منهج الأردن لمكافحة الإرهاب
مدير المركز العسكري الأردني لمكافحة الإرهاب والتطرف يصف كيف تواجه بلاده التطرف
أسرة يونيباث
العقيد الركن أحمد بسام بني عامر يديرالمركز العسكري الأردني لمكافحة الإرهاب والتطرف. أنشئ هذا المركز في عام 2018 استجابة لرؤية جلالة الملك عبد الله الثاني إبن الحسين وتوجيهات الدولة الأردنية. يرتكز عمل المركز على أساس الفلسفة أن جذور التطرف أيديولوجية. لذلك، على المدى البعيد، يجب أن تتضمن جهود مكافحة التطرف والإرهاب مواجهة فكرية وثقافية مع تلك القوى التي تدعو إلى العنف والفوضى. تحدث العقيد بني عامر عن جهود مركزه – الذي عقد مؤتمراً متعدد الجنسيات حول التطرف العنيف في آذار 2020 – وفلسفة الأردن في مكافحة الإرهاب بشكل عام.
يونيباث: احتضن الأردن في شهر آذار 2020 مؤتمر عمان السنوي الثاني لمكافحة التطرف العنيف، هل لك أن تحدثنا عن المؤتمر؟
العقيد بني عامر: مؤتمر عمان السنوي الثاني لمكافحة التطرف العنيف عقدته القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي بالتعاون مع الجانب الأمريكي الصديق ومن خلال كلية الدفاع الوطني الملكية الأردنية وتحت مظلة المركز العسكري لمكافحة الإرهاب والتطرف. تتمثل أهم اهداف المؤتمر في ترسيخ مبدأ التعاون الدولي بالاشتراك مع مؤسسات المجتمع المدني في مواجهة التطرف والإرهاب الذي يمثل ظاهرة عابرة للحدود ،لا تقتصر على طائفة أو دين أو شعب معين، بل تضرب في كل مكان تتوافر فيه العوامل والعناصر الدافعة والمشجعة لها. واهم محاور المؤتمر الذي استمر على مدار يومين كانت التهديدات والتحديات المستجدة فيما يتعلق بظاهرة التطرف الفكري والإرهاب، الاتجاهات الرقمية “الإنترنت” وعلاقتها بالظاهرة، بناء الشراكة بين الحكومة والمجتمع والممارسات الدولية الأفضل لمواجهة الظاهرة. أما عن الحضور فكانت هناك مشاركة واسعة من (27) دولة وبما يقارب (300) شخصية عسكرية وأمنية وأكاديمية متميزة، من داخل الأردن وخارجه.
يونيباث: ما دور القوات المسلحة الأردنية في مكافحة التطرف والإرهاب؟
العقيد بني عامر: تؤدي القوات المسلحة دورها في مكافحة التطرف والإرهاب وفق استراتيجية وقائية علاجية خاصة بها، وتقوم هذه الاستراتيجية على عدة محاور هي:
أولا: المحور العسكري. وهو الإجراءات الوقائية والعلاجية التي تستخدم بها القوة العسكرية، سواء أكانت من قبل قوى الأمن المرابطة للحدود لمنع الدخول غير الشرعي إلى أراضي المملكة، أم التي تقوم بالحراسة لكافة المعسكرات والوحدات، أم تلك التي تنفذ عمليات عسكرية في مواجهة الخلايا الإرهابية، وتشمل الإجراءات العامة لهذا المحور التعاون والتنسيق مع الدول الصديقة والشقيقة، والاستمرار في بناء تحالفات دولية، وتعزيز قدرات القوات المسلحة، وتزويدها بكافة المعدات التي تحتاجها لتنفيذ مهام مكافحة الإرهاب. ثانيا: المحور الأمني. ويشتمل على تبادل المعلومات والتنسيق بين كافة الأجهزة الأمنية والعسكرية، على كافة المستويات، وكذلك مع الدول الصديقة والشقيقة، وتعزيز الردع الدفاعي الأمني العميق للنشاط الإرهابي والفكر المتطرف. ثالثا: المحور الفكري. ويتلخص دور هذا المحور بتحصين منتسبي القوات المسلحة ضد الفكر المتطرف، وبث ثقافة الرفق، ومكافحة ثقافة العنف، ويشتمل هذا المحور على المجالات الآتية: المجال التعليمي والتدريبي. وهذا يهدف إلى ترسيخ ثقافة الحوار والتسامح وقبول الآخر. المجال الديني. ويعمل على التوجيه والتوعية بالقيم الإسلامية الصحيحة المستندة إلى وسطية الرسالة الإسلامية السمحة. المجال الإعلامي. وذلك عن طريق تعميم المعرفة والتوعية والتنوير وتكوين الرأي ونشر المعلومات من خلال وسائلها المقروءة والمسوعة والمرئية. المحور التقني. لمنع التنظيمات الارهابية من استخدام الفضاء الالكتروني لشن هجمات مخطط لها تستهدف اأنظمة المعلومات والحاسوب والبرامج والبيانات.
