الارهاب من خلال الاعلام

هزيمة داعش لم تنه حملتها الاعلامية لنشر الكراهية وتقويض المجتمع 

بما يطلق‭ ‬عليه‭ ‬‭”‬جهاد‭ ‬اللوح‭”‬‭ ‬تستخدم‭ ‬أجهزة‭ ‬الكمبيوتر‭ ‬أو‭ ‬الهواتف‭ ‬المحمولة‭ ‬لنشر‭ ‬الخطاب‭ ‬الإرهابي‭. ‬ووفقًا‭ ‬للدكتور‭ ‬حافظ‭ ‬ياسين‭ ‬الهيتي،‭ ‬الأستاذ‭ ‬بجامعة‭ ‬الأنبار‭ ‬العراقية،‭ ‬أصبح‭ ‬أعضاء‭ ‬داعش‭ ‬أساتذة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المهنة‭.‬

كانت‭ ‬الأرقام‭ ‬مثيرة‭ ‬للقلق‭: ‬على‭ ‬موقع‭ ‬Twitter‭ ‬وحده،‭ ‬أشاد‭ ‬بداعش‭ ‬وروج‭ ‬لها‭ ‬أو‭ ‬دعمها‭ ‬بطريقة‭ ‬أو‭ ‬باخرى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬300000‭ ‬حساب‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬2014‭ ‬و‭ ‬2017‭. ‬وعلى‭ ‬موقع‭ ‬منافس‭ ‬يدعى‭ ‬تليغرام،‭ ‬لدى‭ ‬داعش‭ ‬3‭ ‬مليون‭ ‬تابع‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬نصفهم‭ ‬من‭ ‬البنات‭. ‬

تلاشى‭ ‬تلاعب‭ ‬داعش‭ ‬بالإنترنت‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬نشر‭ ‬كلمات‭ ‬وصور‭ ‬مروعة‭ ‬وعنيفة‭ ‬ومضللة‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬دمرت‭ ‬قوات‭ ‬التحالف‭ ‬معظم‭ ‬مخابئ‭ ‬المجموعة‭ ‬الارهابية‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬العراق‭ ‬وسوريا‭. ‬لكن‭ ‬المتحدثين‭ ‬في‭ ‬المؤتمر‭ ‬الرابع‭ ‬لمكافحة‭ ‬إعلام‭ ‬داعش‭ ‬وفكره،‭ ‬الذي‭ ‬عقد‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬20‭ ‬إلى‭ ‬22‭ ‬شباط‭/‬فبراير‭ ‬2019،‭ ‬في‭ ‬بغداد،‭ ‬حذروا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الإرهابيين‭ ‬لا‭ ‬يزالون‭ ‬يشكلون‭ ‬تهديداً‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭.‬

لا‭ ‬تزال‭ ‬دعاية‭ ‬‭”‬داعش‭”‬‭ ‬تشكل‭ ‬مصدر‭ ‬قلق‭. ‬إنها‭ ‬مستمرة‭ ‬في‭ ‬نشر‭ ‬الكراهية‭ ‬والعنف‭ ‬والإقصاء‭ ‬وتكفير‭ ‬الآخرين‭. ‬قال‭ ‬عصام‭ ‬عباس‭ ‬أمين‭ ‬من‭ ‬مديرية‭ ‬الأمن‭ ‬والاستخبارات‭ ‬العراقية‭ ‬أثناء‭ ‬التجمع‭ ‬المتعدد‭ ‬الجنسيات‭ ‬للضباط‭ ‬العسكريين‭ ‬والمسؤولين‭ ‬الحكوميين‭ ‬والأكاديميين‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الدعاية‭ ‬خطيرة‭ ‬بسبب‭ ‬دورها‭ ‬في‭ ‬تدمير‭ ‬القلوب‭ ‬والعقول‭.‬

