القوة الناعمة
العمليات المدنية- العسكرية هي مفتاح التصدي للتهديدات غير التقليدية
أسرة يونيباث
لا يمكن الانتصار في جميع المعارك بالقوة وحدها. إذ يتعين على أفراد القوات الأفغانية الخاصة أن يكونوا محاربين ودبلوماسيين في الوقت ذاته لمواجهة التهديدات الأمنية المعقدة في بلادهم.
يعتقد اللواء دادان لوانغ، قائد اللواء الرابع فيلق201 مشاة في الجيش الوطني الأفغاني، أن هذا الدور المزدوج بالغ الأهمية للتغلب على التحديات التي تجلبها التنظيمات الأرهابية والمتطرفة. هذا هو السبب في أن قوات النخبة في البلاد وهي قوات العمليات الخاصة – المؤلفة من 14000 عنصر – قوية وآخذة في النمو- تتلقى تدريباً يتجاوز المهارات التكتيكية. فقوات العمليات الخاصة الأفغانية تتعلم العمل مباشرة مع المجتمعات المحلية في مشاريع تساهم في حل المشاكل وبناء علاقات طويلة الأجل.
على سبيل المثال، «كان هناك نزاع في إحدى القرى على المياه، فقامت الكتيبة الأولى بحفر قنوات لجلب المياه إلى القرية.وساعد عمل الكتيبة جنود [القوات الخاصة] في تسوية النزاع وتهدئة القرية»، حسب قول لوانغ الذي أوردته مجلة الحروب الخاصة. لقد خدم مشروع البنية التحتية كوسيلة يبني بها الجيش الثقة والولاء داخل المجتمع.
تمثل هذه الأنواع من العمليات المدنية- العسكرية أداة مهمة ومنخفضة التكاليف للقوة الناعمة التي تواجه بها الجيوش تهديدات الحروب غير النظامية. يمكن أن تعالج هذه العمليات المشاكل الناجمة عن الفقر وعدم الاستقرار التي تجعل الناس عرضة لتجنيدهم من قبل المتطرفين ولرسائلهم المتطرفة. ومن خلال العمل مع المجتمعات المحلية لتحديد ومعالجة هذه المشاكل الكامنة، تتاح فرصة فريدة أمام أفراد القوات الخاصة لمنع نشوب الصراعات أو استعادة الاستقرار.
العمليات المدنية – العسكرية تجسّد مبدأين من «المبادئ» الأساسية لقيادة العمليات الخاصة الأمريكية – يتمثل المبدأ الأول أن وحدات القوات الخاصة تحتاج الكثير من المساعدات التي تختلف عن ما تقدمه قواتها، أما المبدأ الثاني فيرتكز على أن البشر أهم من العتاد. وفي حين أن هذين المبدأين من خصائص تنظيمات القوات الخاصة الناجحة، فإنها يمكن أن تنطبق أيضاً على القوات النظامية.
وتقوم القوات الخاصة الأفغانية منذ سنوات بهذه الأنواع من نشاطات بناء العلاقات والتواصل المجتمعي، مثلما فعل أفراد عموم الجيش والشرطة الوطنيين الأفغانيين. فقد ساعدت قوات الأمن في إنعاش اقتصادات القرى بتوفير الخدمات والإمدادات الزراعية. كما وفرت رعاية صحية للمرضى والجرحى.
قال لال محمد محافظ منطقة شنداد بعد أن قدم جنود القوات الخاصة رعاية طبية للسكان المحليين في آب/ أغسطس 2013، «إن قواتنا الأفغانية الخاصة توفر الرعاية لشعبنا. فهي توفر الأمن للقرى، وتقدم مساعدة طبية لمرضانا بالمجان».
