الدفاع البطولي عن بيجي

صمود‭ ‬القوات‭ ‬العراقية‭ ‬مايقارب‭ ‬سنة‭ ‬امام‭ ‬هجمات‭ ‬داعش‭ ‬على‭ ‬مصفى‭ ‬النفط‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬

العقيد‭ ‬الركن‭ ‬على‭ ‬سهم‭ ‬الكناني،‭ ‬جهاز‭ ‬مكافحة‭ ‬الإرهاب‭  |  ‬صور‭ ‬جيتي‭ ‬إمجيز

معارك مصفى‭  ‬بيجي‭ ‬لايمكن‭ ‬اختزالها‭ ‬بمقالة،‭ ‬وقصص‭ ‬البطولة‭ ‬هناك‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬انتاج‭ ‬أفلام‭ ‬سينمائية‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬أفلام‭ ‬الحروب‭ ‬العالمية،‭ ‬شراسة‭ ‬المعارك‭ ‬وسحب‭ ‬دخان‭ ‬حرائق‭ ‬خزانات‭ ‬الوقود‭ ‬التي‭ ‬تحجب‭ ‬اشعة‭ ‬الشمس‭ ‬وأهتزاز‭ ‬المكان‭ ‬من‭ ‬شدة‭ ‬انفجار‭ ‬المفخخات‭ ‬وقصص‭ ‬استشهاد‭ ‬رفاقنا‭ ‬التي‭ ‬نحفظها‭ ‬عن‭ ‬ظهر‭ ‬قلب‭.  ‬فتلك‭ ‬الـ‭ ‬11‭ ‬شهراً‭ ‬التي‭ ‬عشناها‭ ‬داخل‭ ‬مصفى‭ ‬بيجي،‭ ‬جسدت‭ ‬معنى‭ ‬حب‭ ‬الوطن‭ ‬والصمود‭ ‬بوجه‭  ‬اكثر‭ ‬العصابات‭ ‬الأرهابية‭ ‬وحشية‭. ‬هذه‭ ‬ليس‭ ‬قصتي‭ ‬بل‭ ‬حكايات‭ ‬الـ‭ ‬325‭ ‬بطل‭ ‬الذين‭ ‬صدوا‭ ‬40‭ ‬هجوما‭ ‬واسعا‭ ‬و175‭ ‬تعرضاً‭ ‬بكافة‭ ‬الأسلحة‭ ‬وبأعداد‭ ‬مضاعفة‭ ‬لعددنا‭ ‬وبمئات‭ ‬السيارات‭ ‬المفخخة،‭ ‬واستطعنا‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬تماسك‭ ‬القوة‭ ‬ودحر‭ ‬الهجمات‭.‬

موقع‭ ‬مدينة‭ ‬بيجي‭ ‬الأستراتيجي‭ ‬جعلها‭ ‬هدف‭ ‬لعصابات‭ ‬داعش،‭ ‬حيث‭ ‬تمر‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬الطرق‭ ‬الرئيسية‭ ‬التي‭ ‬تربط‭ ‬بغداد‭ ‬والموصل‭ ‬وصلاح‭ ‬الدين‭ ‬وكركوك‭ ‬وديالى،‭ ‬والسيطرة‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الموقع‭ ‬يعني‭ ‬قطع‭ ‬طرق‭ ‬الأمداد‭ ‬والتموين‭ ‬القادمة‭ ‬من‭ ‬بغداد‭. ‬ومصفى‭ ‬بيجي‭ ‬هو‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬اكبر‭ ‬مصافي‭ ‬النفط‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬ويتحكم‭ ‬بعائدات‭ ‬واقتصاد‭ ‬الدولة‭. ‬داعش‭ ‬أراد‭ ‬بكل‭ ‬السبل‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬المصفى‭ ‬لوجود‭ ‬خزانات‭ ‬وقود‭ ‬ضخمة‭ ‬وكذلك‭ ‬خزانات‭ ‬النفط‭ ‬الخام‭ ‬والنفط‭ ‬الأسود‭. ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تمكن‭ ‬داعش‭ ‬من‭ ‬فرض‭ ‬سيطرته‭ ‬على‭ ‬مدينة‭ ‬بيجي‭ ‬ركز‭ ‬هجماته‭ ‬للسيطرة‭ ‬على‭ ‬المصفى،‭ ‬ولو‭ ‬تمكن‭ ‬من‭ ‬السيطرة‭ ‬عليها‭ ‬لأصبح‭ ‬لديه‭ ‬قاعدة‭ ‬عسكرية‭ ‬ذات‭ ‬تمويل‭ ‬ذاتي‭. ‬ولأصبح‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬الوصول‭ ‬للمناطق‭ ‬الشمالية‭ ‬ولكانت‭ ‬معركة‭ ‬تحرير‭ ‬بيجي‭ ‬مدمرة‭. ‬لذلك‭ ‬استماتوا‭ ‬لإقتحام‭ ‬المصفى‭ ‬لأنه‭ ‬كان‭ ‬سيزيد‭ ‬الدخل‭ ‬المادي‭ ‬ويوفر‭ ‬الوقود‭ ‬وله‭ ‬تأثير‭ ‬معنوي‭ ‬كبير‭ ‬لهم‭.‬

ولربما‭ ‬كانوا‭ ‬يخططون‭ ‬لتفكيك‭ ‬المصفاة‭ ‬وبيعها‭ ‬لأحدى‭ ‬الجهات‭ ‬المشبوهة‭ ‬خارج‭ ‬العراق‭ ‬ليحصلوا‭ ‬على‭ ‬أموال‭ ‬طائلة‭ ‬لدعم‭ ‬عملياتهم‭ ‬الإرهابية‭.‬

كما‭ ‬أن‭ ‬داعش‭ ‬يعرف‭ ‬جيدا‭ ‬ان‭ ‬للمصفاة‭ ‬رمز‭ ‬معنوي‭ ‬لأن‭ ‬معظم‭ ‬وكالات‭ ‬الأنباء‭ ‬تتحدث‭ ‬عنها‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭. ‬وقد‭ ‬أدعوا‭ ‬اكثر‭ ‬من‭ ‬مرة‭ ‬بانهم‭ ‬سيطروا‭ ‬عليها‭ ‬وكل‭ ‬مرة‭ ‬تنفي‭ ‬الحكومة‭ ‬رسميا‭ ‬الخبر‭. ‬ولو‭ ‬استطاعوا‭ ‬احتلال‭ ‬المصفاة‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬سيرفع‭ ‬معنويات‭ ‬مقاتليهم‭ ‬ويؤثر‭ ‬على‭ ‬معنويات‭ ‬جنودنا‭. ‬

جنود عراقيون في نقاط الحراسة في مصفاة بيجي في 2015

بدأت‭ ‬المعارك‭ ‬يوم‭ ‬العاشر‭ ‬من‭ ‬يونيو‭/‬حزيران‭ ‬عام‭ ‬2014‭ ‬لغاية‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرين‭ ‬من‭ ‬مايو‭/‬ايار‭ ‬2015،‭ ‬طوال‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬كانت‭ ‬المصفاة‭ ‬محاصرة‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الجهات‭. ‬في‭ ‬البداية‭ ‬كنا‭ ‬35‭ ‬مقاتل‭ ‬من‭ ‬جهاز‭ ‬مكافحة‭ ‬الإرهاب‭ ‬و40‭ ‬مقاتل‭ ‬من‭ ‬الفرقة‭ ‬التاسعة،‭ ‬وبضعة‭ ‬مقاتلين‭ ‬من‭ ‬لواء‭ ‬المشاة‭ ‬14‭ ‬ومجموعة‭ ‬من‭ ‬رجال‭ ‬العشائر‭ ‬أي‭ ‬ان‭ ‬مجمل‭ ‬العدد‭ ‬كان‭ ‬110‭ ‬مقاتلين‭ ‬تقريبا‭. ‬واستطعنا‭ ‬صد‭ ‬الهجمات‭ ‬الأولى‭ ‬على‭ ‬المصفى‭ ‬في‭ ‬2014،‭ ‬وصمدنا‭ ‬برغم‭ ‬سيطرة‭ ‬داعش‭ ‬على‭ ‬معظم‭ ‬المدن‭ ‬المحيطة‭ ‬بنا‭. ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬2014‭ ‬استطاعت‭ ‬قواتنا‭ ‬فتح‭ ‬ثغرة‭ ‬لأرسال‭ ‬التعزيزات‭ ‬بالقوة‭ ‬والعتاد‭ ‬لكن‭ ‬تم‭ ‬قطعه‭ ‬بعد‭ ‬أسابيع‭. ‬وعندما‭ ‬اشتدت‭ ‬المعارك‭ ‬وزادت‭ ‬ضراوتها،‭ ‬توقفت‭ ‬الأمدادات‭.‬