في‭ ‬المؤتمر‭ ‬الذي‭ ‬عقد‭ ‬برعاية‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬العراقي‭ ‬الدكتور‭ ‬عادل‭ ‬عبد‭ ‬المهدي‭ ‬،‭ ‬قدمت‭ ‬معظم‭ ‬العروض‭ ‬والخطابات‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬خبراء‭ ‬عراقيين‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬مكافحة‭ ‬الإرهاب‭ ‬والخطاب‭ ‬الإعلامي‭. ‬أشار‭ ‬اللواء‭ ‬أحمد‭ ‬حسن‭ ‬حسين‭ ‬من‭ ‬وزارة‭ ‬الداخلية‭ ‬العراقية‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬داعش‭ ‬يستعين‭ ‬بالقراصنة‭ ‬المحترفين‭ ‬لإخفاء‭ ‬بصماتهم‭ ‬الرقمية‭ ‬على‭ ‬الإنترنت،‭ ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬مراقبتهم‭. ‬يستخدم‭ ‬داعش‭ ‬تقنيات‭ ‬سيكولوجية‭ ‬متطورة‭ ‬في‭ ‬ايصال‭ ‬خطابه‭ ‬لخداع‭ ‬جمهوره‭ ‬المستهدف‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬من‭ ‬الشباب‭.‬

المؤتمر الدولي الرابع لمكافحة إعلام داعش وفكره الذي عقد بغداد.

قسم‭ ‬الدكتور‭ ‬حافظ‭ ‬ياسين‭ ‬الهيتي‭ ‬هذا‭ ‬الخطاب‭ ‬الى‭ ‬ثلاث‭ ‬فئات‭ ‬حسب‭ ‬مستوى‭ ‬دعم‭ ‬الجمهور‭ ‬لداعش‭ ‬أو‭ ‬معارضته‭ ‬له‭: ‬

خطاب‭ ‬يستهدف‭ ‬المتعاطفين‭ ‬والمؤيدين‭:‬‭ ‬فتح‭ ‬التنظيم‭ ‬إذاعات‭ ‬محلية‭ ‬ومكبرات‭ ‬للصوت‭ ‬في‭ ‬سيارات‭ ‬متنقلة‭ ‬لبث‭ ‬برامجه‭ ‬للسكان‭ ‬عبر‭ ‬إذاعة‭ ‬البيان‭ ‬وعبر‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬ليخاطب‭ ‬المتعاطفين‭ ‬معه‭ ‬في‭ ‬بقاع‭ ‬العالم‭ ‬البعيدة‭. ‬ركزت‭ ‬البرامج‭ ‬على‭ ‬فتح‭ ‬المدراس‭ ‬وتنظيف‭ ‬الطرق‭ ‬وتنظيم‭ ‬حركة‭ ‬المرور‭ ‬والصلاة‭ ‬في‭ ‬الأماكن‭ ‬العامة،‭ ‬لكي‭ ‬يعطي‭ ‬التنظيم‭ ‬الإرهابي‭ ‬صورة‭ ‬عن‭ ‬إنجازاته‭ ‬ويجعل‭ ‬السكان‭ ‬يرون‭ ‬محاسن‭ ‬التنظيم‭ ‬أضافة‭ ‬الى‭ ‬أن‭ ‬البث‭ ‬على‭ ‬صفحات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬كان‭ ‬يجتذب‭ ‬المقاتلين‭ ‬ويستقطب‭ ‬المخدوعين‭ ‬بهذه‭ ‬الصورة‭ ‬الكاذبة‭ ‬للهجرة‭ ‬لأرض‭ ‬الخلافة‭.‬

