تحريف الدين باسم التطرف

الإرهابيون يُحرِّفون النصوص الدينية لتبرير التدمير والعنف والقتل

الأستاذ‭ ‬الدكتور‭ ‬أسعد‭ ‬كاظم‭ ‬شبيب،‭ ‬كلية‭ ‬العلوم‭ ‬السياسية،‭ ‬جامعة‭ ‬الكوفة،‭ ‬العراق

ثمة أدبيات‭ ‬عقدية‭ ‬وفقهية‭ ‬درجت‭ ‬التنظيمات‭ ‬الراديكالية‭ ‬الإسلامية‭ ‬المتطرِّفة‭ ‬على‭ ‬استعمالها،‭ ‬فكانت‭ ‬سبباً‭ ‬رئيسياً‭ ‬في‭ ‬نشوء‭ ‬التطرف؛‭ ‬أي‭ ‬أنَّ‭ ‬فهم‭ ‬هذه‭ ‬التنظيمات‭ ‬لمقولات‭ ‬عقدية‭ ‬وفقهية‭ ‬وإخراجها‭ ‬من‭ ‬حيز‭ ‬المتون‭ ‬التي‭ ‬كتبها‭ ‬دعاة‭ ‬وفقهاء‭ ‬في‭ ‬أزمنة‭ ‬مختلفة‭ ‬إلى‭ ‬السلوك‭ ‬الحياتي‭ ‬ولَّدت‭ ‬عقلية‭ ‬نصية‭ ‬حرفية‭ ‬تتعامل‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬المنطلقات‭ ‬الحياتية‭ ‬بمختلف‭ ‬تشعباتها‭ ‬السياسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والثقافية‭ ‬والدينية‭ ‬بهذه‭ ‬المقولات؛‭ ‬ولذا‭ ‬كان‭ ‬ومايزال‭ ‬لها‭ ‬تأثير‭ ‬مباشر‭ ‬في‭ ‬نشوء‭ ‬التطرف‭.‬

ومن‭ ‬أجل‭ ‬معرفة‭ ‬كيفية‭ ‬نشوء‭ ‬هذا‭ ‬الفكر‭ ‬المتطرِّف،‭ ‬نظَّم‭ ‬الفريق‭ ‬أول‭ ‬عبد‭ ‬الوهاب‭ ‬الساعدي،‭ ‬رئيس‭ ‬جهاز‭ ‬مكافحة‭ ‬الإرهاب‭ ‬العراقي،‭ ‬مؤتمراً‭ ‬في‭ ‬نيسان‭/‬أبريل‭ ‬2021‭ ‬برئاسة‭ ‬السيد‭ ‬مصطفى‭ ‬الكاظمي،‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬ودعيا‭ ‬15‭ ‬باحثاً‭ ‬ومتخصصاً‭ ‬عراقياً‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬مكافحة‭ ‬التطرف‭ ‬بهدف‭ ‬التعرف‭ ‬على‭ ‬الأدبيات‭ ‬المستخدمة‭ ‬في‭ ‬تبرير‭ ‬الإرهاب‭ ‬وتحليلها‭. ‬ومن‭ ‬أبرز‭ ‬هذه‭ ‬الأدبيات‭ ‬ما‭ ‬يلي‭:‬

الولاء‭ ‬والبراء

يعد‭ ‬الولاء‭ ‬والبراء‭ ‬من‭ ‬الأدبيات‭ ‬التي‭ ‬تتداولها‭ ‬كتب‭ ‬وتنظيرات‭ ‬الجماعات‭ ‬الراديكالية،‭ ‬مثلما‭ ‬تتداولها‭ ‬الطوائف،‭ ‬إلَّا‭ ‬أنَّ‭ ‬الجماعات‭ ‬ترى‭ ‬أنَّ‭ ‬لها‭ ‬القيمومة‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬بإقامة‭ ‬حكم‭ ‬الشريعة؛‭ ‬فهي‭ ‬تتشدَّد‭ ‬في‭ ‬تطبيق‭ ‬أحكام‭ ‬الولاء‭ ‬والبراء؛‭ ‬فماذا‭ ‬يعني‭ ‬الولاء‭ ‬والبراء؟‭ ‬

الولاء‭ ‬والولاية،‭ ‬بالفتح،‭ ‬في‭ ‬النسب‭ ‬والنصرة‭ ‬والعتق‭. ‬ويشير‭ ‬إلى‭ ‬التقرب‭ ‬وإظهار‭ ‬الود‭ ‬بالأقوال‭ ‬والأفعال‭ ‬والنوايا‭ ‬لمن‭ ‬يتخذه‭ ‬الإنسان‭ ‬ولياً،‭ ‬فإن‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬التقرب‭ ‬والود‭ ‬مقصوداً‭ ‬به‭ ‬اللّه‭ ‬ورسوله‭ ‬والمؤمنين،‭ ‬فهي‭ ‬الموالاة‭ ‬الشرعية‭ ‬الواجبة‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬مسلم؛‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬المقصود‭ ‬هم‭ ‬الكفار‭ ‬والمنافقون،‭ ‬على‭ ‬اختلاف‭ ‬أجناسهم،‭ ‬فهي‭ ‬موالاة‭ ‬كفر‭ ‬وردَّة‭ ‬عن‭ ‬الإسلام،‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬تنظيرات‭ ‬الفرق‭ ‬والجماعات‭.‬