يونيباث: بالرغم من قلة المصادر، امتدت اليد الأردنية الكريمة لمساعدة اللاجئين من أماكن مثل العراق وسوريا، هل عقّدت قضية اللاجئين قدرة البلاد على مكافحة الإرهاب؟
العقيد بني عامر: تعد القوة الناعمة للأردن من أكبر ميزاته، سواء أكانت قوة سياسية أم اجتماعية أم ثقافية، فمع دخول الأزمة السورية، بدأت موجات اللجوء ليتم تسجيل ما يزيد عن (620) ألف لاجئ، والتقديرات الأردنية لغير المسجلين المقيمين في الأردن تصل إلى (1.4) مليون شخص، وبهذه الأعداد والإحصائيات يأوي الأردن ثاني أكبر نسبة في العالم من حيث عدد اللاجئين، وتسبب ذلك في زيادة الضغوطات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية على المملكة. ومع هذه الموجات من اللاجئين، دخلت بعض الخلايا الإرهابية من الخارج، وزادت النشاطات السرية المتطرفة وأخذت بالنشر والترويج للافكار المتطرفة، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها، كما زادت الضغوطات الاقتصادية مما تسبب في زيادة نسبة الفقر والبطالة، بالإضافة لزيادة العبء على البنية التحتية، ولكن الطواقم الأردنية الأمنية والإدارية المتخصصة القائمة على مكافحة الإرهاب لديها الخبرة الكافية للتعامل مع هذه الجماعات فالوضع الجيوسياسي للأردن هيأه لمواجهة التحديات المعاصرة، ورغم كل هذه التحديات فقد قدم الأردن أنموذجاً إنسانياً يصعب تقليده، أنموذجا يجمع بين أصالة العروبة، وصدق الأخوة، ونبل القيم الإنسانية التي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من مصادر قوة الأردن الناعمة، ومحل فخره، رغم قلة الموارد.