خطاب‭ ‬يستهدف‭ ‬المتابعين‭ ‬الذين‭ ‬يقفون‭ ‬على‭ ‬الحياد‭:‬‭ ‬ركز‭ ‬داعش‭ ‬على‭ ‬تصوير‭ ‬أتباعه‭ ‬بالتقوى‭ ‬والورع‭ ‬ورفعة‭ ‬الأخلاق،‭ ‬حيث‭ ‬يقومون‭ ‬بتصوير‭ ‬ميداني‭ ‬مع‭ ‬أشخاص‭ ‬يتحدثون‭ ‬عن‭ ‬تجربتهم‭ ‬لكي‭ ‬يكسبوا‭ ‬الجمهور‭ ‬الذي‭ ‬مازال‭ ‬مترددا‭ ‬عن‭ ‬تأييدهم‭. ‬إضافة‭ ‬الى‭ ‬تصوير‭ ‬مقاتليهم‭ ‬بالشدة‭ ‬والعزيمة‭ ‬وإعطائهم‭ ‬أسماء‭ ‬وكنى‭ ‬الصحابة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ان‭ ‬يكسبوا‭ ‬رضى‭ ‬الناس‭ ‬ويصوروا‭ ‬انفسهم‭ ‬على‭ ‬انهم‭ ‬الطائفة‭ ‬المنصورة‭. ‬وهذا‭ ‬الخطاب‭ ‬كان‭ ‬ينشر‭ ‬بمطبوعاتهم‭ ‬واذاعاتهم‭ ‬وعلى‭ ‬صفحات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭. ‬

خطاب‭ ‬يستهدف‭ ‬أعداء‭ ‬التنظيم‭:‬‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬الأكثر‭ ‬رواجا‭ ‬بين‭ ‬الناس،‭ ‬حيث‭ ‬ركز‭ ‬داعش‭ ‬على‭ ‬القصاص‭ ‬والترهيب‭ ‬والتنكيل‭ ‬بخصومه‭ ‬او‭ ‬بمن‭ ‬يشك‭ ‬بولائهم‭. ‬لقد‭ ‬ابتكر‭ ‬داعش‭ ‬اساليباً‭ ‬لم‭ ‬يسبق‭ ‬للبشرية‭ ‬ان‭ ‬رأت‭ ‬مثل‭ ‬وحشيتها‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬زرع‭ ‬الرعب‭ ‬في‭ ‬قلوب‭ ‬خصومهم‭. ‬استخدم‭ ‬داعش‭ ‬التقنيات‭ ‬الحديثة‭ ‬بالتصوير‭ ‬والمؤثرات‭ ‬الصوتية‭ ‬لينتج‭ ‬أفلاما‭ ‬احترافية‭ ‬عالية‭ ‬الوضوح‭ ‬مما‭ ‬جعل‭ ‬منتوجاتهم‭ ‬الإعلامية‭ ‬ترسخ‭ ‬في‭ ‬عقول‭ ‬الجمهور‭. ‬

يقول‭ ‬الدكتور‭ ‬الهيتي‭ “‬دأب‭ ‬داعش‭ ‬على‭ ‬تصوير‭ ‬محترف‭ ‬للمعارك‭ ‬وعمل‭ ‬صور‭ ‬جذابة‭ ‬لوصف‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية‭ ‬في‭ ‬ولايات‭ ‬مايسمى‭ ‬بـ‭” ‬الدولة‭ ‬الأسلامية‭” ‬كذلك‭ ‬ينشر‭ ‬التنظيم‭ ‬افكارا‭ ‬لاقناع‭ ‬المتعاطفين‭ ‬معه‭ ‬أن‭ ‬العمليات‭ “‬الاستشهادية‭. ‬هي‭ ‬الطريق‭ ‬الى‭ ‬الجنة‭.” ‬هذه‭ ‬المواد‭ ‬الدعائية‭ ‬تنشر‭ ‬باللغات‭ ‬العربية‭ ‬والفرنسية‭ ‬والروسية‭ ‬والصينينة‭ ‬ولغات‭ ‬أخرى‭.” ‬

