أمن الحدود والحد من الطلب يمكن أن يخفف من آفة الهيروين الأفغاني
هيئة يونيباث
سُمّي بمشهد يوم الحساب بالنسبة لأفغانستان: بينما يتحمل الجيش والشرطة الأفغانية مسؤولية أكبر للحفاظ على أمنهم القومي، سيرتفع إنتاج الأفيون بسرعة صاروخية تشكل عواقب وخيمة على المنطقة والعالم.
مع ذلك، فإن هذا المشهد هو مجرد واحد من العديد من المفاهيم الخاطئة التي حددها الخبراء في رسم الخطوط العريضة لاستراتجية قمع تهريب المخدرات، والتي تفسد صحة الملايين في تجسيدها الأفغاني، وتغذي الفساد وتموِّل الإرهاب. إن تحسين أمن الحدود والحد من طلب العامة على المخدرات يتصدر قمة الحلول.
”قد يجادل البعض قائلًا إن استدامة جهود مكافحة المخدرات في إفغانستان مقضي عليها،” كما ورد في دراسة أمريكية– روسية مشتركة بعنوان “تهريب المخدرات الأفغانية: تقييم تهديد مُشترَك.” “ومع ذلك، فإن هذا التقرير يتناول الموضوع من وجهة نظر مبسطة للغاية تنم عن رفع اليد عن الموضوع يعتبر أن المشكلة الأفغانية أصبحت …مسألة مستعصية على الحل.”

وبالتفكير مليًا في عمليات حفظ السلام متعددة الجنسيات في أفغانستان على مدى أكثر من عشر سنوات، يشكك الخبراء في بنود أخرى في حملة مكافحة الأفيون، وهم لا يثقون كثيرًا في التركيز الموطَّد على القضاء على حقول الخشخاش، وحجتهم في ذلك أن تدمير المحاصيل في إحدى المحافظات يميل إلى تحويل الإنتاج إلى محافظات أخرى، ويشككون في الاعتقاد بأن التنافس بين دول آسيا الوسطى سيحول دون التعاون على وقف المخدرات. كما يحقق هؤلاء الخبراء فيما إذا كان الترخيص للمزارعين الأفغان لإنتاج الأفيون بشكل قانوني للاستخدام الطبي، وهي تجربة تسير بشكل جيد في تركيا، يمكن أن تساعد على بناء الاستقرار.
ليس هناك يوم حساب
مع أن هناك مؤشرات قليلة على تراجع إنتاج الأفيون في أفغانستان، يبدو النمو الذي طرأ مؤخرًا غير مستدام. تشير التجربة الروسية إلى سبب لذلك.
كأكبر سوق منفردة للهيروين الأفغاني، تعاني روسيا من الإدمان والأمراض مثل فيروس نقص المناعة البشرية المرتبطة باستخدام الإبر الملوثة. أصبح الهيروين رخيصًا ووفيرًا عندما كانت روسيا تشهد طفرة اقتصادية تغذيها مبيعات النفط والغاز. ويقدر مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة عدد مستخدمي الأفيون الروس بِــ 1,7 مليون شخص، أي أكثر من 1,6 في المئة من سكان البلاد، وارتفع عدد المدمنين بنحو 80,000 في السنة.
”لقد نزل علينا كالانهيار الجليدي،” حسب قول الدكتورة إكاترينا ستيبانوفا، وهي خبيرة روسية قدمت بحثها لتقرير مكافحة المخدرات الأفغاني.
لكن الانهيارات الجليدية تخمد في العادة، وهذا ما يمكن أن يحدث في روسيا استنادًا إلى تجربة أوروبا الغربية، وهي وجهة كبيرة أخرى للأفيون الأفغاني. لقد استقر استخدام المخدرات هناك أو تراجع كأعمار السكان المستخدِمين، واتباع عدد أقل من الشباب لهذه العادة.
ذلك يعني أن الطلب على أفيون أفغانستان يمكن أن يصل إلى سقف محدد مع انعكاسات على المنتجين والمتاجرين العاملين في أفغانستان وحولها. ويمكن لروسيا أن تصبح بلد عبور للمخدر أكثر من كونها أمة مستهلكة له بشكل حصري تقريبًا.
التشكيك في الاجتثاث
لقد ضغطت روسيا بشكل كبير للقيام باجتثاث حقول الخشخاش عبر الجو، وهي تقنية متبعة في أماكن مثل أمريكا الجنوبية للقضاء على محاصيل نبات الكوكا، المكوِّن الأساسي للكوكايين.
لكن خبراء مثل فاندا فيلاب-براون من معهد بروكينغز والتي تصر على أن اجتثاث الحقول —وبالتالي أسباب العيش لآلاف من الأفغان الفقراء—سيعمل على تقوية الروابط بين المزارعين والمتطرفين.
وصفت براون اجتثاث الحقول بأنه “أسوأ سياسة،” وأصرت على أن جماعات مثل طالبان تتبنى بسخرية قضية الأفيون غير المشروع لتحوِّل نفسها إلى “قوى سياسية واسعة السُلطة” ضمن الــ 20 بالمئة من الأفغان الذين يعيلون أنفسهم من خلال زراعة الخشخاش. فالخشخاش الذي تُستعمَل بذوره أيضًا للغذاء، يُزرَع منذ قرون في المنطقة.
