رسالة قائد مهم

تنمو‭ ‬التنظيمات‭ ‬الإرهابية‭ ‬في‭ ‬البيئة‭ ‬الهشة‭ ‬التي‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬الإهمال‭ ‬والظلم‭ ‬وتردي‭ ‬الخدمات،‭ ‬حيث‭ ‬يكون‭ ‬السكان‭ ‬أكثر‭ ‬عرضة‭ ‬للتغرير‭ ‬وتصديق‭ ‬الخطاب‭ ‬الإرهابي‭ ‬الذي‭ ‬يعدهم‭ ‬برفع‭ ‬الظلم‭ ‬والعدالة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬و‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬الأحيان‭ ‬تعاني‭ ‬هذه‭ ‬البيئة‭ ‬من‭ ‬العزلة‭ ‬عن‭ ‬العالم‭ ‬الخارجي‭ ‬وقلة‭ ‬الوعي‭ ‬والثقافة،‭ ‬ويبدأ‭ ‬المروجون‭ ‬بإثارة‭ ‬السخط‭ ‬ضد‭ ‬الدولة‭ ‬وإثارة‭ ‬الفتن‭ ‬العرقية‭ ‬والطائفية‭ ‬وإظهار‭ ‬المظلومية‭ ‬والتهميش‭ ‬والتركيز‭ ‬على‭ ‬اخذ‭ ‬الحقوق‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬القوة‭ ‬متذرعين‭ ‬بالجهاد‭ ‬كوسيلة‭ ‬لتحقيق‭ ‬مآربهم‭. ‬وهنا‭ ‬تبدأ‭ ‬عملية‭ ‬تجنيد‭ ‬الشباب‭ ‬وزجهم‭ ‬في‭ ‬ساحات‭ ‬القتال‭.‬

كان‭ ‬الأردن‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬السباقة‭ ‬في‭ ‬محاربة‭ ‬التطرف‭ ‬حيث‭ ‬أطلق‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬رسالة‭ ‬عمان‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2005،‭ ‬والتي‭ ‬أكدت‭ ‬على‭ ‬القيم‭ ‬الأساسية‭ ‬للإسلام‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬الرحمة‭ ‬والاحترام‭ ‬المتبادل‭ ‬والتسامح‭ ‬والقبول‭ ‬وحرية‭ ‬الدين‭. ‬لقد‭ ‬فضحت‭ ‬رسالة‭ ‬عمان‭ ‬أكاذيب‭ ‬المتطرفين‭ ‬ووضحت‭ ‬الصورة‭ ‬الحقيقية‭ ‬للدين‭ ‬الإسلامي‭ ‬الذي‭ ‬تعرض‭ ‬للتشويه‭ ‬والتحريف‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المتطرفين‭ ‬والمغرضين‭. ‬فالمتطرفون‭ ‬والمغرضون‭ ‬هم‭ ‬فريقان‭ ‬لهم‭ ‬أهداف‭ ‬متناقضة‭ ‬و‭ ‬لكن‭ ‬توحدهم‭ ‬قضية‭ ‬واحدة،‭ ‬ألا‭ ‬وهي‭ ‬هدفهم‭ ‬واحد‭ ‬وهو‭ ‬زرع‭ ‬الفتنة‭ ‬والاقتتال‭ ‬بين‭ ‬المسلمين‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬نشر‭ ‬الأكاذيب‭ ‬وتفسير‭ ‬النصوص‭ ‬بما‭ ‬يوافق‭ ‬أهواءهم‭. ‬لذلك‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نركز‭ ‬على‭ ‬مبادئ‭ ‬الدين‭ ‬الحقيقي‭ ‬وعلى‭ ‬وجود‭ ‬مجتمعات‭ ‬غير‭ ‬مسلمة‭ ‬تعيش‭ ‬بسلام‭ ‬وأمان‭ ‬بين‭ ‬المسلمين‭ ‬منذ‭ ‬فجر‭ ‬الإسلام،‭ ‬ولدينا‭ ‬الكنائس‭ ‬والمعابد‭ ‬التي‭ ‬يمارس‭ ‬فيها‭ ‬إخواننا‭ ‬طقوسهم‭ ‬الدينية‭ ‬بحرية‭ ‬ولم‭ ‬يهدم‭ ‬المسلمون‭ ‬الكنائس‭ ‬بل‭ ‬احترموها‭ ‬وحافظوا‭ ‬عليها،‭ ‬فلماذا‭ ‬يحاول‭ ‬المتطرفون‭ ‬بعد‭ ‬1400‭ ‬سنة‭ ‬هدم‭ ‬دور‭ ‬العبادة‭ ‬وتشريد‭ ‬المواطنين‭ ‬الأبرياء‭ ‬باسم‭ ‬الإسلام‭ ‬وهو‭ ‬منهم‭ ‬براء‭. ‬

