عصر جديد من الابتكار الأمني

التكنولوجيا المسيَّرة تُحدث ثورة في عمليات المراقبة التي يجريها الشركاء الإقليميون براً وبحراً وجواً

الفريق أول مايكل كوريلا، قائد القيادة المركزية الأمريكية

يمخر مركب شراعي عُباب البحر في مكان ما في الخليج العربي، على مسيرة 50 كيلومتراً تقريباً من الساحل.

 

يبدو من الخارج كأنه سفينة من آلاف السفن الأخرى التي تبحر في تلك  البحار كل يوم.

 

لكن هنالك فرق! فهذا المركب ينقل آلاف الكيلوجرامات من المتفجرات إلى المنطقة.

 

ولا يمكن اكتشاف هذه المتفجرات من خلال أي ملاحظة خارجية.

 

وفجأة تشق سفينتان أمواج الخليج بسرعة 70 عقدة في الساعة.

 

وصار الرجال المتواجدون على متن المركب محاصرين حتى قبل أن يستوعبوا ما يحدث.

 

وشعروا بالحيرة والارتباك مع اقتراب السفينتين، إذ لا يمكنهم رؤية أي كوادر بشرية على هاتين السفينتين على الإطلاق.

 

وخلال 30 دقيقة، وصل زورق دورية لتطويقهم واعتقالهم.

 

وأُحبطت عملية نقل غير مشروع للمتفجرات.

 

لا تفهم تلك العناصر أبداً كيفية اكتشافها.

 

فماذا حدث هنا إذن؟

 

العقيد بالبحرية الأمريكية مايكل براسير، قائد قوة المهام 59، يعرض زورقاً مسيَّراً في العاصمة البحرينية المنامة، وهو نموذج من المسيَّرات التي سترفع مستوى الأمن في الخليج العربي. رقيب بحري مارك محمود/البحرية الأمريكية

كان المركب يبحر في مسار ملاحي لا يُستخدم في المعتاد لنقل البضائع، بل جرى العرف على استخدامه لنقل الممنوعات بمختلف أنواعها.

 

تقوم مسيَّرات سطحية متطورة بدوريات في الخليج العربي، وهي مزودة بأجهزة استشعار متصلة بعوَّامات وأجهزة استشعار تحت سطح البحر. وكل هذه النقاط متصلة ببعضها البعض اتصالاً مباشراً.

 

ترسم هذه المسيَّرات السطحية والغوَّاصة خريطة لنمط الحياة وتحدد أماكن المراكب الطبيعية وغير الطبيعية المثيرة الاهتمام من حولها.

 

وتتعقب أجهزة الاستشعار المتصلة بالشبكة آلاف السفن التي تمر عبر الممرات الملاحية التجارية في الشرق الأوسط يومياً.

 

ويوجد على طول الساحل مبنىً يضم فريقاً يتكون من 14 ضابطاً عسكرياً وجنوداً، رجالاً ونساءً، في مركز عمليات.

 

يسمح تكامل البيانات والذكاء الاصطناعي لهذه الكوادر البشرية بفهم كل المعلومات الواردة من جميع أجهزة الاستشعار المتصلة بشبكة المركز.

 

زورقاً مسيَّراً من طراز «سيلدرون إكسبلورر» يبحر في خليج العقبة خلال التمرين البحري الدولي/تمرين «كوتلاس إكسبريس» لعام 2022. رقيب بحري من الدرجة الثانية داوسون روث/البحرية الأمريكية

وحين خرج المركب الشراعي عن نمط الشحن التجاري المعتاد، أدرك برنامج الذكاء الاصطناعي الذي يستخدمونه ذلك، وتلقى الفريق المتواجد في مركز العمليات والمسيَّرات إشارة فورية.

 

وبدون أي أوامر وبدون حتى أن يضغط فريق مركز العمليات على أي زر، التقطت أقرب مسيَّرة صور المركب.

 

وأرسلتها على الفور إلى مركز العمليات.

 

فقيَّمت الكوادر المدرَّبة بالمركز الوضع واتخذت القرار اللازم.    

