‭ ‬الذكر‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬التعاون‭ ‬بين‭ ‬البلدان‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬عملية‭ ‬تحقيق‭ ‬السلام؛‭ ‬فقد‭ ‬تحدّث‭ ‬الدكتور‭ ‬فريدريك‭ ‬ستار‭ ‬والدكتور‭ ‬بارنيت‭ ‬روبين‭ ‬في‭ ‬‮«‬مؤتمر‭ ‬التنافس‭ ‬بين‭ ‬القوى‭ ‬العظمى‮»‬‭ ‬في‭ ‬فلوريدا‭ ‬عن‭ ‬أهمية‭ ‬عملية‭ ‬الربط‭ ‬بين‭ ‬بلدان‭ ‬المنطقة‭ ‬لتحقيق‭ ‬السلام‭ ‬والاستقرار‭ ‬في‭ ‬أفغانستان‭.‬
وجدير‭ ‬بالذكر‭ ‬أن‭ ‬الجيش‭ ‬الأمريكي‭ ‬أحرز‭ ‬تقدماً‭ ‬كبيراً‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬جهوده‭ ‬الرامية‭ ‬إلى‭ ‬استقرار‭ ‬أفغانستان‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬2001‭ ‬إلى‭ ‬2020‭. ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬أكد‭ ‬القادة‭ ‬السياسيون‭ ‬والعسكريون‭ ‬بالولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬على‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬مشروع‭ ‬طريق‭ ‬الحرير‭ ‬الجديد‭ ‬والشامل‭ ‬لتحقيق‭ ‬الاستقرار‭ ‬الدائم‭ ‬في‭ ‬أفغانستان‭ ‬ووسط‭ ‬آسيا‭.‬
فمن‭ ‬شأن‭ ‬طريق‭ ‬الحرير‭ ‬الجديد‭ ‬أن‭ ‬يعيد‭ ‬فتح‭ ‬طرق‭ ‬التجارة‭ ‬العابرة‭ ‬للقارات‭ ‬والتي‭ ‬لم‭ ‬تستغلها‭ ‬أفغانستان‭ ‬الاستغلال‭ ‬الأمثل‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬قرون‭ ‬من‭ ‬الزمن،‭ ‬إذ‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬موقعها‭ ‬المحوري‭ ‬ملتقىً‭ ‬حيوياً‭ ‬لشبكات‭ ‬النقل‭ ‬التي‭ ‬تمتد‭ ‬من‭ ‬أوروبا‭ ‬إلى‭ ‬جنوب‭ ‬آسيا،‭ ‬وجنوب‭ ‬شرق‭ ‬آسيا،‭ ‬وشرق‭ ‬آسيا‭. ‬وتَعد‭ ‬أوزبكستان،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬بزيادة‭ ‬توسيع‭ ‬شبكة‭ ‬السكك‭ ‬الحديد‭ ‬ناحية‭ ‬الجنوب‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬أفغانستان‭.‬
وستستفيد‭ ‬أفغانستان،‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬الحال‭ ‬مع‭ ‬مشروع‭ ‬خط‭ ‬أنابيب‭ ‬تركمانستان‭-‬أفغانستان‭-‬باكستان‭-‬الهند،‭ ‬من‭ ‬تحسين‭ ‬النفاذ‭ ‬إلى‭ ‬الأسواق‭ ‬الأجنبية،‭ ‬وستحصل‭ ‬الحكومة‭ ‬الأفغانية‭ ‬على‭ ‬تدفق‭ ‬دائم‭ ‬من‭ ‬الدخل‭ ‬الوارد‭ ‬من‭ ‬الضرائب‭ ‬والرسوم‭ ‬والذي‭ ‬لا‭ ‬غنىً‭ ‬عنه‭ ‬لتحقيق‭ ‬الرخاء‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬بعد‭ ‬إنهاء‭ ‬الصراعات‭.‬
ويمكن‭ ‬أن‭ ‬يصبح‭ ‬إبرام‭ ‬اتفاق‭ ‬للسلام‭ ‬بين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وطالبان‭ ‬في‭ ‬شباط‭/‬فبراير‭ ‬2020‭ ‬إيذاناً‭ ‬بخطوة‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬تحقيق‭ ‬الاستقرار‭ ‬في‭ ‬أفغانستان،‭ ‬وقد‭ ‬أعربت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الجهات‭ ‬الدولية‭ ‬الفاعلة،‭ ‬ومنها‭ ‬القوى‭ ‬العظمى،‭ ‬عقب‭ ‬الإعلان‭ ‬عن‭ ‬تفاصيل‭ ‬الاتفاق،‭ ‬عن‭ ‬أملها‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يؤدي‭ ‬هذا‭ ‬الاتفاق‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬السلام‭ ‬والرخاء‭ ‬والاستقرار‭. ‬ولا‭ ‬تقتصر‭ ‬فوائد‭ ‬هذا‭ ‬الاتفاق‭ ‬على‭ ‬أفغانستان،‭ ‬وإنما‭ ‬تشمل‭ ‬المنطقة‭ ‬بأسرها‭.‬‭ ‬‭ ‬

التعليقات مغلقة.