تتبع وسائل النقل لتلافي الكارثة
مسؤولو دول وسط آسيا يدرسون سبل منع انتشار أسلحة الدمار الشامل
أسرة يونيباث
بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، وجد سكان وسط آسيا أنفسهم يعيشون وسط مخزونات من المواد الإشعاعية. فورثوا عن ماضيهم السوفييتي مناجم يورانيوم ومستودعات تخزين ومعامل معالجة بل وأسلحة نووية فعلية في بعض الحالات.
وبعد مرور 30 سنة على نزع السلاح النووي وتنظيف النفايات الإشعاعية، باتت كلٌ من كازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان تنعم بقدر أكبر من الأمان. إلا أنَّ مشكلة نقل المواد النووية عبر قنوات غير مشروعة – وظهور تحديات جديدة في ظل سعي الإرهابيين لحيازة أسلحة كيميائية وبيولوجية – تتطلب تجديد التركيز على مكافحة أسلحة الدمار الشامل.
يروي الدكتور إلهوم ميرسيدزودا، رئيس هيئة الأمن والسلامة من الأسلحة الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية بطاجيكستان، حادثة وقعت في أيَّار/مايو 2021، وذلك حين انتحل عملاء طاجيكيون شخصية مشترين أفغان، وضبطوا شحنة تضم 607 جراماً من كبسولات النظير المشع يورانيوم-235 من عصابة تهريب. ويورانيوم-235 هو النوع المخصب من العنصر الثقيل المستخدم في الانشطار النووي، ولم يتضح على الفور مصدر اليورانيوم المهرَّب.
وقال ميرسيدزودا: ”نعمل مع زملائنا من الولايات المتحدة على شحنة كبسولات اليورانيوم التي وصلت إلى لوس ألاموس للتعرف على بلد المنشأ.“
نوقشت قضية التحدي الراهن لمنع إنتاج أسلحة الدمار الشامل وانتشارها ما يقرب من أسبوع في العاصمة المجرية بودابست في أيلول/سبتمبر 2022، إذ دعت وكالة الدفاع الأمريكية المعنية بخفض التهديدات والقيادة المركزية الأمريكية عشرات الممثلين من قطاع الأمن بوسط آسيا لحضور «الندوة الإقليمية الرابعة لوسط وجنوب آسيا حول مكافحة أسلحة الدمار الشامل».
وتألفت الندوة من محاضرات ألقاها خبراء في هذا المجال ومحاكاة مكتبية دعت المشاركين متعددي الجنسيات إلى توحيد صفهم للتصدي لأزمة أسلحة الدمار الشامل. وحضرها 25 مسؤولاً من كازاخستان وطاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان، معظمهم من رجال القوات المسلحة ورجال الجمارك الذين تشتمل وظائفهم على حراسة الحدود الوطنية.
وحثت الدول على السيطرة على أسلحة الدمار الشامل عن طريق الاهتمام بأمن الحدود، وتقييم المخاطر بناءً على المعلومات الاستخبارية، وتحسين اللوائح على المستوى الوطني. وتدور محاور كثيرة من البند الأخير حول الحد من تصدير المواد والتكنولوجيا «ثنائية الاستخدام» التي تُستخدم في الخير والشر معاً، وبذلك تستخدمها العناصر الإرهابية والإجرامية في تصنيع الأسلحة.
وكان معظم الحاضرين في الندوة يدركون قدرة الفيروسات والعوامل البيولوجية الأخرى على الفتك بالبشر حين تقع في الأيادي الخاطئة. وقال الدكتور سيرميت سزكين، من جامعة العلوم الصحية بأنقرة، خلال الندوة: “أمست التهديدات البيولوجية أهم بكثير بعد كورونا (كوفيد- 19).”
بل إنَّ المواد والتكنولوجيا التي تبدو بريئة وتدخل الاستخدامات الصناعية الروتينية لا تسلم من سوء الاستخدام على أيدي الدول المارقة والعناصر الإرهابية. وفي بعض الحالات، لا تدرك الشركات التي تشحن هذه الأشياء إلى الخارج أنها متورطة في مخالفات محتملة.
فالمكبس المتوازن، المستخدم في تصنيع المعادن، من الأدوات المهمة لتصنيع رؤوس الصواريخ أو معدات الطرد المركزي النووية. وبالمثل، يمكن تحويل بودرة الألمنيوم، المستخدمة في الطلاءات والدهانات، إلى وقود صاروخي قابل للاشتعال.
ولتسليط الضوء على صعوبة وقف الصادرات الضارة، فقد تبيَّن أنَّ حطام صاروخ كوري شمالي سقط في المحيط الهادئ يحتوي على مكونات مصنوعة في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. ولطالما سعت الحكومتان لحرمان بيونغ يانغ من هذه التكنولوجيا.
قصص النجاح
معظم دول وسط آسيا صادقت على خطط عمل وطنية بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم [1540]، إذ صدرت الموافقة على هذا القرار في عام 2004 بهدف التصدي لانتشار أسلحة الدمار الشامل. بل لم يكتفِ بعضها، مثل طاجيكستان، بذلك فوضعت نظاماً لمكافحة أسلحة الدمار الشامل.