النصرة

‭ ‬أي‭ ‬مجتمعون‭ ‬في‭ ‬النصرة،‭ ‬فقد‭ ‬أمر‭ ‬الله‭ ‬بود‭ ‬الأبوين‭ ‬اللذين‭ ‬على‭ ‬الشرك،‭ ‬إذ‭ ‬أمر‭ ‬بأن‭ ‬يصاحبهما‭ ‬المرء‭ ‬في‭ ‬الدنيا‭ ‬معروفاً،‭ ‬لا‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬البراء‭ ‬مقدم‭ ‬لتكفيرهم‭ ‬وإخراجهم‭ ‬من‭ ‬الملة‭ ‬مثلما‭ ‬يذهب‭ ‬المتطرِّفون‭. ‬وممَّا‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬صحيح‭ ‬البخاري‭ ‬الدال‭ ‬على‭ ‬الرفق‭ ‬والود‭ ‬للمخالف‭ ‬في‭ ‬الدين‭ ‬عن‭ ‬أسماء‭ ‬بنت‭ ‬أبي‭ ‬بكر‭ ‬حين‭ ‬قالت‭: ‬”قَدِمَتْ‭ ‬عَلَيَّ‭ ‬أُمِّي‭ ‬وَهِيَ‭ ‬رَاغِبَةٌ،‭ ‬أفَأصِلُ‭ ‬أُمِّي؟‭ ‬قَالَ‭: ‬نَعَمْ،‭ ‬صِلِي‭ ‬أُمَّكِ‭. ‬“إذن‭ ‬وجه‭ ‬الاستدلال‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬والحديث‭ ‬النبوي‭: ‬فلو‭ ‬كان‭ ‬البر‭ ‬للوالدين‭ ‬الكافرين‭ ‬بالمفهوم‭ ‬العقدي‭ ‬الفقهي‭ ‬أو‭ ‬الإحسان‭ ‬للقريب‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬على‭ ‬دين‭ ‬الإسلام‭ ‬أو‭ ‬إحدى‭ ‬فرقه‭ ‬كافر،‭ ‬فالإحسان‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬التولِّي،‭ ‬ولا‭ ‬يمنع‭ ‬الإحسان‭ ‬لهم‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬بغضهم‭ ‬أو‭ ‬تكفيرهم‭ ‬مثلما‭ ‬يذهب‭ ‬المتطرِّفون‭.‬

أمَّا‭ ‬القسم‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬النصوص‭ ‬القرآنية‭ ‬التي‭ ‬اعتمد‭ ‬عليها‭ ‬منظرو‭ ‬التنظيمات‭ ‬الراديكالية‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المسألة،‭ ‬فمنها‭ ‬الآية‭ ‬القرآنية‭: ‬﴿وَمَنْ‭ ‬يَتَوَلَّ‭ ‬اللَّهَ‭ ‬وَرَسُولَهُ‭ ‬وَالَّذِينَ‭ ‬آمَنُوا‭ ‬فَإِنَّ‭ ‬حِزْبَ‭ ‬اللَّهِ‭ ‬هُمُ‭ ‬الْغَالِبُونَ﴾‭ [‬المائدة‭: ‬56‭] ‬وقوله‭ ‬تعالى‭: ‬﴿وَلِكُلٍّ‭ ‬وِجْهَةٌ‭ ‬هُوَ‭ ‬مُوَلِّيهَا‭ ‬فَاسْتَبِقُوا‭ ‬الْخَيْرَاتِ﴾‭ [‬البقرة‭: ‬148‭].‬

هذا‭ ‬ما‭ ‬فسَّره‭ ‬منظرو‭ ‬التنظيمات‭ ‬الإسلامية‭ ‬من‭ ‬الآيات‭ ‬القرآنية‭ ‬بصورة‭ ‬التولِّي‭ ‬للأصدقاء‭ ‬والتبرِّي‭ ‬من‭ ‬الأعداء،‭ ‬ولكن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يرى‭ ‬أنَّ‭ ‬الولاء‭ ‬علاقة‭ ‬إنسانية‭ ‬اجتماعية‭ ‬تبدأ‭ ‬عند‭ ‬الفرد‭ ‬نظرياً‭ ‬حين‭ ‬يقرر‭ ‬أن‭ ‬يتخذ‭ ‬لنفسه‭ ‬ولياً‭ ‬متبعاً‭ ‬يقلده‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يفعل،‭ ‬ويتأسَّى‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يعمل‭. ‬فالبشر‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ينتموا‭ ‬إلى‭ ‬جماعات‭ ‬مختلفة‭ ‬دون‭ ‬تعارض‭ ‬مع‭ ‬الوحدة‭ ‬الأساسية‭ ‬كالأسرة‭ ‬والأمة‭ ‬والقومية‭ ‬والشعب‭ ‬والمذهب‭ ‬والطائفة‭ ‬والحزب‭ ‬السياسي‭ ‬والطبقة،‭ ‬وهذه‭ ‬المصطلحات‭ ‬يشترك‭ ‬بها‭ ‬معظم‭ ‬سكان‭ ‬الأرض؛‭ ‬وهناك‭ ‬أمثلة‭ ‬كثيرة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬ومنها‭ ‬سكان‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭.‬

