أستاذا يستهدف التهديدات المعاصرة
العميد عزام الرواحنة، قائد كلية الدفاع الوطني الملكية الأردنية، يؤكد أهمية التواصل العالمي لتخريج ضباط متمرسين
أسرة يونيباث
يركز الأردن على تطوير استراتيجيات الأمن والدفاع لمواكبة التهديدات الإقليمية، إذ تعتبر القوات المسلحة الأردنية من القوى التي تتمتع بقدرات متطورة وخبرات متراكمة، ومن رحم هذه التجربة، التي لا يبخل الأردن بمشاركتها مع أشقائه وأصدقائه لتنعم المنطقة بالأمان والاستقرار، خرجت كلية الدفاع الوطني الملكية الأردنية إلى النور لتغدو صرحاً يُخرٍّج قادة المستقبل. التقت مجلة يونيباث مع العميد الركن عزام الرواحنة، قائد كلية الدفاع الوطني، في أروقتها، فاستقبلنا، كعهدنا به دائماً، بحفاوة وترحاب وتحدث عن إنجازات الكلية ورؤيته للنهوض بها.
يونيباث: ما هي رسالة كلية الدفاع الوطني الملكية الأردنية؟
العميد عزام: أود أولاً أن أحدثكم عن نشأة الكلية. تعتبر القوات المسلحة الأردنية ركيزة من ركائز الدولة الأردنية، وتتطور مع تطور التحديات الأمنية الإقليمية، ولهذا السبب تأسست الكلية منذ البداية انطلاقاً من نظرة استراتيجية للقيادة الهاشمية. إن تدريب وتخريج قيادات قادرة على قيادة الدولة وتدعيم أركانها والتصدي للتحديات المتربصة بها يستلزم إنشاء كلية قادرة على تحقيق ذلك. فبدأنا بإنشاء كلية الحرب الملكية، وانصب اهتمامها على التخطيط العسكري الاستراتيجي. وباشرت مهمتها الجليلة حتى عام 2002، ثم اقتضت الرؤية الاستراتيجية للقيادة السياسية والعسكرية الهاشمية نقل القوات المسلحة إلى مستوىً متقدم يحقق الانسجام والتكامل بين مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية. وكان هدفها الأساسي إعداد قيادات قادرة على إدارة الدولة عسكرياً ومدنياً وتحقيق أهداف الدولة ومصالحها بما يوفر الموارد البشرية المؤهلة والكفاءات القادرة على النهوض بالمؤسسة العسكرية وسائر مؤسسات الدولة ومواجهة مختلف التهديدات الناشئة. ومن هنا تبلور مفهوم كلية الدفاع الوطني الملكية الأردنية، ففكرة الدفاع الشامل تقتضي الاستعانة بالخبرات داخل مؤسسات الدولة لتبادل الخبرات، وهكذا خرجت كلية الدفاع الوطني إلى النور في عام 2003، وبدأت بدورات مشتركة للتدريب على مقتضيات الدفاع والحرب. وواصلت السير على هذا الدرب، فأعدت 22 فوجاً من القادة، ولا تكتفي بتأهيل القادة الأردنيين، بل وتؤهل قادة من دول المنطقة والعالم.
يونيباث: لقد تغيرت معظم استراتيجيات الحرب التقليدية؛ فكيف يتناول منهج الكلية الحرب الهجينة وحرب الجيل الخامس؟
العميد عزام: تحرص كلية الدفاع على مواكبة آخر الاتجاهات، والسبيل الأول لذلك يتأتى بالعلاقات المستمرة مع أصدقائنا في أوروبا والولايات المتحدة. كما نواكب التطورات الجديدة في بيئة العمليات بالأخص، وبالمنح الدراسية والأبحاث، ولدينا لجنة لتطوير المناهج وتحديثها حتى نواكب ما يحدث في سائر العالم. ومن هنا أؤكد لكم أن مبادئ العمليات وتدريب القادة تشمل مفاهيم الحرب الحديثة وفق أعلى المعايير الدولية، سواء أكانت حرب هجينة أم حرب سيبرانية أم حرب الجيل الرابع أوالخامس. ولذلك نحرص كل الحرص على ألا نتخلف عن الركب، ولو للحظة واحدة، عن أي بحث من أبحاثنا في هذا المجال لأننا نعتبر قدوة حسنة في هذا المجال للمنطقة.