أود‭ ‬ان‭ ‬اذكر‭ ‬للتأريخ‭ ‬الموقف‭ ‬الشجاع‭ ‬للفريق‭ ‬أول‭ ‬الركن‭ ‬طالب‭ ‬شغاتي‭ ‬الكناني‭ ‬رئيس‭ ‬جهاز‭ ‬مكافحة‭ ‬الإرهاب،‭ ‬وقائد‭ ‬قيادة‭ ‬العمليات‭ ‬المشتركة‭ ‬آنذاك‭ ‬ودوره‭ ‬الكبير‭ ‬والفعال‭ ‬في‭ ‬صمود‭ ‬المصفاة‭. ‬أتصل‭ ‬به‭ ‬العميد‭ ‬علي‭ ‬القريشي‭ ‬بطلب‭ ‬من‭ ‬اللواء‭ ‬الركن‭ ‬ضيف،‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬تموز،‭ ‬2014‭ ‬مباشرة‭ ‬وشرح‭ ‬له‭ ‬التحديات‭ ‬التي‭ ‬تواجهنا‭ ‬كقوة‭ ‬تابعة‭ ‬لجهاز‭ ‬مكافحة‭ ‬الإرهاب‭ ‬وكجزء‭ ‬من‭ ‬قاطع‭ ‬مسؤولية‭ ‬العمليات‭ ‬المشتركة‭ ‬في‭ ‬مصفاة‭ ‬بيجي‭ ‬ومخاطر‭ ‬قطع‭ ‬الأمدادات‭ ‬عن‭ ‬المصفى،‭ ‬وكان‭ ‬رد‭ ‬السيد‭ ‬الفريق‭ ‬طالب‭ ‬شغاتي‭ ‬الكناني‭ ‬مطمئناً‭ ‬ووعدنا‭ ‬بأنه‭ ‬سيستخدم‭ ‬كل‭ ‬صلاحياته‭ ‬من‭ ‬اجل‭ ‬إيصال‭ ‬التعزيزات‭. ‬وبعد‭ ‬اجتماعات‭ ‬مكثفة‭ ‬بين‭ ‬قيادة‭ ‬طيران‭ ‬الجيش‭ ‬وقيادة‭ ‬القوة‭ ‬الجوية‭ ‬جاءنا‭ ‬اتصال‭ ‬بعد‭ ‬يومين‭ ‬من‭ ‬الرائد‭ ‬عمار‭ ‬عباس‭ ‬شرهان‭ ‬وأخبرنا‭ ‬بأن‭ ‬القيادة‭ ‬قررت‭ ‬ارسال‭ ‬أسلحة‭ ‬حديثة‭ ‬ومعدات‭ ‬وأرزاق‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬طيران‭ ‬الجيش‭ ‬وبحماية‭ ‬فريق‭ ‬متخصص‭ ‬من‭ ‬قيادة‭ ‬جهاز‭ ‬مكافحة‭ ‬الإرهاب‭. ‬لقد‭ ‬واجهت‭ ‬المروحيات‭ ‬مقاومة‭ ‬عنيفة‭ ‬من‭ ‬دفاعات‭ ‬داعش‭ ‬والحمد‭ ‬لله‭ ‬استطاعوا‭ ‬تدمير‭ ‬تلك‭ ‬الدفاعات‭ ‬وشق‭ ‬طريقهم‭ ‬المحفوف‭ ‬بالمخاطر‭. ‬

كانت‭ ‬سعادتنا‭ ‬لا‭ ‬توصف‭ ‬ونحن‭ ‬نراقب‭ ‬الغبار‭ ‬المنبعث‭ ‬من‭ ‬هبوط‭ ‬المروحيات‭ ‬يوم‭ ‬الثاني‭ ‬والعشرون‭ ‬من‭ ‬أوغسطس‭/‬آب‭ ‬عام‭ ‬2014‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الهضبة،‭ ‬داخل‭ ‬المصفاة‭ ‬وبحماية‭ ‬مروحيات‭ ‬مقاتلة‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬أم‭ ‬آي‭ ‬28‭. ‬هذه‭ ‬العملية‭ ‬الجريئة‭ ‬رفعت‭ ‬معنويات‭ ‬الجنود‭ ‬كثيرا‭. ‬وبقدر‭ ‬ماكنا‭ ‬سعداء‭ ‬بلقاء‭ ‬رفاقنا‭ ‬في‭ ‬قيادة‭ ‬جهاز‭ ‬مكافحة‭ ‬الإرهاب،‭ ‬كنا‭ ‬نتفحص‭ ‬ما‭ ‬وصلنا‭ ‬من‭ ‬سلاح‭ ‬وعتاد‭ ‬كأطفال‭ ‬يفتحون‭ ‬هداياهم‭ ‬يوم‭ ‬العيد‭! ‬قاذفات‭ ‬الرمانMK19‭ ‬والقناصات‭ ‬بعيدة‭ ‬المدى‭ ‬عيار8‭.‬6‭ ‬ملم‭ ‬مجهزة‭ ‬بأجهزة‭ ‬كواتم‭ ‬الصوت‭ ‬والرؤيا‭ ‬الليلية‭ ‬والنهارية‭ ‬وتوفير‭ ‬كافة‭ ‬انواع‭ ‬الاعتدة‭ ‬الخاصة‭ ‬بها‭ ‬بكميات‭ ‬كبيرة‭. ‬قام‭ ‬فريق‭ ‬العمليات‭ ‬الخاصة‭ ‬القادم‭ ‬من‭ ‬بغداد‭ ‬بتدريب‭ ‬افراد‭ ‬القوة‭ ‬على‭ ‬استخدام‭ ‬هذه‭ ‬الأسلحة‭ ‬الحديثة‭ ‬واستطلعوا‭ ‬المكان‭ ‬لنقل‭ ‬الصورة‭ ‬للسيد‭ ‬قائد‭ ‬العمليات‭ ‬المشتركة‭ ‬الذي‭ ‬نقل‭ ‬تحياته‭ ‬لكل‭ ‬فرد‭ ‬في‭ ‬القوة‭ ‬وأكد‭ ‬اهتمامه‭ ‬الشخصي‭ ‬في‭ ‬صمود‭ ‬المصفاة‭. ‬فكان‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬بمثابة‭ ‬تحقيق‭ ‬النصر‭ ‬النهائي‭ ‬لنا‭.‬

أقتصرت‭ ‬التعزيزات‭ ‬على‭ ‬مروحيات‭ ‬طيران‭ ‬الجيش،‭ ‬حيث‭ ‬تأتينا‭ ‬في‭ ‬مواعيد‭ ‬غير‭ ‬محددة،‭ ‬بسبب‭ ‬رداءة‭ ‬الجو‭ ‬والعواصف‭ ‬الترابية‭ ‬والنيران‭ ‬المعادية،‭ ‬لكنهم‭ ‬استطاعوا‭ ‬من‭ ‬نقل‭ ‬الأعتدة‭ ‬والمقاتلين‭ ‬أذ‭ ‬أصبح‭ ‬عددنا‭ ‬الكلي‭ ‬325‭ ‬مقاتل‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الصنوف‭. ‬كان‭ ‬الهدف‭ ‬ان‭ ‬نجلب‭ ‬تعزيزات‭ ‬اكبر‭. ‬وسرعان‭ ‬ما‭ ‬تحطمت‭ ‬آمالنا‭ ‬عندما‭ ‬استهدف‭ ‬الأرهابيون‭ ‬المروحيات‭ ‬واستطاعوا‭ ‬اسقاط‭ ‬مروحيتين‭ ‬مما‭ ‬توقف‭ ‬طيران‭ ‬الجيش‭ ‬من‭ ‬إيصال‭ ‬التعزيزات‭.‬