وذكر‭ ‬السيد‭ ‬عصام‭ ‬أمين‭ ‬كيف‭ ‬أسس‭ ‬داعش‭ ‬ذراعه‭ ‬الاعلامي‭ (‬الفرقان‭) ‬لانتاج‭ ‬الفيديوهات‭ ‬والبوسترات‭ ‬والمنشورات‭ ‬والخطابات‭ ‬والبيانات‭ ‬المسموعة‭ ‬والمكتوبة‭. ‬نمت‭ ‬الماكنة‭ ‬الإعلامية‭ ‬لداعش‭ ‬مع‭ ‬توسع‭ ‬احتلالها‭ ‬لمناطق‭ ‬أخرى‭ ‬فتطلب‭ ‬الامر‭ ‬تأسيس‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬أذرع‭ ‬اعلامية‭ ‬اخرى‭ ‬مختصة‭ ‬بإنتاج‭ ‬مواد‭ ‬مرئية‭ ‬وأخرى‭ ‬مسموعة،‭ ‬وابرز‭ ‬تلك‭ ‬المؤسسات‭ ‬هي‭ ‬مؤسسة‭ ‬الاعتصام‭ ‬ومؤسسة‭ ‬الاجناد‭. ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬2014،‭ ‬أسس‭ ‬الارهابيون‭ ‬مركز‭ ‬الحياة‭ ‬للاعلام‭ ‬المختص‭ ‬بإنتاج‭ ‬الإصدارات‭ ‬المرئية‭ ‬والمسموعة‭ ‬والمقروءة‭ ‬بلغات‭ ‬أجنبية‭ ‬مختلفة‭ ‬وموجهة‭ ‬بشكل‭ ‬خاص‭ ‬إلى‭ ‬الغرب‭.‬

ومن‭ ‬الجدير‭ ‬بالذكر‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسات‭ ‬كانت‭ ‬تتمتع‭ ‬بميزات‭ ‬مهمة‭ ‬مثل‭ ‬امتلاكها‭ ‬عناصر‭ ‬إعلامية‭ ‬محترفة‭ ‬و‭ ‬إمكانيات‭ ‬تقنية‭ ‬حديثة‭ ‬و‭ ‬درجة‭ ‬عالية‭ ‬من‭ ‬السرية‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬وتمتعها‭ ‬بدعم‭ ‬مالي‭ ‬كبير‭ ‬إضافة‭ ‬الى‭ ‬امتلاكها‭ ‬فنيون‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬عالٍ‭ ‬من‭ ‬الخبرة‭ ‬والكفاءة‭. ‬حيث‭ ‬أشرفت‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسات‭ ‬على‭ ‬نشر‭ ‬11‭ ‬مجلة‭ ‬فيديوية‭ ‬ومطبوعة‭ ‬والكترونية‭. ‬وبلغ‭ ‬إنتاج‭ ‬داعش‭ ‬الاعلامي‭ ‬أوجه‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬2015‭-‬2017‭ ‬إذ‭ ‬تم‭ ‬انتاج‭ ‬ونشر‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬2000‭ ‬منتوجا‭.‬

و‭ ‬رغم‭ ‬كون‭ ‬عام‭ ‬2018‭ ‬عام‭ ‬الانهيار‭ ‬لمؤسسات‭ ‬داعش‭ ‬الاعلامية،‭ ‬حيث‭ ‬انحسرت‭ ‬سيطرته‭ ‬على‭ ‬جيب‭ ‬صغير‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬لكن‭ ‬ماكنة‭ ‬التنظيم‭ ‬الاعلامية‭ ‬استمرت‭ ‬بالعمل‭ ‬إذ‭ ‬بات‭ ‬إعلام‭ ‬داعش‭ ‬يعتمد‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬الإعلام‭ ‬المناصر‭ ‬او‭ ‬المساند‭ ‬له‭ ‬مثل‭ (‬المؤسسات‭ ‬غير‭ ‬الرسمية‭ ‬والانصار‭) ‬التي‭ ‬تروج‭ ‬لخطاب‭ ‬داعش‭ ‬عبر‭ ‬منافذ‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬مثل‭ (‬التيلغرام‭). ‬

المشاركون في المؤتمر الدولي الرابع لمكافحة إعلام داعش وفكره.