وعليه‭ ‬يشكل‭ ‬فهم‭ ‬الحركات‭ ‬الدينية‭ ‬والسياسية‭ ‬للولاء‭ ‬والبراء‭ ‬فهماً‭ ‬مغلوطاً‭ ‬وسيئاً؛‭ ‬لأنها‭ ‬تشترك‭ ‬في‭ ‬صفة‭ ‬ادعاء‭ ‬تمثيل‭ ‬الناس‭ ‬بالقوة‭ ‬رغم‭ ‬عنهم،‭ ‬إذ‭ ‬تُعرض‭ ‬الوصاية‭ ‬عليهم‭ ‬باسم‭ ‬الشرعية‭ ‬الثورية‭ ‬أو‭ ‬باسم‭ ‬الحاكمية‭ ‬لله‭. ‬وبالتالي‭ ‬يحدث‭ ‬الفهم‭ ‬الخاطئ‭ ‬للآيات‭ ‬القرآنية‭ ‬والأحاديث‭ ‬النبوية‭ ‬الشريفة‭ ‬وكتب‭ ‬التراث‭ ‬الإسلامي،‭ ‬وتفسير‭ ‬النصوص‭ ‬تفسيراً‭ ‬ينطلق‭ ‬لحسابات‭ ‬سياسية‭ ‬ضيقة‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬الفهم‭ ‬الأحادي‭ ‬الفكر‭ ‬والسياسي‭ ‬ولا‭ ‬تراعي‭ ‬المجتمعات‭ ‬المتنوعة‭ ‬فكرياً‭ ‬ودينياً‭ ‬وعرقياً‭.‬

ولا‭ ‬تراعي‭ ‬كذلك‭ ‬المفهوم‭ ‬الصحيح‭ ‬للدين‭ ‬الذي‭ ‬ينطلق‭ ‬من‭ ‬حفظ‭ ‬أمور‭ ‬الدين‭ ‬والدنيا‭ ‬معاً،‭ ‬وكذلك‭ ‬الزج‭ ‬بالدين‭ ‬في‭ ‬مفاهيم‭ ‬التيارات‭ ‬السياسية‭ ‬المختلفة‭ ‬والمبالغة‭ ‬في‭ ‬الخلاف‭ ‬ممَّا‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬صنع‭ ‬التعصب‭ ‬والتشرذم،‭ ‬والمبالغة‭ ‬في‭ ‬الفروع‭ ‬الفقهية‭ ‬والعقائدية،‭ ‬واشتعال‭ ‬الخلاف‭ ‬فيها،‭ ‬فيؤدى‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬اختلاط‭ ‬الفكر‭ ‬لدى‭ ‬الشباب،‭ ‬وانفكاك‭ ‬بعض‭ ‬الدعاة‭ ‬عن‭ ‬مشاكل‭ ‬المجتمع‭ ‬والتطورات‭ ‬الحديثة‭ ‬وعجزهم‭ ‬عن‭ ‬التصدِّي‭ ‬لمحاولات‭ ‬إضعاف‭ ‬القوانين‭ ‬وزعزعة‭ ‬استقرار‭ ‬الدولة‭ ‬وبنيتها‭ ‬المجتمعية‭.‬

الجهاد‭ ‬والقتال

يُعد‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬من‭ ‬المواضيع‭ ‬الخطيرة‭ ‬في‭ ‬الثقافة‭ ‬الإسلامية‭ ‬وأشدها‭ ‬حساسية‭ ‬وتعقيداً‭ ‬وتفريعاً،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬ما‭ ‬نعيشه‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬أحداث‭ ‬يختلط‭ ‬فيها‭ ‬السياسي‭ ‬بالعقائدي‭ ‬وتعمد‭ ‬طمس‭ ‬الفرق‭ ‬بين‭ ‬الجهاد‭ ‬والقتال‭ ‬والقتل‭ ‬وبين‭ ‬التخريب‭ ‬والإرهاب‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬وأعمال‭ ‬التحرر‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭. ‬

فقد‭ ‬خلطت‭ ‬التنظيمات‭ ‬الراديكالية‭ ‬الإسلامية‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬المفاهيم،‭ ‬وتبنَّت‭ ‬الفهم‭ ‬المغلوط‭ ‬والمشوَّه‭ ‬للجهاد،‭ ‬وسعت‭ ‬تحت‭ ‬عناوين‭ ‬متعددة‭ ‬وبرَّاقة‭ ‬إلى‭ ‬الاستيلاء‭ ‬على‭ ‬الحكم‭ ‬في‭ ‬أزمنة‭ ‬كثيرة‭ ‬وحتى‭ ‬بعد‭ ‬اجتياح‭ ‬تنظيم‭ ‬داعش‭ ‬الإرهابي‭ ‬لمدن‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬وسوريا‭ ‬تحت‭ ‬ذريعة‭ ‬إقامة‭ ‬خلافة‭ ‬إسلامية؛‭ ‬ويبقى‭ ‬السؤال‭: ‬ما‭ ‬المقصود‭ ‬بالجهاد؟

