حماية الحدود
تشكل البنية التحتية والقوى العاملة أهمية قصوى بالنسبة لأمن الحدود
دي. بي. دى روش / مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا للدراسات الاستراتيجية
يُعد أمن الحدود محل اهتمام كل أمة في العالم. إذ تشتمل قضايا تعاطى المخدرات، والدعارة، والإرهاب والسرقات التافهة على بعد أمني حدودي، رغم أن هذا الأمر كثيراً ما تتم المبالغة فيه. ففي مناطق الشرق الأوسط ووسط وجنوب آسيا، يحظى الأمن بأهمية رئيسية كلما جاورت دول غنية دولاً فقيرة (مثلما هو الحال مع اليمن) أو جاورت دول مستقرة دولاً تشهد صراعات (كما هو الحال مع الدول المجاورة لأفغانستان).
ويُنظر إلى البنية التحتية للحدود على نطاق واسع، ومن الخطأ اعتبارها مسألة بسيطة تتعلق بالهندسة والإنشاء. ومن السهل تقييم مقاييس مثل “أميال من الأسوار المبنية”. فبناء بنية تحتية فعالة للحدود يعد عملية أكثر تعقيداً وشمولية من ذلك بكثير.
فمن المرجح أن يسفر التركيز على البناء والمرافق المادية مع إهمال جوانب أخرى، عن نتائج عكسية. فتغيير أنماط عمليات الاتجار، على سبيل المثال، قد يحول عبور الحدود إلى عملية عفا عليها الزمن، ومع ذلك يستمر عبور الحدود في استنزاف القوة العاملة والأموال الشحيحة لتبرير الاستثمار الأصلي.
وسوف يساعد النهج الشامل تجاه البنية التحتية لأمن الحدود في إرشاد صناع القرار لضمان أن تكون استثماراتهم مثمرة وتُنفذ بكفاءة، كما تتيح المرونة اللازمة للرد على الأنماط المتغيرة في الاتجار القانوني وغير القانوني. وتقترح هذه الدراسة إطار عمل تحليلي لتحليل مقترحات البنية التحتية للحدود. وسوف تساعد هذه الاعتبارات التحليلية واضعي السياسات في تحديد السياسة اللازمة وآثار دعم البنية التحتية لبرنامج معين للبنية التحتية للحدود.
القوى العاملة
تفشل العديد من برامج البنية التحتية لأمن الحدود في تحقيق أهداف سياستها في البداية بسبب سياسات وممارسات معيبة تتعلق بالقوى العاملة. وتنحصر هذه الأسباب في مجالين رئيسيين: الفساد وعدم الكفاءة.
يتطلب أي برنامج للبنية التحتية للحدود، بصرف النظر عن التفوق التكنولوجي، أفراداً لصيانته، ومراقبته وتشغيله. وحارس الحدود الفاسد أو الذي يعجز ببساطة عن أداء وظيفته سرعان ما سيجعل أي كمية تُصب من الخرسانة غير فعالة.
أما الفساد فهو الخطر الأكثر شيوعاً والمرتبط بقضايا الحدود. وفي أجزاء كثيرة من العالم، يتم توظيف حرس الحدود من بين السكان المحليين الذين لديهم أقرباء على جانبي الحدود. وفي أمن الحدود، تُعد أخطاء السهو (الإهمال في فحص شحنة قد تحتوي على ممنوعات) على نفس مستوى خطورة التواطؤ(مثل التسهيل النشط للتهريب). وهذه الحقيقة البسيطة تجعل الحد الذي يؤثر فيه الفساد على السياسة أدنى بكثير لقضايا الحدود من الأنواع الأخرى من سوء السلوك في تنفيذ القانون. ويمكن لتغيير طفيف في الكيفية التي يمارس بها حارس الحدود مهمته على هواه تأثير كبير على تدفق السلع الممنوعة.
ومما يضاعف من هذه المسألة هو شرط امتلاك أفراد أمن الحدود المعرفة المحلية ليكونوا أكثر فعالية. وفي الكثير من المناطق الأقل تطوراً في العالم، لا يتم الحصول على هذه المعرفة إلا بتوظيف مواطنين محليين للعمل كحرس حدود. وللأسف، فإنه من المحتم أن ترافق المعرفة المحلية روابط محلية، يمكن أن تؤثر بسرعة على عمل حارس الحدود.
ومن ثم تحظى التدابير المضادة، مثل الفحص أو اشتراط التناوب المتكرر وإعادة توزيع الأفراد، بأهمية مضافة في محيط أمن الحدود. ويجب أن يُنظر دائماً إلى الموظفين المحليين بدرجة مقبولة من الحذر، إن لم يكن الشك، ويجب الحكم على أدائهم بموضوعية للحد من الضغوط التي تفرضها العلاقات العائلية، والعرقية والقبلية عبر الحدود.
علاوة على ذلك، هناك العديد من أفراد أمن الحدود المتمرسين في القطاع المسند إليهم، ولكن معرفتهم محدودة بالاتجاهات الأكبر أو التطورات في ميدان أمن الحدود. وهذا بالطبع يخلق شعوراً بالرضا عن الوضع القائم وتستغله المنظمات الإجرامية المرنة لتحقيق مآربها الخاصة.
إن أفراد أمن الحدود في حاجة إلى التحلي بنظرة عالمية تشغيلية واستراتيجية لتمييز التغييرات والتطورات الدقيقة في عمليات الاتجار، إضافة إلى معرفة محلية تكتيكية للعمل بكفاءة في منطقة كثيراً ما يكون المتاجرون فيها من بين السكان المحليين.
