استخدام الكلمة كسلاح

اتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإسلامية المدعوم ايرانياً يبث معلومات مضللة لتقويض التماسك المجتمعي

اللواء‭ (‬متقاعد‭) ‬عودة‭ ‬شديفات،‭ ‬المستشار‭ ‬الإعلامي‭ ‬والثقافي‭ ‬بالقيادة‭ ‬العامة‭ ‬للقوات‭ ‬المسلحة‭ ‬الأردنية‭/‬الجيش‭ ‬العربي‭ 

تتدفق الأخبار‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬حدب‭ ‬وصوب‭ ‬مصحوبة‭ ‬بالتحليل‭ ‬والتعليق‭ ‬والتواصل‭ ‬والحوار،‭ ‬ويمكن‭ ‬للبرامج‭ ‬أن‭ ‬تكيل‭ ‬الاتهامات‭ ‬أو‭ ‬تتخذ‭ ‬موقفاً‭ ‬دفاعياً‭ ‬أو‭ ‬حيادياً‭ ‬إزاء‭ ‬القضايا‭ ‬اليومية‭ ‬بناءً‭ ‬على‭ ‬قناعات‭ ‬وآراء‭ ‬وأهداف‭ ‬الوسيلة‭ ‬الإعلامية‭ ‬أو‭ ‬الضيف‭. ‬

وتتغير‭ ‬السمات‭ ‬والعواطف‭ ‬وأنماط‭ ‬التعبير‭ ‬في‭ ‬برامج‭ ‬عدة؛‭ ‬ويقل‭ ‬الصبر‭ ‬وتعلو‭ ‬الأصوات،‭ ‬بل‭ ‬ربما‭ ‬لدرجة‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬الصراخ‭ ‬والشتائم،‭ ‬حتى‭ ‬يرتبك‭ ‬المشاهد‭. ‬وكثيراً‭ ‬ما‭ ‬يصعب‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المزيج‭ ‬من‭ ‬الآراء‭ ‬بحقيقة‭ ‬أو‭ ‬فائدة،‭ ‬ويتكرر‭ ‬هذا‭ ‬المشهد‭ ‬كلما‭ ‬حاول‭ ‬المشاهد‭ ‬متابعة‭ ‬الأخبار‭ ‬من‭ ‬وسيلة‭ ‬إعلامية‭ ‬لأخرى،‭ ‬عادة‭ ‬عبر‭ ‬القنوات‭ ‬الفضائية‭. ‬

ندرك‭ ‬تماماً‭ ‬أنَّ‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام،‭ ‬بكل‭ ‬نوافذها‭ ‬ومحتوياتها‭ ‬المنضبطة،‭ ‬ركيزة‭ ‬أساسية‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬العصرية،‭ ‬ولا‭ ‬يسعنا‭ ‬اختزال‭ ‬دورها‭ ‬وسط‭ ‬مجمل‭ ‬حياتنا‭. ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬التطور‭ ‬السريع‭ ‬لتكنولوجيا‭ ‬المعلومات‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬يصاحبها،‭ ‬أصبح‭ ‬المحتوى‭ ‬الإعلامي‭ ‬متاحاً‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬يعيش‭ ‬في‭ ‬شيء‭ ‬يشبه‭ ‬قرية‭ ‬عالمية‭.‬

لكن‭ ‬ما‭ ‬يستوقفني‭ ‬هو‭ ‬وجود‭ ‬جيش‭ ‬من‭ ‬القنوات‭ ‬الفضائية‭ ‬بتمويل‭ ‬من‭ ‬‮«‬اتحاد‭ ‬الإذاعات‭ ‬والتلفزيونات‭ ‬الإسلامية‮»‬‭ ‬يبث‭ ‬برامج‭ ‬طائفية‭ ‬تحض‭ ‬على‭ ‬الكراهية،‭ ‬ويخفي‭ ‬قبح‭ ‬الجماعات‭ ‬المسلحة،‭ ‬ويصف‭ ‬العصابات‭ ‬المنتسبة‭ ‬له‭ ‬بأنها‭ ‬جماعات‭ ‬‮«‬مقدسة‮»‬‭.‬

يدير‭ ‬الاتحاد‭ ‬نحو‭ ‬210‭ ‬شركة‭ ‬إعلامية‭ ‬في‭ ‬35‭ ‬دولة،‭ ‬أغلبها‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭. ‬وتشمل‭ ‬عدداً‭ ‬من‭ ‬مراكز‭ ‬البحث‭ ‬والاستقصاء‭ ‬وفرق‭ ‬الحرب‭ ‬النفسية‭ ‬والمواقع‭ ‬الإخبارية‭. ‬وتعمل‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسات‭ ‬على‭ ‬استهداف‭ ‬شريحة‭ ‬معينة‭ ‬من‭ ‬المجتمع‭ ‬لغسل‭ ‬عقول‭ ‬المواطنين‭ ‬بالمعلومات‭ ‬المضللة‭ ‬التي‭ ‬تغرس‭ ‬فيهم‭ ‬شعوراً‭ ‬بالظلم‭ ‬والحرمان‭ ‬وتدفعهم‭ ‬إلى‭ ‬الخروج‭ ‬على‭ ‬سلطان‭ ‬حكوماتهم‭.‬