يأتي‭ ‬الجهاد‭ ‬في‭ ‬الشرع‭ ‬على‭ ‬وجهين‭: ‬عام‭ ‬وخاص؛‭ ‬فالعام‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬بذل‭ ‬الوسع‭ ‬في‭ ‬دفع‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬مخالفة‭ ‬هدى‭ ‬اللّه‭ ‬من‭ ‬الكفر‭ ‬والمعاصي؛‭ ‬فيشمل‭ ‬جهاد‭ ‬النفس‭ ‬والهوى‭ ‬والشيطان،‭ ‬ويدخل‭ ‬فيه‭: ‬رد‭ ‬الشبهات‭ ‬المعارضة‭ ‬لخبر‭ ‬اللّه،‭ ‬ودفع‭ ‬الشهوات‭ ‬المعارضة‭ ‬لأمر‭ ‬الله،‭ ‬وجهاد‭ ‬الكفار‭ ‬والمنافقين‭ ‬بالحجج‭ ‬والبينات،‭ ‬وقتال‭ ‬الكفار‭ ‬من‭ ‬المشركين‭ ‬وأهل‭ ‬الكتاب‭ ‬حتى‭ ‬يدخلوا‭ ‬في‭ ‬الاسلام‭ ‬أو‭ ‬يعطوا‭ ‬الجزية‭ (‬الضرائب‭). ‬

ولم‭ ‬نجد‭ ‬أبلغ‭ ‬من‭ ‬تعريف‭ ‬النبي‭ ‬ﷺ‭ ‬للجهاد‭ ‬حين‭ ‬قال‭ ‬لأصحابه‭: ‬”قدمتم‭ ‬خير‭ ‬مقدم،‭ ‬وقدمتم‭ ‬من‭ ‬الجهاد‭ ‬الأصغر‭ ‬إلى‭ ‬الجهاد‭ ‬الأكبر؛‭ ‬قالوا‭: ‬وما‭ ‬الجهاد‭ ‬الأكبر؟‭ ‬قال‭: ‬مجاهدة‭ ‬العبد‭ ‬هواه‭.‬“

ومع‭ ‬ذلك‭ ‬فقد‭ ‬ذهب‭ ‬نفر‭ ‬من‭ ‬الفقهاء‭ ‬إلى‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬حين‭ ‬تحوَّل‭ ‬الجهاد‭ ‬عندهم‭ ‬اصطلاحاً‭ ‬إلى‭ ‬القتال‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬اللّه،‭ ‬بل‭ ‬حوَّلوا‭ ‬الجهاد‭ ‬إلى‭ ‬غزو‭ ‬والقتال‭ ‬إلى‭ ‬قتل‭. ‬أمَّا‭ ‬عن‭ ‬مصادر‭ ‬الجهاد‭ ‬التي‭ ‬تعتمدها‭ ‬جماعات‭ ‬العنف،‭ ‬فإنها‭ ‬تستند‭ ‬إلى‭ ‬فتاوى‭ ‬أفتى‭ ‬بها‭ ‬فقهاء‭ ‬من‭ ‬المتقدمين‭.‬

وقد‭ ‬استخدمت‭ ‬الجماعات‭ ‬الإرهابية‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬جماعة‭ ‬الجهاد‮»‬‭ ‬التي‭ ‬نشرت‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬الجهاد‭: ‬الفريضة‭ ‬الغائبة‮»‬‭ ‬في‭ ‬ثمانينيات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬وما‭ ‬تفرَّع‭ ‬عنها‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬مثل‭ ‬تنظيمي‭ ‬القاعدة‭ ‬وداعش،‭ ‬هذه‭ ‬القراءة‭ ‬المغلوطة‭ ‬لمفهوم‭ ‬الجهاد‭ ‬وجعلتها‭ ‬الأساس‭ ‬النظري‭ ‬لتسويغ‭ ‬أعمالها‭. ‬وقد‭ ‬وصف‭ ‬داعية‭ ‬من‭ ‬دعاة‭ ‬هذا‭ ‬الفكر،‭ ‬يُدعى‭ ‬محمد‭ ‬عبد‭ ‬السلام‭ ‬فرج،‭ ‬حكام‭ ‬المسلمين‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬بوصف‭: ‬“المرتدين؛‭ ‬الذين‭ ‬تربَّوا‭ ‬على‭ ‬موائد‭ ‬الاستعمار‭ ‬سواء‭ ‬الصليبية‭ ‬أو‭ ‬الشيوعية‭ ‬أو‭ ‬الصهيونية؛‭ ‬فهم‭ ‬لا‭ ‬يحملون‭ ‬من‭ ‬الإسلام‭ ‬إلَّا‭ ‬الأسماء،‭ ‬وإن‭ ‬صلَّى‭ ‬وصام‭ ‬وادَّعى‭ ‬أنه‭ ‬مسلم‭.‬”‭ ‬وقد‭ ‬أُعدم‭ ‬فرج‭ ‬على‭ ‬خلفية‭ ‬اغتيال‭ ‬الرئيس‭ ‬المصري‭ ‬أنور‭ ‬السادات‭.‬

