رسالة قائد مهم

أود‭ ‬أن‭ ‬أتقدم‭ ‬بوافر‭ ‬الشكر‭ ‬والتقدير‭ ‬للقيادة‭ ‬المركزية‭ ‬الأمريكية‭ ‬لاتاحتها‭ ‬الفرصة‭ ‬لي‭ ‬لتقديم‭ ‬هذا‭ ‬العدد‭ ‬من‭ ‬مجلة‭ ‬يونيباث‭ ‬المخصص‭ ‬لحماية‭ ‬الفضاء‭ ‬السيبراني‭. ‬

أثبتت‭ ‬الأحداث‭ ‬والوقائع‭ ‬والتجارب‭ ‬أنه‭ ‬كلما‭ ‬تقدم‭ ‬العالم‭ ‬واعتمد‭ ‬أكثر‭ ‬على‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬كلما‭ ‬ازداد‭ ‬خطر‭ ‬الفوضى،‭ ‬فلو‭ ‬جرى‭ ‬تدمير‭ ‬أجهزة‭ ‬الكمبيوتر‭ ‬وخوادم‭ ‬الإنترنت‭ ‬التي‭ ‬تتحكم‭ ‬بالبنية‭ ‬التحتية،‭ ‬من‭ ‬مواصلات‭ ‬وكهرباء‭ ‬وغاز‭ ‬ومراكز‭ ‬تحلية‭ ‬المياة‭ ‬والخدمات‭ ‬المالية‭ ‬من‭ ‬بنوك‭ ‬وبورصات‭ ‬ومراكز‭ ‬مال،‭ ‬سواء‭ ‬بفعل‭ ‬فاعل‭ ‬أو‭ ‬بسبب‭ ‬كوارث‭ ‬طبيعية،‭ ‬فسيكون‭ ‬كابوساً‭ ‬مخيفاً،‭ ‬وربما‭ ‬يعني‭ ‬عودة‭ ‬العالم‭ ‬إلى‭ ‬العصر‭ ‬الحجري‭ ‬فعلا‭!‬

وقد‭ ‬كشف‭ ‬الخلل‭ ‬في‭ ‬خوادم‭ ‬بعض‭ ‬عمالقة‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬ومواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الإجتماعي‭ ‬والتطبيقات‭ ‬الفاعلة،‭ ‬كم‭ ‬هو‭ ‬هش‭ ‬عالمنا،‭ ‬حين‭ ‬شعر‭ ‬الناس‭ ‬بالتوحد‭ ‬والعزلة‭ ‬والفراغ،‭ ‬وتبين‭ ‬حجم‭ ‬اعتمادنا‭ ‬على‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الإجتماعي‭ ‬والتهديدات‭ ‬التي‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬مستعدين‭ ‬لها،‭ ‬لدرجة‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬بكل‭ ‬قلق‭ ‬وخوف‭ ‬حقيقيين‭ ‬“أما‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬نكون”‭. ‬

ولعل‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭ ‬وتداعياتها‭ ‬القاتلة،‭ ‬زادت‭ ‬المخاوف‭ ‬على‭ ‬واقع‭ ‬البشرية،‭ ‬بسبب‭ ‬الإلحاح‭ ‬على‭ ‬التباعد‭ ‬الجسدي‭ ‬والنزوع‭ ‬للتواصل‭ ‬عن‭ ‬بعد،‭ ‬وشيوع‭ ‬تطبيقات‭ ‬البرامج‭ ‬المرئية‭ ‬والمسموعة‭ ‬وسواها،‭ ‬وهذا‭ ‬يستدعي‭ ‬القلق‭ ‬أكثر‭ ‬لحماية‭ ‬الفضاء‭ ‬الإلكتروني،‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الطبيعة‭ ‬ذاتها،‭ ‬ويؤكد‭ ‬أن‭ ‬القضية‭ ‬باتت‭ ‬معركة‭ ‬وجودية‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬سيرورة‭ ‬الرفاهية‭ ‬للبشرية‭.‬

يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬العالم‭ ‬مستعداً‭ ‬لهذه‭ ‬السيناريوهات،‭ ‬التي‭ ‬تعد‭ ‬بمثابة‭ ‬حرب‭ ‬كونية‭ ‬ينبغي‭ ‬مواجهتها،‭ ‬فلم‭ ‬يعد‭ ‬دور‭ ‬الجيوش‭ ‬مقتصراً‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬التهديدات‭ ‬المحتملة،‭ ‬بل‭ ‬يشمل‭ ‬كذلك‭ ‬دراسة‭ ‬الاتجاهات‭ ‬والمسارات‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬وضع‭ ‬الخطط‭ ‬الملائمة‭ ‬لتوقع‭ ‬التهديدات‭ ‬الناشئة،‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬تأمين‭ ‬الفضاء‭ ‬الإلكتروني‭ ‬للحضارة‭ ‬الإنسانية،‭ ‬الذي‭ ‬بات‭ ‬مسألة‭ ‬حيوية‭ ‬ينبغي‭ ‬حمايتها‭ ‬بالوسائل‭ ‬كافة‭.‬

وتشمل‭ ‬الحرب‭ ‬السيبرانية،‭ ‬التجسس‭ ‬على‭ ‬الدول،‭ ‬وسرقة‭ ‬الأسرار‭ ‬التجارية‭ ‬والعسكرية،‭ ‬ومهاجمة‭ ‬أجهزة‭ ‬الكمبيوتر‭ ‬المسؤولة‭ ‬عن‭ ‬تشغيل‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬الحيوية‭ ‬وأنظمة‭ ‬الأسلحة،‭ ‬واختراق‭ ‬المعلومات‭ ‬الأمنية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬الحيوية،‭ ‬كما‭ ‬تستهدف‭ ‬مرافق‭ ‬الخدمات‭ ‬الحيوية‭ ‬أو‭ ‬تلك‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالأمن‭ ‬القومي‭ ‬للدول‭ ‬التي‭ ‬تعتبرها‭ ‬معادية‭. ‬

هذا‭ ‬النمط‭ ‬الجديد‭ ‬للحرب‭ ‬يتجاوز‭ ‬ساحات‭ ‬المعارك‭ ‬البرية‭ ‬والجوية‭ ‬والبحرية‭ ‬ومواجهته‭ ‬تحتاج‭ ‬تظافر‭ ‬جميع‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدولة‭ ‬لتعمل‭ ‬كمنظومة‭ ‬دفاع‭ ‬محكم‭ ‬صعب‭ ‬الاختراق‭. ‬في‭ ‬القرون‭ ‬الماضية‭ ‬كانت‭ ‬المعرفة‭ ‬البشرية‭ ‬تتضاعف‭ ‬بعد‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬الزمن،‭ ‬أما‭ ‬الآن‭ ‬وبفضل‭ ‬الثورة‭ ‬المعلوماتية‭ ‬صارت‭ ‬تتضاعف‭ ‬كل‭ ‬ساعة،‭ ‬وهذا‭ ‬التقدم‭ ‬المطرد‭ ‬والسريع‭ ‬الذي‭ ‬يحققه‭ ‬العالم‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬يجلب‭ ‬معه‭ ‬تهديدات‭ ‬بقدر‭ ‬مايجلب‭ ‬من‭ ‬فرص‭.‬

يكمن‭ ‬الناتج‭ ‬العرضي‭ ‬للعصر‭ ‬الرقمي‭ ‬في‭ ‬نزوع‭ ‬بعض‭ ‬الحكومات‭ ‬والمنظمات‭ ‬والافراد‭ ‬الى‭ ‬إساءة‭ ‬استعمال‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬وتوظيفها‭ ‬توظيفا‭ ‬ضاراً‭ ‬في‭ ‬انتهاك‭ ‬صارخ‭ ‬لحقوق‭ ‬الانسان‭ ‬والمعاهدات‭ ‬والمواثيق‭ ‬الدولية،‭ ‬مستغلين‭ ‬بذلك‭ ‬غياب‭ ‬الإجماع‭ ‬الدولي،‭ ‬وهذا‭ ‬يتطلب‭ ‬من‭ ‬مؤسسات‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬أن‭ ‬تتحمل‭ ‬مسئوليتها‭ ‬بالحفاظ‭ ‬على‭ ‬المكتسبات‭ ‬التكنولوجية‭ ‬للحضارة‭ ‬الإنسانية‭ ‬و‭ ‬حمايتها‭ ‬من‭ ‬العابثين،‭ ‬حكومات‭ ‬وأفراد،‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬خلق‭ ‬كيان‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬مراقبة‭ ‬الدول‭ ‬والمنظمات‭ ‬والافراد‭ ‬العابثين‭ ‬وملاحقتهم‭ ‬ومعاقبتهم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬شرعية‭ ‬دولية‭. ‬