مر‭ ‬أسبوعين‭ ‬على‭ ‬توقف‭ ‬قدوم‭ ‬المروحيات‭ ‬من‭ ‬بغداد،‭ ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬تبعث‭ ‬الأرتياح‭ ‬في‭ ‬نفوسنا،‭ ‬وبدأنا‭ ‬نشعر‭ ‬بالإختناق‭ ‬بسبب‭ ‬شحة‭ ‬الأرزاق‭ ‬والعتاد‭ ‬ومواد‭ ‬الطبابة‭ ‬وأرتفاع‭ ‬أصوات‭ ‬انين‭ ‬الجرحى‭. ‬في‭ ‬فجر‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‭ ‬المشؤوم‭ ‬بدأت‭ ‬مكبرات‭ ‬الصوت‭ ‬من‭ ‬مساجد‭ ‬بيجي‭ ‬القريبة‭ ‬من‭ ‬المصفاة‭ ‬تبث‭ ‬رسائل‭ ‬التهديد‭ ‬والوعيد‭ ‬لكسر‭ ‬ارادتنا‭:‬

“أيها‭ ‬الصفويون،‭ ‬اقتربت‭ ‬نهايتكم‭ ‬ولايوجد‭ ‬من‭ ‬ينقذكم‭. ‬من‭ ‬الذي‭ ‬سيجلب‭ ‬لكم‭ ‬الماء‭ ‬والطعام،‭ ‬ستنفد‭ ‬ذخيرتكم‭ ‬قريبا‭ ‬ونذبحكم‭ ‬ذبح‭ ‬النعاج‭ ‬ونصور‭ ‬جثثكم‭ ‬وننشرها‭ ‬على‭ ‬النت،‭ ‬لايوجد‭ ‬امامكم‭ ‬غير‭ ‬تسليم‭ ‬أنفسكم‭ ‬لمجاهدي‭ ‬الدولة‭ ‬الأسلامية‭ ‬قبل‭ ‬فوات‭ ‬الأوان‭.‬”

تعودنا‭ ‬على‭ ‬بذاءة‭ ‬خطابهم،‭ ‬وتحطم‭ ‬المروحيات‭ ‬والحرب‭ ‬النفسية‭ ‬المعادية‭ ‬لم‭ ‬يفقدنا‭ ‬الأمل‭ ‬في‭ ‬القتال‭ ‬ولم‭ ‬يضعف‭ ‬اصرارنا‭ ‬على‭ ‬الصمود‭.‬

لصغر‭ ‬عدد‭ ‬القوة‭ ‬وكبر‭ ‬قاطع‭ ‬المسؤولية‭ ‬كان‭ ‬الجميع‭ ‬يتناوب‭ ‬على‭ ‬الحراسة‭ ‬حتى‭ ‬قائد‭ ‬القوة‭ ‬يأخذ‭ ‬دوره‭ ‬في‭ ‬المناوبة‭ ‬في‭ ‬احد‭ ‬الأبراج‭. ‬في‭ ‬البداية‭ ‬كنت‭ ‬انا‭ ‬معاون‭ ‬آمر‭ ‬قوة‭ ‬مكافحة‭ ‬الإرهاب‭ ‬في‭ ‬المصفاة‭ ‬وكان‭ ‬آمر‭ ‬القوة‭ ‬العميد‭ ‬علي‭ ‬القريشي،‭ ‬وقد‭ ‬أصبحت‭ ‬انا‭ ‬آمر‭ ‬القوة‭ ‬بعد‭ ‬إصابة‭ ‬العميد‭ ‬علي‭ ‬وأخلاءه‭ ‬من‭ ‬أرض‭ ‬المعركة‭ ‬قبل‭ ‬توقف‭ ‬المروحيات‭. ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬لدينا‭ ‬مستشفى‭ ‬ميداني،‭ ‬كنا‭ ‬نعالج‭ ‬الجرحى‭ ‬بالضمادات‭ ‬البسيطة‭ ‬الموجودة‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬مقاتل‭ ‬كأسعافات‭ ‬أولية،‭ ‬وحين‭ ‬يرى‭ ‬المقاتل‭ ‬نفسه‭ ‬قادرا‭ ‬على‭ ‬حمل‭ ‬السلاح‭ ‬تجده‭ ‬يترك‭ ‬نقطة‭ ‬جمع‭ ‬الجرحى‭ ‬ويتوجه‭ ‬الى‭ ‬نقاط‭ ‬المناوبة،‭ ‬او‭ ‬في‭ ‬اوج‭ ‬المعركة‭ ‬يقاتل‭ ‬بالضماد‭ ‬الميداني‭. ‬لأنه‭ ‬يعرف‭ ‬بأن‭ ‬ليس‭ ‬لدينا‭ ‬بديل‭ ‬عنه،‭ ‬وكان‭ ‬الجنود‭ ‬الجرحى‭ ‬يذهبون‭ ‬طوعا‭ ‬للقتال‭ ‬برغم‭ ‬أوامر‭ ‬ضباطهم‭ ‬لهم‭ ‬بالراحة‭. ‬أما‭ ‬الحالات‭ ‬المستعصية‭ ‬فنرسلها‭ ‬مع‭ ‬طيران‭ ‬الجيش،‭ ‬أذا‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬طائرة‭ ‬قادمة‭ ‬وفي‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬يتعذر‭ ‬علينا‭ ‬انقاذ‭ ‬الإصابات‭ ‬الخطيرة‭ ‬بسب‭ ‬سوء‭ ‬الأنواء‭ ‬الجوية‭ ‬التي‭ ‬تحد‭ ‬من‭ ‬حركة‭ ‬المروحيات‭ ‬من‭ ‬طراز‭ ‬أم‭ ‬
آي‭ ‬17‭.‬

نفذت‭ ‬كل‭ ‬المحاولات‭ ‬من‭ ‬فك‭ ‬الحصار‭ ‬عنا‭ ‬من‭ ‬قواتنا‭ ‬المسلحة،‭ ‬وبدأنا‭ ‬نشعر‭ ‬بأننا‭ ‬نقترب‭ ‬من‭ ‬نهايتنا‭ ‬بسبب‭ ‬نفاد‭ ‬الذخيرة‭ ‬والماء،‭ ‬وبعد‭ ‬نفاد‭ ‬كل‭ ‬الحلول‭ ‬لإيصال‭ ‬الأمدادات‭ ‬لنا،‭ ‬استعانت‭ ‬القيادة‭ ‬بشركائنا‭ ‬بقوات‭ ‬التحالف‭ ‬لإيصال‭ ‬العتاد‭ ‬والأرزاق‭ ‬بإستخدام‭ ‬مظلات‭ ‬خاصة‭ ‬كبيرة‭ ‬الحجم‭ ‬تلقيها‭ ‬طائرات‭ ‬سي‭ ‬130‭ ‬من‭ ‬ارتفاعات‭ ‬عالية‭. ‬فشكرا‭ ‬لأصدقائنا‭ ‬في‭ ‬قوات‭ ‬التحالف‭ ‬على‭ ‬ادامة‭ ‬المعركة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الدعم‭ ‬اللوجستي‭ ‬الذي‭ ‬كنا‭ ‬بأمس‭ ‬الحاجة‭ ‬له‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬فرحتنا‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الإنجاز‭ ‬الكبير‭. ‬فقوات‭ ‬التحالف‭ ‬تملك‭ ‬التقنيات‭ ‬الحديثة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬وقد‭ ‬بدأوا‭ ‬بتجهيز‭ ‬القوة‭ ‬الجوية‭ ‬العراقية‭ ‬بالمظلات‭ ‬لإلقاء‭ ‬الإمدادات‭ ‬العسكرية‭ ‬لنا‭ ‬والمواد‭ ‬الطبية‭.‬

