إرساء الاستقرار في أفغانستان
دول آسيا الوسطى تقيم علاقات اقتصادية وسياسية وأمنية مع أفغانستان
سلطنات بيرديكيفا
في مؤتمر صحفي في الأستانة في كانون الثاني/يناير عام 2018، قال إرزان أشيكابيف، نائب وزير الشؤون الخارجية الكازاخستاني: “إن بلدان آسيا الوسطى تدرك بوضوح نفوذ أفغانستان، وإن عدم الاستقرار وتصاعد التوتر هناك يؤثر على المناخ العام في آسيا الوسطى”.
تعكس كلمات أشيكابيف وجود شعور عام بالقلق في المنطقة، والرغبة في تجديد الارتباط مع أفغانستان.
ويمثل الإرهاب الدولي والتطرف الديني، والجريمة المنظمة العابرة للحدود، وتهريب المخدرات، والدمار البيئي بعض الاهتمامات المشتركة لجميع دول آسيا الوسطى الخمس (كازاخستان، وقيرغيزستان، وطاجيكستان، وتركمانستان، وأوزبكستان). وقد بادرت دولتان من أكبر دول آسيا الوسطى من حيث عدد السكان والتقدم العسكري وهما دولتي أوزبكستان وكازاخستان، بالمشاركة في صناعة السلام في أفغانستان. وعقد رئيسا البلدين مناقشات دبلوماسية مع مسؤولين من الولايات المتحدة حول التقلبات في أفغانستان ودورهما في تشجيع السلام هناك.
وعلاوة على ذلك، تعتزم بلدان آسيا الوسطى وأفغانستان مواصلة مناقشة القضايا الإقليمية ووضع تدابير مشتركة للارتقاء بأفغانستان في إطار عمل جديد يحمل اسم “آسيا الوسطى وأفغانستان. “وناقش القادة العسكريون الإقليميون الأمن التعاوني مع القائدين الأمريكيين الجنرال جوزيف فوتيل والجنرال جون نيكلسون في اجتماع عقد في كابول في شباط/فبراير عام 2018.
وقال توم جريسباك العقيد بالبحرية الامريكية والمتحدث باسم مهمة الدعم الحازم التابعة لحلف شمال الأطلسي في أفغانستان: “لقد أعادت بلدان وسط وجنوب آسيا التأكيد على التزامها بمحاربة الإرهاب في جميع أنحاء المنطقة وبحث سبل العمل معًا لمكافحة تهريب المخدرات وغيرها من المشاكل الأمنية العابرة للحدود.”

ومع أن تحقيق الاستقرار في أفغانستان يعد الهدف الأسمى لجميع بلدان آسيا الوسطى، إلا أن سبل تعاملهم مع جارتهم الجنوبية تجاوزت احتواء التهديدات إلى التعامل مع كابول باعتبارها شريكًا قيمًا ومساويًا في شؤون حل النزاعات والتنمية الاقتصادية.
وتؤكد بلدان آسيا الوسطى تأكيدًا متزايدًا على حاجة أفغانستان إلى التنمية الاقتصادية. وقد قطع قادة المنطقة خطوات واسعة في التوصل إلى اتفاقات في مجالات التجارة، والعبور، والطاقة والبنية التحتية مع أفغانستان. ويجري بالفعل بناء بعض مشاريع العبور والبنية التحتية، وقد ازدادت التجارة بين بعض هذه البلدان وأفغانستان على الرغم من المخاطر الأمنية.
ترسيخ التعاون
في ظل تزايد أهمية التعاون مع أفغانستان واندماجها مع اقتصاديات دول المنطقة في السياسات الخارجية لدول آسيا الوسطى، فهناك تغيرات هامة في هذا الصدد. ورغم أن تصاعد المشاركة الفعلية في أفغانستان يمثل تطورًا إيجابيًا في السياسات الخارجية لجميع دول آسيا الوسطى، إلا أن التحول في موقف أوزبكستان تجاه أفغانستان يعد هو الأبرز في العامين الماضيين.
أوزبكستان
خرجت أوزبكستان من عزلتها بعد وفاة الرئيس إسلام كريموف، لتثبت وجودها لا كمجرد شريك إقليمي متعاون تحت حكم الرئيس شوكت ميرزييوييف فحسب، بل سعت جاهدة إلى الاضطلاع بدور قيادي في آسيا الوسطى.
