بطولة في حمم المعركة

العقيد‭ ‬الركن‭ ‬قوات‭ ‬خاصة‭ ‬حيدر‭ ‬ضاري‭ ‬الخيون‭ ‬تقدم‭ ‬رجاله‭ ‬في‭ ‬معارك‭ ‬العراق‭ ‬

أسرة‭ ‬يونيباث

كان‭ ‬جنود‭ ‬العقيد‭ ‬حيدر‭ ‬الخيون‭ ‬قد‭ ‬أنقذوا‭ ‬للتو‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬رفاقهم‭ ‬المحاصرين‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬إرهابيي‭ ‬داعش‭ ‬في‭ ‬الرمادي‭.‬

لم‭ ‬يدعه‭ ‬العدو‭ ‬يستمتع‭ ‬بأخبار‭ ‬المهمة‭ ‬الناجحة‭ ‬لقوة‭ ‬الانقاذ‭ ‬اذ‭ ‬باغتته‭ ‬رصاصة‭ ‬قناص‭ ‬اخترقت‭ ‬عنقه‭ ‬فانهار‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬فاقدا‭ ‬الوعي‭. ‬اعتقد‭ ‬رجاله‭ ‬أن‭ ‬العقيد‭ ‬حيدر‭ – ‬المعروف‭ ‬باسم‭ ‬ابن‭ ‬الشيوخ‭ ‬لشجاعته‭ ‬وسمو‭ ‬نسبه‭ – ‬قد‭ ‬مات‭ ‬لكنه‭ ‬لم‭ ‬يمت‭.‬

قال‭ ‬العقيد‭ ‬حيدر‭: ‬“كنت‭ ‬تحت‭ ‬العلاج‭ ‬لمدة‭ ‬عام‭ ‬كامل”‭. ‬“كنت‭ ‬معرضاً‭ ‬لخطر‭ ‬الشلل‭ ‬التام‭ ‬لأن‭ ‬الرصاصة‭ ‬التي‭ ‬اصابتني‭ ‬كانت‭ ‬قريبة‭ ‬من‭ ‬النخاع‭ ‬الشوكي‭. ‬لكنني‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬قلقًا‭ ‬بشأن‭ ‬حالتي‭ ‬الصحية‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬بقدر‭ ‬إصراري‭ ‬على‭  ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬رفاقي‭ ‬في‭ ‬الخطوط‭ ‬الأمامية”‭.‬

العقيد‭ ‬حيدر،‭ ‬آمر‭ ‬فوج‭ ‬البصرة‭ ‬في‭ ‬جهاز‭ ‬مكافحة‭ ‬الإرهاب‭. ‬نشأ‭ ‬في‭ ‬بيئة‭ ‬تتفاخر‭ ‬بالفرسان،‭ ‬وتربى‭ ‬على‭ ‬العادات‭ ‬والتقاليد‭ ‬الأصيلة‭ ‬في‭ ‬دواوين‭ ‬اعرق‭ ‬العشائر‭ ‬العراقية،‭ ‬حيث‭ ‬عبق‭ ‬القهوة‭ ‬المعطرة‭ ‬بالهيل‭ ‬والممزوجة‭ ‬بصور‭ ‬البطولة‭ ‬والشرف‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تطرق‭ ‬مسامعه‭ ‬وهو‭ ‬طفل‭ ‬صغير‭ ‬يجلس‭ ‬مع‭ ‬حكماء‭ ‬المدينة‭ ‬في‭ ‬“مضيف”‭ ‬والده‭. ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬الجميل‭ ‬زرع‭ ‬بداخله‭ ‬حب‭ ‬الأرض‭ ‬والناس‭ ‬وحلم‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬شرف‭ ‬وكرامة‭ ‬الوطن‭. ‬وإستطاع‭ ‬ان‭ ‬يحقق‭ ‬حلم‭ ‬طفولته‭ ‬إذ‭ ‬تخرج‭ ‬من‭ ‬الكلية‭ ‬العسكرية‭ ‬عام‭ ‬2001‭ ‬بتفوق‭ ‬وتدرج‭ ‬بالمناصب‭ ‬خلال‭ ‬مسيرته‭ ‬العسكرية‭. ‬أصبح‭ ‬آمر‭ ‬فصيل‭ ‬في‭ ‬الفرقة‭ ‬الخامسة‭ ‬بعد‭ ‬عام‭ ‬2004،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬رُقِي‭ ‬لآمر‭ ‬سرية‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬القاطع‭ ‬حيث‭ ‬خدم‭ ‬لخمس‭ ‬سنوات‭ ‬في‭ ‬اكثر‭ ‬المناطق‭ ‬خطورة‭ ‬إبان‭ ‬العنف‭ ‬الطائفي‭ ‬الذي‭ ‬عصف‭ ‬بالبلاد‭. ‬لا‭ ‬شك‭ ‬إنها‭ ‬تجربة‭ ‬صعبة‭ ‬جدا‭ ‬حين‭ ‬يتسلم‭ ‬ضابط‭ ‬شاب‭ ‬منطقة‭ ‬عمليات‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬مفاصلها‭ ‬عصابات‭ ‬الإرهاب‭ ‬والجريمة،‭ ‬لكنه‭ ‬أثبت‭ ‬جدارته‭ ‬بفرض‭ ‬سلطة‭ ‬القانون‭ ‬ومطاردة‭ ‬الإرهابيين‭.‬