وذهب‭ ‬فرج‭ ‬إلى‭ ‬أنَّ‭ ‬الجهاد‭ ‬فرض‭ ‬عين‭ ‬على‭ ‬المسلمين؛‭ ‬أي‭ ‬أنه‭ ‬جهاد‭ ‬لا‭ ‬يحتاج‭ ‬لاستئذان‭ ‬من‭ ‬الوالدين‭ ‬في‭ ‬الخروج‭ ‬للجهاد‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬الفقهاء؛‭ ‬فمثله‭ ‬كمثل‭ ‬الصلاة‭ ‬والصوم‭.‬

‭ ‬ويرى‭ ‬باحثون‭ ‬إسلاميون‭ ‬معتدلون‭ ‬أنَّ‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬عرض‭ ‬لاستراتيجية‭ ‬مختلفة‭ ‬في‭ ‬عدم‭ ‬العنف؛‭ ‬إذ‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭: ‬﴿لَئِن‭ ‬بَسَطتَ‭ ‬إلى‭ ‬يَدَكَ‭ ‬لِتَقْتُلَنِي‭ ‬مَا‭ ‬أَنَا‭ ‬بِبَاسِطٍ‭ ‬يَدِىَ‭ ‬إِلَيْكَ‭ ‬لِأَقْتُلَكَ‭ ‬إِنِّي‭ ‬أَخَافُ‭ ‬اللَّهَ‭ ‬رَبَّ‭ ‬الْعَلَمِينَ﴾‭ [‬المائدة‭: ‬25‭]. ‬إلَّا‭ ‬أنَّ‭ ‬هذا‭ ‬المفهوم‭ ‬ملغي‭ ‬عند‭ ‬الحركات‭ ‬المتطرِّفة‭ ‬ويعدون‭ ‬الآية‭ ‬منسوخة‭ ‬بآية‭ ‬السيف‭. ‬

تدلل‭ ‬آيات‭ ‬القرآن‭ ‬على‭ ‬التسامح‭ ‬وإتاحة‭ ‬الحريات‭ ‬الدينية‭ ‬والعقلية؛‭ ‬ومنها‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: ‬﴿لَا‭ ‬إِكْرَاهَ‭ ‬فِي‭ ‬الدِّينِ‭ ‬قَد‭ ‬تَّبَيَّنَ‭ ‬الرُّشْدُ‭ ‬مِنَ‭ ‬الْغَيِّ﴾‭ [‬البقرة‭: ‬256‭]‬،‭ ‬وكذلك‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: ‬﴿ادْعُ‭ ‬إلى‭ ‬سَبِيلِ‭ ‬رَبِّكَ‭ ‬بِالْحِكْمَةِ‭ ‬وَالْمَوْعِظَةِ‭ ‬الْحَسَنَةِ‭ ‬وَجَادِلْهُم‭ ‬بِالَّتِي‭ ‬هِيَ‭ ‬أَحْسَنُ﴾‭ [‬النحل‭: ‬125‭].‬

ويزعم‭ ‬المتطرِّفون‭ ‬أنَّ‭ ‬هذه‭ ‬الآيات‭ ‬التي‭ ‬تحض‭ ‬على‭ ‬التسامح‭ ‬منسوخة‭ ‬بالآية‭ ‬التي‭ ‬سموها‭ ‬بآية‭ ‬السيف،‭ ‬وقد‭ ‬اتخذها‭ ‬المتطرِّفون‭ ‬من‭ ‬المسلمين‭ ‬ذريعة‭ ‬للقتل‭ ‬وارتكاب‭ ‬الجرائم‭ ‬ضد‭ ‬الذين‭ ‬يخالفونهم‭ ‬في‭ ‬الرأي،‭ ‬ويقول‭ ‬الكاتب‭ ‬محمد‭ ‬شحرور‭ ‬إنَّ‭ ‬الزعم‭ ‬بأنَّ‭ ‬الآيات‭ ‬التي‭ ‬أشرنا‭ ‬لها‭ ‬نُسخت‭ ‬بآية‭ ‬السيف‭ ‬حماقة‭ ‬غريبة‭ ‬دلَّت‭ ‬على‭ ‬أنَّ‭ ‬الجماهير‭ ‬المسلمة‭ ‬في‭ ‬أيام‭ ‬التخلف‭ ‬العقلي‭ ‬والعلمي‭ ‬من‭ ‬حضارتنا،‭ ‬وجهلوا‭ ‬القرآن،‭ ‬ونسوا‭ ‬بهذا‭ ‬الجهل‭ ‬كيف‭ ‬يدعون‭ ‬إلى‭ ‬اللّه،‭ ‬ولعلَّ‭ ‬السبب‭ ‬في‭ ‬فشل‭ ‬الدعوة‭ ‬الاسلامية‭ ‬في‭ ‬أداء‭ ‬رسالتها‭ ‬مثلما‭ ‬يذهب‭ ‬بعض‭ ‬المحققين؛‭ ‬الظن‭ ‬بأنَّ‭ ‬السيف‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يؤدي‭ ‬واجب‭ ‬التبليغ،‭ ‬وهذا‭ ‬باطل‭ ‬باتفاق‭ ‬العقلاء‭. ‬