وفي ظل الانفراجة في العلاقات مع أفغانستان، عقدت أوزبكستان مؤتمرًا دوليًا في عاصمتها طشقند عن السلم والأمن الأفغاني في آذار/مارس 2018. وقد اقترح دبلوماسيون أوزبكيون فكرة الوساطة في محادثات سلام محتملة بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان. ومن الجدير بالذكر أن كازاخستان اقترحت أيضًا عقد مثل هذه المحادثات، إلا أن أوزبكستان هي من أخذت بزمام المبادرة.
ويحضر المؤتمر ممثلون عن بلدان آسيا الوسطى، والصين، والهند، وإيران، وباكستان، وروسيا، والسعودية، وتركيا، والإمارات العربية المتحدة، والأمم المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكية.
وأعلنت وزير الشؤون الخارجية القيرغيزي إرلان آبديلدايف دعم بلاده الكامل للمبادرة، وأضاف “إننا جميعًا ندرك أن إرادة الأفغان وتشكيلهم لحكومة وطنية موحدة في أفغانستان لا يكفيان وحدهما لإرساء السلام هناك؛ فقبل كل شيء، لا بد من إجماع أعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على ضرورة تحقيق هذا الهدف، لقد حان الوقت لإثبات أن الحل السياسي هو الطريق الوحيد لبناء السلام والاستقرار في أفغانستان - ولن يكون ذلك إلا بعقد محادثات سلام بين الجانبين المتحاربين وتحقيق المصالحة الوطنية.”
وفي ظل حكم مرزِيوييف، أعادت أوزبكستان توطيد علاقاتها مع أفغانستان. وقال لاندري سيرنكو المتخصص في دراسة أفغانستان الحديثة لدى أحد المراكز في موسكو: يبدو أن مرزِيوييف ينظر لأفغانستان باعتبارها فرصة أكثر منها تهديدًا. وعلى المستوى الجغرافي، تنظر القيادة الأوزبكية لجارتها الجنوبية باعتبارها شريك تجاري تتعاون معه في إنشاء سكك حديدية في أفغانستان، وبيع المزيد من الكهرباء عن طريق تمديد خطوط من أوزبكستان إلى إقليم بغلان الأفغاني. وقد توصل رئيسا البلدين إلى اتفاق على إنشاء تلك البنية التحتية خلال زيارة رسمية للرئيس الأفغاني إلى أوزبكستان في حزيران/يونيو عام 2017، في أول زيارة من نوعها منذ 16 عاماً.
وقد توطدت العلاقات الاقتصادية مع أفغانستان بعد توقيع 40 عقد تصدير في عام 2017، بقيمة تزيد عن 500 مليون دولار. وخفضت أوزبكستان الرسوم الجمركية إلى النصف بالنسبة للسلع الأفغانية التي تمر عبر أوزبكستان. ولعل أبرز ما أسفرت عنه العلاقات الاقتصادية الثنائية في عام 2017 هو إنشاء محور لوجستي يحمل اسم “ترمذ كارجو” على الحدود الأوزبكية الأفغانية، ومزود بخدمات سكك حديدية ومستودعات ومصارف ومكاتب جمركية.

وصرح إيسماتيلا إيرجاشيف، الممثل الخاص للرئيس الأوزبكي في الشؤون الأفغانية، قائلًا أنه من المتوقع استغلال المحور في ترويج الواردات والصادرات الأفغانية. وفي الوقت نفسه أعرب الجانبان عن تخوفهما على بقاء البنية التحتية والتعاون الاقتصادي بسبب عدم الاستقرار في أفغانستان. وتنظر أوزبكستان للسلام والأمن في أفغانستان باعتبارهما دعامة للتعاون الاقتصادي بين البلدين.
كازاخستان
ويرى قادة كازاخستان أيضًا أنفسهم وسطاء إقليميين بارزين في عملية السلام في أفغانستان. وكان من المواضيع المركزية التي طرحها الرئيس الكازاخستاني نورسلطان نزارباييف في الاجتماع الذي عقد في كانون الثاني/يناير 2018 مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في زيارة رسمية للولايات المتحدة الأمريكية التي كانت تتولى رئاسة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في عام 2017، موضوع التعاون مع الولايات المتحدة للتصدي لعدم الاستقرار في أفغانستان، ووضعت كازاخستان تنمية وأمن دول آسيا الوسطى وفي القلب منها أفغانستان على رأس جدول أعمالها.