ويعتقد‭ ‬السيد‭ ‬عصام‭ ‬بأن‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬دعاية‭ ‬داعش‭ ‬لايتم‭ ‬الا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬جهود‭ ‬دولية‭ ‬كبيرة‭ ‬لتدمير‭ ‬أرشيف‭ ‬داعش‭ ‬الضخم‭ ‬والذي‭ ‬يتضمن،‭ ‬جميع‭ ‬نتاجات‭ ‬التنظيم‭ ‬الاعلامية‭ ‬وإيجاد‭ ‬حلول‭ ‬عملية‭ ‬وفعالة‭ ‬لإغلاق‭ ‬المواقع‭ ‬الالكترونية‭ ‬لداعش‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬الالكتروني،‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬بنشر‭ ‬رسائل‭ ‬الكراهية‭ ‬والعنف‭ ‬والقتل‭. ‬متحدث‭ ‬آخر‭ ‬في‭ ‬المؤتمر‭ ‬د‭. ‬مارلين‭ ‬عويش‭ ‬هرمز‭ ‬أستاذة‭ ‬الأعلام‭ ‬في‭ ‬كلية‭ ‬الإسراء‭ ‬الجامعة‭ ‬قامت‭ ‬بتحليل‭ ‬نتاجات‭ ‬الارهابيين‭ ‬الاعلامية‭ ‬وتوصلت‭ ‬الى‭ ‬ان‭ ‬تنظيم‭ “‬داعش‭” ‬استخدم‭ ‬ثمانية‭ ‬عشر‭ ‬أسلوباً‭ ‬من‭ ‬أساليب‭ ‬الحرب‭ ‬النفسية‭. ‬تم‭ ‬إنتاج‭ ‬مقاطع‭ ‬الفيديو‭ ‬باحترافية‭ ‬مع‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬الإعداد‭ ‬واللون‭ ‬والغرافيك‭ ‬وحركة‭ ‬الكاميرا‭. ‬المؤثرات‭ ‬الصوتية‭ ‬كالأناشيد‭ ‬الدينية‭ ‬وصليل‭ ‬السيوف‭ ‬زادت‭ ‬من‭ ‬التأثير‭.‬

وقالت‭ ‬الدكتورة‭ ‬هرمز‭ ‬إن‭ “‬المحتوى‭ ‬المرئي‭ ‬هو‭ ‬أحد‭ ‬الأعمدة‭ ‬الرئيسية‭ ‬التي‭ ‬يعتمد‭ ‬عليها‭ ‬داعش‭ ‬في‭ ‬استخدام‭ ‬تويتر‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬الإلكترونية‭ ‬النفسية‭.” ‬

ولقوات‭ ‬التحالف‭ ‬ستراتيجيتها‭ ‬الخاصة‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬النفسية‭ ‬أيضا،‭ ‬فقد‭ ‬وصف‭ ‬اللواء‭ ‬الركن‭ ‬خالد‭ ‬التميمي‭ ‬من‭ ‬قيادة‭ ‬القوات‭ ‬المشتركة‭ ‬العراقية‭ ‬المستوى‭ ‬العالي‭ ‬من‭ ‬التنسيق‭ ‬الذي‭ ‬تطلبه‭ ‬كسب‭ ‬المعارك‭ ‬ضد‭ ‬داعش‭.‬