التكفير

يرتبط‭ ‬التكفير‭ ‬بالفهم‭ ‬المغلوط‭ ‬للدين‭ ‬شأنه‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬شأن‭ ‬المفاهيم‭ ‬الإسلامية‭ ‬المشار‭ ‬إليها‭ ‬فيما‭ ‬سبق،‭ ‬وبدأ‭ ‬بمرجعية‭ ‬فهم‭ ‬ما‭ ‬يُعرف‭ ‬بالسلف‭ ‬أو‭ ‬عقيدة‭ ‬السلف،‭ ‬فالتفسيرات‭ ‬الحرفية‭ ‬للسلفيين‭ ‬جعلتهم‭ ‬يرون‭ ‬أنَّ‭ ‬المنتسبين‭ ‬لمعظم‭ ‬الأديان‭ ‬والفرق‭ ‬والمذاهب‭ ‬على‭ ‬باطل‭.‬

‭ ‬وكان‭ ‬ظهور‭ ‬مرجعية‭ ‬النصوص‭ ‬الدينية‭ ‬الأولى‭ ‬–‭ ‬والتي‭ ‬ينبغي‭ ‬تفسيرها‭ ‬تفسيراً‭ ‬حرفياً‭ ‬–‭ ‬السبب‭ ‬وراء‭ ‬إغلاق‭ ‬أي‭ ‬اجتهادات‭ ‬عقلانية‭. ‬كما‭ ‬كان‭ ‬التزام‭ ‬السلفيين‭ ‬بمعيارية‭ ‬فهم‭ ‬أهل‭ ‬الزمن‭ ‬الأول‭ ‬السبب‭ ‬في‭ ‬تحويل‭ ‬الدين‭ ‬من‭ ‬حقيقة‭ ‬كونية‭ ‬تستوعب‭ ‬الإنجاز‭ ‬الإنساني‭ ‬إلى‭ ‬نموذج‭ ‬تاريخي‭ ‬سكوني‭.‬

وأسفر‭ ‬ذلك‭ ‬عن‭ ‬نشأة‭ ‬مفهومي‭ ‬البدعة‭ ‬والتكفير‭ ‬عند‭ ‬السلفيين‭. ‬وتكمن‭ ‬الإشكالية‭ ‬في‭ ‬أنَّ‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التنظيمات‭ ‬الجهادية‭ ‬تبنَّت‭ ‬التفكير‭ ‬للآخر‭ ‬حتى‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬مسلماً،‭ ‬مستندة‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬آراء‭ ‬فقهية‭ ‬عبر‭ ‬مقولة‭ ‬أنَّ‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يطبق‭ ‬ما‭ ‬تريده‭ ‬هذه‭ ‬التنظيمات‭ ‬فهو‭ ‬محكوم‭ ‬عليه‭ ‬بالكفر‭ ‬ممَّا‭ ‬يجعله‭ ‬عرضة‭ ‬للقتل‭ ‬والتهجير؛‭ ‬لذا‭ ‬فإنَّ‭ ‬التكفير‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬إلَّا‭ ‬إحدى‭ ‬مخرجات‭ ‬العقل‭ ‬المتطرِّف‭.‬

الردة

يركز‭ ‬معظم‭ ‬منظري‭ ‬التنظيمات‭ ‬المتطرِّفة‭ ‬الراديكالية‭ ‬ممَّن‭ ‬كتبوا‭ ‬حول‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬على‭ ‬جانب‭ ‬واحد‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬المخالفين‭ ‬لهم؛‭ ‬وهو‭ ‬جانب‭ ‬العداوة‭ ‬والرفض‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬تعامل‭ ‬معهم،‭ ‬فأصبحت‭ ‬مسألة‭ ‬الردة‭ ‬منزلقاً‭ ‬خطيراً‭ ‬ضلَّ‭ ‬فيه‭ ‬ناس‭ ‬كثر‭ ‬ووقع‭ ‬فيه‭ ‬المتطرِّفون‭ ‬قديماً‭ ‬وحديثاً‭ ‬منطلقين‭ ‬من‭ ‬تفسير‭ ‬خاطئ؛‭ ‬فما‭ ‬كتبه‭ ‬بعض‭ ‬الفقهاء‭ ‬المتشددين‭ ‬لخصومهم‭ ‬من‭ ‬الفقهاء‭ ‬لرميهم‭ ‬بالكفر‭ ‬يستند‭ ‬إلى‭ ‬استنتاجاتهم‭ ‬السريعة‭ ‬وتأويلاتهم‭ ‬الحادة‭ ‬التي‭ ‬يسوقونها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إيراد‭ ‬النصوص‭ ‬والاستعانة‭ ‬بكتابات‭ ‬لفقهاء‭ ‬متقدمين‭. ‬يشكل‭ ‬العنف‭ ‬الخطابي‭ ‬الذي‭ ‬مارسه‭ ‬بعض‭ ‬الفقهاء‭ ‬المتطرِّفين‭ ‬نموذجاً‭ ‬مصغراً‭ ‬للعنف‭ ‬المادي‭ ‬الذي‭ ‬تبنَّته‭ ‬أعمالٌ‭ ‬مثل‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬العمدة‭ ‬في‭ ‬إعداد‭ ‬العدة‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬كتبه‭ ‬أحد‭ ‬المتطرِّفين‭ ‬المصريين‭ ‬إبان‭ ‬احتلال‭ ‬السوفييت‭ ‬لأفغانستان‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1988‭.‬

