شكوك حول قدرات داعش

لم‭ ‬تعد‭ ‬المجموعة‭ ‬الإرهابية‭  ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬احتلال‭ ‬المحافظات‭ ‬أو‭ ‬شن‭ ‬عمليات‭ ‬واسعة‭ ‬النطاق

اللواء‭ ‬الطيار‭ ‬تحسين‭ ‬إبراهيم‭ ‬الخفاجي،‭ ‬المتحدث‭ ‬باسم‭ ‬قيادة‭ ‬العمليات‭ ‬المشتركة

قد‭ ‬يتساءل‭ ‬كثيرون‭ ‬هل‭ ‬لدى‭ ‬داعش‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬القيام‭ ‬بعمل‭ ‬إرهابي‭ ‬كبير‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬والسيطرة‭ ‬على‭ ‬أراضٍ‭ ‬مجدداً‭. ‬و‭ ‬هل‭ ‬بإمكان‭ ‬داعش‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬قوة‭ ‬إرهابية‭ ‬تستطيع‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬الوضع‭ ‬الأمني‭ ‬والإقليمي‭ ‬وحتى‭ ‬الدولي‭.‬

إن‭ ‬سياسة‭ ‬الفوضى‭ ‬الخلاقة‭ ‬والقتل‭ ‬الجماعي‭ ‬الذي‭ ‬تمارسه‭ ‬التنظيمات‭ ‬الإرهابية‭ ‬المنخرطة‭ ‬مع‭ ‬داعش‭ ‬لا‭ ‬تؤتي‭ ‬ثمارها‭ ‬ولا‭ ‬تسفر‭ ‬عن‭ ‬نتائج‭ ‬مطلوبة‭ ‬لممارسة‭ ‬نفوذ‭ ‬دائم‭ ‬في‭ ‬أماكن‭ ‬مثل‭ ‬العراق‭.‬

وهنالك‭ ‬عدة‭ ‬أسباب‭ ‬تمنع‭ ‬داعش‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬الظهور‭ ‬بقوة‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬سابقاً‭.‬

أولها‭: ‬فقدان‭ ‬الحاضنة‭ ‬الشعبية‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬في‭ ‬المدن‭ ‬السنية‭ ‬حيث‭ ‬أصبحت‭ ‬لا‭ ‬تؤثر‭ ‬إطلاقاً‭ ‬وليس‭ ‬لها‭ ‬أي‭ ‬وجود‭ ‬اجتماعي‭ ‬خصوصاً‭ ‬بين‭ ‬الشباب‭ ‬وكبار‭ ‬السن‭ ‬من‭ ‬الشيوخ‭ ‬والوجهاء‭ ‬والمتنفذين،‭ ‬وحتى‭ ‬رجال‭ ‬المال‭ ‬ابتعدوا‭ ‬عن‭ ‬تنظيم‭ ‬داعش‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬البعض‭ ‬منهم‭ ‬مؤيداً‭ ‬له‭.‬

ثانياً‭: ‬عبث‭ ‬التنظيم‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تحت‭ ‬سيطرته‭ ‬وعدم‭ ‬قدرته‭ ‬على‭ ‬صنع‭ ‬التأثير‭ ‬أيضاً‭ ‬أسهم‭ ‬في‭ ‬زيادة‭ ‬حالة‭ ‬الرفض‭ ‬له‭.‬

ثالثاً‭: ‬عدم‭ ‬قدرة‭ ‬تنظيم‭ ‬داعش‭ ‬على‭ ‬القيام‭ ‬بخلق‭ ‬أي‭ ‬حالة‭ ‬إيجابية‭ ‬سواءً‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الاجتماعي‭ ‬أو‭ ‬الإداري‭ ‬واستمرار‭ ‬حالة‭ ‬الانحدار‭ ‬في‭ ‬السلوك‭ ‬الاجتماعي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ما‭ ‬تبناه‭ ‬في‭ ‬مجال‭ “‬جهاد‭ ‬النكاح‭” ‬وإجبار‭ ‬الأطفال‭ ‬على‭ ‬القيام‭ ‬بأعمال‭ ‬قتل،‭ ‬إذ‭ ‬ضمهم‭ ‬التنظيم‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬عسكرية‭ ‬أطلق‭ ‬عليها‭ ‬أشبال‭ ‬الخلافة،‭ ‬واستمرار‭ ‬عملية‭ ‬بيع‭ ‬وشراء‭ ‬النساء‭ ‬في‭ ‬مخالفة‭ ‬صارخة‭ ‬للقيم‭ ‬الإنسانية‭ ‬والأخلاقية‭ ‬للمجتمع‭.‬

لذلك‭ ‬وبعد‭ ‬عمليات‭ ‬تحرير‭ ‬مدن‭ ‬العراق‭ ‬التي‭ ‬احتلها‭ ‬التنظيم‭ ‬كان‭ ‬هنالك‭ ‬نفور‭ ‬وانفضاض‭ ‬سريع‭ ‬من‭ ‬حول‭ ‬داعش‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬كانت‭ ‬تعتبر‭ ‬حاضنة‭ ‬وأسهمت‭ ‬كثيراً‭ ‬في‭ ‬ترويج‭ ‬أفكاره‭.‬

