تحت المجهر نظرة إقليمية إلى مسيرة السلام الأفغانية بواسطة Unipath في يناير 4, 2021 شارك Facebook Twitter السلام والاستقرار في وسط وجنوب آسيا يعتمدان على تسوية الصراع في أفغانستان معالي الدكتور علي جلالي، أستاذ العلاقات الدولية بمركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا للدراسات الاستراتيجية إنَّ رؤية أفغانستان لمنطقة وسط وجنوب آسيا مفعمة بالأمل والتقلب والشك؛ إذ يعتمد مستقبل أفغانستان على التفاعل الإيجابي والبناء مع دول الجوار والجهات الفاعلة الإقليمية الأخرى والقوى العظمى التي ساهم تدخلها المباشر وغير المباشر في أفغانستان في تشكيل وضعها الراهن، إلَّا أنَّ تعدد الجهات الفاعلة الإقليمية، التي تتعارض مطالب بعضها، لا يزال يعقد قضايا السلام والصراع في الدولة، وتؤدي تداعيات التنافس بين القوى العظمى وتأثير الأطراف الخارجية على العلاقات الثنائية مع أفغانستان إلى تأزّم القوى السياسية المحركة في المنطقة. يجمع القوى العظمى والجهات الفاعلة الإقليمية بصفة عامة مصالح مشتركة في التوصل إلى تسوية سلمية للصراع الأفغاني لأنَّهم يعتقدون أنَّ إحلال السلام والاستقرار في أفغانستان يعتبر حجر الأساس لاستقرار المنطقة وتنميتها. كما أنَّ ظهور الجماعات المتطرفة العنيفة في البلاد، مثل داعش، التي تمثِّل تهديداً خطيراً للمنطقة والعالم، أوجب من جديد العودة إلى مساعي التعاون الإقليمي والدولي لحل الصراع الأفغاني من خلال المحادثات المباشرة بين الأفغانيين. إلَّا أنَّ هنالك بلداناً مختلفة تنظر إلى التحدي من منظور أمنها ومصالحها السياسية الخاصة، سواء أكانت مشروعة أم غير مشروعة. وثمَّة مصالح مدروسة لجهات فاعلة بعينها، وبعضها انتهازي وقد تحوَّلت على مدار الأعوام السابقة نتيجة التغيرات التي شهدتها العلاقات بين القوى العظمى، والقوى المحركة للأمن الإقليمي، والتقلبات الاستراتيجية داخل أفغانستان وحولها، والعمليات القتالية داخل أفغانستان. بيد أنَّ التوصّل إلى حل إقليمي قابل للتطبيق لم يظهر حتى الآن لإنهاء الصراع الدائر في أفغانستان؛ فعلى مدار العقود الماضية، عُقدت العديد من المؤتمرات الدولية، ووُضعت الكثير من آليات التعاون، وجرى العمل بأطر عمل متعددة الأطراف كانت موجودة بالفعل، بهدف إيجاد حل للعنف المستمر في أفغانستان، إلَّا أنَّ الكثير من المبادرات متعددة الأطراف لم تأتِ بشيء. ولم تظهر إلى النور فكرة “اتفاق شامل” يهدف إلى الوصول إلى حلول وسط مع المتمردين مع التغلب على التناحر والقلاقل في المنطقة بموجب مبادرة دبلوماسية متعددة الأطراف برعاية الأمم المتحدة. عناصر من قوات المغاوير الأفغانية تنفذ عملية للقضاء على داعش في إقليم ننكرهار. وكالة الأنباء الفرنسية/جيتي اميدجز وبدلاً من انتظار منطقة أفغانستان أن تقوم بتوحيد الصف لمساعدتها على التقدم والازدهار، فربما يكمن حل عملي في نهاية الأمر في البحث عن مبادرات ثنائية مع الجهات الفاعلة بشدة (طرفا الصراع والبلدان الرئيسية التي تساندهما) بحيث تتسع لتشمل أصحاب المصلحة الآخرين الذين يعربون عن استعدادهم للتعاون. إنَّ اتفاق السلام الذي أبرمته الولايات المتحدة وطالبان في الدوحة بقطر يوم 29 شباط/فبراير 2020 يفتح صفحة جديدة في تاريخ الصراع الذي نشب في أفغانستان منذ عقود من الزمن؛ وقد استند