العميد عمار الياسري، القوة الجوية العراقية
أمست القوة الجوية العراقية بحلول النصف الثاني من عام 2021 مسؤولة مسؤولية كبيرة عن شن غارات جوية مستقلة على أهداف داعشية؛ إذ تمكنا في الواقع من شن المزيد من الضربات بين شهري حزيران/يونيو وكانون الأول/ديسمبر 2021 أكثر من جميع الضربات التي شنتها قوات التحالف الدولي خلال الفترة ذاتها من عام 2020.
تمثل هذه القدرة على التخطيط لعمليات مستقلة وتنفيذها خطوة مهمة نحو الاكتفاء الذاتي للقوة الجوية العراقية وتوفر قدرة عراقية هجومية تتسم بالقوة والكفاءة ستساهم في نجاح مهمة مكافحة داعش.
إلا أنَّ النجاح لا يخلو من التحديات. فشأنها شأن الكثير من القوات الجوية المتقدمة في شتى بقاع العالم، يجب أن تتقن القوة الجوية العراقية كيفية إدارة وصيانة أسطول ثمين من الأصول العسكرية لمواجهة التهديدات الأمنية دائمة التغير، في ظل عدم الاستقرار السياسي العالمي واضطراب الاقتصاد الدولي.
نبذة تاريخية
تأسست القوة الجوية العراقية في عام 1931 خلال فترة سيطرة بريطانيا على العراق عقب الحرب العالمية الأولى. واستمرت في النمو من عام 1930 إلى عام 1990، وبلغت ذروتها في التعزيزات العسكرية خلال الحرب الطويلة بين إيران والعراق، إذ ضمت حينذاك 1,029 طائرة، 550 منها مقاتلة؛ مما جعلها أكبر قوة جوية في المنطقة آنذاك.
دمرت حرب عام 2003 قدرات القوة الجوية وبنيتها التحتية، وكان غياب العتاد والكوادر البشرية أحد أكبر التحديات التي تواجه القوة الجوية العراقية وشركاءها في التحالف. وشرعت منذ ذلك الحين في عملية إعادة بناء شاقة ومكلفة بسواعد طيارين عراقيين متمرسين، وتتلقى القوة الجوية العراقية معظم تدريباتها وطائراتها من الولايات المتحدة.
تتألف القوة الجوية العراقية في الوقت الراهن من نحو 175 طائرة وتعمل كقوة دعم للجيش والبحرية العراقيين، بحيث تمكنهما من نشر قواتهما بسرعة.
سحق داعش
غزا داعش بقاعاً كثيرة من العراق وسوريا في حزيران/يونيو 2014، ووقع ما يقرب من 30% من المحافظات العراقية ذات السيادة تحت سيطرة تلك العناصر الإرهابية، إلا أنَّ احتمالية انتشار عدم الاستقرار والأزمات الإنسانية دفع الشعب العراقي إلى التحرك.
كيف يستطيع العراق أن يتصدى لقوة داعش المتزايدة ثم يدحر تنظيماً سيطر على بقاع كثيرة من البلاد دون خسائر فادحة؟ سرعان ما اتضحت الإجابة: القوة الجوية.
وفي ظل كل التحديات الفنية وتحديات الإمداد والتموين، تشاركت القوة الجوية العراقية المسؤولية مع قوات التحالف لدعم القوات البرية العراقية؛ فأسقط الطيارون إمدادات إنسانية، وأجروا استطلاعات جوية، ونقلوا الشهداء والجرحى في صفوف رجال القوات المسلحة والمدنيين، وضربوا قدرات داعش وبنيتها التحتية.
كل هذه العمليات عجَّلت بالقضاء على واحد من أبشع الأعداء الغاشمين الذين تجرأوا على مهد حضارتنا العريقة.
وساهم الجيش الأمريكي وشركاؤه في التحالف – 29 دولة – بالدعم العسكري من خلال توفير المعلومات الاستخبارية الأساسية وتوجيه ضربات جوية دقيقة. وخلاصة القول أنَّ العراقيين ما كانوا لينجحوا في استعادة الأراضي من داعش بدون القوة الجوية للولايات المتحدة وقوات التحالف.
أكسب شركاء العراق في التحالف الدولي، المتمركزون داخل الدولة وخارجها، عناصر القوة الجوية العراقية المعرفة والمهارات والخبرة اللازمة ليأخذوا زمام المبادرة في قتال داعش جواً.
قدمت قوات التحالف الدولي دعم كبير في الإمداد والتموين والعمليات للقوة الجوية، وانتقل الطيارون العراقيون من نجاح إلى نجاح في تطوير قدراتهم.
وغدت القوة الجوية العراقية بحلول عام 2021 القوة الضاربة الرئيسية للبلاد، ولاحقت فلول داعش وقضت عليهم ودمرت ما تبقى من أوكارهم.
النهوض بالقوة الجوية
للقوة الجوية دور شديد الأهمية في الحرب الحديثة؛ لأنَّ العمليات الجوية الباسلة تعجِّل بهزيمة العدو. ولا غنىً عن العمليات الجوية المشتركة – أي تكامل جهود جميع الشركاء – لتقليل الخسائر في أوقات الحرب.
وهذا يدل على أنَّ القوة الجوية العراقية يجب أن تواصل مسيرة التحديث ومواكبة التهديدات الراهنة في المنطقة.
ومن الناحية العملية، لا بدَّ للعراق من امتلاك طائرات مقاتلة متقدمة وأنظمة دفاع جوي متكاملة، ويجب أن تشارك القوة الجوية في التمارين العسكرية مع قوات التحالف. ولعلَّ الأهم من ذلك أنَّ القوة الجوية عليها صقل مهاراتها من خلال التدريب والدورات التي تقدمها البلدان المشاركة في التحالف الدولي والإقليمي.
ساهمت بعض الابتكارات الحديثة في رفع كفاءة قواتنا؛ أولها إنشاء «خلية جوية» لتنسيق الأنشطة بين الدفاع الجوي وطيران الجيش والقوة الجوية العراقية.
ومسيطرو الهجوم التكتيكي العراقيون هم عناصر من جهاز مكافحة الإرهاب العراقي يتدربون على توجيه الضربات الجوية ليل نهار باستخدام أجهزة اتصالات محمولة؛ وهذه القوات المتخصصة تتدرب لمدة 10 أسابيع، ويتراوح عددها من ثمانية إلى 10 أفراد في كل لواء من ألوية قوات العمليات الخاصة العراقية.
لا داعيَ للخوض فيما نعرفه جميعاً، وهو أنَّ التحديات الأخطر التي نعيشها اليوم تهديدات عالمية من حيث نطاقها: الجائحة، وأزمة اللاجئين، والتغيرات الاقتصادية المزعزعة للاستقرار، والصراعات العنيفة التي يستغلها المتطرفون الدوليون.
وكل هذه التحديات تتطلب وجود مصلحة مشتركة بين قوات الأمن للتعاون والتنسيق.
التعليقات مغلقة.