ولا يقتصر تنفيذ العمليات المدنية-العسكرية في أفغانستان على القوات الأفغانية فحسب؛ فمنذ عام 2006، استعانت قوة المساعدة الأمنية الدولية بفرق إعادة البناء الإقليمية في تحسين الأمن من خلال الترويج للحكم العادل وتعزيز مشاريع التنمية. وتتألف هذه الفرق من قوات عسكرية دولية ومدنيين يعملون مع الزعماء المحليين، والمنظمات غير الحكومية والأمم المتحدة، إلى جانب الحكومة الأفغانية، والجيش والشرطة لتنفيذ برامج ومشاريع لتحسين الحياة اليومية للأفغان. تقوم هذه الفرق ببناء المدارس والطرق. وتدرّب المزارعين على استخدام التقنيات الجديدة التي تزيد من غلة المحاصيل. وتساعد في بناء المستشفيات التي دمرتها الهجمات الإرهابية. وفي إقليم زابول قامت إحدى الفرق في الآونة الأخيرة، بإطلاق محطة إذاعية جديدة لتثقيف الجمهور حول القضايا القانونية الهامة في المنطقة، والحقوق القانونية للسكان وجهات الإبلاغ عن الجريمة.
قال المدعى العام لإقليم زابول عبد الغفار أفضلي، «إن شعب زابول ليس لديه فكرة عن كيفية مواجهة الفساد، لا سيما في الحكومة الإقليمية. ومع التعليم، سيكون قادراً على مكافحة الفساد، والشعور بالثقة في الجهاز القضائي».
تحدي الفكر المتطرف
إن المساعدة الملموسة ليست هي المساعدة الوحيدة التي يمكن أن تقدمها المشاريع المدنية-العسكرية.
ففي أفغانستان، طالما شوهت حركة طالبان صورة الإسلام، وقدمت تفسيرات مشوهة للدين لتبرير العنف والقتل. وقد دفع هذا العمليات المدنية- العسكرية الأردنية إلى التركيز على مشاريع الدعاية المضادة بهدف الترويج للإسلام كدين سلام. فمنذ عام 2006، خدم أئمة مساجد تابعين للقوات المسلحة الأردنية في فرق التواصل التي تسافر عبر أفغانستان لنشر ما يُعرف برسالة عمّان. وكان العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني قد أطلق رسالة عمّان عام 2004 لتشجيع المسلمين على رفض التطرف وإبراز صورة الإسلام كدين السلام، والتسامح والوحدة. وقد صادق على الرسالة مئات من أبرز علماء وقادة المسلمين في العالم.
قال الإمام النقيب الأردني صبرى أحمد علي القودة، كبير الأئمة الملحق بفريق التواصل الأردني المتمركز في قاعدة باغرام الجوية، «نحن نريد أن نتأكد من أن السلام والرخاء يسودان في أفغانستان. ونحن نقدم المساعدة في فهم علماء وشعب أفغانستان، و أفراد الجيش الأفغاني للعقيدة الإسلامية».
استغلت طالبان الفكر المتطرف لفترة طويلة في اجتذاب مجندين جدد. وتسعى مهمة الأردنيين إلى توعية الجمهور كي يدرك أن طالبان تستخدم الأكاذيب والخداع لتحقيق أهدافها. وكانت الدعاية المتطرفة فعّالة على نحو خاص في المناطق النائية من البلاد، حيث لا توجد أصوات تفنّد هذه الرسائل.
قال الملا إظهار الدين، وهو عالم دين من إقليم خوست بأفغانستان، «إننا جميعاً نتفق مع علماء المسلمين الأردنيين. ونحن نريد من الأئمة أن يتحدثوا إلى الملالي [الداعمين لطالبان]، ويثبتوا لهم أن السبب الذي يستخدمونه لتبرير قتل الناس هو شيء خاطئ».
يستعين الأئمة الأردنيون بنسخ عربية أصلية من القرآن الكريم في الرد على أسئلة الأفغان الذين لا يمكنهم في كثير من الأحيان قراءة القرآن بلغته الأصلية ويتعرضون لتفسيرات غير صحيحة.
