المجنزرة المرعبة

استخدمت‭ ‬قوات‭ ‬مكافحة‭ ‬الإرهاب‭ ‬الجرافات‭ ‬المدرعة‭ ‬لتدمير‭ ‬دفاعات‭ ‬داعش‭ ‬في‭ ‬أزقة‭ ‬الموصل

أسرة‭ ‬يونيباث
أثناء‭ ‬معارك‭ ‬تحرير‭ ‬المدن‭ ‬من‭ ‬عصابات‭ ‬داعش‭ ‬الإرهابية،‭ ‬تميز‭ ‬بين‭ ‬الأبطال‭ ‬جندي‭ ‬مجهول‭ ‬آثر‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬الظل‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬أضواء‭ ‬الشهرة‭ ‬وبهرجة‭ ‬الإعلام‭.  ‬بطل‭ ‬كان‭ ‬يتقدم‭ ‬الصفوف‭ ‬ويصد‭ ‬مفخخات‭ ‬الإرهابيين‭ ‬ويدمر‭ ‬خطوطهم‭ ‬الدفاعية‭.  ‬صوته‭ ‬المزمجر،‭ ‬يزرع‭ ‬الرعب‭ ‬في‭ ‬قلوب‭ ‬إرهابيي‭ ‬داعش‭ ‬وتقدمه‭ ‬بثقة‭ ‬وثبات‭ ‬قل‭ ‬نظيرهما‭ ‬نحو‭ ‬الهدف‭ ‬يزعزع‭ ‬معنوياتهم‭ ‬ويفقدهم‭ ‬كل‭ ‬أمل‭ ‬في‭ ‬الهروب‭ ‬من‭ ‬المصير‭ ‬المحتوم‭.  ‬إنه‭ ‬سائق‭ ‬الجرافة‭ ‬D7R II‭ ‬المخصصة‭ ‬للعمل‭ ‬العسكري،‭ ‬ن‭.‬ض‭ ‬محمد‭ ‬علي‭ ‬عبدالله‭ ‬التابع‭ ‬لجهاز‭ ‬مكافحة‭ ‬الإرهاب‭. ‬تلك‭ ‬الجرافة‭ ‬المدرعة‭ ‬والتي‭ ‬يصل‭ ‬وزنها‭ ‬الى‭ ‬29‭ ‬طن‭ ‬لثقل‭ ‬فولاذ‭ ‬التدريع‭.‬
هذه‭ ‬الجرافة،‭ ‬المصنعة‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬من‭ ‬قِبل‭ ‬شركة‭ ‬Caterpillar،‭ ‬والمزودة‭ ‬بالدروع‭ ‬الثقيلة‭ ‬والزجاج‭ ‬المقاوم‭ ‬للرصاص،‭ ‬إذ‭ ‬اقترب‭ ‬وزنها‭ ‬من‭ ‬وزن‭ ‬مدرعة‭ ‬برادلي‭ ‬القتالية‭. ‬وتحتوي‭ ‬على‭ ‬محرك‭ ‬قوي‭ ‬قادرعلى‭ ‬التغلب‭ ‬على‭ ‬معظم‭ ‬العقبات‭ ‬التي‭ ‬نشرتها‭ ‬عصابات‭ ‬داعش‭ ‬في‭ ‬طريقها‭.‬
“إن‭ ‬توظيف‭ ‬الجرافة‭ ‬لتكون‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬القوات‭ ‬المهاجمة‭ ‬هو‭ ‬ابتكار‭ ‬بعد‭ ‬حرب‭ ‬داعش‭ ‬للرد‭ ‬على‭ ‬تكتيك‭ ‬تنظيم‭ ‬داعش‭ ‬الفعال‭ ‬باستخدام‭ ‬السيارات‭ ‬المفخخة،”‭ ‬قال‭ ‬ن‭.‬ض‭ ‬محمد‭ ‬واسترسل،‭ ‬“أن‭ ‬تكتيك‭ ‬استخدام‭ ‬الجرافات‭ ‬لتتقدم‭ ‬أمام‭ ‬الدبابات‭ ‬وبقية‭ ‬القوات‭ ‬أثناء‭ ‬المعارك‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬معمولا‭ ‬به‭ ‬قبل‭ ‬حرب‭ ‬داعش‭ ‬لكنه‭ ‬استُحدِثَ‭ ‬كاستجابة‭ ‬ارتجالية‭ ‬فرضتها‭ ‬التطورات‭ ‬العملياتية‭ ‬الميدانية‭ ‬للحرب‭ ‬غير‭ ‬المتناظرة‭ ‬داخل‭ ‬المدينة‭.‬”