يقول‭ ‬العقيد‭ ‬الركن‭ ‬حيدر‭ ‬“في‭ ‬أواخر‭ ‬2004‭ ‬تمكنت‭ ‬عصابات‭ ‬الارهابي‭  ‬أبو‭ ‬مصعب‭ ‬الزرقاوي‭ ‬من‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬مدينة‭ ‬بعقوبة‭ ‬أكبر‭ ‬مدن‭ ‬محافظة‭ ‬ديالى،‭ ‬وكلف‭ ‬فصيلي‭ ‬بأول‭ ‬واجب‭ ‬مشترك‭ ‬مع‭ ‬القوات‭ ‬الأمريكية‭ ‬لطرد‭ ‬إرهابيي‭ ‬القاعدة‭ ‬من‭ ‬المنطقة‭ ‬ومسك‭ ‬الأرض‭. ‬ورغم‭ ‬اني‭ ‬كنت‭ ‬استلمت‭ ‬قيادة‭ ‬الفصيل‭ ‬منذ‭ ‬ثلاثة‭ ‬أشهر‭ ‬فقط‭ ‬لكنني‭ ‬تمكنت‭ ‬من‭ ‬التعرف‭ ‬على‭ ‬قدرات‭ ‬الجنود‭ ‬وقد‭ ‬قمنا‭ ‬بعمل‭ ‬بطولي‭ ‬فطهرنا‭ ‬قاطعنا‭ ‬من‭ ‬اشرس‭ ‬المقاتلين‭ ‬الأجانب‭ ‬وقد‭ ‬كُرٍمنا‭ ‬إثر‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬آمر‭ ‬الكتيبة‭ ‬الأمريكية‭.‬”

تعرض‭ ‬العقيد‭ ‬الركن‭ ‬حيدر‭ ‬الى‭ ‬12‭ ‬إصابة‭ ‬مباشرة‭ ‬بالعبوات‭ ‬الناسفة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الإرهابيين،‭ ‬لكنها‭ ‬لم‭ ‬تثن‭ ‬عزمه‭ ‬على‭ ‬مواصلة‭ ‬المسيرة‭ ‬لبسط‭ ‬الأمن‭ ‬وطرد‭ ‬الإرهاب،‭ ‬وكان‭ ‬ايمانه‭ ‬راسخاً‭ ‬بحقيقة‭ ‬أن‭ ‬السكان‭ ‬يرفضون‭ ‬العنف‭ ‬لكنهم‭ ‬بحاجة‭ ‬لمن‭ ‬ينقذهم‭ ‬من‭ ‬براثن‭ ‬الارهاب‭.‬