يونيباث: ما فلسفتكم في بناء قدرات الشباب ليغدوا حاملي لواء المستقبل؟
العميد عزام: لا تقتصر فلسفتي على فكري وتجربتي الشخصية، وإنما أستمدها من فلسفة الدولة عموماً، ومن فلسفة القيادة الهاشمية التي قامت في المقام الأول على فكرة النهوض بالقدرات البشرية للارتقاء بالدولة. فقد كانت فلسفة القيادة الهاشمية في الـ 20 سنة الماضية تكمن في التركيز على إعداد وبناء قيادات شابة قادرة على فهم متطلبات العصر والتعامل مع التقنيات الحديثة، وذلك بتوجيهات من القائد الأعلى وبقيادة سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله، ذلك الشاب صاحب الرؤية والهمة والعزيمة. وأعتقد أن الاستثمار في المستقبل لهو استثمار في القيادات الشابة على الصعيدين المدني والعسكري، وهذا هو المنهج المتبع في المملكة الأردنية الهاشمية، والكلية أداة من أدواتنا لتنفيذ هذه الفلسفة. ونحن ملتزمون بالسير على هذا النهج والتركيز على كل جديد في الدراسات العسكرية والاستراتيجية، سواء من حيث الحروب الحديثة وأنماطها، أو بيئة المعدات والتهديدات الناشئة، أو الأدوات المستخدمة في إدارة الدولة. وأؤمن إيماناً راسخاً أن الدولة الحديثة لا يمكن أن تُدار بأدوات عفا عليها الزمن.
يونيباث: مَن هم طلابكم وما المناصب التي يشغلونها في القوات المسلحة؟
العميد عزام: في السنوات الماضية، كان طلابنا من الرتب العليا، من رتبة عميد فما فوقها. أما القطاع المدني، فلدينا شروط واضحة لمستوى التأهيل ومستوى الشهادات التي يجب أن يكونوا حاصلين عليها قبل التحاقهم بالكلية وفي درجة تصنيفهم ودرجتهم الوظيفية في الأجهزة الحكومية. وأما القطاع العسكري، فقد كنا نبدأ برتبة عميد، ولكن انطلاقاً من فلسفة الاستثمار في شبابنا، نقبل الآن دارسين برتبة عقيد ومقدم في القوات المسلحة الأردنية لبناء وتدريب القادة الشباب الذين سيتولون مناصب قيادية على المستوى العملياتي والاستراتيجي في المستقبل، وأمسينا أهلٌ لبناء جيل قادر على اتخاذ القرار والتخطيط الاستراتيجي.
يونيباث: ما هي خططكم لتطوير كلية الدفاع الوطني؟
العميد عزام: رؤيتنا مستمدة من القادة الذين سبقوني والذين وضعوا أسساً متينة نستطيع البناء عليها، ومن هنا علينا أن نخطو خطوات تتفق مع متطلبات العصر ومع التطور الراهن في النظريات العسكرية ومصالح الدولة. فلهذه المؤسسة باع طويل في تخريج قيادات مؤهلة للقوات المسلحة والهيئات الحكومية. تقوم رؤيتي على نهجين رئيسيين: أما النهج الأول، فيقوم على ضرورة مد جسور التعاون والتواصل مع كافة الجامعات العالمية الكبرى الشبيهة بالكلية؛ الجامعات المتخصصة في الدفاع والنظرية الاستراتيجية ومذاهب الحرب الحديثة، للتقدم على المستويين الإقليمي والدولي بتبادل الخبرات وإلقاء المحاضرات وعقد الندوات وإجراء الدراسات المشتركة. وسنحقق بذلك نتائج شديدة الأهمية على كلا المستويين، بأن نخدم الأردن بتوسيع الملكات الفكرية لطلابنا وإعداد قادة أكثر وعياً بما يحدث في العالم، وأن نصدِّر فلسفة الأردن ورؤيته الاستراتيجية إلى العالم لنعزز ونقيم شراكات دولية تخدم مصالح الجميع. وأما النهج الثاني لرؤيتنا، فهو أن علينا الاهتمام بالتكنولوجيا فنياً وتقنياً، فهذا بالغ الأهمية لتطوير الكلية ومنتسبيها والدارسين فيها، كما ينبغي زيادة التركيز على التدريب العملي والورش التي ترسخ المفاهيم وتعيننا على مساعدة الدولة في مواجهة الأزمات، لا سيما وأننا في بيئة غارقة في الأزمات.