استخدم‭ ‬إرهابيو‭ ‬داعش‭ ‬تكتيكات‭ ‬عديدة‭ ‬لعرقلة‭ ‬تقدم‭ ‬القوات‭ ‬العراقية‭ ‬وكان‭ ‬أكثرها‭ ‬خطورة‭ ‬هو‭ ‬التكتيك‭ ‬الذي‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬الهجوم‭ ‬المباشر‭ ‬بسيارات‭ ‬مفخخة‭ ‬يقودها‭ ‬انتحاريون‭. ‬وكانت‭ ‬إحدى‭ ‬مهمات‭ ‬الجرافة‭ ‬الرئيسية‭ ‬هي‭ ‬شل‭ ‬حركة‭ ‬المفخخات‭ ‬ومنعها‭ ‬من‭ ‬الوصول‭ ‬للرتل‭ ‬المتقدم‭. ‬
“كان‭ ‬الإرهابيون‭ ‬يقطعون‭ ‬معظم‭ ‬الطرق‭ ‬بالسيارات‭ ‬والمعرقلات‭ ‬الأخرى،‭ ‬ويتركون‭ ‬طرق‭ ‬معينة‭ ‬مفتوحة‭ ‬هم‭ ‬يسيطرون‭ ‬عليها،‭ ‬بهدف‭ ‬مباغتة‭ ‬القوة‭ ‬المهاجمة‭ ‬بوابل‭ ‬من‭ ‬العجلات‭ ‬المفخخة‭ ‬وشل‭ ‬حركة‭ ‬الرتل‭ ‬ثم‭ ‬الانقضاض‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬المنازل‭ ‬المجاورة‭ ‬لتدمير‭ ‬القوة‭.‬”‭ ‬وأضاف‭ ‬يقول
“لذلك‭ ‬أصبح‭ ‬من‭ ‬المستحيل‭ ‬تقدم‭ ‬أي‭ ‬رتل‭ ‬عسكري‭ ‬دون‭ ‬وجود‭ ‬جرافة‭ ‬في‭ ‬طليعته‭. ‬لقد‭ ‬كان‭ ‬دور‭ ‬الجرافات‭ ‬مميزاً‭ ‬خلال‭ ‬معارك‭ ‬تحرير‭ ‬الموصل‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬سلاحنا‭ ‬الفتاك‭ ‬في‭ ‬تدمير‭ ‬دفاعات‭ ‬العدو‭ ‬والتصدي‭ ‬للعجلات‭ ‬المفخخة‭ ‬ورفع‭ ‬المعرقلات‭ ‬من‭ ‬الطريق‭.‬”‭ ‬
جهزت‭ ‬قوات‭ ‬التحالف‭ ‬جهاز‭ ‬مكافحة‭ ‬الإرهاب‭ ‬عام‭ ‬2016‭ ‬بهذه‭ ‬الجرافات‭ ‬التكتيكية‭ ‬وأرسلت‭ ‬متخصصين‭ ‬لتدريب‭ ‬المشغلين‭ ‬والفنيين‭ ‬على‭ ‬قيادة‭ ‬وصيانة‭ ‬الجرافات‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬دورات‭ ‬تخصصية‭. ‬قبل‭ ‬ذلك،‭ ‬كانت‭ ‬القوات‭ ‬تستخدم‭ ‬جرافات‭ ‬تجارية‭ ‬تعرضت‭ ‬لتدمير‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬أسلحة‭ ‬العدو‭ ‬نتيجة‭ ‬تعرضها‭ ‬لهجمات‭ ‬كمائن‭ ‬العدو‭. ‬