 

*********************************

 

دعونا الآن ننتقل إلى مجال آخر. في مكان آخر في الشرق الأوسط، تأتي دعوة لإعادة الإمداد بكميات كبيرة من الذخيرة وقطع الغيار. وبعد 30 دقيقة، غادرت خمس مركبات منطقة إسناد اللواء في طريقها إلى منطقة إسناد الكتيبة.

 

وحين تغادر المركبة القائدة المجمَّع، تتبعها أربع مركبات أخرى. ومع اقتراب القافلة المكونة من خمس مركبات من موقع التلاقي ، يستقبلها عنصر الأمن استقبالاً لا يخلو من الدهشة؛ مبعثها أنَّ المركبة الأولى فقط هي التي تحمل طاقماً بشرياً؛ أمَّا الأربعة المتبقية فهي مركبات مسيَّرة تعمل بالذكاء الاصطناعي.

 

**************************

 

تلك السيناريوهات ليست بعيدة عن الواقع بسنوات؛ بل إنَّ التكنولوجيا التي وصفتها بين أيدينا اليوم، ولدينا قوة مهام بحرية – قوة المهام «59» المتمركزة هنا في البحرين – تستخدمها وتسخرها في ربوع المنطقة.

 

نمتلك في الوقت الراهن القدرة التكنولوجية لرفع مستوى الوعي بالمجال البحري بسرعة وبناء شبكة مسيَّرات وذكاء اصطناعي متكاملة من أجل بحار أكثر أمانا وحماية التجارة الدولية بمزيد من الحزم والقوة.

 

في المجال البحري، نبني على الأصول التي لدينا بالفعل وننشئ شبكة متكاملة من أجهزة الاستشعار التي تنقل بيانات ما يحدث لحظة بلحظة. وكل هذه البيانات، التي تنتقل عبر تكامل البيانات ومنصات الذكاء الاصطناعي، تساهم في بناء صورة أوضح لبيئة العمل.

 

والأهم من ذلك أنَّ شركاءنا الدوليين والإقليميين يرافقونا في هذه الرحلة، ولا سيما البحرين؛ إذ تعاونت قوة المهام «59» مع البحرين العام الماضي، وأنشأنا مركزاً هنا بجانب مركز آخر في العقبة بالأردن.

 

وشاركت البحرين في الشهر الماضي في مناورة بحرية في الخليج حيث تعاونت سبع سفن غير مسيَّرة من المملكة العربية السعودية والبحرين والمملكة المتحدة والولايات المتحدة مع أنظمة مسيَّرة. وما هذا إلا مثال من جملة الأمثلة التي تؤكد أنَّ قواتنا تستشرف المستقبل الآن وتتأهب له مجتمعة.

 

العقيد هشام خليل الجراح، قائد القوة البحرية الملكية الأردنية، يمين الصورة، والفريق بحري براد كوبر، قائد القوات البحرية بالقيادة المركزية الأمريكية، يتفقدان زورقاً مسيَّراً من طراز «سيلدرون إكسبلورر» في البحرين. رقيب بحري مارك محمود/البحرية الأمريكية

وبنهاية عام 2023، ستجمع قوة المهام «59» أسطولاً يضم أكثر من 100 مسيَّرة سطحية وغوَّاصة تعمل معاً وتتواصل معاً وتوفر إمكانيات الوعي بالمجال البحري لكافة الجيوش المشاركة. وسيأتي ما لا يقل عن %80 من هذه المسيَّرات من القوات الشريكة لنا. وما يزال عدد البلدان الشريكة في تزايد، وتشكل جزءاً من قوام قوة العمليات والكوادر البشرية لقوة المهام «59».

 

وفي الوقت ذاته، ستختبر قوة المهام «39» – وهي قوة مهام الابتكار الأرضية لدينا – المفهوم والتكنولوجيا في سبيل تشكيل أسطول من المركبات البرية المسيَّرة التي تسمح لنا باستخدام مركباتنا الأرضية غير المسيَّرة بقدر أكبر من الكفاءة والفعالية.