وقال‭ ‬اللواء‭ ‬الركن‭ ‬خالد‭ “‬منذ‭ ‬اليوم‭ ‬الأول‭ ‬لمعارك‭ ‬التحرير،‭ ‬شكلت‭ ‬قيادة‭ ‬القوات‭ ‬المشتركة‭ ‬فريق‭ ‬للتخطيط‭ ‬يضم‭ ‬خيرة‭ ‬القادة‭ ‬الميدانيين‭ ‬إضافة‭ ‬الى‭ ‬ادراج‭ ‬خبراء‭ ‬العمليات‭ ‬المعلوماتية‭ ‬والحرب‭ ‬النفسية‭ ‬ضمن‭ ‬الخطط‭. ‬وهذا‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الحرب‭ ‬ضد‭ ‬داعش‭ ‬ترتكز‭ ‬على‭ ‬العمليات‭ ‬المعلوماتية‭ ‬و‭ ‬فضح‭ ‬أكاذيب‭ ‬العدو‭ ‬وكسب‭ ‬السكان‭.” ‬وأكمل‭ ‬قائلا‭ ‬ان‭ ‬انسحاب‭ ‬القوات‭ ‬العراقية‭ ‬من‭ ‬الموصل‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬الازمة‭ ‬أثّر‭ ‬بشكل‭ ‬سلبي‭ ‬على‭ ‬معنويات‭ ‬القوات‭ ‬وهيأ‭ ‬الساحة‭ ‬المعلوماتية‭ ‬للعدو،‭ ‬لكن‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬خسرت‭ ‬داعش‭ ‬المعركة‭ ‬الأهم‭ ‬في‭ ‬كسب‭ ‬ولاء‭ ‬السكان‭ ‬بعدما‭ ‬تصرفت‭ ‬عصابات‭ ‬داعش‭ ‬بطيش‭ ‬دون‭ ‬الأكتراث‭ ‬لأرواح‭ ‬الأبرياء،‭ ‬وبدأوا‭ ‬بتقسيم‭ ‬السكان‭ ‬الى‭ ‬فئات‭ ‬وكتابة‭ ‬حرف‭ “‬ن‭” ‬على‭ ‬بيت‭ ‬المسيحي‭ “‬ر‭” ‬على‭ ‬بيت‭ ‬المسلم‭ ‬الشيعي‭ ‬ومصادرة‭ ‬أموالهم‭ ‬والتنكيل‭ ‬بهم‭. ‬وذهبوا‭ ‬الى‭ ‬تقسيم‭ ‬المسلمين‭ ‬السنة‭ ‬الى‭ ‬عدة‭ ‬اقسام‭ ‬مثل‭ ‬موالي‭ ‬ومرتد‭ ‬وعميل‭. ‬هذه‭ ‬التصنيفات‭ ‬أثارت‭ ‬سخط‭ ‬اهل‭ ‬الموصل‭ ‬المتسامحين‭.‬

واضاف‭ ‬اللواء‭ ‬الركن‭ ‬خالد‭ “‬إستفادت‭ ‬قواتنا‭ ‬المحررة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬واستثمرت‭ ‬وقتا‭ ‬طويلا‭ ‬في‭ ‬التواصل‭ ‬مع‭ ‬السكان‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬القاء‭ ‬المنشورات‭ ‬والرسائل‭ ‬القصيرة‭ ‬وبيانات‭ ‬الراديو‭ ‬بحيث‭ ‬كان‭ ‬المدنيون‭ ‬جاهزين‭ ‬للتعاون‭ ‬مع‭ ‬قواتهم‭ ‬المسلحة‭ ‬وإبداء‭ ‬المعلومات‭ ‬الاستخبارية‭ ‬المهمة‭ ‬عن‭ ‬مواقع‭ ‬العدو‭.” ‬

وفي‭ ‬محاضرته‭ “‬دعشنة‭ ‬الاعلام،‭” ‬سلط‭ ‬الدكتور‭ ‬محمود‭ ‬عزو‭ ‬حمدو‭ ‬من‭ ‬جامعة‭ ‬الموصل‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬نتاجات‭ ‬داعش‭ ‬الدعائية‭ ‬التي‭ ‬تصور‭ ‬فرحة‭ ‬المدينة‭ ‬بالاحتلال،‭ ‬بينما‭ ‬الحقيقة‭ ‬هي‭ ‬عكس‭ ‬ذلك‭ ‬تماما‭. ‬وقال‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬لعمل‭ ‬فيديو‭ ‬كاذب‭ ‬يصور‭ ‬إمتنان‭ ‬الناس‭ ‬لداعش،‭ ‬كان‭ ‬الناس‭ ‬يساقون‭ ‬بالقوة‭ ‬الى‭ ‬صلاة‭ ‬الجمعة‭ ‬والتسبيح‭ ‬بحمد‭ ‬الارهابيين‭. ‬

