تطوير الاستخبارات العسكرية

الأمن‭ ‬يتطلب‭ ‬توقع‭ ‬أفعال‭ ‬الجهات‭ ‬الإرهابية‭ ‬وغير‭ ‬التابعة‭ ‬للدولة

عصام‭ ‬عباس‭ ‬أمين،‭ ‬المديرية‭ ‬العامة‭ ‬للاستخبارات‭ ‬والأمن‭ ‬بوزارة‭ ‬الدفاع‭ ‬العراقية

هذه‭ ‬خلاصة‭ ‬لمجموعة‭ ‬من‭ ‬القراءات‭ ‬انشغلت‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬الأخيرة‭ ‬وكلها‭ ‬تدور‭ ‬حول‭ ‬الاستخبارات‭ ‬ودورها‭ ‬في‭ ‬التنبؤ‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬غامض‭. ‬ولنبدأ‭ ‬من‭ ‬الحرب،‭ ‬فهي‭ ‬بناء‭ ‬حساس‭ ‬يكفي‭ ‬أبسط‭ ‬الأشياء‭ ‬لتدميره‭ ‬وردمنا‭ ‬تحت‭ ‬أنقاضه‭. ‬فإذا‭ ‬تذكرنا‭ ‬بأن‭ ‬الحروب‭ ‬تخاض‭ ‬أساسًا‭ ‬بالاعتماد‭ ‬على‭ ‬المعلومات،‭ ‬وإن‭ ‬هذا‭ ‬الأساس‭ ‬بات‭ ‬يكتنفه‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الشك‭ ‬والقلق،‭ ‬حينها‭ ‬فقط‭ ‬نحتاج‭ ‬إلى‭ ‬الفحص‭ ‬الدقيق‭ ‬للتأكد‭ ‬من‭ ‬سلامة‭ ‬عمل‭ ‬أجهزتنا‭ ‬الاستخبارية‭.‬