اتفاق الدوحة إلى الضمانات التي قدمتها طالبان بمنع الجماعات الإرهابية من استخدام الأراضي الأفغانية ضد الولايات المتحدة وحلفائها، ويتعين على طالبان إجراء مباحثات سلام مع الحكومة الأفغانية نظير التزام الولايات المتحدة بسحب قواتها من أفغانستان خلال 14 شهراً، وقد جاء تعهد الولايات المتحدة بسحب الجيش الأمريكي في المقام الأول لتحفيز طالبان على الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع الحكومة الأفغانية لإحلال السلام المستدام في أفغانستان. إلَّا أنَّ تلك العملية تتطلب توافقاً إقليمياً ودولياً لدعم تطبيق المبادرة بأسرها؛ حيث يعتبر فصل الخلافات الإقليمية والعلاقات الثنائية مع أفغانستان وإبعادها عن التنافس بين القوى العظمى من أهم العوامل التي يمكنها التأثير على جهود إحلال السلام في المنطقة. البلدان صاحبة المصلحة في أفغانستان يشمل أصحاب المصلحة الرئيسيون في الوضع الأمني في أفغانستان كلاً من طرفيْ الصراع، والبلدان التي تساند هذين الطرفين، والبلدان المتضررة من الصراع في المنطقة. وتعتبر الولايات المتحدة وباكستان الجهتين الفاعلتين الرئيسيتين اللتين لهما تأثير مستدام على الوضع الأفغاني؛ فأمّا الولايات المتحدة، فهي الراعي والداعم الرئيسي لدولة ما بعد طالبان في أفغانستان؛ وأمّا باكستان، فهي التي تقدم الدعم المادي والبنية التحتية لقيادات طالبان التي تشن عملياتها المتمردة من معاقلها داخل باكستان. وتحرص الولايات المتحدة على إنهاء الحرب الطويلة التي خاضتها في أفغانستان مع الانسحاب منها بعد أن أصبحت دولة مستقرة لن تعود مرة أخرى لتصدير الهجمات الإرهابية التي تستهدف مصالحها، وتسعى الإدارة الأمريكية إلى تحقيق هذا الهدف عن طريق تنفيذ اتفاق السلام الذي أبرمته مع طالبان، ويشمل ذلك النجاح في التوصُّل إلى تسوية سياسية بين طالبان والحكومة الأفغانية. وثمَّة مصلحة كبيرة لباكستان في الصراع والسلام في أفغانستان وتعتبر واحدة من أبرز الجهات الفاعلة في الصراع الأفغاني؛ ولطالما كانت سياسة باكستان نحو أفغانستان تقتضي الحفاظ على نفوذ قوي لها داخل أفغانستان، وقد كان بحث إسلام أباد عن عمق استراتيجي من ناحية الغرب لمجابهة الأفضلية الجيوسياسية للهند من المبادئ الرئيسية في استراتيجيتها منذ تسعينيات القرن العشرين. عناصر من القوات الأفغانية النسائية يتدربن في ميدان رماية؛ ويعتبر احترام حقوق المرأة ركناً مهماً في أي اتفاق سلام في أفغانستان. وكالة الأنباء الفرنسية/جيتي اميدجز لم تدخر باكستان جهداً لتشكيل تطورات الوضع في أفغانستان بما يتماشى مع طموحاتها السياسية، ومع أنَّ باكستان ترى أنَّ عودة طالبان إلى الحكم في أفغانستان لا تعتبر أمراً ممكناً أو مرغوباً فيه، فتستخدم سلطتها وتأثيرها عليهم لتأمين مصالحها الجيوسياسية في المنطقة من خلال نفوذها في أفغانستان، وبذلك تؤيد باكستان التسوية السلمية للصراع الأفغاني على الوجه الذي يكفل تأمين أمنها الاستراتيجي ومصالحها السياسية. وتُعد كلٌ من الهند وإيران من الجهات الفاعلة والمؤثرة الأخرى في المنطقة، وتتعارض مصالحهما أحياناً مع مصالح باكستان والولايات المتحدة؛ فأمّا الهند، فترى أنَّ باكستان ترعى جماعات التطرف العنيف التي تُستخدم كأداة سياسية ضد الهند، لا سيما في كشمير، وتعترض الهند بشدة على