وفي‭ ‬دولة‭ ‬الكويت،‭ ‬نأخذ‭ ‬موضوع‭ ‬تأمين‭ ‬الفضاء‭ ‬الالكتروني‭ ‬على‭ ‬محمل‭ ‬الجد،‭ ‬حيث‭ ‬قرر‭ ‬مجلس‭ ‬الوزراء‭ ‬في‭ ‬جلسته‭ ‬بتاريخ‭ ‬31‭ ‬مايو‭ ‬2021‭ ‬الموافقة‭ ‬على‭ ‬إنشاء‭ ‬المركز‭ ‬الوطني‭ ‬للأمن‭ ‬السيبراني،‭ ‬وتكليف‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬ووزير‭ ‬الدولة‭ ‬لشؤون‭ ‬مجلس‭ ‬الوزراء‭ ‬بالتنسيق‭ ‬مع‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬وزارات‭ ‬ومؤسسات‭ ‬الدولة‭ ‬الفاعلة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬لإعداد‭ ‬مشروع‭ ‬مرسوم‭ ‬للإعلان‭ ‬عن‭ ‬المركز‭.‬

ويتولى‭ ‬هذا‭ ‬المركز‭ ‬تنسيق‭ ‬وتضافر‭ ‬جهود‭ ‬جميع‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدولة‭ ‬لحماية‭ ‬فضائها‭ ‬الالكتروني‭ ‬من‭ ‬الهجمات‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬حدوثها‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الفوضى‭ ‬الالكترونية‭ ‬العالمية،‭ ‬كما‭ ‬فرض‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬المؤسسات‭ ‬المحلية‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لها‭ ‬هدف‭ ‬تكتيكي‭ ‬عبر‭ ‬تأمين‭ ‬الشبكات‭ ‬التابعة‭ ‬لها،‭ ‬وهدف‭ ‬استراتيجي‭ ‬وهو‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬حماية‭ ‬فضاء‭ ‬الدولة‭ ‬و‭ ‬العمل‭ ‬ككيان‭ ‬مشترك‭ ‬تحت‭ ‬مظلة‭ ‬المركز‭ ‬الوطني‭ ‬للأمن‭ ‬السيبراني‭.‬

بالنسبة‭ ‬لوزارة‭ ‬الدفاع،‭ ‬تشكل‭ ‬الشراكة‭ ‬بين‭ ‬الجيش‭ ‬الكويتي‭ ‬والقيادة‭ ‬المركزية‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬تكنولوجيا‭ ‬أمن‭ ‬المعلومات‭ ‬مثالاً‭ ‬للتعاون‭ ‬الدولي‭ ‬المأمول،‭ ‬حيث‭ ‬تعقد‭ ‬بانتظام‭ ‬دورات‭ ‬تدريبية‭ ‬وورش‭ ‬عمل‭ ‬وأنشطة‭ ‬مشتركة‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬المخاطر‭ ‬وحماية‭ ‬منظومات‭ ‬أمن‭ ‬المعلومات‭ ‬والشبكات‭ ‬المحلية‭.‬

فالأمن‭ ‬السيبراني‭ ‬ليس‭ ‬مهمة‭ ‬دولة‭ ‬واحدة‭ ‬فقط‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬مهمة‭ ‬يضطلع‭ ‬بها‭ ‬تحالف‭ ‬من‭ ‬الشركاء‭ ‬الدوليين،‭ ‬يمتلكون‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬والمعرفة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬مواجهة‭ ‬التهديدات‭ ‬دائمة‭ ‬التطور‭ ‬لأنظمة‭ ‬الكمبيوتر‭ ‬التي‭ ‬يعتمد‭ ‬عليها‭ ‬العالم‭ ‬والحضارة‭ ‬الإنسانية‭ ‬المشتركة‭.‬

اللواء‭ ‬ركن‭ ‬مهندس‭ ‬محمد‭ ‬عقلة‭ ‬العنزي‭ ‬

آمر‭ ‬سلاح‭ ‬الإشارة‭ ‬في‭ ‬الجيش‭ ‬الكويتي

التعليقات مغلقة.