فنجاح‭ ‬العمل‭ ‬الاستخباري‭ ‬يتوقف‭ ‬برمته‭ ‬على‭ ‬توفر‭ ‬المعلومات‭ ‬الأولية،‭ ‬وعلى‭ ‬مدى‭ ‬قدرة‭ ‬وقابلية‭ ‬محللي‭ ‬الاستخبارات‭ ‬في‭ ‬تمييز‭ ‬المعلومات‭ ‬الصحيحة‭ ‬والوثيقة‭ ‬الصلة‭ ‬عن‭ ‬المعلومات‭ ‬المضللة‭ ‬وغير‭ ‬الدقيقة،‭ ‬وهذا‭ ‬يعكس‭ ‬مدى‭ ‬دقة‭ ‬إدراك‭ ‬المحلل‭ ‬الاستخباري‭ ‬والمشاركين‭ ‬الآخرين‭ ‬كافة‭ ‬في‭ ‬التحليل‭ ‬النهائي‭. ‬هذا‭ ‬الفهم‭ ‬العام‭ ‬للاستخبارات‭ ‬يقابله‭ ‬في‭ ‬الجانب‭ ‬الآخر‭ ‬تأكيدات‭ ‬من‭ ‬أغلب‭ ‬الأنظمة‭ ‬العسكرية‭ ‬بأن‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬نثق‭ ‬إلا‭ ‬بالمعلومة‭ ‬الأكيدة‭ ‬وأن‭ ‬نتمسك‭ ‬دائمًا‭ ‬بالحذر‭ ‬التام‭. ‬ورغم‭ ‬ذلك‭ ‬تؤكد‭ ‬نفس‭ ‬هذه‭ ‬المنظومات‭ ‬بأن‭ ‬الاستخبارات‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬تنبؤية‭ ‬بالضرورة،‭ ‬كونها‭ ‬تشكل‭ ‬الأساس‭ ‬للعمليات‭ ‬العسكرية‭. ‬وإن‭ ‬استنتاج‭ ‬ما‭ ‬فعله‭ ‬العدو‭ ‬سابقًا،‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يفعله‭ ‬الآن،‭ ‬يكون‭ ‬عادة‭ ‬ذات‭ ‬فائدة‭ ‬قليلة‭ ‬نسبيًا‭ ‬للقائد‭ ‬أو‭ ‬القائم‭ ‬بالتخطيط‭ ‬حيث‭ ‬أنه‭ ‬يكون‭ ‬على‭ ‬علم‭ ‬بذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬قواته‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬التماس‭ ‬مع‭ ‬العدو‭. ‬فما‭ ‬يحتاجه‭ ‬القائد‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬قادرًا‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يسبق‭ ‬عدوه،‭ ‬أي‭ ‬يوجه‭ ‬له‭ ‬عمل‭ ‬استباقي،‭ ‬وأن‭ ‬يستثمر‭ ‬أفعال‭ ‬العدو‭ ‬لمصلحته،‭ ‬ولكي‭ ‬يفعل‭ ‬ذلك‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يعرف‭ ‬نواياه‭ ‬المحتملة‭. ‬يجب‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬قادرًا‭ ‬على‭ ‬الدخول‭ ‬إلى‭ ‬دائرة‭ ‬صنع‭ ‬القرار‭ ‬المعادية،‭ ‬وأفضل‭ ‬وسيلة‭ ‬لتحقيق‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬الاستخبارات‭ ‬التنبؤية،‭ ‬وهذا‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬إن‭ ‬الاستخبارات‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تتجاهل‭ ‬الماضي‭ ‬أو‭ ‬الحاضر،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬دراستهما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬دليلًا‭ ‬لمعرفة‭ ‬النوايا‭ ‬المستقبلية،‭ ‬لأن‭ ‬الناتج‭ ‬النهائي‭ ‬للاستخبارات‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬متطلعا‭ ‬للأمام‭ ‬دائماً‭. ‬ومع‭ ‬إدراكنا‭ ‬المسبق‭ ‬لأهمية‭ ‬التنبؤ‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬الاستخباري،‭ ‬إلا‭ ‬إن‭ ‬وقوع‭ ‬المفاجأة‭ ‬الاستراتيجية‭ (‬هجوم‭ ‬مفاجئ،‭ ‬أو‭ ‬ضربة‭ ‬مفاجئة‭) ‬أمر‭ ‬شائع‭ ‬في‭ ‬التأريخ‭. ‬والواقع‭ ‬اليوم‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تحولًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬قد‭ ‬طرأ‭ ‬في‭ ‬طبيعة‭ ‬هذه‭ ‬الهجمات،‭ ‬التي‭ ‬تترك‭ ‬غالبًا‭ ‬الأجهزة‭ ‬الاستخبارية‭ ‬أمام‭ ‬أسئلة‭ ‬محرجة،‭ ‬كيف‭ ‬حدث؟‭ ‬متى‭ ‬تم‭ ‬التخطيط؟‭ ‬كيف‭ ‬تحقق‭ ‬الاختراق؟‭ ‬وحتى‭ ‬أحيانًا‭ ‬يكون‭ ‬السؤال‭ ‬الاعظم،‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬المنفذون‭ ‬للهجوم؟‭ ‬بمعنى‭ ‬أن‭ ‬وقوع‭ ‬هجوم‭ ‬مفاجئ‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬يشكل‭ ‬فشلًا‭ ‬استخباراتيًا‭ ‬لدى‭ ‬الدولة‭ ‬التي‭ ‬تعرضت‭ ‬للهجوم،‭ ‬وتشكل‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬نجاحًا‭ ‬لدى‭ ‬الدولة‭ ‬المهاجمة‭. ‬وهذا‭ ‬كله‭ ‬بسبب‭ ‬التقدم‭ ‬الحاصل‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الاستخبارات‭ ‬وتنفيذ‭ ‬عمليات‭ ‬خاصة‭ ‬تمتاز‭ ‬بدرجة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الدقة‭ ‬والغموض،‭ ‬وما‭ ‬حصل‭ ‬في‭ ‬إيران‭ ‬خلال‭ ‬الأيام‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية‭ ‬يؤكد‭ ‬صدق‭ ‬افتراضاتنا،‭ ‬فقد‭ ‬وقعت‭ ‬تفجيرات‭ ‬عديدة‭ ‬في‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬حساسة‭ ‬يصعب‭ ‬اختراقها،‭ ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬عنصر‭ ‬المفاجأة‭ ‬حاضرًا‭ ‬بقوة،‭ ‬ليشكل‭ ‬دليلًا‭ ‬دامغًا‭ ‬على‭ ‬فشل‭ ‬الاستخبارات‭ ‬الإيرانية‭. ‬ولهذا‭ ‬فإن‭ ‬دراسات‭ ‬“حالات‭ ‬فشل‭ ‬الاستخبارات”‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالمفاجأة‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬قد‭ ‬تقود‭ ‬إلى‭ ‬استنتاجات‭ ‬مهمة‭ ‬حول‭ ‬ما‭ ‬حصل‭ ‬من‭ ‬خطأ‭. ‬لكن‭ ‬المشكلة‭ ‬الرئيسية‭ ‬هنا،‭ ‬إن‭ ‬محاولات‭ ‬أجهزة‭ ‬الاستخبارات‭ ‬تصحيح‭ ‬“ما‭ ‬حصل‭ ‬من‭ ‬خطأ”‭ ‬تفشل‭ ‬باستمرار‭ ‬لأنهم‭ ‬لا‭ ‬يريدون‭ ‬أن‭ ‬يعترفوا‭ ‬بأن‭ ‬افتراضهم‭ ‬منذ‭ ‬البداية،‭ ‬بأن‭ ‬الاستخبارات‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬تنبؤية،‭ ‬هو‭ ‬افتراض‭ ‬خاطئ‭. ‬فلا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الاستخبارات‭ ‬تنبؤية‭ ‬بصرامة‭. ‬وعليه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تجنب‭ ‬المفاجأة‭ ‬بشكل‭ ‬كلي‭. ‬وهذا‭ ‬يقودنا‭ ‬إلى‭ ‬أهمية‭ ‬اعتماد‭ ‬منهج‭ ‬إدارة‭ ‬الخطر،‭ ‬الذي‭ ‬يضع‭ ‬في‭ ‬الحسبان‭ ‬دائمًا‭ ‬التحذير‭ ‬المستمر‭ ‬من‭ ‬أننا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نتعلم‭ ‬العيش‭ ‬مع‭ ‬المفاجأة‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬عندما‭ ‬تقع،‭ ‬لتقليل‭ ‬الخسائر‭ ‬الناجمة‭ ‬أولًا،‭ ‬والدفع‭ ‬بتطوير‭ ‬قدراتنا‭ ‬الاستخبارية‭ ‬لمنع‭ ‬وقوع‭ ‬المفاجآت‭ ‬لأدنى‭ ‬مستوى‭ ‬ممكن‭. ‬ولعله‭ ‬من‭ ‬المفيد‭ ‬أن‭ ‬نذكر‭ ‬هنا‭ ‬بعضا‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬أسباب‭ ‬الخطأ‭ ‬
في‭ ‬التنبؤ‭:‬