“كنت‭ ‬على‭ ‬ثقة‭ ‬بأن‭ ‬كسب‭ ‬ثقة‭ ‬السكان‭ ‬والعمل‭ ‬معهم‭ ‬ستمكننا‭ ‬من‭ ‬طرد‭ ‬عصابات‭ ‬القاعدة‭ ‬والمليشيات‭ ‬الإرهابية‭. ‬وحينما‭ ‬رأى‭ ‬السكان‭ ‬اننا‭ ‬نلقي‭ ‬القبض‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يحمل‭ ‬السلاح‭ ‬دون‭ ‬تخويل‭ ‬حكومي‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬إنتمائه‭ ‬العرقي‭ ‬او‭ ‬الطائفي،‭ ‬بدأ‭ ‬السكان‭ ‬بالتعاون‭ ‬معنا‭ ‬وتزويدنا‭ ‬بمعلومات‭ ‬دقيقة‭ ‬عن‭ ‬مخابئ‭ ‬الإرهابيين‭. ‬هذه‭ ‬العلاقة‭ ‬مكنتني‭ ‬من‭ ‬تشكيل‭ ‬وتدريب‭ ‬أبناء‭ ‬العشائر‭ ‬الذين‭ ‬أبدوا‭ ‬رغبة‭ ‬في‭ ‬الاشتراك‭ ‬بالمعركة‭ ‬ضد‭ ‬الارهابيين‭- ‬اطلق‭ ‬على‭ ‬وحداتهم‭ ‬لاحقا‭ (‬مجالس‭ ‬الصحوات‭)- ‬فالحقنا‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬برز‭ ‬لديه‭ ‬حس‭ ‬وطني‭ ‬صادق‭ ‬وعزم‭ ‬على‭ ‬دخول‭ ‬خندق‭ ‬المعركة‭ ‬الى‭ ‬جانب‭ ‬الحق،”‭ ‬يقول‭ ‬العقيد‭ ‬حيدر‭. ‬

“كان‭ ‬معالي‭ ‬رئيس‭ ‬الجهاز‭ ‬يتابع‭ ‬شخصيا‭ ‬اختيار‭ ‬القادة‭ ‬والأمراء،‭ ‬ويولي‭ ‬المتفوقين‭ ‬اهتمامه‭ ‬فحظيت‭ ‬برعاية‭ ‬خاصة‭ ‬من‭ ‬معاليه‭ ‬في‭ ‬موضوع‭ ‬اطروحتي‭ ‬في‭ ‬كلية‭ ‬الاركان‭ ‬عن‭ ‬جهاز‭ ‬مكافحة‭ ‬الارهاب‭ ‬إذ‭ ‬واجهت‭ ‬تحدياً‭ ‬كبيراً‭ ‬بسبب‭ ‬السرية‭ ‬العالية‭ ‬لنشاطات‭ ‬وخطط‭ ‬الجهاز‭. ‬فقام‭ ‬بتوجيه‭ ‬القادة‭ ‬بابداء‭ ‬المساعدة‭ ‬لي‭ ‬في‭ ‬موضوع‭ ‬البحث،‭ ‬والحمد‭ ‬لله‭ ‬فقد‭ ‬تككل‭ ‬بحثي‭ ‬بالنجاح‭ ‬واعتمد‭ ‬كمصدر‭ ‬للبحوث‭ ‬اللاحقة‭ ‬في‭ ‬كلية‭ ‬الأركان‭.‬”

من‭ ‬المواقف‭ ‬الحرجة‭ ‬التي‭ ‬عاشها‭ ‬العقيد‭ ‬حيدر‭ ‬أثناء‭ ‬معارك‭ ‬الرمادي‭:‬