وترأست كازاخستان، العضو غير الدائم في مجلس الأمن، وفد مجلس الأمن الذي زار كابول في كانون الثاني/يناير 2018، في أول زيارة له لأفغانستان منذ 2010. وتناول اجتماع كابول الحالة السياسية والأمنية، والوضع الاجتماعي-الاقتصادي وحقوق الإنسان في البلاد. وصرح السفير الكازاخستاني لدى الأمم المتحدة خيرت عمروف، قائلًا: “عندما يكون هناك تهديد، تظهر رغبة في عزله، ونوصي بعدم عزل أفغانستان، والتعامل معها باعتبارها شريكًا جيدًا، وإن إتاحتنا لفرص العمل، تمثل … مساعدة منا لأفغانستان حتى تنهض.”
وتحدث وزير الخارجية الكازاخستاني خيرت عبدرحمنوف إلى مجلس الأمن في كانون الثاني/يناير 2018، وأكد على ضرورة عدم التعامل مع أفغانستان باعتبارها مصدرًا للتهديدات وعدم الاستقرار فقط، بل يجب أن ينظر إلى ثروتها البشرية الهائلة وإمكاناتها الاقتصادية وموقعها الجغرافي المميز ومن ثم اعتبارها شريك قوي في مشاريع اقتصادية مشتركة.
وعلى غرار أوزبكستان، ترى كازاخستان أن بناء بنية تحتية للنقل في أفغانستان، وتعزيز التجارة والمساعدة في تثقيف الشباب الأفغاني تعد من الأمور اللازمة لتنمية أفغانستان وتكاملها مع اقتصاديات المنطقة.
وقد استثمرت كازاخستان بالفعل في عدد من المشاريع التنموية في أفغانستان، مثل المساعدة في إنشاء مستشفى في إقليم باميان وإقامة مدرسة في ساماجان، وإصلاح طريق سريع من طالوقان إلى قندوز إلى شرخان بندر، وتوفير التعليم المجاني للطلبة الأفغان الذين يدرسون في الجامعات الكازاخستانية. وبحلول عام 2020، سيكون قد أكمل 1000 طالب أفعاني تعليمهم العالي في كازاخستان في إطار البرنامج التعليمي بين كازاخستان وأفغانستان. وبالمثل، تعتزم أوزبكستان افتتاح مركز تعليمي في منطقة ترمذ في عام 2018، على طول الحدود الجنوبية مع أفغانستان، لتوفير التعليم العالي للشباب الأفغاني، مع تحمل أوزبكستان لقدر من الرسوم الدراسية.
قرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان
كثفت هذه الدول الثلاث أيضًا من تعاونها مع أفغانستان. ولترسيخ العلاقات الاقتصادية، أبدت قيرغيزستان وطاجيكستان اهتمامًا ببيع الطاقة الكهرومائية إلى أفغانستان وباكستان في إطار المشروع الإقليمي لنقل الكهرباء على امتداد 765 كيلومتر المعروف باسم CASA-1000 (آسيا الوسطى وجنوب آسيا). وبدأت عملية الإنشاء في كانون الثاني/يناير عام 2018.
وعلى غرار أي مشروع بنية تحتية في المنطقة، واجه هذا المشروع عدة تحديات، مثل التضاريس الجبلية القاسية والمخاطر الأمنية في أفغانستان ومخاوف التمويل. واستغلالًا لهذا التعاون الاقتصادي، تسعى أفغانستان أيضًا لتوسيع الفرص التعليمية لطلابها في قيرغيزستان، حيث يدرس أكثر من 300 طالبًا في جامعات قيرغيزستان. وفي كانون الأول/ديسمبر 2017، أعرب رئيس الوزراء القيرغيزي إيساكوف صابر عن استعداد بلاده لبدء التعاون في مجال التعليم بين الجامعات في كلا البلدين.
كما أن القادة الأفغان حريصون على التعاون مع مشروع تازة كوم في قيرغيزستان، الذي انطلق على مستوى البلاد في عام 2017 يهدف رقمنة وأتمتة الإدارة العامة وتعزيز التجارة الإلكترونية.
وتسعى أفغانستان إلى زيادة الارتباط الفعلي مع آسيا الوسطى، ولذلك شيدت شبكة سكك حديدية تربطها بطاجيكستان وتركمانستان. وعلى الرغم من أن الحرب الجارية في أفغانستان وقضايا التمويل قد أخرت أعمال الإنشاء، فقد شيد 89 كيلومتر من المشروع المخطط له أن يمتد لمسافة 645 كيلومتر من أتاميرات-إيمامنازار بتركمانستان وحتى أكينا بأفغانستان. ويتوقع قادة هذه البلدان تعزيز التجارة مع بعضها بعضًا فور الانتهاء من المشروع.

وكالة فرانس برس/جيتي إيميجز
التعليقات مغلقة.