  • سوء‭ ‬الافتراض‭.‬
  • الانحياز‭.‬
  • اتخاذ‭ ‬القرارات‭ ‬تحت‭ ‬الضغط‭.‬
  • تغيير‭ ‬الأهداف‭ ‬والخطط‭.‬
  • تغيير‭ ‬البيئة‭.‬
  • التقييم‭ ‬المفرط‭ ‬للقوة‭ ‬الذاتية‭.‬
  • الفشل‭ ‬في‭ ‬تبني‭ ‬معلومات‭ ‬جديدة‭.‬

في‭ ‬النهاية‭ ‬تجد‭ ‬الاجهزة‭ ‬الاستخبارية‭ ‬أنفسها‭ ‬أمام‭ ‬تحديات‭ ‬جديدة،‭ ‬وأخطر‭ ‬تلك‭ ‬التحديات‭ ‬تتعلق‭ ‬بمدى‭ ‬إدراك‭ ‬هذه‭ ‬الأجهزة‭ ‬لطبيعة‭ ‬بيئة‭ ‬الامن‭ ‬الحالية،‭ ‬التي‭ ‬تكون‭ ‬عادة‭ ‬متقلبة‭ ‬ومجهولة‭ ‬ومعقدة،‭ ‬مما‭ ‬يجعلها‭ ‬دائماً‭ ‬خارج‭ ‬سيطرة‭ ‬الدولة،‭ ‬فلم‭ ‬تعد‭ ‬الدولة‭ ‬تقود‭ ‬ولاء‭ ‬مواطنيها،‭ ‬وكل‭ ‬الإشارات‭ ‬الحالية‭ ‬تظهر‭ ‬وجود‭ ‬صعوبة‭ ‬أكثر‭ ‬للإبحار‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬بسبب‭ ‬عدد‭ ‬الأشياء‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تحت‭ ‬سيطرة‭ ‬الدولة‭.  ‬‭ ‬

التعليقات مغلقة.