مرت‭ ‬علينا‭ ‬أيام‭ ‬صعبة‭ ‬وحرجة،‭ ‬خاصة‭ ‬حين‭ ‬تنقطع‭ ‬كل‭ ‬وسائل‭ ‬الإتصال‭ ‬وتنقطع‭ ‬الإمدادات‭ ‬العسكرية‭ ‬والتي‭ ‬لها‭ ‬تأثير‭ ‬سلبي‭ ‬على‭ ‬معنويات‭ ‬الجنود‭. ‬أضافة‭ ‬الى‭ ‬الحرب‭ ‬النفسية‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يمارسها‭ ‬الدواعش‭ ‬كل‭ ‬يوم‭. ‬عند‭ ‬الغروب،‭ ‬تبدأ‭ ‬أصوات‭ ‬النشاز‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬احباط‭ ‬المعنويات‭ ‬وكسر‭ ‬الإرادة،‭ ‬مرة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مآذن‭ ‬المساجد‭ ‬وأحيانا‭ ‬كثيرة‭ ‬من‭ ‬الساتر‭ ‬الترابي‭ ‬الذي‭ ‬يفصل‭ ‬بيننا‭:‬

صورة من القمر الصناعي لبيجي في حزيران 2014 يرى فيها الحريق الذي اضرمته داعش باحد خزانات النفط أثناء المعارك.

“لقد‭ ‬اقترب‭ ‬يوم‭ ‬النحر‭ ‬أيها‭ ‬الصفويون،‭ ‬سيكون‭ ‬يومكم‭ ‬كيوم‭ ‬سبايكر‭. ‬لامفر‭ ‬من‭ ‬الموت‭. ‬اعطيناكم‭ ‬الخيار‭ ‬بتسليم‭ ‬أنفسكم،‭ ‬لكنكم‭ ‬قررتم‭ ‬ان‭ ‬تموتوا‭ ‬أذلاء‭ ‬تحت‭ ‬سكاكين‭ ‬رجال‭ ‬الدولة‭ ‬الأسلامية‭!‬”

اننا‭ ‬نتذكر‭ ‬جريمة‭ ‬سباكير‭ ‬وكيف‭ ‬غدر‭ ‬داعش‭ ‬بالجنود‭ ‬العزل،‭ ‬كان‭ ‬صمودنا‭ ‬هو‭ ‬بمثابة‭ ‬تأكيد‭ ‬لأمهات‭ ‬وأطفال‭ ‬شهداء‭ ‬سبايكر‭ ‬بأن‭ ‬دماء‭ ‬ابنائهم‭ ‬لن‭ ‬تذهب‭ ‬سدى،‭ ‬ورسالة‭ ‬امل‭ ‬للأيزيديات‭ ‬والمسيحيات‭ ‬اللواتي‭ ‬أختطفهن‭ ‬الإرهابيون،‭ ‬لأن‭ ‬انتصارنا‭ ‬هو‭ ‬امل‭ ‬الخلاص‭ ‬لهن‭ ‬ولكل‭ ‬العراقيين‭ ‬الذين‭ ‬وقعوا‭ ‬تحت‭ ‬وطأة‭ ‬داعش‭. ‬جرائم‭ ‬داعش‭ ‬كانت‭ ‬تزيدنا‭ ‬أصرارا‭ ‬على‭ ‬القتال‭ ‬وعدم‭ ‬تسليم‭ ‬المصفاة‭ ‬للقتلة‭ ‬مهما‭ ‬كلف‭ ‬الأمر‭. ‬

في‭ ‬بعض‭ ‬الليالي،‭ ‬كنا‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬مجزرة‭ ‬سبايكر‭ ‬والتي‭ ‬تعتبر‭ ‬جريمة‭ ‬بحق‭ ‬الأنسانية‭. ‬نحن‭ ‬عشنا‭ ‬مجزرة‭ ‬سبايكر‭ ‬بتفاصيلها،‭ ‬لقربها‭ ‬من‭ ‬المصفاة‭ ‬حيث‭ ‬تبعد‭ ‬حوالي‭ ‬‮٣٥‬‭ ‬كيلومترا‭ ‬منا،‭ ‬وأغلب‭ ‬الجنود‭ ‬في‭ ‬المصفاة‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬أخ‭ ‬او‭ ‬أبن‭ ‬عم‭ ‬او‭ ‬صديق‭ ‬بين‭ ‬شهداء‭ ‬سبايكر‭. ‬فكنا‭ ‬نتذكرهم‭ ‬ونستحضر‭ ‬ذكريات‭ ‬جمعتنا‭ ‬معهم‭. ‬بعد‭ ‬سيطرة‭ ‬داعش‭ ‬على‭ ‬محافظة‭ ‬صلاح‭ ‬الدين،‭ ‬كان‭ ‬الجنود‭ ‬في‭ ‬معسكر‭ ‬سبايكر‭ ‬محاصرين‭ ‬وقد‭ ‬نفدت‭ ‬ذخيرتهم،‭ ‬وتمكن‭ ‬داعش‭ ‬من‭ ‬اقتحام‭ ‬المعسكر‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬امام‭ ‬الجنود‭ ‬سوى‭ ‬تسليم‭ ‬انفسهم‭. ‬قام‭ ‬داعش‭ ‬بجريمة‭ ‬يندى‭ ‬لها‭ ‬جبين‭ ‬الأنسانية،‭ ‬لأن‭ ‬الجنود‭ ‬كانوا‭ ‬عزّل‭ ‬ولايوجد‭ ‬في‭ ‬القوانين‭ ‬الدولية‭ ‬ولا‭ ‬في‭ ‬الديانات‭ ‬السماوية‭ ‬ما‭ ‬يبيح‭ ‬دم‭ ‬الأسرى‭. ‬جمع‭ ‬داعش‭ ‬هؤلاء‭ ‬العزّل‭ ‬وأطلق‭ ‬عليهم‭ ‬النار‭ ‬امام‭ ‬الكاميرات‭. ‬قسما‭ ‬القي‭ ‬في‭ ‬نهر‭ ‬دجلة‭ ‬وقسم‭ ‬دفن‭ ‬بقبر‭ ‬جماعي‭. ‬وصل‭ ‬عدد‭ ‬القتلى‭ ‬الى‭ ‬1700‭ ‬جندي‭. ‬داعش‭ ‬لم‭ ‬يكتف‭ ‬بالقتل‭ ‬بل‭ ‬مثّل‭ ‬بجثث‭ ‬الشهداء‭ ‬بطرق‭ ‬بشعة‭. ‬بجانب‭ ‬اشباع‭ ‬رغباتهم‭ ‬السادية‭ ‬بالتلذذ‭ ‬بالقتل‭ ‬والوحشية،‭ ‬أرادوا‭ ‬ان‭ ‬يزرعوا‭ ‬الرعب‭ ‬في‭ ‬قلوب‭ ‬الجنود‭ ‬الآخرين،‭ ‬لكن‭ ‬ذلك‭ ‬زاد‭ ‬أصرارنا‭ ‬على‭ ‬القتال‭ ‬حتى‭ ‬النهاية‭. ‬لذلك‭ ‬كنا‭ ‬نقاتل‭ ‬حتى‭ ‬الموت‭ ‬لهزيمة‭ ‬هذا‭ ‬العدو‭ ‬الأرهابي‭ ‬وجلب‭ ‬من‭ ‬قام‭ ‬بجريمة‭ ‬سبايكر‭ ‬للقصاص‭.‬