‭ ‬لقد‭ ‬غيرت‭ ‬التهديدات‭ ‬الإرهابية‭ ‬النمط‭ ‬التقليدي‭ ‬للحروب،‭ ‬ووضعت‭ ‬الجيوش‭ ‬أمام‭ ‬تحد‭ ‬جديد‭ ‬لخوض‭ ‬الحروب‭ ‬الهجينة‭. ‬وتحولت‭ ‬الحرب‭ ‬من‭ ‬ميادين‭ ‬القتال‭ ‬إلى‭ ‬مواجهات‭ ‬مفتوحة‭ ‬على‭ ‬صفحات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬بين‭ ‬من‭ ‬ينشرون‭ ‬الأفكار‭ ‬المضللة‭ ‬والتغرير‭ ‬بالشباب‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬وبين‭ ‬الأجهزة‭ ‬الأمنية‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬تحصين‭ ‬الشباب‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭. ‬لذلك‭ ‬كانت‭ ‬دائرة‭ ‬الإفتاء‭ ‬في‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬الأردنية‭ ‬في‭ ‬خط‭ ‬المواجهة‭ ‬منذ‭ ‬البداية‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬التنظيمات‭ ‬التي‭ ‬تدعي‭ ‬الإسلام‭. ‬إذ‭ ‬بدأنا‭ ‬بفضح‭ ‬أكاذيب‭ ‬الإرهابيين‭ ‬على‭ ‬المنابر‭ ‬وفي‭ ‬قنوات‭ ‬الإعلام‭ ‬وصفحات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭. ‬كما‭ ‬قمنا‭ ‬بإعداد‭ ‬علماء‭ ‬دين‭ ‬وأئمة‭ ‬مساجد‭ ‬متخصصين‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الفكر‭ ‬المتطرف‭.‬

لقد‭ ‬تفاجأ‭ ‬العالم‭ ‬بكل‭ ‬مؤسساته‭ ‬الأمنية‭ ‬من‭ ‬اجتياح‭ ‬داعش‭ ‬لقنوات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬بسرعة‭ ‬فائقة،‭ ‬وظهور‭ ‬ماكنة‭ ‬إعلامية‭ ‬ضخمة‭ ‬تحث‭ ‬على‭ “‬الجهاد‭” ‬و‭ “‬الهجرة‭” ‬وتكفير‭ ‬المجتمعات‭ ‬الإسلامية،‭ ‬وإقبال‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬المخدوع‭ ‬للالتحاق‭ ‬بداعش‭ ‬برغم‭ ‬الجرائم‭ ‬والفضائع‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬تقوم‭ ‬بها‭ ‬عصاباتهم‭ ‬وتنقلها‭ ‬وسائل‭ ‬الأعلام،‭ ‬وبرغم‭ ‬الحملات‭ ‬الإعلامية‭ ‬الضخمة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الفضائيات‭ ‬ضد‭ ‬الإرهاب،‭ ‬فإن‭ ‬أغلب‭ ‬تلك‭ ‬الحملات‭ ‬لم‭ ‬تحقق‭ ‬أهدافها‭ ‬المرجوة‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬تحدث‭ ‬نتائج‭ ‬عكسية‭. ‬والسبب‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬ان‭ ‬المسألة‭ ‬لا‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬كمية‭ ‬الرسائل‭ ‬الإعلامية،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬نوعية‭ ‬مضمونها‭ ‬وقوة‭ ‬حجتها،‭ ‬وبوجود‭ ‬رجال‭ ‬أكفاء‭ ‬مسلحين‭ ‬بالثقافة‭ ‬والعلوم‭ ‬الإسلامية‭ ‬الصحيحة‭ ‬التي‭ ‬تمكنهم‭ ‬من‭ ‬فضح‭ ‬الخطاب‭ ‬الإرهابي‭ ‬المبني‭ ‬على‭ ‬انتقاء‭ ‬النصوص‭ ‬واجتزائها‭ ‬والتحريف‭ ‬في‭ ‬معانيها‭. ‬فقضية‭ ‬بتر‭ ‬النصوص‭ ‬أو‭ ‬انتقاء‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يساء‭ ‬تفسيره‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المتطرفين‭ ‬هو‭ ‬تحدٍ‭ ‬كبير‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬مواجهته‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬غير‭ ‬المتخصصين‭ ‬بالعلوم‭ ‬الإسلامية‭. ‬وهنا‭ ‬لا‭ ‬بدّ‭ ‬من‭ ‬التنويه‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الجمهور‭ ‬المستهدف‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المتطرفين‭ ‬له‭ ‬مميزات‭ ‬خاصة‭ ‬تختلف‭ ‬عن‭ ‬سائر‭ ‬المجتمع‭. ‬حيث‭ ‬أن‭ ‬أغلبيتهم‭ ‬يأخذون‭ ‬علمهم‭ ‬مشافهة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬شيوخهم‭ ‬ومنظري‭ ‬الفتنة‭. ‬لذلك‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬الرسائل‭ ‬الإعلامية‭ ‬الاعتيادية‭ ‬ذات‭ ‬تأثير‭ ‬بسبب‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الجمهور‭ ‬لا‭ ‬يشاهد‭ ‬برامج‭ ‬الفضائيات‭ ‬ولا‭ ‬يرتاد‭ ‬قنوات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬المتداولة‭ ‬المألوفة‭. ‬