حكى‭ ‬لنا‭ ‬العقيد‭ ‬قائلاً‭ ‬“كنت‭ ‬مساعداً‭ ‬لآمر‭ ‬فوج‭ ‬البصرة‭ ‬في‭ ‬قوات‭ ‬مكافحة‭ ‬الإرهاب‭ ‬عندما‭ ‬توجهنا‭ ‬للرمادي‭ ‬سنة‭ ‬2014‭ ‬وتجحفلنا‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الملعب‭. ‬كانت‭ ‬تسمى‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬“قندهار”‭ ‬بسبب‭ ‬شراسة‭ ‬القتال‭ ‬وتواجد‭ ‬كثيف‭ ‬للمقاتلين‭ ‬الأجانب‭ ‬أيام‭ ‬الزرقاوي،‭ ‬وتعني‭ ‬للارهابيين‭ ‬الكثير‭ ‬لما‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬إذ‭ ‬خاضوا‭ ‬هناك‭ ‬معارك‭ ‬شرسة‭ ‬في‭ ‬2005‭-‬2006‭. ‬وفي‭ ‬ليلة‭ ‬19‭ ‬شباط‭ ‬2014‭ ‬شن‭ ‬العدو‭ ‬هجوماً‭ ‬على‭ ‬احد‭ ‬الفصائل‭ ‬المتقدمة‭ ‬لفوجي،‭ ‬مستخدمين‭ ‬السيارات‭ ‬المفخخة‭ ‬والانتحاريين‭. ‬وتمكنوا‭ ‬من‭ ‬محاصرة‭ ‬احدى‭ ‬الحضائر‭ ‬واصابة‭ ‬آمر‭ ‬الحضيرة‭.‬”‭ ‬وأضاف،‭ ‬“معركة‭ ‬الملعب‭ ‬في‭ ‬الرمادي‭ ‬كانت‭ ‬من‭ ‬اشرس‭ ‬المعارك،‭ ‬كان‭ ‬العدو‭ ‬يتمتع‭ ‬بمعنويات‭ ‬عالية‭ ‬وكان‭ ‬يسيطر‭ ‬على‭ ‬معظم‭ ‬المناطق‭ ‬المحيطة،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬لدينا‭ ‬قوات‭ ‬ساندة‭ ‬ولا‭ ‬خطوط‭ ‬امداد‭ ‬قريبة،‭ ‬لذلك‭ ‬إقتصر‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬تماسك‭ ‬القوة‭ ‬شجاعة‭ ‬كل‭ ‬فرد‭ ‬من‭ ‬أفرادها‭.‬”‭ ‬

أكمل‭ ‬الحديث‭ ‬بعد‭ ‬برهة‭ ‬صمت‭ ‬ليسترجع‭ ‬الأحداث‭ ‬في‭ ‬ذاكرته‭ ‬ثم‭ ‬أردف‭ ‬قائلاً‭ ‬“فتوجهت‭ ‬بسرعة‭ ‬لكسر‭ ‬الطوق‭ ‬وفك‭ ‬الحصار‭ ‬وبالفعل‭ ‬نجحت‭ ‬العملية‭ ‬وسمعت‭ ‬آخر‭ ‬نداء‭ ‬من‭ ‬جهاز‭ ‬الاتصال‭ ‬يقول‭ “‬تم‭ ‬الاخلاء‭ ‬سيدي‭.‬”