“تم‭ ‬تدريبنا‭ ‬على‭ ‬قيادة‭ ‬الجرافة‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬المدن‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬متخصصين‭ ‬من‭ ‬قوات‭ ‬التحالف‭. ‬وشمل‭ ‬التدريب‭ ‬التعرف‭ ‬على‭ ‬التقنيات‭ ‬والقدرات‭ ‬التي‭ ‬تتميز‭ ‬بها‭ ‬الجرافة‭.‬”‭ ‬ن‭.‬ض‭ ‬محمد‭ ‬يروي‭ ‬لمجلة‭ ‬يونيباث‭ ‬“وأجرينا‭ ‬تمرينات‭ ‬عديدة‭ ‬في‭ ‬أرض‭ ‬تحاكي‭ ‬طبيعتها‭ ‬طبيعة‭ ‬أرض‭ ‬المعركة‭ ‬لعدة‭ ‬شهور‭ ‬قبل‭ ‬اشتراكنا‭ ‬بالمعارك‭. ‬وأدخلت‭ ‬الجرافة‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬اثناء‭ ‬معارك‭ ‬تحرير‭ ‬الموصل‭.‬”‭ ‬
“تم‭ ‬إضافة‭ ‬الجرافة‭ ‬ضمن‭ ‬معدات‭ ‬الخطة‭ ‬العسكرية‭ ‬لتحرير‭ ‬المدن،‭ ‬حيث‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬الرتل‭ ‬لفتح‭ ‬الطريق‭ ‬وإزاحة‭ ‬السيارات‭ ‬التي‭ ‬يقطع‭ ‬بها‭ ‬داعش‭ ‬الطرق،‭ ‬وطبعا‭ ‬بعض‭ ‬هذه‭ ‬السيارات‭ ‬مفخخ‭. ‬عادة‭ ‬يكون‭ ‬قطع‭ ‬الطرق‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬مواقع‭ ‬الكمائن‭ ‬ومناطق‭ ‬دفاعات‭ ‬العدو‭. ‬لذلك‭ ‬يجب‭ ‬انجاز‭ ‬العمل‭ ‬بسرعة‭ ‬فائقة‭ ‬وقبل‭ ‬أن‭ ‬يتمكن‭ ‬العدو‭ ‬من‭ ‬إيقاف‭ ‬حركة‭ ‬الرتل‭. ‬إضافة‭ ‬الى‭ ‬غلق‭ ‬الأنفاق‭ ‬التي‭ ‬يستخدمها‭ ‬العدو‭ ‬للتنقل‭ ‬لكي‭ ‬لا‭ ‬يلتف‭ ‬علينا‭ ‬ونحاصر‭.‬”‭ ‬
استرجع‭ ‬ن‭.‬ض‭ ‬محمد‭ ‬ذاكرته‭ ‬ليروي‭ ‬كيف‭ ‬تمكن‭ ‬من‭ ‬اعتراض‭ ‬المفخخة‭ ‬قبل‭ ‬وصولها‭ ‬لعجلة‭ ‬قائد‭ ‬الرتل‭ ‬وإبعادها‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يتمكن‭ ‬الانتحاري‭ ‬من‭ ‬تفجيرها‭. ‬أثناء‭ ‬التقدم‭ ‬باتجاه‭ ‬حي‭ ‬الرفاعي‭ ‬في‭ ‬أيمن‭ ‬الموصل‭ ‬بتاريخ‭ ‬27‭ ‬آيار‭ ‬2017،‭ ‬كُلِّفتُ‭ ‬بواجب‭ ‬التقدم‭ ‬مع‭ ‬فوج‭ ‬المثنى‭ ‬لمكافحة‭ ‬الإرهاب،‭ ‬بقيادة‭ ‬المقدم‭ ‬الركن‭ ‬ثائر‭ ‬سعدون‭ ‬منشد‭.‬