وحذر‭ ‬الدكتور‭ ‬حمدو‭ ‬من‭ ‬ان‭ ‬تأثير‭ ‬دعاية‭ ‬داعش‭ ‬لازال‭ ‬سارياً‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬قائلاً‭ “‬لقد‭ ‬ترك‭ ‬داعش‭ ‬إرثا‭ ‬كبيرا‭ ‬بما‭ ‬نسميه‭ (‬الدعشنة‭) ‬التي‭ ‬مازالت‭ ‬تمارس‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬مفاصل‭ ‬المجتمع،‭ ‬حيث‭ ‬الوشاية‭ ‬الكاذبة‭ ‬والاقصاء‭ ‬والتمييز‭ ‬ضد‭ ‬أشخاص‭ ‬او‭ ‬فئات‭ ‬معينة‭ ‬من‭ ‬المجتمع‭. ‬الموصل‭ ‬متنوعة‭ ‬دينيا‭ ‬وعرقيا‭ ‬وحين‭ ‬يتم‭ ‬اقصاء‭ ‬أو‭ ‬رفض‭ ‬أي‭ ‬فئة‭ ‬ستنعكس‭ ‬برسائل‭ ‬الكراهية‭ ‬وتؤسس‭ ‬بيئة‭ ‬خطيرة‭ ‬وملائمة‭ ‬لداعش‭.” ‬

ورغم‭ ‬ان‭ ‬تدمير‭ ‬داعش‭ ‬كقوة‭ ‬عسكرية‭ ‬وسياسية‭ ‬أضعف‭ ‬حملة‭ ‬التنظيم‭ ‬الاعلامية،‭ ‬لكن‭ ‬لم‭ ‬يشجع‭ ‬اي‭ ‬من‭ ‬المتحدثين‭ ‬في‭ ‬المؤتمر‭ ‬على‭ ‬التقاعس‭ ‬والاكتفاء‭ ‬بما‭ ‬حققته‭ ‬قوى‭ ‬مكافحة‭ ‬الارهاب‭. ‬

ومن‭ ‬جانبه‭ ‬قال‭ ‬الدكتور‭ ‬ليث‭ ‬كبة،‭ ‬مستشار‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬بأن‭ ‬داعش‭ ‬مازالت‭ ‬تمتلك‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬التجنيد‭ ‬وإبقاء‭ ‬الخلايا‭ ‬النائمة‭ ‬وهذه‭ ‬الخلايا‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬ان‭ ‬تجند‭. “‬نعم‭ ‬بسبب‭ ‬جرائمهم،‭ ‬اصبح‭ ‬جيل‭ ‬الشباب‭ ‬يرفضهم‭ ‬لكننا‭ ‬قلقلون‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬البعيدة‭ ‬المهمشة،‭ ‬لذلك‭ ‬يجب‭ ‬الحذر‭ ‬من‭ ‬عودة‭ ‬داعش‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المناطق‭ ‬ويجب‭ ‬تحصين‭ ‬الشباب‭ ‬من‭ ‬خطورة‭ ‬الخطاب‭ ‬المتطرف‭.” 


دراسة جرائم داعش: جسر الفجوة الثقافية 

عصام‭ ‬عباس‭ ‬أمين،‭ ‬مديرية‭ ‬الأمن‭ ‬والاستخبارات‭ ‬العراقية

مرة اخرى وكما في كل مرة تجتمع فيها العقول العراقية مع العقول الغربية، تظهر وبشكل واضح تأثيرات اختلاف الثقافات في كل مقاربة ولكل موضوع (رغم العولمة)، كمثال حي على ذلك، سأتناول الورقة التي قدمها الصحفي الفرنسي (ميشيل سكوت) في المؤتمر الدولي الرابع لمكافحة اعلام وفكر داعش والذي عقد في بغداد في الفترة 20 – 22 شباط 2019، والتي لم تنل برأيي الاهتمام الكافي من المستمعين بسبب ضعف الترجمة اولا، وبسبب الاختلاف الثقافي ثانيا.

