تهديد إرهابي متعدد الأجيال
أبناء المقاتلين الارهابيين المحتجزين في مخيمات اللجوء يمثلون أرضية خصبة لتجنيد الارهابيين
اللواء عبدالله غانم القحطاني، التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب
الصور عائدة لوكالة رويترز
يُتهم الدِّينُ الإسلامي وأتباعُه ظلمًا بالإرهاب بشتى صوره وأشكاله المعاصرة، لكن الحقيقة أن أتباع هذا الدِّين المتسامح القويم، أفرادًا ومجتمعات ودولًا، هم الضحية الأولى للإرهاب والتطرف والغلو والتشدد والكراهية والعنصرية، نتيجة لسياسات طائفية عابرة للحدود تستغل الدِّين لتحقيق أهداف سياسية مختلفة، فكان من نتاجها هذه الحروب الضروس التي تشنُّها المنظماتُ الإرهابية وعناصرها ضدَّ حياة هذا الإنسان العربي والمسلم وغيره على سطح هذا الكوكب.
لقد أصبح العالم بأكمله في مرحلة صراع واشتباك دائمين مع هذا الإرهاب، ومع تنظيماته، وأفكاره، ووسائله الإعلامية، وآلته القاتلة. ولا يزال جميعُ الناس في ذهولٍ وحيرة أمام حجم التمويل الكبير الذي يمدُّ الإرهاب وتنظيماته دون توقف، حتى صار هذا التمويل عصبَ حياة الإرهاب ورئتَه التي يتنفَّس منها. ومازال الممولون الحقيقون محصنين من المسائلة رغم الجهود الكبيرة التي بذلت لتجفيف مصادر تمويل الارهاب بما فيها غسل الأموال من التهريب، وتجارة المخدرات، والاتجار بالبشر، إذ مازال لديهم نفوذ إلى مصادر الطاقة، وخزائن ثروات البنوك في بعض الدول.
وإذا كان الأمر مسلّمًا به من حيث وجوبُ محاصرة الإرهاب على جميع المستويات، فحقيقة الأمر أن العقل الباطني لدى القادة ومؤسسات الدول لا يتخذ خيارات استخدام أحد وسائل القوى الناعمة لمواجهة الإرهابيين قبل خيار استخدام القوة المسلحة، بمعنى أن جميع الدول وأجهزتها ومؤسساتها لا تتبنى أي وسيلة للردع قبل استخدام القوة، التي ترى أنها الأنسب لتحقيق نتائج عاجلة ومثمرة في إطاحة المنظمات وعناقيدها الإرهابية. ومع أن ذلك يبدو الأمر منطقيًّا لمواجهة مسلحين أعداء غايتهم القتل والتدمير، إلا أن ذلك لم يكن كافيًا للقضاء على الإرهاب نهائيًّا.
من هنا ندرك منطقية عمل التحالف العسكري الإسلامي لمحاربة الإرهاب الذي وضع إستراتيجيته وفق مشاريع تقوم على مبادرات عملية حقيقية تهتم بسلاح الفكر والبرمجة، والبرامج الإعلامية، والتعاون مع دول العالم ومنظماته؛ لتجفيف تمويل الإرهاب، ولم يغفل التحالفُ الجانبَ العسكري من طريق دعم الدول الأعضاء بما تحتاج إليه من برامج تدريبية ولوجستية مختلفة لمواجهة هذا الشر المدمر، إضافة إلى دعم أي عمليات مشتركة بما تحتاج إليه من مواد تُسهم في نجاح العمل، وبسط الاستقرار.
صحيحٌ أن هناك جهودًا دولية كبيرة بُذلت ولا تزال تبذل للتغلب على الإرهاب، وصحيحٌ أيضًا أن هناك محاولات جادة تسعى لطي هذه الصفحات المظلمة، لكن أغلب المؤشرات والدلائل ليست مبشِّرة بتحقيق ذلك قريبًا؛ بل إن الجميع أمام مشهدٍ غريب وخطر.
وعلى الرغم من أن المنظمات الإرهابية في تراجعٍ كبير إلا أنها تمتلكُ المرونةَ العالية، ولديها المقدرةُ السريعة على التكوّن المفاجئ، وأخذ مكانها من جديد، بطرق مختلفة غير معهودة، وهذا يُعدُّ تحديًا كبيرًا أمامَ دول العالم ومنظماته وتحالفاته وأجهزة استخباراته التي تحارب الإرهاب. ومع تسليمنا واتفاقنا على أن الحربَ ضدَّ الإرهاب عملٌ مشروع لكلِّ دول العالم، إلا أن الدولَ الكبرى الصناعية -المتمثلة بدول مجموعة الثمانية (جي.8)- يفترضَ أن تتحمل مسؤولياتها بطريقة أشمل وأوسع، من كلِّ الجوانب: العسكرية، والمالية، والأمنية، والرصد المعلوماتي، وإتاحتها بلا قيود. والسبب في ذلك أن هذه الدول الثمان عبر مصانعها وشركاتها العملاقة وتقدمها المعلوماتي والتقني ولا سيما السيبراني قد أوجدت فضاءاتٍ وفرصًا داعمة للإرهابيين وبلا حدود عن غير قصد، إذ مكّنتهم بأسهل الطرق والوسائل وشبكات التواصل شبه المجانية، للتجنيد والتدريب والتخابر، وتنفيذ العمليات والتفجير جوًّا وأرضًا، مما أصبح تحديًا مستمرًا ذا أبعاد خطرة وكارثية على المديين القريب والبعيد لجميع المجتمعات على وجه الأرض.
وإذا ما تجاوزنا ما أُنجز من نجاحات، أو ما حدث من إخفاقات، على المستوى الدولي في مواجهة الإرهاب وإحباط مخططاته وقطع تمويله، فإن المنطقة العربية والإسلامية ما تزال تشهد واقعًا اجتماعيًّا وأسريًّا خطيرًا، سيمتد أثره لأجيال قادمة إذا لم يُعالج بجهودٍ دولية متواصلة، وبدعمٍ مباشر من الدول العظمى قبلَ فوات الأوان.

التعليقات مغلقة.