يونيباث: كيف يمكن للحلفاء والشركاء من الدول الأخرى مساعدة الأردن في حملته لمكافحة التطرف والارهاب؟
العقيد بني عامر: إن ظاهرة التطرف والإرهاب هي ظاهرة عابرة للحدود وتحتاج إلى تكاتف كافة الجهود الدولية والإقليمية وتكثيفها لمواجهة هذه الظاهرة، ويمكن للدول مساعدة الأردن في هذا الاتجاه، من خلال تبني استراتيجية مشتركة لتنسيق الجهود وتوحيدها وتوجيهها بالاتجاه الصحيح في مواجهة التطرف والإرهاب (وقائية وعلاجية). إقامة محطات فضائية تتحدث باللغات الأجنبية الحية، وتكون موجهة للدول غير الإسلامية؛ لتوضيح صورة الإسلام السمحة، والتقليل من مظاهر التعصب ضد العرب والمسلمين، وتؤسس لحوار بين الحضارات والثقافات المختلفة. دعم السياسات الوقائية للمملكة، ودعم المراكز والمؤسسات التربوية والفكرية التي تقوم على التحصين الفكري والتربوي، وتهتم بتعزيز ثقافة الرفق والتسامح والاعتدال. المساعدة في إقامة مراكز ثقافية تربوية فكرية، في جميع مناطق المملكة، تعنى بثقافة التسامح والاعتدال، ونبذ ثقافة العنف والتطرف. دعم المملكة لمحاربة جيوب الفقر، وتحسين ظروف المعيشة للمواطنين، وتحسين ظروف اللاجئين، وتوسيع شبكات الأمان والخدمة الاجتماعية في مجالات الصحة والتعليم وغيرها، وهنا تجدر الإشارة لـ “خطة العمل الوطنية لمكافحة التطرف العنيف ومنعه” المعتمدة من الحكومة، وتحتوي الخطة على عدد كبير من البرامج والمشاريع ضمن أولويات الدولة تمكن الشركاء المهتمين من التواصل مع وحدة مكافحة التطرف في رئاسة الوزراء التي يتم من خلالها تنسيق المشاريع والشراكات وتنفيذها.
يونيباث: كيف يلعب الأردن دوراً في الحملة العالمية لمكافحة ظاهرة التطرف والارهاب؟
العقيد بني عامر: قدم جلالة الملك عبدالله الثاني من خلال خطاباته الملكية، وكتب التكليف السامية للحكومات المتعاقبة، رؤية متكاملة حول طبيعة الفكر المتطرف، وكيفية التعامل معه، وقام جلالته بطرح مقاربة عملية لمواجهة التنظيمات المتطرفة ترتكز في المقام الأول على البعد الفكري من خلال ترسيخ قيم العدل والتسامح والوسطية، ومواجهة الفكر بالفكر. ويمكن اختصار الدور الاردني في الحملة العالمية لمكافحة التطرف والارهاب من خلال ما يلي:
أ. الجهود الأردنية لمجابهة الظاهرة من الناحية العسكرية والأمنية. تمثلت الجهود في عدة جوانب منها حماية الحدود من خطر الإرهاب وتسلل المتطرّفين، وحرمانهم من إيجاد ملاذ آمن على الأراضي الأردنية. مشاركة الأردن كعضو فاعل في التحالف الدولي لمجابهة تنظيم “داعش”. المشاركة في التحالف الإسلامي لمواجهة الارهاب. المشاركة في إقامة مناطق خفض التصعيد في سوريا، إضافة للجهود الامنية المتمثلة بملاحقة دائمة لعناصر تنظيم “داعش” والمرتبطين به على الساحة الأردنية وفي مناطق أخرى خارج الأردن. إحباط عدد من المخططات الإرهابية على الساحة الأردنية. كما تم إجراء تعديلات على القوانين الأردنية التي تختص بقضايا الإرهاب.
ب. الجهود الأردنية لمجابهة الظاهرة من الناحية الفكرية. بناء على الرؤية الأردنية التي ترى أن الفكر لا يواجه بالسلاح، بذلت المملكة جهوداً كبيرة في مجال التحصين الفكري، وتعرية الأيديولوجيا المتطرفة، والرسالة الأساسية هي نشر ثقافة التسامح والتعددية وقبول الآخر، مع عدم السماح بتحويل الدين من لبنة من لبنات القوة والوحدة إلى أداة للتدمير والانقسام بين الناس. قدمت الخطة الوطنية الإطار العام الذي يجب أن تلتزم به مؤسسات الدولة المختلفة لتحقيق نتائج ملموسة وواقعية تحد من انتشار التطرف وتسهم في حماية المجتمع.