طالبان، ولا تزال من المؤيدين للحكومة الأفغانية بقوة. وأمّا إيران، فتطمح إلى أن تصبح من القوى المؤثرة في المنطقة، وتنظر إلى أفغانستان بالدرجة الأولى من منظور علاقتها بالولايات المتحدة؛ حيث تجمع إيران والولايات المتحدة بعض المصالح المشتركة في أفغانستان، مثل إحلال السلام والاستقرار في أرجائها، إلَّا أنَّ القواسم المشتركة بينهما يكتنفها تزايد التوتر بين واشنطن وطهران. وتجدر الإشارة إلى أنَّ إيران لم تشارك في عمليات السلام في أفغانستان بقيادة الولايات المتحدة، إلَّا أنَّ في تعليقها على اتفاق السلام بين الولايات المتحدة وطالبان، رحّبت طهران “بأي مبادرة تساهم في إحلال السلام والاستقرار في أفغانستان.” وفي الوقت ذاته تؤمن إيران بقوة بأنَّ إحلال السلام في أفغانستان لن يحدث إلَّا من خلال المحادثات الأفغانية الداخلية وكذلك “النظر إلى مصالح دول جوار أفغانستان بعين الاعتبار.” إنَّ لإيران وطالبان مصالح مشتركة في انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان؛ لأنَّ العلاقات الإيرانية مع طالبان تقوم بالأساس على مبدأ المصالح، وتنظر إلى طالبان على أنَّها قوة مضادة لعدوها الأيديولوجي، ونقصد بذلك تنظيم الدولة الإسلامية – ولاية خراسان، المعروف بداعش أيضاً. وتود طهران كذلك الحفاظ على مساحة من النفوذ في أفغانستان بعد إنهاء الصراع، إلَّا أنَّ الروابط التي تجمع طالبان بإيران تتصف غالباً بالانتهازية، وربما لن تدوم بعد تغير الوضع الجيوسياسي. وتعتبر روسيا واحدة من القوى العظمى في العالم، وقد أيدت في بادئ الأمر التحالف بقيادة الولايات المتحدة للإطاحة بحكم طالبان من أفغانستان، إلَّا أنَّها غيّرت موقفها مع العودة العسكرية لطالبان في الدولة، في حين ظهرت الآن في أفغانستان جماعات إرهابية جديدة، مثل داعش، يمكنها تهديد الاستقرار في منطقة وسط آسيا. وتؤيد روسيا الآن التوصُّل إلى تسوية سياسية للصراع الأفغاني وأيدت اتفاق السلام بين الولايات المتحدة وطالبان؛ إذ تؤمن روسيا بأنَّ التسوية السياسية في أفغانستان يمكن أن تفتح الأبواب لموسكو لتجديد روابطها متعددة الجوانب مع أفغانستان وتوسيع دائرة نفوذها لمجابهة وجود الولايات المتحدة ومنظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في المنطقة. وللصين والولايات المتحدة مصالح استراتيجية مشتركة في تحقيق الاستقرار في أفغانستان وباكستان؛ إذ يتفق كلا البلدين على معايير التنازلات السياسية المرغوبة في أفغانستان، ويعتمد الاستمرار في تنفيذ مشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني الذي تبلغ تكلفته مليارات الدولارات على إحلال السلام والاستقرار في أفغانستان، أضف إلى ذلك أنَّ الصين تتعرض إلى موجة من تزايد القلاقل بين الطوائف العرقية والإرهاب والتهديدات الانفصالية في إقليم شينجيانغ الذي تعيش فيه أقلية الأويغور المسلمة، مما يُعد من الأسباب الأساسية لتزايد اهتمام الصين بأمن أفغانستان وباكستان واستقرارهما. الحكومة الأفغانية أفرجت عن سجناء لطالبان في إطار دعوة للسلام في أيّار/مايو 2020. رويترز إلَّا أنَّ مصالح بكين في أفغانستان ذات طابع اقتصادي في المقام الأول يتمثَّل في رغبتها في الاستفادة من الثروات الطبيعية لأفغانستان، وتدعم الصين مصالحها من خلال نهج متعدد الأطراف مع التركيز