وقالت فاندا فيلاب-براون في الندوة الدولية الخامسة حول الإرهاب والجريمة عبر الوطنية التي انعقدت في تركيا في ديسمبر/ كانون الأول 2013،”إنه يلقي السكان بأيدي الميليشيات.”
يمول الأفيون أيضًا نفس أولئك المتطرفين. من خلال فرض الضرائب على المزارعين—الأمر الذي يعتبر عموما شكلاً من أشكال الإبتزاز—جنت طالبان ملايين الدولارات لشن حملات عنيفة ضد قوات الأمن الأفغانية والقوات متعددة الجنسيات.
أحد صغار المُلاّك في محافظة ننجرهار الشرقية، والذي يدعى خان باشا، قال لوكالة الأسوشييتد برس إن المتطرفين طلبوا دفع “ضريبة دينية” على شكل أفيون.
”يقولون إننا ذاهبون للجهاد،” ذكر باشا في مقالة الأسوشييتد برس لشهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2013. “ما نعطيه هو مال الله.”
حماية الحدود
إن التخلي عن الاجتثاث كاستراتيجية أولية يحول التركيز إلى اعتراض الأفيون بعد الحصاد. لقد كان الكثير من التركيز على ما يسمى الطريق الشمالي الذي يعبر في المقام الأول طاجيكستان وكازاخستان في طريقه إلى السوق الروسية وما وراء ذلك.

هناك مسار أكثر غزارة ، يدعى طريق البلقان، يبدأ في غرب أفغانستان، ينحرف إلى الجنوب من بحر قزوين ويستخدم تركيا كجسر بري إلى الأسواق الأوروبية.
تفخر تركيا بأنها الرائدة في العالم في مضبوطات الهيروين بكميات كبيرة، ولكنها تشير إلى أن عشرات الآلاف من مواطنيها يستمرون في كسب العيش من خلال التجارة غير المشروعة. يقول د. بِهست إكيسي، مسؤول في الشرطة التركية الشرقية التي تكافح تجارة الهيروين في الشرق الأوسط: “المخدرات والفساد متلازمان.”
إنها ليست بالمفاجأة الكبرى، أن تكون تركيا قد ساعدت على قيادة الطريق للتدريب على تقنيات مكافحة المخدرات وأمن الحدود للكازاخ، والطاجيك، والأفغان والقيرغيز، نظرًا للروابط العرقية الموجودة بين تركيا ومعظم جمهوريات آسيا الوسطى.
وشاركت الأكاديمية الدولية التركية لمكافحة المخدرات والجريمة مع منظمة حلف شمال الأطلسي وروسيا ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة في تدريب أكثر من 2,000 من ضباط مكافحة المخدرات في آسيا الوسطى وأفغانستان. إضافة إلى ذلك، شكلت مبادرة شرق آسيا لمكافحة المخدرات فرق عمل لمكافحة المخدرات عبر آسيا الوسطى لضبط الأفيون والهيروين الذي يمر معظمه عبر نقاط العبور الإقليمية.
وأشارت مقالة في وورلد بوليتكس ريفيو عام 2012 إلى أن “شبكة مكافحة المخدرات الناتجة قد تؤدي إلى ربط كل من بلد المصدر الرئيسي للمخدرات، أفغانستان، مع بلدان العبور الرئيسية في أوراسيا، وأن الكثير منها أصبحت أيضًا من كبار المستهلكين للمخدرات الأفغانية بحد ذاتها.”
وهناك حاجة إلى مثل هذه الشبكة لمكافحة المخدرات الآن أكثر من أي وقت مضى: فرغم التدابير الرامية إلى زيادة الفعالية من خلال مسؤولين في الشرطة والجيش والجمارك الأفغانية، فإنها ما زالت تكافح لمواكبة الزيادة في إنتاج الأفيون الأفغاني.
ترخيص الأفيون؟
يمكن لتركيا أن تقدم أيضًا مثالًا آخرًا مفيدا يخدم استراتيجية عالمية لمكافحة المخدرات.
تشرف الحكومة التركية والأمم المتحدة على استنبات حوالي 35,000 هكتار من الأفيون موزعة بين 13 محافظة. لا يخدم المحصول السوق المشروع للاستخدام الطبي فقط، إنما يلبي الطلب على بذور الخشخاش للسلع المخبوزة.
ذكرت الأمم المتحدة في تقرير لها أن تركيا تدرك أن الأفيون من أسهل المحاصيل للتنمية على الأراضي المنتجة بشكل هامشي، وأن ما يصل إلى 100,000 مزارع—يمتد ذلك ليشمل 500,000 آخرين من أقاربهم—يستفيدون ماليا من البرنامج.
تتم معالجة معظم ذلك الإنتاج في مصنع أشباه قلويات الأفيون التي تديرها تركيا وتصدرها إلى الخارج، وأكبر العملاء هو سوق المستحضرات الدوائية في الولايات المتحدة.
يشير العديد إلى أن هذا النموذج قابل للتصدير إلى أفغانستان، حيث يترسخ الخشخاش في الثقافة ويستخدم كدواء قِبَلي.