معنويات‭ ‬المقاتلين‭ ‬داخل‭ ‬المصفى‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬دور‭ ‬كبير‭ ‬بأعادة‭ ‬الثقة‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬معنويات‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬العراقية‭. ‬لأننا‭ ‬كنا‭ ‬قوة‭ ‬محاصرة‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الجهات‭ ‬وعددنا‭ ‬قليل‭ ‬جدا‭ ‬مقارنة‭ ‬بعدد‭ ‬الأرهابيين‭ ‬الذين‭ ‬يطوقون‭ ‬المنطقة،‭ ‬أضافة‭ ‬الى‭ ‬ان‭ ‬مساحة‭ ‬المصفاة‭ ‬هي‭ ‬24‭ ‬كيلو‭ ‬متر‭ ‬مربع‭ ‬أي‭ ‬لايمكن‭ ‬لـ‭ ‬325‭ ‬مقاتل‭ ‬من‭ ‬مسك‭ ‬هذه‭ ‬المساحة‭ ‬الكبيرة‭. ‬فبرغم‭ ‬هجمات‭ ‬داعش‭ ‬المتكررة‭ ‬والمستميتة‭ ‬وبرغم‭ ‬قلة‭ ‬الماء‭ ‬والطعام‭ ‬والعتاد‭ ‬كانت‭ ‬القوة‭ ‬متماسكة‭. ‬كان‭ ‬القادة‭ ‬والآمرين‭ ‬الموجودين‭ ‬في‭ ‬قواطع‭ ‬العمليات‭ ‬الأخرى‭ ‬مثل‭ ‬كركوك‭ ‬وديالى‭ ‬وسامراء‭ ‬والأنبار‭ ‬يشيدون‭ ‬ببطولات‭ ‬وتضحيات‭ ‬المقاتلين‭ ‬داخل‭ ‬مصفاة‭ ‬بيجي‭ ‬وبدأوا‭ ‬يحفزون‭ ‬جنودهم‭ ‬على‭ ‬ذلك‭.‬

في‭ ‬بداية‭ ‬المعركة،‭ ‬كانت‭ ‬معنويات‭ ‬داعش‭ ‬عالية‭ ‬ويملكون‭ ‬قدرات‭ ‬عسكرية‭ ‬كبيرة‭ ‬تفوق‭ ‬عدد‭ ‬قواتنا‭ ‬في‭ ‬قواطع‭ ‬العمليات،‭ ‬لكن‭ ‬معركة‭ ‬بيجي‭ ‬قلبت‭ ‬تلك‭ ‬الموازين‭ ‬لصالح‭ ‬قواتنا‭ ‬وأصبحت‭ ‬رمزا‭ ‬لقواتنا‭ ‬المسلحة‭ ‬في‭ ‬سوح‭ ‬القتال‭. ‬

المسافة‭ ‬الفاصلة‭ ‬بيننا‭ ‬وبين‭ ‬إرهابيي‭ ‬داعش‭ ‬تتراوح‭ ‬بين‭ ‬5‭ ‬امتار‭ ‬الى‭ ‬500‭ ‬مترا‭. ‬كنا‭ ‬نسمع‭ ‬احاديثهم‭ ‬عند‭ ‬سكون‭ ‬الليل‭. ‬لقد‭ ‬قام‭ ‬داعش‭ ‬بهجمات‭ ‬كثيرة‭ ‬خلال‭ ‬عشرة‭ ‬أشهر‭ ‬ودارت‭ ‬معارك‭ ‬ضارية‭ ‬وأستشهد‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الضباط‭ ‬والجنود‭. ‬لقد‭ ‬اعطينا‭ ‬خيرة‭ ‬رجالنا‭ ‬في‭ ‬معارك‭ ‬المصفاة‭ ‬لكننا‭ ‬كنا‭ ‬مصممين‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬تسليم‭ ‬الموقع‭ ‬لعصابات‭ ‬الإرهاب‭. ‬وبرغم‭ ‬شراسة‭ ‬القتال‭ ‬والخسائر،‭ ‬كانت‭ ‬معنوياتنا‭ ‬في‭ ‬تصاعد‭.‬

لقد‭ ‬استخدم‭ ‬داعش‭ ‬أسلوب‭ ‬نشر‭ ‬الإشاعات‭ ‬على‭ ‬صفحات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وفبركة‭ ‬بعض‭ ‬الفيديوهات‭ ‬وبدعم‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬القنوات‭ ‬المغرضة‭ ‬لنقل‭ ‬أخبار‭ ‬كاذبة‭ ‬عن‭ ‬سقوط‭ ‬المصفاة‭. ‬كانوا‭ ‬يهدفون‭ ‬لنشر‭ ‬الفوضى‭ ‬والرعب‭ ‬في‭ ‬قلوب‭ ‬عوائل‭ ‬المقاتلين‭ ‬حتى‭ ‬يطلبون‭ ‬من‭ ‬أبنائهم‭ ‬ترك‭ ‬المصفى‭. ‬

في‭ ‬أحدى‭ ‬الليالي‭ ‬نادى‭ ‬احد‭ ‬الدواعش‭ ‬على‭ ‬الملازم‭ ‬وسام‭ ‬محمد‭ ‬خالد‭ ‬التكريتي‭ ‬قائلاً‭:‬

“وسام‭ ‬انت‭ ‬ابن‭ ‬تكريت‭ ‬ونعرف‭ ‬اهلك‭ ‬جيدا،‭ ‬لماذا‭ ‬تقاتل‭ ‬اخوانك‭ ‬أهل‭ ‬السنة‭ ‬وتناصر‭ ‬الروافض‭. ‬الدولة‭ ‬الأسلامية‭ ‬جاءت‭ ‬لتنقذ‭ ‬السنة‭ ‬من‭ ‬ظلم‭ ‬الحكومة‭ ‬الرافضية،‭ ‬عليك‭ ‬ان‭ ‬تعلن‭ ‬التوبة‭ ‬ولك‭ ‬الأمان‭. ‬هؤلاء‭ ‬لايثقون‭ ‬بك‭ ‬وسيقتلونك‭ ‬فاقتل‭ ‬ما‭ ‬تستطيع‭ ‬منهم‭ ‬والتحق‭ ‬باخوانك‭ ‬المجاهدين‭.‬”

مرت‭ ‬لحظات‭ ‬صمت‭ ‬شقها‭ ‬صوت‭ ‬الملازم‭ ‬وسام‭ ‬من‭ ‬خلف‭ ‬الساتر‭ ‬الترابي‭ ‬مجيباً‭ ‬بأنه‭ ‬يفتخر‭ ‬بعراقيته‭ ‬وسيقاتل‭ ‬حتى‭ ‬الموت‭ ‬مع‭ ‬رفاقه‭ ‬في‭ ‬السلاح‭. ‬وأن‭ ‬داعش‭ ‬قتلت‭ ‬العراقيين‭ ‬السنة‭ ‬والشيعة‭ ‬والكرد‭ ‬بدون‭ ‬تمييز‭ ‬وأنهم‭ ‬عصابة‭ ‬أرهابية‭ ‬ستهزم‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬العراقيين‭.‬