يونيباث: هل لديكم دورات تهتم بالتقنيات الحديثة كالمسيَّرات والدفاع السيبراني؟
العميد عزام: عندما نتحدث عن مؤسسة أكاديمية تُعد قادة المستقبل، فلا بدَّ أن نمتلك أدوات تساهم في تطوير الجانب الأكاديمي. وأعني بذلك النهوض بقدرات المؤسسة وبنيتها التحتية لتوفير كافة التقنيات التي تساعد الدارسين على إجراء الأبحاث والاطلاع على المعلومات المطلوبة. ونعم، على جميع القادة أن يلموا بالأمن السيبراني والعمليات السيبرانية ومتطلباتها لأنها باتت ركيزة من ركائز منظومة الدفاع لأي دولة. وعندما نتحدث عن أدوات الدفاع، فإن الأمن السيبراني يعتبر من الركائز الأساسية لأن الهجمات السيبرانية تهدد أمن المعلومات ويمكن أن تهدد حياة المواطنين إذا اختُرقت الشبكات، كما نستخدم المسيَّرات في تمارين عملية تحاكي الواقع. وهذا يجعل الدارسين يلمون بسبل مواجهة هذه التهديدات الحديثة. وأعتقد أننا يجب أن نفكر جدياً في الانتقال إلى مستوى تقني متقدم يمكنه التغلب على الأزمات ورفع كفاءة متخذي القرار والنهوض بقدرتهم. وأؤكد على أن أي رجل دولة أو خبير استراتيجي يجب أن يكون ملماً بجميع التقنيات الحديثة وسبل استغلالها من قبل الجماعات الإرهابية والدول الراعية للإرهاب.
يونيباث: تجمكم علاقة بجامعة الدفاع الوطني الأمريكية ومركز دراسات الشرق الأوسط؛ فهل لديكم علاقات مع الأكاديميات العسكرية الاخرى في دول الجوار ودول أخرى في العالم؟
العميد عزام: المملكة الأردنية دولة عريقة في المنطقة وتتمتع بعلاقات وطيدة مع الدول الشقيقة وسائر دول العالم. كما نحظى باحترام دول المنطقة والعالم، وقد أثمرت هذه العلاقات تعاوناً على كافة المستويات، ومنها المستويات الأكاديمية والعسكرية. أما جامعة الدفاع الوطني الأمريكية، فهي مؤسسة عريقة تتمتع بسمعة عالمية مرموقة وتخرج قادة على جميع المستويات. هذا بالإضافة إلى الإمكانات الهائلة والخبرات المتراكمة المتوفرة التي نحرص على البناء عليها وتطويرها بعلاقاتنا مع الأكاديميات العالمية. ولدينا في نفس الوقت شبكة علاقات مع معاهد مماثلة من خلال التعاون مع أشقائنا في المنطقة من دول الخليج ومصر والسودان والعراق، مثل تبادل الدارسين. وبالمثل، فقد ساعدنا الكثير من دول المنطقة على إنشاء كليات مثل كليتنا، وأعتقد أننا نتمتع بعلاقات متوازنة مع أصدقائنا في الغرب، كما لدينا علاقات مع معظم الأكاديميات العسكرية. تعتبر هذه الشبكة من العلاقات ركناً أصيلاً من استراتيجية التطوير بكليتنا. كما أن التوصل إلى تفهم مشترك بين هذه المؤسسات يعود بالخير على الجميع.