وأكد ميرسيدزودا أنَّ جميع المراكز الحدودية الرئيسية في البلاد مجهزة بأجهزة مراقبة الإشعاع. وافتتحت طاجيكستان في آب/أغسطس 2022 مكتباً فرعياً لهيئة الأمن والسلامة في المنطقة الشمالية، وسيختص بتدريب أجهزة إنفاذ القانون على مكافحة أسلحة الدمار الشامل، كما أعلنت الهيئة أنها تعتزم فتح مكتب فرعي مزدوج بالقرب من الحدود الجنوبية للبلاد مع أفغانستان.
بل وأشد طموحاً من ذلك أنَّ الطاجيك يديرون مركزاً للطب الشرعي والتدريب لمكافحة الأسلحة الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية في دوشنبه، ويأملون أن يغدو من المراكز الرائدة في مجال مكافحة أسلحة الدمار الشامل. وفي إطار مركز التدريب، تهدف طاجيكستان إلى تجميع مكتبة للطب الشرعي النووي لتتبع الأصول الجغرافية للمواد الانشطارية وتسجيلها.
وقال عن مركز الطب الشرعي والتدريب: “نأمل أن يتمكن من تلبية احتياجات المنطقة بأسرها.”
كما يمكن أن يكون لتشديد مراقبة الحدود عظيم الأثر في إحباط العناصر الإجرامية والإرهابية العازمة على إيقاع الأذى في الأرض.
نوَّه العميد اللبناني أمين الكايد إلى أنَّ حدود بلاده التي يغلب عليها الطابع الريفي والجبلي مع سوريا مجهزة بأجهزة استشعار لمواجهة الأسلحة الإشعاعية والكيميائية وتنشر قوات مدرَّبة لتشغيلها.
ومن حيث التصدي لانتشار المواد النووية، نصح أحد المشاركين في الندوة بضرورة استخدام أجهزة الكشف كالرادارات وعدادات غايغر في النقاط الاستراتيجية كالموانئ وخطوط السكك الحديد. فالدفاع ”متعدد المستويات وغير المتوقع“ يعد السبيل الأمثل في إحباط العناصر الهدامة.
وأكد جيسي مونوز، وهو نائب رئيس دورية بدوريات الحدود الأمريكية، فعالية الجدران والسياج لمنع الدخول. وقال إنَّ الإرهابيين أحياناً يستأجرون عصابات المخدرات للاستفادة من شبكاتها وخبراتها، والجدران الثابتة مجدية في السيطرة على الحركة عبر الحدود بنسبة 90%.
تعقب الشحنات
كثيراً ما يكون اعتراض شحنات أسلحة الدمار الشامل مسألة تتبع وتعقب التحركات المعقدة للبضائع العالمية للكشف عن جهة ربما تكون نواياها خبيثة.
ولنا في قضية منير الدريسي عبرة، إذ اكتشف فريق عسكري بريطاني متمركز في مدينة البصرة العراقية مكونات لصنع القنابل (ولا سيما لوحات الدوائر) في وكر للإرهابيين، فأرسل المواد إلى بريطانيا العظمى.
تعاون المسؤولون البريطانيون مع شركات خاصة وعلموا أنَّ الدريسي، وهو مواطن بريطاني من أصل ليبي وله سوابق إجرامية، هو الذي اشترى لوحات الدوائر الكهربائية تلك.
فلم يتسرع البريطانيون بالقبض عليه، وإنما تركوه يشحن المزيد منها، وهذه المرة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة عبر شركة شحن عالمية شهيرة، وأُرسل الطرد من الإمارات إلى العراق.
انطوى الكشف عن دور الدريسي في مؤامرة صنع القنابل الإرهابية في نهاية المطاف على التعاون بين السلطات البريطانية والإماراتية والعراقية والألمانية والأذربيجانية. وفي مرحلة من مراحل البحث، وضعت الشرطة أجهزة تعقب إلكترونية بالطرد فيما يُعرف بمصطلح «التسليم المراقَب».
للمساهمة في التصدي لأمثال الدريسي، تنشر منظمة الجمارك العالمية دليلاً إرشادياً لمساعدة البلدان على فرض ضوابط تجارية استراتيجية على صادرات المنتجات ثنائية الاستخدام. وتبدأ هذه الضوابط بالتشريعات الوطنية لتنظيم نقل التكنولوجيا، كتغريم ومعاقبة الأفراد والشركات والمختبرات البحثية التي تنتهك القواعد.
ولكن يسير التقدم بخطوات بطيئة، فحين يتعلق الأمر بتضييق الخناق على شحنات العوامل البيولوجية والكيميائية (المواد التي يمكن أن تسبب في أضرار فادحة بكميات صغيرة)، فإنَّ ما يقرب من 95% من البلدان لم تسن أي قوانين لوضع قيود على صادراتها. F
التعليقات مغلقة.