يونيباث: بجانب الفقر ونقص التعليم، هل برأيك ثمة أسباب أخرى للتطرف؟
العقيد بني عامر: لا بد من التمييز بين التطرف الفردي والجماعي، كما لا بد من التمييز بين التطرف السلوكي (الإرهاب) والتطرف الفكري، وبشكل عام فالسلوك المتطرف ناشئ عن تفاعل عدد من العوامل المتداخلة (عوامل تتعلق بالبيئة والظروف المحيطة، عوامل نفسية شخصية، عوامل موقفية) وهذه العوامل تشمل (العوامل السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأيديولوجية وغيرها)؛ وليس هناك عامل محدد يمكن اعتباره حاسماً في وجود التطرف العنيف، لكنها عوامل متفاعلة، ومتداخلة تسهم في وجود الظاهرة بدرجات متفاوتة. وتظهر الدراسات أن هنالك عوامل أساسية عامة، تسهم في وجود التطرف هي: الشعور بالظلم أو الحرمان النسبي، وضعف الانتماء، وتهديد الهوية، فضلاً عن تفتيت المسؤولية، وبشكل عام فقد أظهرت عدة دراسات أن معظم حالات التطرف العنيف ناتجة عن ردة فعل، أو عن حالة عاطفية، وليست ناتجة عن عوامل أيديولوجية، وأن الفقر والبطالة أو العوامل الشخصية (الشخصية المتعصبة) لها دور، لكنه غير حاسم.
يونيباث: كيف تعتقد أن الدول يجب أن تعمل لمنع بلدانها من أن تكون أرضاً خصبة للتطرف والإرهاب؟
العقيد بني عامر: هناك كثير من العوامل التي يمكن أن توفر بيئة خصبة لنمو الفكر المتطرف، أو ظهور السلوكيات المتطرفة، وتعد مراعاتها عنصراً مهماً في مواجهة الظاهرة، منها: تعزيز العدالة، ومحاربة الاستبداد، وكل مظاهر الظلم والمحاباة، والحرص على عدم شعور فئة أو طائفة بالتهميش أو الإقصاء أو الانعزال الحقيقي أو النفسي؛ وتنمية الإحساس بالانتماء لدى جميع فئات المجتمع وأفراده، من خلال تكافؤ الفرص؛ وتنمية روح التعاون والعمل الجماعي وتوسيع دائرة المشاركة في القرار السياسي؛ وتفعيل دور المعارضة وتوحيد فئات المجتمع ضمن أطر توافقية عامة والتركيز على الهوية الجامعة، والسماح للهويات الفرعية بالظهور في إطار الهوية الجامعة، وليس على حسابها؛ وتفعيل دور وسائل الإعلام والتعليم، وخصوصا الدينية منها في تعزيز ثقافة الرفق، ومكافحة ثقافة العنف؛ وتعزيز الاتجاهات الإيجابية والتركيز على القواسم المشتركة والاعتماد على الدراسات والأبحاث العلمية (خصوصا الميدانية) الرصينة في التعامل مع الظاهرة؛ واتخاذ التدابير اللازمة للمعالجة الواقعية لأوضاع العائدين من ساحات الصراع، لضمان عدم استخدام مراكز الإصلاح والتأهيل كبؤر لنشر الفكر المتطرف بين النزلاء وإعادة تأهيل نزلاء التطرف، ودمجهم وأسرهم في المجتمع، التركيز على البعد الفكري والثقافي في أية استراتيجية مستقبلية لتحصين المجتمعات. استمرار التركيز على حرمان المنظمات الإرهابية من الملاذات الآمنة والسيطرة الجغرافية على الأرض خاصة ضمن مناطق الصراع، وحرمانها أيضا من المنابر الإعلامية، ومن شبكات الدعم الاجتماعي. التعاون الاستخباري والأمني والثقافي على المستويين: الإقليمي والدولي من جهة، والتأكيد على حماية حدود الدولة على الصعد المحلية من جهة أخرى، وأخيراً الاعتماد على استراتيجيات بعيدة المدى تركز على الوقاية، وتجفيف منابع التطرف.
التعليقات مغلقة.