يونيباث: ما الدول التي لديها دارسين وأساتذة في الكلية؟
العميد عزام: لدينا دارسون من الولايات المتحدة وباكستان وتايوان وألمانيا والمملكة العربية السعودية والبحرين والإمارات العربية المتحدة ومصر والكويت والسودان ولبنان. أما الأساتذة، فلا يوجد أساتذة أجانب في كليتنا، ولكننا ندعو الأساتذة والباحثين للانضمام إلينا بصفتهم ضيوف زائرين، سواء من الجانب الأمريكي أو الأوروبي، أو من دول الناتو أو الدول العربية. ويحرص سفراء الدول الصديقة والشقيقة الموجودون في الأردن على زيارتنا. ولدينا أيضاً علاقات مع جامعات مرموقة، نستفيد من خبراتها، مثل جامعة هارفارد ومركز جنيف للدراسات الاستراتيجية، حيث نقدم دورات مشتركة سنوية في القيادة الاستراتيجية. فالتدريب والتطوير لا يقتصران على الخبرات الأردنية، وإنما نسعى للاستفادة من تجارب أصدقائنا وأشقائنا. كما أن لدينا بعض الأساتذة والضباط المتقاعدين يعملون في أكاديميات عسكرية في دول الخليج، فمعظم الأكاديميات العسكرية في تلك المنطقة تأسست بخبرات أردنية، ولا تزال بصماتنا حاضرة في إنجازاتها.
يونيباث: كيف تستفيد كليات الدفاع الوطني الأخرى بالانتساب إلى كلية الدفاع الوطني الأردنية؟
العميد عزام: تاريخ الكلية ورؤيتها، فضلاً عن اهتمام جلالة القائد الأعلى، إذ يحرص جلالته على زيارة الكلية ومتابعة تطورها ومناهجها، جعل جميع مؤسسات الدولة تهتم بمساعدتها على التطور والتميز على المستويين الإقليمي والدولي، فصارت قادرة على أن تكون شريكاً مؤثراً وإيجابياً في إيجاد الحلول المتعلقة بأمن واستقرار المنطقة والعالم. وأمسينا محط أنظار المنطقة، خاصة عندما نتحدث من منطلق الاستراتيجيات والعمليات. ولا غنى عن التنوع لتدريب القادة، ومع أننا نمتلك كلية دفاع وطني تضم كل ركائز كليات الدفاع في الدول المتقدمة، فلا نزال نبعث دارسينا إلى أوروبا والولايات المتحدة وباكستان ودول أخرى. ولدينا في الكلية أيضاً أساتذة حاصلون على شهادات من عدة أكاديميات وكليات دولية، وهذا التنوع مصدر من مصادر القوة والتميز. أضف إلى ذلك خبرتنا المتراكمة ومصداقيتنا العالية وتطورنا المستمر وما يتمتع به الأردن من مناخ معتدل وطبيعة جغرافية يساعدان على استقبال الزوار، خاصة وأن المجتمع الأردني مجتمع كريم يرحب بضيوفنا. والثقة المتبادلة بيننا وبين أصدقائنا والقادة الذين تخرجوا في كليتنا على مر السنين أثبتت أن خريجي المعاهد وكلية الدفاع الأردنية يتمتعون بمهارات عالية ومؤهلين للقيام بواجباتهم القيادية. ولدينا معايير شتى، منها إننا نبني على رأس مالنا التاريخي وخبرتنا العريقة وعلى مصداقيتنا العالية عند تدريب القادة. وهذا رأس مالنا وسمعتنا، ولا يمكننا التفريط فيهما.
التعليقات مغلقة.