أصيب‭ ‬العقيد‭ ‬حيدر‭ ‬برصاصة‭ ‬من‭ ‬قنّاص‭ ‬إستقرت‭ ‬بين‭ ‬الفقرتين‭ ‬العنقيتين‭ ‬الثانية‭ ‬والثالثة‭ ‬وفقد‭ ‬وعيه‭ ‬على‭ ‬الفور‭. ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬الظروف‭ ‬تسمح‭ ‬بفقدان‭ ‬قائد‭ ‬شجاع‭ ‬مثل‭ ‬العقيد‭ ‬حيدر‭ ‬الخيون،‭ ‬إذ‭ ‬هو‭ ‬مصدر‭ ‬الهام‭ ‬للمقاتلين،‭ ‬كانوا‭ ‬يحبونه‭ ‬كثيرا‭ ‬ويسمونه‭ ‬“ابن‭ ‬شيوخ”‭ ‬لرفعة‭ ‬أخلاقه‭ ‬وكرمه‭ ‬ونبل‭ ‬نسبه‭. ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬أرض‭ ‬المعركة‭ ‬تسمح‭ ‬بأخلاء‭ ‬الجرحى،‭ ‬خاصة‭ ‬وان‭ ‬عصابات‭ ‬داعش‭ ‬شنت‭ ‬هجوماً‭ ‬معاكساً‭ ‬على‭ ‬القوة‭ ‬التي‭ ‬فكت‭ ‬الحصار‭ ‬لتشتيتها‭. ‬لكن‭ ‬صلابة‭ ‬المقاتلين‭ ‬وتماسكهم‭ ‬،الذي‭ ‬دل‭ ‬على‭ ‬التدريب‭ ‬العالي‭ ‬والمهنية،‭ ‬أكد‭ ‬تفوقهم‭ ‬بعد‭ ‬معركة‭ ‬شرسة‭ ‬فنجحوا‭ ‬باخلاء‭ ‬“جثة‭ ‬قائدهم”‭ ‬إذ‭ ‬كانوا‭ ‬يعتقدونه‭ ‬ميتاً‭. ‬وكانت‭ ‬القيادة‭ ‬تتابع‭ ‬من‭ ‬مقرها‭ ‬المتقدم‭ ‬تطورات‭ ‬صد‭ ‬الهجوم‭ ‬المعادي‭ ‬وعملية‭ ‬إخلاء‭ ‬العقيد‭ ‬حيدر‭. ‬وبعد‭ ‬وصول‭ ‬السيارة‭ ‬التي‭ ‬تقل‭ ‬العقيد‭ ‬حيدر‭ ‬تأكدوا‭ ‬من‭ ‬انه‭ ‬مازال‭ ‬على‭ ‬قيد‭ ‬الحياة‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬حرجة‭ ‬فتم‭ ‬إخلاؤه‭ ‬بطائرة‭ ‬عمودية‭ ‬الى‭ ‬بغداد‭. ‬

“مكثت،‭ ‬يروي‭ ‬العقيد‭ ‬حيدر،‭ ‬لمدة‭ ‬سنة‭ ‬تحت‭ ‬العلاج،‭ ‬وكنت‭ ‬في‭ ‬خطر‭ ‬الشلل‭ ‬الكامل‭ ‬لقرب‭ ‬الإصابة‭ ‬من‭ ‬النخاع‭ ‬الشوكي‭. ‬لكن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬إهتمامي‭ ‬منصباً‭ ‬على‭ ‬اي‭ ‬شيء‭ ‬سوى‭ ‬العودة‭ ‬لرفاقي‭ ‬في‭ ‬خطوط‭ ‬الصد‭. ‬والحمد‭ ‬لله‭ ‬رجعت‭ ‬للواجب‭ ‬قبل‭ ‬بداية‭ ‬معارك‭ ‬الساحل‭ ‬الأيمن‭ ‬للموصل‭. ‬حيث‭ ‬شاركنا‭ ‬باقتحام‭ ‬المدينة‭ ‬القديمة‭ ‬واسقاط‭ ‬دولة‭ ‬الخلافة‭ ‬بالسيطرة‭ ‬على‭ ‬منطقة‭ ‬مسجد‭ ‬النوري‭. ‬وكنت‭ ‬مع‭ ‬رفاقي‭ ‬في‭ ‬الجهاز‭ ‬في‭ ‬طلائع‭ ‬القوات‭ ‬التي‭ ‬اقتحمت‭ ‬تلعفر‭ ‬ومن‭ ‬بعدها‭ ‬القائم”‭ ‬

أما‭ ‬رأي‭ ‬العقيد‭ ‬حيدر،‭ ‬فيما‭ ‬اذا‭ ‬كان‭ ‬الأبطال‭ ‬يولدون‭ ‬ام‭ ‬يصنعون،‭ ‬فيقول‭: ‬