 

وفضلاً عن قوة المهام «39» وقوة المهام «59»، فلدينا قوة المهام «99»، وهي متمركزة في قطر وتعمل في المجال الجوي. وجهود قوة المهام «99» سوف تعمم جهود قوة المهام «59» مع نظام من الطائرات المسيَّرة ذوات الاوزان الملائمة  وإمكانيات أخرى.

 

وسيضع أسطول الطائرات المسيَّرة التابع لقوة المهام «99» خصومنا في مأزق ويكشف التهديدات التي تحيق بأنظمتنا وشركائنا وتهزمها شرَّ هزيمة.

 

إنَّ أجهزة الاستشعار الموجودة على هذه المسيَّرات ستجمع المعلومات باستمرار، وستجعل لنا عيوناً وآذاناً في البر والبحر والجو على الدوام.

 

وستعمل هذه المسيَّرات مجتمعةً على نفس الشبكة المتكاملة، بحيث ترسل حزماً من البيانات إلى برنامج ذكاء اصطناعي يعمل على فرزها وتحليلها وفهمها، ويرسل المعلومات الحيوية إلى المحللين لحظة بلحظة.

 

وهؤلاء المحللون يرسلون هذه المعلومات إلى القوات الشريكة، وكلها تحيط علماً بصورة التهديدات ذاتها والمعلومات ذاتها.

 

وهذا ماتنحو صوبه  القيادة المركزية الأمريكية في مجال الابداع والابتكار.

 

***************************

 

وبالإضافة إلى تلك البرامج، نعمل مع شركائنا على بناء برنامج تجريبي هنا في الشرق الأوسط لدحر المسيَّرات المعادية. إذ أمست المسيَّرات المعادية في ظل تقدم تكنولوجيا المسيَّرات تشكل أكبر تهديد تكنولوجي للأمن الإقليمي.

 

وستركز شراكتنا التجريبية، هنا في الشرق الأوسط، على القدرات الجديدة والتقنيات الجديدة والطرق الجديدة لدحر هذه الأنظمة.

 

 

************************

 

تأتي كل هذه العناصر تحت مظلة «ثقافة الابتكار» التي نبنيها في جنبات القيادة المركزية الأمريكية. فالابتكار يسمح لنا بتوسيع الشراكات العظيمة التي أرسينا دعائمها في ربوع الشرق الأوسط، ويسمح لنا بزيادة القيمة العملياتية لأنظمتنا غير المسيَّرة.

 

ولا يقتصر الابتكار بالنسبة لنا على الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي والطاقة الموجهة، ولا يقتصر على توظيف التكنولوجيا الجديدة.

 

بل تتعدى ثقافة الابتكار عندنا ذلك لتشمل العمل مع شركائنا في المنطقة على عمليات جديدة، والطرق الجديدة للتفكير في قضايا الأمن، والإجراءات الجديدة، والأفكار الجديدة، والمفاهيم الجديدة ، والتكنولوجيا الجديدة.

 

تنطوي ثقافة الابتكار هذه على إمكانيات جبَّارة؛ فالابتكار يسمح لنا بأن نُمركِز قواتنا في مواقع أفضل، وأن نفهم البيئة المحيطة بنا أفضل، وأن نردع العناصر التي تهددنا وندحرها فلا تقوم لها قائمة.

 

التكنلوجيا الحديثة ليست حكرا على الدول الممثلة في هذه القاعة فحسب، فأعداؤنا في الشرق الأوسط كذلك يستخدمون أنظمة وتقنيات حديثة ضدنا.

 

ولهذا السبب نريد من جميع شركائنا في المنطقة أن يبتكروا معنا. فمعاً، من خلال الابتكار، يمكننا جميعاً أن نفعل أكثر من ذلك بكثير لزيادة استقرار المنطقة.

 

هذه المقالة مستقاة من خطاب ألقي في الدورة الـ 18 لحوار المنامة الذي عقده المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية بالبحرين في تشرين الثاني/نوفمبر 2022.

التعليقات مغلقة.