نحن‭ ‬في‭ ‬دائرة‭ ‬الإفتاء‭ ‬في‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬الأردنية،‭ ‬لدينا‭ ‬دراسات‭ ‬مستفيضة‭ ‬عن‭ ‬ظاهرة‭ ‬التطرف‭ ‬وعن‭ ‬البيئة‭ ‬التي‭ ‬تنشط‭ ‬فيها،‭ ‬وقد‭ ‬قمنا‭ ‬بإعداد‭ ‬أئمة‭ ‬مساجد‭ ‬متخصصين‭ ‬في‭ ‬مكافحة‭ ‬الفكر‭ ‬المتطرف‭ ‬وفي‭ ‬تشخيص‭ ‬أعراض‭ ‬التطرف‭ ‬ومعالجتها‭ ‬مبكرا،‭ ‬والحمد‭ ‬لله‭ ‬تمكنا‭ ‬من‭ ‬حماية‭ ‬شبابنا‭ ‬من‭ ‬الانزلاق‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الفتنة‭ ‬وركزنا‭ ‬على‭ ‬نشر‭ ‬رسالة‭ ‬الدين‭ ‬الوسطي،‭ ‬كما‭ ‬قمنا‭ ‬بفضح‭ ‬أكاذيب‭ ‬و‭ ‬إدعاءات‭ ‬المتطرفين‭ ‬على‭ ‬قنوات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬بالدليل‭ ‬والحجة‭ ‬واستطعنا‭ ‬تقليص‭ ‬رقعتهم‭ ‬الإلكترونية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الدورات‭ ‬التي‭ ‬نعقدها‭ ‬في‭ ‬كلية‭ ‬الأمير‭ ‬الحسن‭ ‬للعلوم‭ ‬الإسلامية‭ ‬حيث‭ ‬استطعنا‭ ‬دحض‭ ‬شبهاتهم‭ ‬وإعداد‭ ‬أئمة‭ ‬قادرين‭ ‬على‭ ‬توضيح‭ ‬الحقيقة‭ ‬وفضح‭ ‬أكاذيبهم‭. ‬

‭ ‬إن‭ ‬التطور‭ ‬التكنولوجي‭ ‬جعل‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬قرية‭ ‬صغيرة،‭ ‬وساعد‭ ‬على‭ ‬التواصل‭ ‬ومعرفة‭ ‬ثقافات‭ ‬الشعوب،‭ ‬وبنفس‭ ‬الوقت‭ ‬أصبح‭ ‬التهديد‭ ‬الأمني‭ ‬أكبر‭ ‬بسبب‭ ‬نشاط‭ ‬المتطرفين‭ ‬على‭ ‬صفحات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬لذلك‭ ‬يجب‭ ‬دحض‭ ‬الأفكار‭ ‬المتطرفة‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الجبهة‭ ‬المهمة‭ ‬وتحصين‭ ‬الشباب‭ ‬من‭ ‬الأفكار‭ ‬المسمومة‭. ‬وهذه‭ ‬مسؤولية‭ ‬كبيرة‭ ‬تقع‭ ‬على‭ ‬عاتق‭ ‬رجال‭ ‬الدين‭ ‬وأئمة‭ ‬المساجد‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬لأن‭ ‬الأفكار‭ ‬المتطرفة‭ ‬والأنشطة‭ ‬الإرهابية‭ ‬عابرة‭ ‬للحدود‭ ‬ولا‭ ‬يوجد‭ ‬أحد‭ ‬في‭ ‬مأمن‭ ‬منها‭. ‬لذلك‭ ‬يجب‭ ‬توحيد‭ ‬الجهود‭ ‬في‭ ‬محاربة‭ ‬الأفكار‭ ‬المتطرفة‭ ‬وتبادل‭ ‬المعلومات‭ ‬والاستفادة‭ ‬من‭ ‬خبرات‭ ‬الدول‭ ‬الصديقة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المضمار،‭ ‬مع‭ ‬تأكيدنا‭ ‬بأن‭ ‬التطرف‭ ‬ليس‭ ‬خاصاً‭ ‬بدين‭ ‬أو‭ ‬عرف‭ ‬أو‭ ‬جنس،‭ ‬وان‭ ‬جميع‭ ‬الاديان‭ ‬لديها‭ ‬من‭ ‬يحمل‭ ‬الفكر‭ ‬المتطرف‭. ‬

العميد‭ ‬الدكتور‭ ‬ماجد‭ ‬الدراوشة

مفتي‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬الاردنية

التعليقات مغلقة.