على القوة الاقتصادية والتكنولوجية طويلة الأجل، مثل مشروع الحزام والطريق للبنية التحتية، وتعتزم الصين إشراك أفغانستان في هذا المشروع. وبالنظر إلى انعدام الثقة بين بلدان المنطقة، فمن المستبعد أن نشهد ظهور عملية تفاوض رسمية متعددة الأطراف يمكنها الوصول إلى تسوية إقليمية دون الحاجة إلى جولة تحضيرية من التفاعلات الثنائية والاتفاقات ذات المنافع المتبادلة. ولمّا كانت الجهات الفاعلة الإقليمية ترى أن مستقبل أفغانستان يشوبه جو من التقلب والغموض، فربما يدفعها ذلك إلى الاستمرار في الاحتياط لنفسها، وما يمكن أن يغير حسابات الجهات الفاعلة الإقليمية هو تحقيق قدر من الاستقرار في أفغانستان عن طريق حشد أدوات القوة الوطنية الأفغانية تحت قيادة جامعة تسعى إلى تحقيق أجندة وطنية موحَّدة على مدار مسيرة السلام المستمرة؛ مما يجعل الوضع الداخلي في أفغانستان واحداً من المحاور الأساسية لإحداث تغيير إقليمي. إنَّ رفع مستوى الثقة بين أفغانستان ودول الجوار، عن طريق احترام سيادة الدول وسلامة أراضيها، والالتزام بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول الجوار، وحظر استخدام الأراضي الأفغانية لتنفيذ أعمال عدائية ضد دول الجوار، تعتبر من الشروط الأساسية التي يجب تحقيقها لإحلال السلام والاستقرار في أفغانستان. فربما يساعد مثل هذا النهج على الحد من سعي الجهات الفاعلة الإقليمية إلى تحقيق مصالحها الخاصة في أفغانستان على حساب خصوم هذه الجهات، ويجب على الحكومة الأفغانية الإصلاح من أوضاعها لكي تتمكَّن أفغانستان من حشد الشعب لرفع راية الكفاح في سبيل السلام والاستقرار. بائعو الفاكهة يعرضون بضائعهم في أحد أسواق كابول؛ ومن شأن إحلال السلام في أفغانستان أن يساهم في تحقيق الاستقرار لاقتصادها الذي تدهور جرّاء عقود من الصراع. وكالة الأنباء الفرنسية/جيتي اميدجز الخاتمة يضع اتفاق السلام بين الولايات المتحدة وطالبان حجر الأساس لتحقيق السلام في أفغانستان من خلال المحادثات المباشرة بين الأفغانيين، إلَّا أنَّ مستقبلها يعتمد على التفاعل الإيجابي والبناء لدور الجوار والجهات الفاعلة الإقليمية الأخرى والقوى العظمى التي ساهم تدخلها المباشر وغير المباشر في أفغانستان في الوصول إلى ما هي عليه الآن، ويعتبر التعاون، لا التنافس، بمثابة الكلمة الأساسية للتغلب على تداعيات التنافس بين القوى العظمى والجهات الفاعلة الإقليمية وتجنب تأثير الأطراف الخارجية على العلاقات الثنائية مع أفغانستان. وفي الوقت ذاته، فلن تدوم أي تسوية سلمية دون المساعدات الاقتصادية الدولية لمساعدة أفغانستان على الاعتماد على نفسها؛ ومن ثمَّ يعتبر دمج أفغانستان في المنطقة اقتصادياً من الأهمية بمكان لتمكينها من تحقيق الاكتفاء الذاتي طويل الأجل. هذا، وبالنظر إلى تباين المصالح الجيوسياسية في المنطقة والعالم، فلا يكاد يوجد من يتوقع أن تندمج أفغانستان في المنطقة اندماجاً كاملاً فور إبرام اتفاق للسلام، بل من المحتمل أن تحدث مثل هذه العملية بخطىً تدريجية مع التراجع عن المشروعات الثنائية الفردية والإقبال على الاتفاقيات متعددة الأطراف المشتركة؛ ومن ثمَّ سوف تواصل أفغانستان الاعتماد على المساعدات الاقتصادية الدولية لتحقيق الاستقرار في مؤسساتها بعد إنهاء الصراع. Facebook Twitter شارك
التعليقات مغلقة.