قال الإمام الملازم ثاني الأردني ثابت عبد الرحمن صالح بني عامر، «لدينا مرجعية. نرجع إلى القرآن الكريم وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم. هذا هو مرجعنا. وإذا ما اختلفت مع شخص ما، نلجأ إلى المرجعية؛ المرجعية بكل بساطة هي القرآن الكريم».
فعلى سبيل المثال، علم الفريق الأردني خلال لقاء مع سكان إحدى القرى، أن طالبان تنشر رسالة مفادها أن كل من يرتدي زياً، مثل أفراد قوات الأمن الوطني الأفغاني، هو كافر. وقام الأئمة بتوضيح يبين عدم صحة هذه الرسالة – فالكفرة يُعرّفون بآثامهم وليس بثيابهم. ومن التشويهات الأخرى التي يروجها الإرهابيون أن الإسلام يسمح بالتفجيرات الانتحارية. ورد عامر ذلك بقوله إن القرآن يحرّم الانتحار، مثلما يحرّم قتل الأبرياء.
قال عامر، «إن الناس لا يعرفون من يجب اتباعهم وتصيبهم دعايات المتمردين بالبلبلة. لذلك نحن في حاجة إلى استجلاء وتنوير عقول الناس ...ونحن في حاجة إلى مواجهة دعايات… المتمردين».
لم تركز الفرق الأردنية جهودها على عامة الناس فحسب؛ بل عملت أيضاً مع أفراد الجيش الأفغاني حتى يمكنهم بالتالي نشر المعلومات عن الإسلام الصحيح.
تكتيكات العدو
قد تبدو مسابقات الآيس كريم وشد الحبل مثل ألعاب الأطفال، ولكن الإرهابيين يستخدمون فعاليات من هذا القبيل في سوريا لكسب التأييد الشعبي. لقد أقرت جماعات مثل القاعدة بالقوة التي يوفرها كسب ولاء الناس. فبعد أن تعلم زعماء الإرهابيين من أخطاء الماضي، أدركوا أهمية تحسين صورتهم.
هذه هي الكيفية التي تستغل بها جبهة النُصرة، وهي فرع من فروع القاعدة في سوريا، الفوضى في البلد الذي تمزقه الحرب. فهذه الجماعة الإرهابية توفر الغذاء، والدواء وإمدادات أخرى للناس الواقعين في مرمى التراشق بالنيران. ولكي يكون للدعاية تأثير أكبر، أخذت جبهة النُصرة في عرض فيديوهات توثق «عملها الصالح». غير أن المحاولات الدعائية هذه لم تكن مجدية بالنظر إلى أن زملاء النُصرة من فروع القاعدة الأخرى في العراق المجاور كانوا في نفس الوقت يفجرون ويقتلون المدنيين.
في المنتدى الاقتصادي العالمي في كانون الثاني/ يناير 2013، اقترح الملك عبد الله الثاني عاهل الأردن خطة لإرسال معونات إلى السوريين المحتاجين لا تساعد فقط في إعالة ضحايا العنف وإنما أيضاً في «كسب القلوب والعقول حتى لا تقع فريسة في أيدي المتطرفين».
وفيما تواصل الجيوش التصدي لتكتيكات العدو بعمليات مدنية- عسكرية، يمكنها أيضاً تحقيق استقرار المجتمعات المحلية لتقوية الناس للحيلولة دون وقوعهم ضحايا لتنظيمات التطرف والأرهاب. ويمكن أن تساعد مهام القوة الناعمة هذه في إحداث تغيير دائم في مناطق الصراع وإحلال السلام الدائم في نهاية المطاف.
نود أن نسمع منك.
- ما هو نوع العملية المدنية- العسكرية التي يؤديها جيشك؟
- بوسعك المساعدة في إثارة نقاش عسكري مهني من خلال تبادل خبراتك وأفكارك. وترحب مجلة يونيباث بمقالاتك وصورك.
بريد إلكتروني :unipath@centcom.mil.
Comments are closed.