حيث ان (ميشيل سكوت) يمتلك الشرعية الكافية لتناول موضوعة الحرب والارهاب والتطرف، بسبب خبرته المتراكمة طيلة خمسة وعشرون عاما في التغطية الصحفية للحروب في كل انحاء العالم، مدركا ان المهمة الصحفية لم تعد الاخبار عن الحوادث فقط، بل التحليل الخبري لتعليم الناس ما يقع خلف الاحداث الكبرى. واي حديث عن الحرب سيقود حتما الى اثارة المعايير العالمية الاخلاقية والحقوقية المتعلقة بالعدالة وقوانين الحرب، ولهذا فان الدور الاعلامي يمكن له ان يؤدي الى تحسين الامور وقد يجعلها اسوأ، وخاصة فيما يتعلق بالعلاقات الاجتماعية، معتمدا على الكيفية التي يتم الترويج فيها ونوع الخطاب والسرد. هذه المهمة الحساسة والضرورية اصبحت اكثر تعقيدا في وضع بات التطرف فيه جزءا من البيئة العقلية للناس، فالفرنسيون اليوم مصدومون ليس بسبب التحاق المئات منهم بداعش فقط، ولكن لان خطابات هؤلاء الارهابيين من الناطقين بالفرنسية كانت الاشد شناعة والاكثر راديكالية مقارنة مع الاخرين. فلابد والحال هذه ان خللا كبيرا قد وقع، يتحمل الاعلام جزءا كبيرا منه، بسبب طبيعة مقاربته في تناول الأحداث الارهابية، وأهم تلك الاخطاء:

الاكتفاء بذكر الحوادث الآنية دون القيام بشرح وبيان آثارها على المدى البعيد.

التركيز على اجزاء معينة من الاخبار وترك المفاصل الاخرى من الحقيقة.

في سياق هذا الطرح، حاول (سكوت) تسليط الضوء على ولفت الانتباه الى مشكلة معقدة، تتعلق بعوائل الدواعش من (النساء والاطفال)، من الذين يحملون جنسيات اجنبية وتحديدا من الجنسية الفرنسية… من خلال طرحه لجملة من الاسئلة، أهمها:

هل يستحقون العودة الى اوطانهم؟ 

هل لديهم اية حقوق؟

هل لازالوا فرنسيين؟

كيف يجب تصنيفهم؟ 

وبتحليل بسيط لطبيعة هذه الاسئلة وغيرها، نلاحظ ان الاهتمام لا ينصب حول ما فعلت تلك النسوة بقدر ما تبقى لهن من حقوق!!! وهذه مقاربة من نوع آخر، قد يفهمها الفرنسي او الغربي المتشبع بقيم الحرية وحقوق الانسان، لكنها تصعب على من عانى كثيرا من جرائم داعش وعلى مدى سنوات عديدة. فـ (ميشيل سكوت) يطالب بمحاكمات تاريخية كمحاكمة نورمبيرغ للحكم في قضية تحتاج في رأيه الى المنطق السليم وكشف المزيد من الحقائق التاريخية والتي من شانها ان تفسر في النهاية الكثير من كل هذه الوحشية التي امتازت بها داعش. فجوهر الموضوع لا يتعلق بتسمية الشر، بل في الكشف عن ماهيته. وهذه ايضا مقاربة اخرى مختلفة، قلما يتم استخدامها في بيئة تتجنب الحديث عن الحقيقة في اغلب الاحيان. ففي سبيل ذلك كله ومن اجل تحقيق العدالة طالب (سكوت) بالابتعاد عن التوصيفات الجاهزة والحديث العمومي عن التطرف والارهاب والايديولوجية، فما هو مطلوب اليوم اتباع نوع جديد من التفكير قادر على فك الالتباس لبيان اسباب الانحراف الفكري الذي انتج داعش، ولإحداث نوع من التطور الاساسي للعقل في مواجهة الارهاب، فالمصلحة والعقلانية تقتضيان العمل من أجل تفكيك الاشتباك بين الارهاب والاسلام، للتقليل من حجم الكراهية للدين الحقيقي، متذكرين دائما ان أكثر ضحايا الارهاب الداعشي كانوا من المسلمين، ولا يهم حينها ان كانوا شيعة ام سنة ام من الكورد. 

التعليقات مغلقة.