“لقد‭ ‬تعرضت‭ ‬الجرافة‭ ‬لعدة‭ ‬هجمات‭ ‬قناصة‭ ‬وعبوات‭ ‬ناسفة‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تتوقف‭ ‬وكنت‭ ‬اعتمد‭ ‬على‭ ‬الغطاء‭ ‬الناري‭ ‬من‭ ‬رفاقي‭ ‬في‭ ‬الرتل‭. ‬كان‭ ‬رصاص‭ ‬أسلحة‭ ‬داعش‭ ‬يضرب‭ ‬بزجاج‭ ‬صد‭ ‬الرياح‭ ‬الأمامي‭ ‬للجرافة‭ ‬فيحدث‭ ‬صوتاً‭ ‬مرعباً‭ ‬ويهشم‭ ‬جزءاً‭ ‬من‭ ‬الزجاج‭ ‬لكني‭ ‬اعتدت‭ ‬سماع‭ ‬ذلك‭ ‬الصوت‭.‬”‭ ‬يروي‭ ‬ن‭.‬ض‭ ‬محمد‭. ‬
“وأثناء‭ ‬انشغالي‭ ‬بقطع‭ ‬الطرق‭ ‬الجانبية‭ ‬كيلا‭ ‬يُهاجم‭ ‬الرتل‭ ‬من‭ ‬الأجنحة،‭ ‬جاءني‭ ‬اتصال‭ ‬عبر‭ ‬الجهاز‭ ‬اللاسلكي‭ ‬من‭ ‬عجلة‭ ‬القيادة‭ (‬الهمر‭) ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬الرتل‭ ‬والتي‭ ‬تقوم‭ ‬بتوفير‭ ‬غطاء‭ ‬ناري‭ ‬لي،‭ ‬لينبهني‭ ‬إلى‭ ‬هجوم‭ ‬بسيارة‭ ‬مفخخة‭ ‬قادمة‭ ‬باتجاهي‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬اليمين‭ ‬بسرعة‭ ‬عالية‭ ‬لتفجير‭ ‬الرتل‭.‬”‭ ‬
كان‭ ‬على‭ ‬ن‭.‬ض‭ ‬محمد‭ ‬أن‭ ‬يتصرف‭ ‬بسرعة،‭ ‬حيث‭ ‬شاهد‭ ‬العجلة‭ ‬تبعد‭ ‬100‭ ‬متر‭ ‬عنه،‭ ‬وبحركة‭ ‬سريعة‭ ‬أدار‭ ‬عتلة‭ ‬الأستدارة‭ ‬بزاوية‭ ‬90‭ ‬درجة‭ ‬وما‭ ‬أن‭ ‬وصلها،‭ ‬أمسكك‭ ‬العجلة‭ ‬بحواف‭ ‬صفيحة‭ ‬الجرافة‭ ‬الأمامية‭ ‬ودفعها‭ ‬للجهة‭ ‬البعيدة‭ ‬عن‭ ‬الرتل‭ ‬حيث‭ ‬انفجرت‭.‬
“شعرت‭ ‬بحرارة‭ ‬وومضة‭ ‬الانفجار‭ ‬الشديد‭ ‬تهز‭ ‬المقصورة‭. ‬كان‭ ‬لا‭ ‬يفصلني‭ ‬عن‭ ‬العجلة‭ ‬المفخخة‭ ‬سوى‭ ‬الزجاج‭ ‬المدرع‭ ‬و‭ ‬صفيحة‭ (‬سٍكّين‭) ‬الجرافة‭ ‬الفولاذية‭. ‬كان‭ ‬الانفجار‭ ‬شديد‭. ‬بحيث‭ ‬تهشمت‭ ‬الزجاجة‭ ‬الأمامية‭ ‬بالكامل‭ ‬لكنها‭ ‬امتصت‭ ‬الصدمة‭ ‬فلم‭ ‬يلحق‭ ‬بي‭ ‬أي‭ ‬أذى‭.‬”
“برغم‭ ‬قوة‭ ‬الانفجار،‭ ‬لم‭ ‬يصب‭ ‬الجرافة‭ ‬سوى‭ ‬ضرر‭ ‬طفيف‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬أنابيب‭ ‬الهيدروليك‭ ‬وتم‭ ‬إصلاحها‭ ‬بوقت‭ ‬قياسي‭ ‬لم‭ ‬يؤثر‭ ‬على‭ ‬وتيرة‭ ‬تقدمنا‭ ‬نحو‭ ‬الهدف‭.‬”‭ ‬
وفي‭ ‬وقت‭ ‬قصير،‭ ‬كان‭ ‬ن‭.‬ض‭ ‬محمد‭ ‬–‭ ‬ورفاقه‭ ‬أبطال‭ ‬قوات‭ ‬مكافحة‭ ‬الإرهاب‭ ‬–‭ ‬يواصلون‭ ‬مهمتهم‭ ‬مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬ويتقدمون‭ ‬نحو‭ ‬النصر‭. 

التعليقات مغلقة.