“انا‭ ‬أؤمن‭ ‬بأن‭ ‬هناك‭ ‬رجال‭ ‬من‭ ‬معدن‭ ‬خاص‭ ‬لهم‭ ‬صفات‭ ‬خاصة،‭ ‬وجزء‭ ‬أساسي‭ ‬من‭ ‬فن‭ ‬القيادة‭ ‬هو‭ ‬كيفية‭ ‬انتقائهم‭ ‬وصهرهم‭ ‬في‭ ‬بوتقة‭ ‬الأبطال‭ ‬فيضاف‭ ‬الى‭ ‬عجينتهم‭ ‬عنصرا‭ ‬حب‭ ‬الوطن‭ ‬وحب‭ ‬الخير‭ ‬ليكونوا‭ ‬قوة‭ ‬متماسكة‭ ‬لايمكن‭ ‬هزيمتها‭ ‬تحب‭ ‬الحياة‭ ‬لكنها‭ ‬مستعدة‭ ‬لأن‭ ‬تجود‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬حياة‭ ‬الآخرين‭ ‬وسعادتهم‭ ‬فيكونوا‭ ‬بذلك‭ ‬الأجود‭ ‬بيننا‭ ‬فالجود‭ ‬بالنفس‭ ‬اقصى‭ ‬غاية‭ ‬الجود‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يركز‭ ‬عليه‭ ‬قادة‭ ‬الجهاز‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬مقاتلين‭ ‬اشداء‭ ‬باتباع‭ ‬مناهج‭ ‬وتقنيات‭ ‬عالمية‭. ‬فبناء‭ ‬الروح‭ ‬المعنوية‭ ‬وثقافة‭ ‬التعايش‭ ‬والعمل‭ ‬بروح‭ ‬الفريق‭ ‬الواحد‭ ‬هي‭ ‬مبادئ‭ ‬أساسية‭ ‬لصنع‭ ‬الأبطال‭. ‬أنا‭ ‬فخور‭ ‬بانتمائي‭ ‬لهذه‭ ‬القوة‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬وفخور‭ ‬بكل‭ ‬الضباط‭ ‬والمراتب‭ ‬لأنهم‭ ‬أثبتوا‭ ‬بالتجربة‭ ‬أنهم‭ ‬رجال‭ ‬متميزون‭ ‬مستعدون‭ ‬لتنفيذ‭ ‬أي‭ ‬واجب‭ ‬يناط‭ ‬بهم‭.‬”‭ ‬

ولا‭ ‬يكاد‭ ‬العقيد‭ ‬حيدر‭ ‬ورجاله‭ ‬يستريحوا‭ ‬من‭ ‬عناء‭ ‬القتال‭ ‬في‭ ‬ثكناتهم‭ ‬بعد‭ ‬تحرير‭ ‬مدن‭ ‬العراق‭ ‬من‭ ‬عصابات‭ ‬داعش‭ ‬حتى‭ ‬جاءت‭ ‬أوامر‭ ‬القيادة‭ ‬لهم‭ ‬بالتحرك‭ ‬لواجب‭ ‬جديد‭. ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬وأثناء‭ ‬المظاهرات‭ ‬في‭ ‬محافظة‭ ‬البصرة،‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬بعض‭ ‬المندسين‭ ‬الذين‭ ‬يحاولون‭ ‬القيام‭ ‬بأعمال‭ ‬التخريب‭ ‬ضد‭ ‬المنشآت‭ ‬الحيوية‭ ‬والقنصليات‭ ‬الأجنبية،‭ ‬لذلك‭ ‬كلف‭ ‬معالي‭ ‬رئيس‭ ‬الجهاز‭ ‬العقيد‭ ‬الركن‭ ‬حيدر‭ ‬بالتوجه‭ ‬للبصرة‭ ‬فورا‭. ‬