ويتطلب تحقيق هذه الأهداف تدريباً أولياً على استخدام المعدات وتعليماً مستمراً للقادة الأقدم (مثل قادة القطاعات) على مهارات مجردة مثل التفكير والتحليل النقدي. ويمكن أن يتم التدريب تحت إشراف الجيش، الذي يدير في معظم البلدان نظاماً تعليمياً مهنياً.
الاستراتيجية
بسبب الاستثمارات المالية الكبيرة المطلوبة لمعظم البنية التحتية للحدود، كثيراً ما تصبح هدفاَ استراتيجياً بحد ذاتها. ويمكن قول الشيء ذاته عن مراكز القيادة، ونقاط المراقبة الثابتة والاستثمارات الأخرى.
وهذا النمط من التفكير خاطئ ويأتى بنتائج عكسية. فاستراتيجية مراقبة حدود دولة ما يجب أن تقود توجه بنيتها التحتية، وليس العكس. وتكون البنية التحتية فائضة عن الحاجة، سواء عن طريق تحويل أنماط الاتجار أو النجاحات في تنفيذ القانون، ويجب تقييمها دورياً والنظر في إعادة تطويعها، أو إعادة تمركزها، أو تعطيلها أو التخلي عنها.
وباستطاعة كل جهاز أمني في العالم أن يستخدم مزيداً من الأموال والأفراد. ومن شأن الاحتفاظ ببنية تحتية دون المستوى أن يستنزف هذه الموارد ويحول دون استخدامها في مواجهة التهديدات الناشئة أو الراسخة في مكان آخر.
وتتطلب استراتيجيات مراقبة الحدود نفسها مراجعة وتقييماً مستمرين. والبنية التحتية التي تدعم هذه الاستراتيجيات جزء من دورة التقييم نفسها. وبالنظر إلى أن البنية التحتية تحتاج إلى أموال طائلة ويصعب الطعن فيها سياسياً، يجب النظر في جعل المرافق صغيرة ومتنقلة قدر الإمكان.
وحيث أن من الضروري تعديل الاستراتيجية وفقاً للظروف، يجب أن تأتي الاستراتيجية في المرتبة الثانية بعد الأفراد. ويجب تثقيف العاملين في نظام أمن الحدود لفهم اعتبارات استراتيجيتهم وإجراء التعديلات، أو التحسينات أو التغييرات عند اللزوم. فعلى سبيل المثال، دفعت طبيعة التغييرات المستمرة للتهريب البحري قبالة القرن الإفريقي حرس السواحل اليمني إلى تصعيد دورياته في مناطق النشاط المرتفع، والتعاون مع قوات بحرية لدول اخرى من أجل اعتراض الأسلحة التي يجري تهريبها إلى داخل اليمن.
المعدات
إن المعدات والبنية التحتية متلازمتان في الأهمية في معظم أوضاع أمن الحدود. فالبنية التحتية يجب أن تسمح بتشغيل المعدات إلى أقصى طاقتها (كما هو الحال مع أجهزة المراقبة)، ويجب أن تُبقي المعدات متطلبات البنية التحتية عند حدها الأدنى.
ويتطلب تحقيق هذا المستوى من الكفاءة تخطيطاً وتنسيقاً مشتركين.يجب دمج قدرات المعدات (المتوفرة والمتوقع توفرها) في تخطيط البنية التحتية ومتطلبات البناء.
وتتطلب توافقية التشغيل، لا سيما أجهزة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، تركيزاً خاصاً. إذ يجب تقييم التوافقية داخل الوزارات وعبرها، وأيضاً مع الدول الشريكة لكي تكون أي عملية مراقبة حدود فعالة حقاً. وفي مجال مكافحة القرصنة، مثلاً، عملت قوة العمل المشترك 151 منذ عام 2009 كقوة بحرية متعددة الجنسيات مستخدمة إجراءات وتقنيات مشتركة لإحباط التهديدات الإقليمية.
من الخطأ اعتبار المعدات الجديدة بمثابة الدواء الشافي. وينبغي على المرء أن يدرك أن الميزة المؤقتة للتكنولوجيا يمكن أن تمحو أثرها أي منظمة اتجار قابلة للتكيف، ويجب اختيار المعدات ليس لمجرد قدرتها التكنولوجية وإنما يجب أن تكون أعيننا مفتوحة على التكيف المتعدد الوظائف.
الخلاصة
يشكل أمن الجدود تحدياً عالمياً نادراً ما يعالج على نحو كلي. وتعود بعض أسباب ذلك إلى التعقيدات المرتبطة بالأفراد، والتعليم، والبنية التحتية، والميزانيات والتكتيكات المتطورة للمجرمين الذين يسعون إلى استغلال نقاط الضعف.
كما أن البنية التحتية لأمن الحدود باهظة التكاليف، ولا توفر في كثير من الأحيان سوى زيادة مؤقتة في توفير الأمن. وقد شهدت الولايات المتحدة ذلك على طول حدودها الجنوبية الغربية. لذا يجب على المسؤولين أن يطوّروا استراتيجية شاملة لمراقبة الحدود لتحديد احتياجات البنية التحتية والمعدات الهامة والقابلة للتكيف، وكذلك التصدي للفساد الداخلي وتوفير التعليم والتدريب المناسبين لحرس الحدود ومسؤولي الجمارك. وسوف تضمن هذه الإجراءات التي تُتخذ معاً في مناخ من الفحص والنقد الذاتي، الاستخدام الكفء للقوة العاملة والموارد الشحيحة لتطبيق الأمن على الحدود.
Comments are closed.