‭ ‬وقد‭ ‬سطَّر‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬نظريات‭ ‬كثيرة‭ ‬لم‭ ‬يقل‭ ‬بها‭ ‬العلماء‭ ‬المسلمون‭ ‬مع‭ ‬أنه‭ ‬نسبها‭ ‬إليهم‭. ‬وتكمن‭ ‬قوة‭ ‬الكتاب‭ ‬في‭ ‬أنه‭ ‬يوصل‭ ‬للغلو‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬والسنة؛‭ ‬مثل‭ ‬التأصيل‭ ‬لتكفير‭ ‬الحكام‭ ‬وأعوانهم‭ ‬والجيوش‭ ‬والشرطة‭ ‬وعموم‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬الطوائف‭ ‬الإسلامية‭ ‬والأديان‭ ‬الأخرى؛‭ ‬ممَّا‭ ‬يبيح‭ ‬أعمال‭ ‬التفجير‭ ‬والتدمير‭ ‬والاغتيال‭. ‬فالغلاة‭ ‬أصحاب‭ ‬هذه‭ ‬العقلية‭ ‬يعتبرون‭ ‬كل‭ ‬مَن‭ ‬لم‭ ‬يحكم‭ ‬بما‭ ‬أنزل‭ ‬اللّه‭ ‬كافراً‭ ‬مرتداً‭.‬

يرى‭ ‬باحثون‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬حد‭ ‬شرعي‭ ‬للمرتد‭ ‬سوى‭ ‬ما‭ ‬نصت‭ ‬عليه‭ ‬آيتان‭ ‬تتحدثان‭ ‬عن‭ ‬“إحباط”‭ ‬عمل‭ ‬المرتد‭ ‬وإثابة‭ ‬عمل‭ ‬المؤمن‭ ‬الحق،‭ ‬وهذا‭ ‬مؤجل‭ ‬ليوم‭ ‬البعث‭ ‬في‭ ‬المنظور‭ ‬الديني؛‭ ‬فالردة‭ ‬ليست‭ ‬جناية‭ ‬تُقر‭ ‬وتُنفذ‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬بعض‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬الدنيا،‭ ‬فلا‭ ‬عقوبة‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬المدنية‭ ‬الدستورية‭ ‬إلَّا‭ ‬بموجب‭ ‬القانون‭. ‬وعليه،‭ ‬فإنَّ‭ ‬فهم‭ ‬الجماعات‭ ‬والتنظيمات‭ ‬الراديكالية‭ ‬الإسلامية‭ ‬ومنظريها‭ ‬لهذه‭ ‬الآيات‭ ‬يتصف‭ ‬بالمغالاة‭ ‬والتطرف‭ ‬ومنافاة‭ ‬العقل‭ ‬والمنطق‭.‬

ويترتب‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الفهم‭ ‬تداعيات‭ ‬كبيرة‭ ‬وخطيرة‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه؛‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬إخراج‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬الأمة‭ ‬والدين‭ ‬وعدهم‭ ‬في‭ ‬خانات‭ ‬تتيح‭ ‬لهؤلاء‭ ‬تصفية‭ ‬وإقصاء‭ ‬خصومهم‭ ‬ومخالفيهم‭ ‬في‭ ‬الدين‭ ‬والمعتقد‭ ‬والفكر،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يرتضيه‭ ‬العقل‭ ‬والدين‭. ‬

المعالجات

ما‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تفعله‭ ‬الحكومات‭ ‬والمجتمع‭ ‬ككل‭ ‬لمنع‭ ‬المتطرِّفين‭ ‬من‭ ‬كسب‭ ‬ولاء‭ ‬المواطنين‭ ‬الضعفاء؟‭ ‬وإليكم‭ ‬بعض‭ ‬المقترحات‭:‬