استشهد‭ ‬الملازم‭ ‬وسام‭ ‬محمد‭ ‬خالد‭ ‬التكريتي‭ ‬في‭ ‬معركة‭ ‬ليلة‭ ‬الرابع‭ ‬والعشرون‭ ‬من‭ ‬أوغسطس‭/‬آب‭ ‬عام‭ ‬2014،‭ ‬كان‭ ‬شابا‭ ‬وسيما‭ ‬وضابطا‭ ‬شجاعا‭ ‬جداً‭. ‬احبه‭ ‬الجنود‭ ‬كثيرا‭ ‬وأحرز‭ ‬ثقة‭ ‬القيادة‭ ‬بكفاءته‭ ‬العالية‭. ‬لقد‭ ‬شهد‭ ‬الجنود‭ ‬على‭ ‬موقفه‭ ‬البطولي‭ ‬تلك‭ ‬الليلة،‭ ‬حيث‭ ‬ضحى‭ ‬بنفسه‭ ‬ولم‭ ‬يسمح‭ ‬لداعش‭ ‬من‭ ‬احداث‭ ‬ثغرة‭ ‬قرب‭ ‬موضعه‭ ‬الدفاعي‭. ‬صلينا‭ ‬على‭ ‬جثمانه‭ ‬الطاهر‭ ‬عند‭ ‬الفجر‭ ‬وودعناه‭ ‬لمثواه‭ ‬الأخير‭. ‬احتفظت‭ ‬بصورة‭ ‬والده‭ ‬وساعة‭ ‬يده‭ ‬لكي‭ ‬اسلمها‭ ‬لعائلته‭ ‬حين‭ ‬تنتهي‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬وأخبرهم‭ ‬عن‭ ‬بطولات‭ ‬وسام‭ ‬وعن‭ ‬حبه‭ ‬لعائلته‭ ‬ولمدينته‭ ‬تكريت‭. ‬

كانت‭ ‬معنويات‭ ‬الجنود‭ ‬تشد‭ ‬من‭ ‬عزيمتي‭ ‬لمواصلة‭ ‬المعركة‭. ‬كان‭ ‬لدي‭ ‬بدالة‭ ‬سلكية‭ ‬يتصل‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬الجنود‭ ‬بعوائلهم‭. ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬أكون‭ ‬هناك‭ ‬بأنتظار‭ ‬اتصال‭ ‬من‭ ‬المقرات‭ ‬العليا‭ ‬فكنت‭ ‬اسمع‭ ‬الجندي‭ ‬يخبر‭ ‬عائلته‭ ‬بأستقرار‭ ‬الموقف‭ ‬وعدم‭ ‬وجود‭ ‬أي‭ ‬هجوم‭ ‬او‭ ‬خسائر،‭ ‬برغم‭ ‬ان‭ ‬الليلة‭ ‬الماضية‭ ‬كنا‭ ‬نصد‭ ‬الهجوم‭. ‬كنا‭ ‬نعاني‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬شحة‭ ‬الأرزاق،‭ ‬لأننا‭ ‬كنا‭ ‬نعطي‭ ‬الأولوية‭ ‬لوصول‭ ‬العتاد‭ ‬على‭ ‬الأرزاق،‭ ‬لكننا‭ ‬نخبر‭ ‬الأهل‭ ‬بأن‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬متوفر‭.‬

خلال‭ ‬فترة‭ ‬العشرة‭ ‬اشهر،‭ ‬كنا‭ ‬نستخدم‭ ‬فقط‭ ‬العتاد‭ ‬الخاص‭ ‬بنا‭ ‬ولايوجد‭ ‬لدينا‭ ‬مستودعات‭ ‬ضخمة‭ ‬لإدامة‭ ‬زخم‭ ‬المعركة‭. ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬عندما‭ ‬نصد‭ ‬الهجومات‭ ‬نستفيد‭ ‬من‭ ‬العتاد‭ ‬والسلاح‭ ‬الذي‭ ‬نستحوذ‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬قتلى‭ ‬داعش‭ ‬ونجمعه‭ ‬ونوزعه‭ ‬على‭ ‬الجنود‭. ‬كانت‭ ‬الرصاصة‭ ‬تمثل‭ ‬البقاء،‭ ‬وكنا‭ ‬لا‭ ‬نطلقها‭ ‬عشوائيا‭. ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬نضطر‭ ‬لعدم‭ ‬الرد‭ ‬على‭ ‬مصادر‭ ‬النيران‭. ‬في‭ ‬أحدى‭ ‬المعارك‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬قطع‭ ‬العدو‭ ‬الطرق‭ ‬وبدأ‭ ‬بالضغط‭ ‬على‭ ‬القوة‭ ‬الموجودة‭ ‬بمنطقة‭ ‬المزرعة‭ ‬ومنطقة‭ ‬المالحة‭ ‬لوقف‭ ‬تقدم‭ ‬القطعات‭ ‬وإدامة‭ ‬التماس‭ ‬بين‭ ‬سبايكر‭ ‬وبيجي‭. ‬كنا‭ ‬على‭ ‬وشك‭ ‬نفاد‭ ‬العتاد‭ ‬كليا،‭ ‬فطلبت‭ ‬من‭ ‬اللواء‭ ‬ركن‭ ‬ضيف‭ ‬بأعداد‭ ‬خطة‭ ‬جديدة‭ ‬للتقليل‭ ‬من‭ ‬ضغط‭ ‬العدو‭ ‬على‭ ‬المناطق‭ ‬الأخرى،‭ ‬بدأنا‭ ‬نحن‭ ‬بقطع‭ ‬النار‭. ‬كانت‭ ‬خطتنا‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬الأعتدة‭ ‬القليلة‭ ‬الموجودة‭ ‬بحوزتنا‭ ‬وإعطاء‭ ‬المقاتلين‭ ‬قسطا‭ ‬من‭ ‬الراحة‭ ‬وأستدراج‭ ‬العدو‭ ‬لمنطقة‭ ‬التحشد‭. ‬وبالفعل‭ ‬بدأ‭ ‬داعش‭ ‬بتحشيد‭ ‬قواته‭ ‬في‭ ‬محيط‭ ‬المصفى‭. ‬كنا‭ ‬نرصد‭ ‬تحركاتهم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الكاميرات‭ ‬الحرارية‭ ‬والنواظير‭ ‬الليلية‭ ‬وأجهزة‭ ‬التنصت‭ ‬وطائرات‭ ‬الأستطلاع‭ ‬التابعة‭ ‬لقوات‭ ‬التحالف‭ ‬الدولي‭. ‬وبعد‭ ‬ان‭ ‬حددنا‭ ‬موقع‭ ‬التحشد‭ ‬في‭ ‬قاعدة‭ ‬الصينية‭ ‬و‭ ‬الهجوم‭ ‬الوشيك،‭ ‬طلبنا‭ ‬من‭ ‬القيادة‭ ‬قصف‭ ‬موقع‭ ‬التحشد،‭ ‬وقد‭ ‬تمكنا‭ ‬من‭ ‬تدمير‭ ‬الحشود‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬القصف‭ ‬الجوي‭ ‬الذي‭ ‬قامت‭ ‬به‭ ‬القوة‭ ‬الجوية‭ ‬العراقية‭ ‬وقوات‭ ‬التحالف،‭ ‬وقد‭ ‬كبدناهم‭ ‬خسائر‭ ‬كبيرة‭ ‬بالأرواح‭ ‬والمعدات‭ ‬وحافظنا‭ ‬على‭ ‬كمية‭ ‬العتاد‭. ‬لقد‭ ‬تم‭ ‬قتل‭ ‬اكثر‭ ‬من‭ ‬150‭ ‬إرهابي‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬التجمع‭.‬

كنا‭ ‬نتابع‭ ‬مجريات‭ ‬المعارك‭ ‬في‭ ‬تكريت‭ ‬وسيطرة‭ ‬قواتنا‭ ‬المسلحة‭ ‬على‭ ‬ناحية‭ ‬العلم‭ ‬شمال‭ ‬تكريت،‭ ‬كانت‭ ‬قلوبنا‭ ‬ترقص‭ ‬فرحا‭ ‬لهذا‭ ‬التقدم‭ ‬وكنا‭ ‬على‭ ‬يقين‭ ‬بأن‭ ‬تحرير‭ ‬مدينة‭ ‬تكريت‭ ‬وصمودنا‭ ‬في‭ ‬المصفاة‭ ‬هو‭ ‬حجر‭ ‬الأساس‭ ‬لهزيمة‭ ‬داعش‭.‬