وأرى‭ ‬أنَّ‭ ‬هذا‭ ‬عمل‭ ‬عدواني‭ ‬بيِّن‭ ‬وإعلان‭ ‬حرب‭ ‬على‭ ‬السلم‭ ‬الأهلي‭ ‬للمجتمعات‭ ‬العربية،‭ ‬إذ‭ ‬تستخدم‭ ‬إيران‭ ‬هذه‭ ‬المخالب‭ ‬الإعلامية‭ ‬كورقة‭ ‬مساومة‭ ‬مع‭ ‬بلدان‭ ‬المنطقة‭ ‬والعالم،‭ ‬وتعريضها‭ ‬لعدوى‭ ‬الحرب‭ ‬والدمار؛‭ ‬فينبغي‭ ‬فرض‭ ‬عقوبات‭ ‬دولية‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الكيان‭ ‬لما‭ ‬يقوم‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬تحريض‭ ‬على‭ ‬العنف‭ ‬والإرهاب‭ ‬شأنه‭ ‬شأن‭ ‬الحرس‭ ‬الثوري‭ ‬في‭ ‬إيران‭ ‬والمؤسسات‭ ‬الأمنية‭. ‬

ترى‭ ‬كثيراً‭ ‬موضوعاً‭ ‬معيناً‭ ‬يهيمن‭ ‬على‭ ‬عناوين‭ ‬الأخبار‭ ‬والبرامج‭ ‬الحوارية‭ ‬الإخبارية‭ ‬ومثيلاتها‭. ‬وفي‭ ‬هذه‭ ‬الأيام،‭ ‬فقد‭ ‬لا‭ ‬يجد‭ ‬متابع‭ ‬شبكات‭ ‬الأخبار‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬وبعض‭ ‬الشبكات‭ ‬في‭ ‬أماكن‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬العالم،‭ ‬خبراً‭ ‬أو‭ ‬تقريراً‭ ‬واحداً‭ ‬لا‭ ‬يذكر‭ ‬إيران‭ ‬ونظامها‭ ‬وأهدافها‭ ‬ونفوذها‭ ‬وأسلحتها‭ ‬وتأثيرها‭ ‬على‭ ‬مجتمعات‭ ‬عدة،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬تجاوزاتها‭ ‬وتدخلها‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الداخلية‭ ‬والخارجية‭ ‬لبلدان‭ ‬أخرى‭.‬

بل‭ ‬إنَّ‭ ‬إيران‭ ‬تتلاعب‭ ‬بمستقبل‭ ‬تلك‭ ‬المجتمعات‭ ‬–‭ ‬مستقبل‭ ‬أبنائها،‭ ‬وطموحاتها‭ ‬المتنامية،‭ ‬وأجنداتها‭ ‬الخاصة‭ ‬–‭ ‬بشتى‭ ‬الوسائل‭ ‬المتاحة‭. ‬ومثال‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬المخاوف‭ ‬العالمية‭ ‬أنَّ‭ ‬البرنامج‭ ‬النووي‭ ‬الايراني‭ ‬يقلق‭ ‬الجميع‭ ‬ويعد‭ ‬من‭ ‬الموضوعات‭ ‬البارزة‭ ‬وتكاد‭ ‬تقع‭ ‬عيناك‭ ‬على‭ ‬معلومات‭ ‬عنه‭ ‬كلما‭ ‬أصبحت‭ ‬أو‭ ‬أمسيت‭. ‬وقد‭ ‬دفع‭ ‬ذلك‭ ‬بعض‭ ‬بلدان‭ ‬المنطقة‭ ‬لتخصيص‭ ‬ميزانيات‭ ‬ضخمة‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬1‭.‬5‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬أمريكي‭ ‬للتصدي‭ ‬للتهديد‭ ‬الإيراني‭.‬