المعالجات‭ ‬الفكرية‭: ‬تتمثل‭ ‬المعالجات‭ ‬الفكرية،‭ ‬وهي‭ ‬الأهم،‭ ‬في‭ ‬مراجعة‭ ‬كتب‭ ‬التراث‭ ‬الفقهي‭ ‬والديني؛‭ ‬وهذه‭ ‬المهمة‭ ‬تقع‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى‭ ‬على‭ ‬عاتق‭ ‬علماء‭ ‬الدين‭ ‬والمحققين‭ ‬والمثقفين،‭ ‬وضرورة‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬تمايز‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬الفهم‭ ‬الديني‭ ‬والدين‭ ‬نفسه،‭ ‬حيث‭ ‬يتم‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الأول‭ ‬كمعرفة‭ ‬بشرية‭ ‬وتاريخية‭ ‬قابلة‭ ‬للنقد‭ ‬والتفكيك،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬يمثل‭ ‬الدين‭ ‬النصوص‭ ‬الإلهية‭ ‬النقية‭.‬

المحاور‭ ‬الاجتماعية‭: ‬العمل‭ ‬على‭ ‬ترسيخ‭ ‬قيم‭ ‬المواطنة‭ ‬وحقوق‭ ‬الانسان،‭ ‬وإتاحة‭ ‬الحريات‭ ‬والنقد‭ ‬والعدالة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬والابتعاد‭ ‬كمجتمع‭ ‬ودولة‭ ‬عن‭ ‬التوترات‭ ‬الطائفية‭ ‬والمذهبية‭ ‬والعرقية؛‭ ‬فالعقل‭ ‬المتطرِّف‭ ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬إذكاء‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المسائل،‭ ‬ويوظفها‭ ‬في‭ ‬مشروعه‭ ‬التحريضي‭ ‬والتدميري‭ ‬لكسب‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬التأييد‭ ‬والأتباع،‭ ‬ومن‭ ‬ثمَّ‭ ‬زيادة‭ ‬المخاطر‭ ‬التي‭ ‬تحيق‭ ‬بالمجتمع‭. ‬

الحكم‭ ‬المستجيب‭: ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬تربية‭ ‬وطنية‭ ‬تبدأ‭ ‬من‭ ‬إيجاد‭ ‬فلسفة‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬الدستور،‭ ‬وشكل‭ ‬نظامها‭ ‬السياسي،‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬حرية‭ ‬الفكر‭ ‬والمعتقد،‭ ‬واحترام‭ ‬القوانين،‭ ‬والاعتراف‭ ‬بحق‭ ‬الاختلاف‭ ‬والتعددية‭ ‬الدينية‭ ‬والعرقية،‭ ‬وإيصال‭ ‬رجال‭ ‬دولة‭ ‬ومشرعين‭ ‬قادرين‭ ‬على‭ ‬معالجة‭ ‬مشاكل‭ ‬المجتمع،‭ ‬وبناء‭ ‬الدولة،‭ ‬وإدارة‭ ‬التنوع‭ ‬الديني‭ ‬والاثني،‭ ‬ومن‭ ‬ثمَّ‭ ‬الانتقال‭ ‬إلى‭ ‬تربية‭ ‬مدرسية‭ ‬وجامعية،‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬بث‭ ‬روح‭ ‬الاعتدال،‭ ‬وتنقي‭ ‬كتب‭ ‬التراث‭ ‬من‭ ‬الشوائب،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬الأكاديميات‭ ‬الدينية‭ ‬ومعاهد‭ ‬العلوم‭ ‬الشرعية‭.‬

الإصلاح‭ ‬الديني‭: ‬إيجاد‭ ‬ثقافة‭ ‬مجتمعية‭ ‬ترتكز‭ ‬على‭ ‬الدين‭ ‬المعنوي‭ ‬البعيد‭ ‬عن‭ ‬العرضيات‭ ‬والمسائل‭ ‬الخلافية،‭ ‬وبناء‭ ‬ثقافة‭ ‬سياسية‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬القيم‭ ‬والمعتقدات‭ ‬المشتركة،‭ ‬وتقدم‭ ‬رابطة‭ ‬بناء‭ ‬الدولة‭ ‬القومية‭ ‬على‭ ‬الثقافات‭ ‬والهويات‭ ‬الفرعية‭.‬

العمل‭ ‬العسكري‭: ‬تقع‭ ‬مهمة‭ ‬مكافحة‭ ‬التطرف‭ ‬وتجفيف‭ ‬منابع‭ ‬التطرف‭ ‬والإرهاب‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الفكرية‭ ‬على‭ ‬عاتق‭ ‬شرائح‭ ‬مجتمعية‭ ‬متنوعة‭ ‬يدخل‭ ‬فيها‭ ‬حتى‭ ‬علماء‭ ‬النفس،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬يحتاج‭ ‬المجتمع‭ ‬والدولة‭ ‬إلى‭ ‬المعالجات‭ ‬الأمنية‭ ‬والاستخباراتية،‭ ‬وذلك‭ ‬بالعمل‭ ‬على‭ ‬الضربات‭ ‬العسكرية‭ ‬الاستباقية‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬تنظيمات‭ ‬أو‭ ‬أفراد‭ ‬يسعون‭ ‬إلى‭ ‬استخدام‭ ‬العنف‭ ‬لإزهاق‭ ‬أرواح‭ ‬المدنيين‭ ‬والعسكريين‭ ‬وتخريب‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭. ‬‭ ‬‭ ‬

التعليقات مغلقة.