شن‭ ‬داعش‭ ‬هجوما‭ ‬عنيفا‭ ‬على‭ ‬المصفاة‭ ‬في‭ ‬10‭ ‬نيسان،‭ ‬2015‭ ‬بحوالي‭ ‬1400‭ ‬مقاتل‭ ‬أي‭ ‬ثلاث‭ ‬اضعاف‭ ‬عددنا‭ ‬ولمدة‭ ‬11‭ ‬يوما‭. ‬كانت‭ ‬معركة‭ ‬شرسة‭ ‬جدا‭ ‬ومستمرة‭ ‬ليلا‭ ‬نهاراً‭. ‬أستشهد‭ ‬العقيد‭ ‬خالد‭ ‬الجنابي‭ ‬يوم‭ ‬12‭ ‬نيسان‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬يقاتل‭ ‬ببسالة‭ ‬مع‭ ‬الجنود،‭ ‬وفي‭ ‬يوم‭ ‬14‭ ‬نيسان‭ ‬سقط‭ ‬معاون‭ ‬قائد‭ ‬القوة‭ ‬العميد‭ ‬عبد‭ ‬الكريم‭ ‬شبر‭ ‬شهيدا‭. ‬ولم‭ ‬يتوقف‭ ‬القتال‭ ‬بل‭ ‬زاد‭ ‬ضراوة‭. ‬وبعده‭ ‬بيوم‭ ‬أستشهد‭ ‬قائد‭ ‬القوة‭ ‬اللواء‭ ‬الركن‭ ‬ضيف‭ ‬الطائي‭. ‬عند‭ ‬توقف‭ ‬القتال‭ ‬للحظات،‭ ‬كان‭ ‬داعش‭ ‬يستخدم‭ ‬مكبرات‭ ‬الصوت‭ ‬وينادي‭ ‬الجنود‭ ‬بتسليم‭ ‬انفسهم‭.‬

“لقد‭ ‬قتل‭ ‬معظم‭ ‬قادتكم،‭ ‬وستقتلون‭ ‬جميعكم،‭ ‬جلبنا‭ ‬خيرة‭ ‬مقاتلي‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية،‭ ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬فرصتكم‭ ‬الأخيرة‭ ‬بإعلان‭ ‬التوبة‭ ‬وإلقاء‭ ‬السلاح‭. ‬أرأيتم‭ ‬جثة‭ ‬اللواء‭ ‬ضيف‭ ‬والعميد‭ ‬كريم؟‭ ‬كيف‭ ‬ستقاتلون‭ ‬بدون‭ ‬قائد‭. ‬لقد‭ ‬تركتكم‭ ‬حكومة‭ ‬بغداد‭ ‬للموت‭ ‬هنا‭.‬”‭ ‬

لكننا‭ ‬كنا‭ ‬نزداد‭ ‬عزما‭ ‬على‭ ‬مواصلة‭ ‬القتال‭ ‬لأننا‭ ‬عاهدنا‭ ‬بعضنا‭ ‬بأن‭ ‬لاننهزم‭ ‬وأن‭ ‬امل‭ ‬العراق‭ ‬بنا‭. ‬وبعد‭ ‬ان‭ ‬يأس‭ ‬داعش‭ ‬من‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬المصفاة،‭ ‬ركز‭ ‬على‭ ‬احداث‭ ‬خرق‭ ‬في‭ ‬الدفاعات‭ ‬ومحاولة‭ ‬اخذ‭ ‬جثث‭ ‬القادة‭ ‬الشهداء‭. ‬كانت‭ ‬جثة‭ ‬اللواء‭ ‬ركن‭ ‬ضيف‭ ‬وجثة‭ ‬العميد‭ ‬كريم‭ ‬والعقيد‭ ‬خالد‭ ‬الذين‭ ‬استشهدوا‭ ‬اثناء‭ ‬المعارك‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الأبراج‭ ‬الأمامية‭ ‬التي‭ ‬انسحبنا‭ ‬منها‭ ‬لأمتصاص‭ ‬الهجوم‭ ‬الأول‭ ‬وهي‭ ‬الآن‭ ‬بيننا‭ ‬وبينهم‭.‬

أثناء‭ ‬المعركة‭ ‬وبعد‭ ‬أستشهاد‭ ‬اللواء‭ ‬الركن‭ ‬ضيف‭ ‬وتكليفي‭ ‬بقيادة‭ ‬القوة‭ ‬لأني‭ ‬الرتبة‭ ‬الأقدم‭. ‬كنت‭ ‬جالسا‭ ‬عند‭ ‬منتصف‭ ‬الليل‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬الجنود‭ ‬في‭ ‬مقر‭ ‬القيادة‭ ‬لوضع‭ ‬خطة‭ ‬لسد‭ ‬الثغرة‭ ‬التي‭ ‬أحدثها‭ ‬داعش‭ ‬في‭ ‬احدى‭ ‬نقاطنا،‭ ‬جائني‭ ‬اتصال‭ ‬على‭ ‬الراديو‭ ‬العسكري‭ ‬وعرف‭ ‬عن‭ ‬نفسه‭ ‬بأنه‭ ‬قائد‭ ‬قوة‭ ‬الإقتحام‭ ‬التي‭ ‬ستهجم‭ ‬على‭ ‬المصفاة،‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬لكنته‭ ‬يبدو‭ ‬لي‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬المقاتلين‭ ‬العرب،‭ ‬قال‭ ‬لي‭ ‬بأن‭ ‬لا‭ ‬أمل‭ ‬لكم‭ ‬بالنجاة،‭ ‬وبدأ‭ ‬بالتهديد‭ ‬والوعيد‭ ‬وقال‭ ‬بأنه‭ ‬سيهجم‭ ‬بمئة‭ ‬شاحنة‭ ‬مفخخة‭ ‬وسيدمر‭ ‬المصفاة‭ ‬ومن‭ ‬بها،‭ ‬كنا‭ ‬نستمع‭ ‬بهدوء،‭ ‬وبعد‭ ‬ان‭ ‬انتهى‭ ‬من‭ ‬التهديد‭ ‬قال‭ ‬بأنه‭ ‬يعدني‭ ‬وعد‭ ‬شرف‭ ‬أن‭ ‬يتركني‭ ‬اخرج‭ ‬بسلام‭ ‬أذا‭ ‬سلمته‭ ‬المصفاة‭ ‬والجنود‭. ‬فأجبته‭ ‬بأن‭ ‬هيهات‭ ‬اخون‭ ‬وطني‭ ‬وجنودي‭ ‬وان‭ ‬المصفاة‭ ‬عصية‭ ‬عليكم‭ ‬وستكون‭ ‬مقبرة‭ ‬لك‭ ‬ولمن‭ ‬يقترب‭ ‬منها،‭ ‬وسوف‭ ‬نثأر‭ ‬لشهداء‭ ‬سبايكر‭ ‬وشرف‭ ‬العراقيات‭ ‬اللواتي‭ ‬سبتهن‭ ‬عصاباتكم،‭ ‬وانهيت‭ ‬الإتصال‭.‬

حاول‭ ‬داعش‭ ‬الوصول‭ ‬لجثة‭ ‬لواء‭ ‬ركن‭ ‬ضيف‭ ‬اكثر‭ ‬من‭ ‬مرة‭ ‬لكن‭ ‬كنا‭ ‬يقظين‭ ‬وأفشلنا‭ ‬محاولاتهم‭. ‬كان‭ ‬هدفهم‭ ‬التمثيل‭ ‬بجثامين‭ ‬الشهداء‭ ‬وعرضها‭ ‬في‭ ‬اصداراتهم‭ ‬على‭ ‬النت‭ ‬كدليل‭ ‬لسيطرتهم‭ ‬على‭ ‬المصفاة،‭ ‬وبالتأكيد‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬سيرفع‭ ‬من‭ ‬معنويات‭ ‬داعش‭ ‬بعد‭ ‬نكسة‭ ‬تكريت‭. ‬لكن‭ ‬بحمد‭ ‬الله،‭ ‬وبرغم‭ ‬عنف‭ ‬الهجوم‭ ‬وأستماتة‭ ‬الدواعش،‭ ‬فشلوا‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬اهدافهم‭. ‬اعددت‭ ‬خطة‭ ‬لدفع‭ ‬داعش‭ ‬خلف‭ ‬خط‭ ‬الصد،‭ ‬الذي‭ ‬اصبح‭ ‬ارض‭ ‬حرام،‭ ‬وتأمين‭ ‬جثث‭ ‬الشهداء،‭ ‬كنت‭ ‬متيقنا‭ ‬بأن‭ ‬هذه‭ ‬العملية‭ ‬ستكسر‭ ‬معنوياتهم‭ ‬وتحقق‭ ‬لنا‭ ‬النصر‭. ‬