“في‭ ‬تموز‭ ‬2018‭ ‬تم‭ ‬تكليفي‭ ‬بواجب‭ ‬التوجه‭ ‬لمدينة‭ ‬البصرة‭ ‬للسيطرة‭ ‬على‭ ‬الوضع‭ ‬الامني‭ ‬فيها‭ ‬واسناد‭ ‬القوات‭ ‬الامنية‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬عدم‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬الموقف‭. ‬واستطعنا‭ ‬تنفيذ‭ ‬الواجب‭ ‬بنجاح‭. ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬كانت‭ ‬بعض‭ ‬الجهات‭ ‬المغرضة‭ ‬تحاول‭ ‬ضرب‭ ‬القنصلية‭ ‬الأمريكية‭ ‬لإرباك‭ ‬الوضع‭ ‬وتخريب‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬والعراق‭ ‬والصاق‭ ‬تهمة‭ ‬ممارسة‭ ‬العنف‭ ‬بالمظاهرات‭ ‬السلمية‭ ‬لأهل‭ ‬البصرة،‭ ‬وعلى‭ ‬الفور‭ ‬تم‭ ‬تكليفنا‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬معالي‭ ‬رئيس‭ ‬الجهاز‭ ‬المحترم‭ ‬بتأمين‭ ‬الحماية‭ ‬للعاملين‭ ‬في‭ ‬القنصلية‭ ‬أثناء‭ ‬اخلاء‭ ‬الموظفين‭ ‬ومنع‭ ‬المسلحين‭ ‬من‭ ‬التعرض‭ ‬لهم‭. ‬وبرغم‭ ‬المصاعب‭ ‬التي‭ ‬واجهتنا‭ ‬والتهديدات‭ ‬المباشرة‭ ‬وغير‭ ‬المباشرة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬بعض‭ ‬الجهات،‭ ‬كنا‭ ‬بقدر‭ ‬المسؤولية‭ ‬وأفشلنا‭ ‬مخططات‭ ‬هؤلاء‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يريدون‭ ‬للعراق‭ ‬وشعبه‭ ‬الخير‭. ‬ولا‭ ‬زالت‭ ‬قوتنا‭ ‬مستمرة‭ ‬بحماية‭ ‬مبنى‭ ‬القنصلية‭ ‬رغم‭ ‬خلوها‭ ‬من‭ ‬البعثة‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬ورغم‭ ‬المحاولات‭ ‬الفاشلة‭ ‬لدخولها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المندسين‭.‬”

كان‭ ‬تكليف‭ ‬العقيد‭ ‬الركن‭ ‬حيدر‭ ‬لهذه‭ ‬المهمة‭ ‬الحساسة‭ ‬في‭ ‬البصرة‭ ‬موفقا‭ ‬بكل‭ ‬المقاييس،‭ ‬أولا‭ ‬لأنه‭ ‬ضابط‭ ‬شجاع‭ ‬ومهني،‭ ‬وثانيا‭ ‬لأنه‭ ‬يتمتع‭ ‬بسمعة‭ ‬طيبة‭ ‬واحترام‭ ‬كبيرين‭ ‬في‭ ‬الجنوب‭ ‬لمنزلة‭ ‬عائلته‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والتفاف‭ ‬القبائل‭ ‬حولها‭. ‬إذ‭ ‬كان‭ ‬صمام‭ ‬الأمان‭ ‬بين‭ ‬المتظاهرين‭ ‬الغاضبين‭ ‬والأجهزة‭ ‬الأمنية،‭ ‬وأستطاع‭ ‬بنجاح‭ ‬ان‭ ‬يمنع‭ ‬التعدي‭ ‬على‭ ‬الممتلكات‭ ‬العامة،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬ثمة‭ ‬من‭ ‬يحاول‭ ‬انتهاز‭ ‬فرصة‭ ‬الغضب‭ ‬فيوجهه‭ ‬من‭ ‬اجل‭ ‬التخريب،‭ ‬وأن‭ ‬يحافظ‭ ‬على‭ ‬جسور‭ ‬الثقة‭ ‬والتعاون‭ ‬بين‭ ‬المواطنين‭ ‬والقوات‭ ‬الأمنية‭. ‬

التعليقات مغلقة.