ثمة‭ ‬مدن‭ ‬صمدت‭ ‬وقاتلت‭ ‬عصابات‭ ‬داعش‭ ‬الارهابية‭ ‬ببسالة‭ ‬مثل‭ ‬حديثة‭ ‬وامرلي‭ ‬وغيرها،‭ ‬وكانت‭ ‬هذه‭ ‬المدن‭ ‬تمثل‭ ‬تحدٍ‭ ‬كبير‭ ‬له‭. ‬ورغم‭ ‬سياسة‭ ‬الخوف‭ ‬والترهيب‭ ‬والهلع‭ ‬التي‭ ‬مارسها‭ ‬داعش‭ ‬ضد‭ ‬الأهالي‭ ‬وما‭ ‬إرتكبه‭ ‬من‭ ‬مجازر‭ ‬وحشية‭ ‬ضدهم،‭ ‬كان‭ ‬اصرار‭ ‬وصلابة‭ ‬سكان‭ ‬هذه‭ ‬المدن‭ ‬يتزايد‭ ‬في‭ ‬مقاومة‭ ‬داعش‭.‬‭ ‬واعتمادًا‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الأسباب‭ ‬وأسباب‭ ‬أخرى،‭ ‬استطيع‭ ‬القول‭ ‬أن‭ ‬تنظيم‭ ‬داعش‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬قادراً‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬السابق‭.‬

ما‭ ‬يحدث‭ ‬الآن‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬هنالك‭ ‬خلايا‭ ‬من‭ ‬بقايا‭ ‬التنظيم‭ ‬تحاول‭ ‬أن‭ ‬تفعل‭ ‬شيء‭ ‬مهما‭ ‬قل‭ ‬شأنه‭ ‬كي‭ ‬تؤثر‭ ‬على‭ ‬أمن‭ ‬البلد‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬أسلوب‭ ‬عصابات‭ ‬تجني‭ ‬المال‭ ‬وإدامة‭ ‬استمراريته‭ ‬لبقائه‭ ‬على‭ ‬قيد‭ ‬الحياة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬شراء‭ ‬الغذاء‭ ‬والسلاح‭ ‬الذي‭ ‬أصبح‭ ‬لا‭ ‬يتوفر‭ ‬لديه‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬السابق‭.‬

إن‭ ‬تحدي‭ ‬داعش‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬موجودًا،‭ ‬ووجوده‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬عدة‭ ‬أسباب‭ ‬منها‭ ‬الفكر‭ ‬الذي‭ ‬جذرته‭ ‬سيطرة‭ ‬التنظيم‭ ‬التي‭ ‬امتدت‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات‭ ‬ومايطلق‭ ‬عليه‭ ‬الخلايا‭ ‬النائمة،‭ ‬التي‭ ‬تتحين‭ ‬الفرص‭ ‬للقيام‭ ‬بأي‭ ‬عمل‭ ‬إرهابي‭ ‬مؤثر،‭ ‬والمخيمات‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬الآن‭ ‬هدفًا‭ ‬رئيسيًا‭ ‬لحملات‭ ‬التنظيم‭ ‬للتجهيل‭ ‬ونشر‭ ‬الأفكار‭ ‬المتطرفة‭.‬

لكل‭ ‬ماذكر‭ ‬أعلاه؛‭ ‬توجب‭ ‬على‭ ‬المنظومة‭ ‬الأمنية‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬بمعالجة‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الحيثيات‭ ‬والتي—‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬تعقيدها‭ ‬البالغ‭ ‬—‭ ‬نجحت‭ ‬قوات‭ ‬الأمن‭ ‬العراقية‭ ‬في‭ ‬فك‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الشفرات‭ ‬الخاصة‭ ‬بتغلل‭ ‬التنظيم‭ ‬الإرهابي‭ ‬بالمجتمع‭ ‬العراقي،‭ ‬هذا‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬ومن‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭ ‬فما‭ ‬زال‭ ‬تفعيل‭ ‬الجهد‭ ‬الاستخباري‭ ‬والأمني‭ ‬مستمراً‭ ‬وبأسلوب‭ ‬علمي‭ ‬ودعم‭ ‬التحالف‭ ‬الدولي‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬زال‭ ‬يقدم‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬العون‭ ‬لمحاربة‭ ‬داعش‭.‬

نستخلص‭ ‬مما‭ ‬تقدم‭ ‬إن‭ ‬حلم‭ ‬عودة‭ ‬داعش‭ ‬بنفس‭ ‬قوته‭ ‬وسطوته‭ ‬السابقة‭ ‬غير‭ ‬وارد‭ ‬البتة‭ ‬لأن‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬اختلف‭ ‬الآن‭ ‬بصرف‭ ‬النظر‭ ‬عما‭ ‬يمر‭ ‬به‭ ‬البلد‭ ‬من‭ ‬تحديات‭ ‬والجهود‭ ‬المستمرة‭ ‬لقوات‭ ‬الأمن‭ ‬العراقية‭.‬

عاش‭ ‬عراق‭ ‬الحضارات‭ ‬العظيمة‭ ‬وعاش‭ ‬الشعب‭ ‬العراقي‭ ‬ذو‭ ‬التاريخ‭ ‬المجيد

وتحية‭ ‬حب‭ ‬وتقدير‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬ساندنا‭ ‬في‭ ‬حربنا‭ ‬ضد‭ ‬الإرهاب‭.  ‬‭ ‬

التعليقات مغلقة.