فجر‭ ‬يوم‭ ‬22‭ ‬نيسان‭ ‬كان‭ ‬حزينا‭ ‬علينا،‭ ‬حيث‭ ‬أدينا‭ ‬مراسيم‭ ‬دفن‭ ‬اللواء‭ ‬الركن‭ ‬ضيف‭ ‬والعميد‭ ‬كريم‭. ‬كانت‭ ‬احاديثهم‭ ‬والذكريات‭ ‬التي‭ ‬جمعتنا‭ ‬بهم‭ ‬شاخصة‭. ‬سكون‭ ‬قاتل‭ ‬يشوب‭ ‬المراسيم‭ ‬ودموع‭ ‬تنهمر‭ ‬بلا‭ ‬وعي،‭ ‬كان‭ ‬لفقدانهم‭ ‬أثر‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬نفوس‭ ‬الجنود‭. ‬

زج‭ ‬داعش‭ ‬في‭ ‬معارك‭ ‬المصفاة‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬لديه‭ ‬من‭ ‬أسلحة‭ ‬ومهارات،‭ ‬حتى‭ ‬الدبابات‭ ‬وناقلات‭ ‬الجنود‭ ‬المدرعة‭. ‬

واستخدم‭ ‬السيارات‭ ‬المفخخة‭ ‬بكثافة‭ ‬لتدمير‭ ‬دفاعاتنا‭ ‬والمداخل‭ ‬الرئيسية،‭ ‬ووظف‭ ‬الطائرات‭ ‬المسيرة‭ ‬لتحديد‭ ‬مواقعنا‭ ‬وأستخدم‭ ‬غاز‭ ‬الكلور‭ ‬والقصف‭ ‬الكثيف‭ ‬بالهاونات‭. ‬أستهدفوا‭ ‬خلال‭ ‬الهجوم‭ ‬قصف‭ ‬مكثف‭ ‬وضربوا‭ ‬خزانات‭ ‬وقود‭ ‬وأضرموا‭ ‬بها‭ ‬الحرائق‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬حجب‭ ‬الرؤية‭ ‬على‭ ‬الطيران‭ ‬وإرباك‭ ‬مقاتلينا،‭ ‬لقرب‭ ‬الخزانات‭ ‬علينا‭ ‬وعزل‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬المصفاة‭ ‬عن‭ ‬بقية‭ ‬القوة‭. ‬المصفاة‭ ‬تحتوي‭ ‬على‭ ‬مواد‭ ‬سريعة‭ ‬الأشتعال‭ ‬وغازات‭ ‬سامة‭ ‬ولاتصلح‭ ‬ان‭ ‬تكون‭ ‬موقع‭ ‬دفاعي‭ ‬او‭ ‬ارض‭ ‬معركة‭. ‬وبعض‭ ‬الأحيان‭ ‬تحرير‭ ‬المتر‭ ‬الواحد‭ ‬يحتاج‭ ‬لساعات‭ ‬من‭ ‬القتال‭ ‬الشرس‭ ‬بحكم‭ ‬طبيعة‭ ‬الأرض‭ ‬وتحصينات‭ ‬العدو‭ ‬أضافة‭ ‬الى‭ ‬قوة‭ ‬المفخخات‭. ‬قد‭ ‬تسبب‭ ‬رصاصة‭ ‬واحدة‭ ‬حريق‭ ‬لمساحة‭ ‬كيلو‭ ‬متر‭ ‬مربع‭. ‬أضافة‭ ‬الى‭ ‬استخدام‭ ‬كل‭ ‬الأساليب‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬المصفاة‭ ‬لكنهم‭ ‬فشلوا‭ ‬امام‭ ‬صمود‭ ‬المقاتلين‭ ‬الأبطال‭.‬

بدأت‭ ‬قواتنا‭ ‬المسلحة‭ ‬تضيق‭ ‬الخناق‭ ‬على‭ ‬داعش‭ ‬في‭ ‬المدن‭ ‬القريبة‭ ‬من‭ ‬قضاء‭ ‬بيجي،‭ ‬ضغط‭ ‬قواتنا‭ ‬منحنا‭ ‬قسطا‭ ‬من‭ ‬الراحة،‭ ‬لأن‭ ‬داعش‭ ‬ارسل‭ ‬معظم‭ ‬مقاتليه‭ ‬لعرقلة‭ ‬تقدم‭ ‬قواتنا‭. ‬كانت‭ ‬تمر‭ ‬الأيام‭ ‬والأحداث‭ ‬سريعة‭ ‬وأنباء‭ ‬انتصارات‭ ‬جيشنا‭ ‬البطل‭ ‬تنتشر‭ ‬بسرعة‭. ‬يوم‭ ‬20‭ ‬أكتوبر،‭ ‬2015‭ ‬وصلت‭ ‬المصفى‭ ‬همرات‭ ‬رجال‭ ‬مكافحة‭ ‬الأرهاب‭ ‬تتقدم‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬البو‭ ‬طعمة‭ ‬والمزرعة‭. ‬كنا‭ ‬نهزج‭ ‬فرحين،‭ ‬ونعانق‭ ‬بعضنا‭ ‬البعض،‭ ‬عناق‭ ‬النصر‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬نشوته‭ ‬سوى‭ ‬الجنود‭ ‬المنتصرين‭. ‬هذه‭ ‬الليلة‭ ‬كانت‭ ‬الليلة‭ ‬الأولى‭ ‬منذ‭ ‬11‭ ‬شهرا‭ ‬أنام‭ ‬بها‭ ‬نوما‭ ‬هادئا‭ ‬دون‭ ‬ان‭ ‬أضع‭ ‬يدي‭ ‬على‭ ‬قبضة‭ ‬سلاحي‭.‬

زفت‭ ‬خلية‭ ‬الاعلام‭ ‬الحربي‭ ‬نبأ‭ ‬تحرير‭ ‬بيجي‭ ‬للشعب‭ ‬العراقي‭ ‬وللعالم‭. ‬كانت‭ ‬فرحتي‭ ‬كبيرة‭ ‬بأني‭ ‬سأعود‭ ‬لأطفالي‭ ‬مرفوع‭ ‬الرأس‭ ‬فخورا‭ ‬بما‭ ‬حققناه‭ ‬من‭ ‬نصر‭ ‬كان‭ ‬بمثابة‭ ‬المعجزة‭. ‬لا‭ ‬ادري‭ ‬لماذا‭ ‬شعرت‭ ‬بالحاجة‭ ‬للذهاب‭ ‬الى‭ ‬مقبرة‭ ‬الشهداء‭ ‬واداء‭ ‬التحية‭ ‬لهم،‭ ‬لأن‭ ‬تضحياتهم‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬حققت‭ ‬النصر‭.‬‭ ‬تفاجأت‭ ‬بأن‭ ‬بعض‭ ‬الجنود‭ ‬قد‭ ‬سبقوني‭ ‬للمكان‭. ‬شعرت‭ ‬بأن‭ ‬الشهداء‭ ‬كانوا‭ ‬يبتسمون‭ ‬لنا‭ ‬من‭ ‬تحت‭ ‬ظل‭ ‬علم‭ ‬العراق‭ ‬الذي‭ ‬يرفرف‭ ‬عاليا‭ ‬فوقهم‭. ‬‭ ‬

التعليقات مغلقة.