وأوقفت‭ ‬ماليزيا‭ ‬جميع‭ ‬علاقاتها‭ ‬مع‭ ‬إيران،‭ ‬وفي‭ ‬خطوة‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة،‭ ‬أغلقت‭ ‬مختلف‭ ‬أشكال‭ ‬التعاون‭ ‬معها‭. ‬ويعاني‭ ‬لبنان‭ ‬أشد‭ ‬المعاناة‭ ‬بسبب‭ ‬التدخل‭ ‬الإيراني‭. ‬كما‭ ‬يقاسي‭ ‬اليمن‭ ‬ويلات‭ ‬صراع‭ ‬مرير‭ ‬بسبب‭ ‬تدخل‭ ‬مماثل،‭ ‬ويكثر‭ ‬هذا‭ ‬التدخل‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬أفغانستان‭. ‬والوضع‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬وسوريا‭ ‬أدهى‭ ‬وأمر‭. ‬وليست‭ ‬دول‭ ‬الجوار‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬وبقاع‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬في‭ ‬معزل‭ ‬عن‭ ‬تدخل‭ ‬إيراني‭ ‬مماثل‭ ‬يتخذ‭ ‬أشكالاً‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تجنيد‭ ‬أمراء‭ ‬الحرب‭ ‬ومستغلي‭ ‬الأزمات‭ ‬ومروِّجي‭ ‬الطائفية‭.‬

وعلينا‭ ‬ألَّا‭ ‬نقف‭ ‬مكتوفي‭ ‬الأيدي‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬هذا‭ ‬التهديد‭ ‬الفكري‭ ‬المدعوم‭ ‬بالسلاح‭ ‬والميليشيات‭ ‬والموالين‭ ‬سريعي‭ ‬الرد‭ ‬والحرب‭ ‬الإعلامية‭ ‬وتجار‭ ‬المخدرات‭ ‬والفكر‭ ‬المتطرف‭ ‬واستباحة‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يخدم‭ ‬فكر‭ ‬دولة‭ ‬يسيطر‭ ‬عليه‭ ‬التعصب‭ ‬الديني‭ ‬والقومي‭. ‬وعلينا‭ ‬أن‭ ‬نحافظ‭ ‬على‭ ‬أمن‭ ‬وسلامة‭ ‬أوطاننا‭ ‬التي‭ ‬باتت‭ ‬في‭ ‬مهب‭ ‬عاصفة‭ ‬إرهابية‭ ‬برعاية‭ ‬إيران‭.‬

ولا‭ ‬داعيَ‭ ‬لإعلان‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬إيران‭ ‬لوقف‭ ‬تطلعاتها‭ ‬إلى‭ ‬التوسع‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬بلدان‭ ‬المنطقة‭ ‬والاستثمار‭ ‬في‭ ‬الجماعات‭ ‬الإرهابية؛‭ ‬لأنني‭ ‬كغيري‭ ‬أرى‭ ‬أنَّ‭ ‬الحرب‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬إلَّا‭ ‬نتاج‭ ‬الإخفاق‭ ‬في‭ ‬إيجاد‭ ‬حل‭ ‬سياسي‭ ‬لمعضلة‭ ‬شائكة،‭ ‬بل‭ ‬أدعونا‭ ‬إلى‭ ‬استخدام‭ ‬القوة‭ ‬الناعمة‭ ‬راجياً‭ ‬ألَّا‭ ‬نضطر‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬أنفسنا‭. ‬فهذا‭ ‬هو‭ ‬السبيل‭ ‬الوحيد‭ ‬لشد‭ ‬اللجام‭ ‬على‭ ‬طموحات‭ ‬إيران‭ ‬الوحشية‭. ‬وتتضمن‭ ‬هذه‭ ‬القوة‭ ‬الناعمة‭ ‬فرض‭ ‬ضغوط‭ ‬اقتصادية‭ ‬ودبلوماسية‭.‬‭ ‬

يجدر‭ ‬بنا‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الشراكات‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية‭ ‬وتعزيزها‭ ‬لقدرتها‭ ‬على‭ ‬ردع‭ ‬من‭ ‬ينتهكون‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬والاختباء‭ ‬وراء‭ ‬الوكلاء‭ ‬والبنادق‭ ‬المأجورة‭. ‬ولا‭ ‬تتوانى‭ ‬إيران‭ ‬عن‭ ‬السعي‭ ‬لامتلاك‭ ‬أسلحة‭ ‬نووية‭ ‬وتشكل‭ ‬خطراً‭ ‬على‭ ‬المنطقة‭ ‬حتى‭ ‬قبل‭ ‬امتلاكها‭ ‬إياها‭. ‬ويبقى‭ ‬السؤال‭: ‬ماذا‭ ‬يحدث‭ ‬إذا‭ ‬امتلكت‭ ‬دولة‭ ‬بهذا‭ ‬السلوك‭ ‬غير‭ ‬المنطقي‭ ‬سلاح‭ ‬دمار‭ ‬شامل؟‭ ‬

فعلينا‭ ‬مواصلة‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬إيران‭ ‬وثنيها‭ ‬عن‭ ‬دعم‭ ‬الجماعات‭ ‬الإرهابية‭ ‬وإيوائها‭ ‬وتدريبها‭. 

التعليقات مغلقة.