كارثة مفاجئة
انفجار مرفأ بيروت في عام 2020 يقدم سابقة لكيفية استجابة القوات للكوارث غير المتوقعة
أسرة يونيباث
في تمام الساعة 6:07 مساءً يوم 4 آب/أغسطس 2020، تشكلت سحابة عملاقة أشبه بفطر عش الغراب فوق مرفأ بيروت. وتسببت صدمة الانفجار – الناجم عن انفجار 2,750 طناً من نترات الأمونيوم المخزونة – في تدمير أحياء سكنية كاملة بالعاصمة اللبنانية.
دمرت الكارثة أكثر من 40,000 منزل وشقة ومتجر ومكتب، وأسفرت عن سقوط 218 قتيلاً وإصابة 6,500 من سكان بيروت وتشريد 300,000 آخرين من منازلهم وأعمالهم.
وخرجت أربعة مستشفيات تخدم مئات الآلاف من المواطنين من الخدمة. ودُمر المبنى الرئيسي لوزارة الصحة العامة اللبنانية فضلاً عن عدد من المراكز الطبية الأخرى.
كان أحد أكبر الانفجارات غير النووية في التاريخ، ووقع في وقت عصيب بالنسبة للبنان، إذ كان يعاني من جائحة فيروس كورونا (كوفيد- 19) وأزمة اقتصادية واضطرابات عامة وأزمة لاجئين سوريين.
كان انفجار مرفأ بيروت من الحالات التي درستها «الندوة الإقليمية الرابعة لمكافحة أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط ودول مجلس التعاون الخليجي» التي جرت فعالياتها في تموز/يوليو 2022. فمن ناحية، أظهرت تلك الكارثة القدرة على الصمود والسخاء والكرم والبطولة في مواجهة كارثة غير متوقعة.
ومن ناحية أخرى، يرى مسؤولون لبنانيون أنَّ الكارثة وقعت بسبب عدم الكفاءة الإدارية والتنظيمية والفساد والجهل. بل ما يزال المسؤولون لا يعلمون علم اليقين كيف وصلت مثل هذه الكميات الكبيرة من نترات الأمونيوم إلى المرفأ.
ومع أنَّ لبنان اعتبر الانفجار حادثاً عارضاً، فإنَّ أي هجوم بأسلحة الدمار الشامل كان من المحتمل أن يثير مثل هذه الاستجابة الأولية من السلطات المدنية والعسكرية، بل إنَّ علماء الفيزياء اللبنانيين قاموا خلال الساعات الأولى من الانفجار بمسح الموقع بحثاً عن أي آثار إشعاعية.
ولكن كانت نتيجة المسح طبيعية، لكنها لم تبدد مخاوف الكثير من سكان بيروت الذين كانوا يخشون أن يكونوا ضحايا هجوم متعمَّد. ولن تهدأ الشائعات كلما شاهدنا لقطات سحابة الانفجار العملاقة.
دخول الجيش
لعبت القوات المسلحة اللبنانية، باعتبارها المؤسسة الأكثر ثقة في لبنان، دوراً كبيراً في الاستجابة للكارثة. فبعد 20 دقيقة فقط من الانفجار، شكل قائد القوات المسلحة لجنة مشتركة لإدارة الأزمة لتنسيق الاستجابة العسكرية والمدنية.
وتواجد 1,500 جندي على الأرض في غضون ساعات، وفرضوا طوقاً أمنياً حول حطام المرفأ، وأجلوا المدنيين، وأقاموا مراكزاً طبية لإسعاف الجرحى. وسرعان ما توسَّعت المهمة لتشمل مسح الأضرار وتوزيع المساعدات الإنسانية وإزالة الأنقاض من المرفأ.
وركزت سرية خاصة بمكافحة الهجمات الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية على احتواء أي ملوثات تنائرت جرَّاء تدمير المرفأ؛ وقد تأسست هذه السرية في عام 2009 كجزء من كتيبة الهندسة التابعة للقوات المسلحة اللبنانية. وقامت بتحديد وجرد المواد الخطرة كالألعاب النارية والغازات السامة والسوائل القابلة للاشتعال ومبيدات الآفات.
واخترقت دباباتها أكثر من 6,000 لتر من أحماض التآكل، ونجح الجنود في إيقاف هذا الانسكاب والتخلص منه.
وبعد شهر من الكارثة الأولى، هدد حريق في حاويات تحتوي على إطارات في أحد مستودعات المرفأ بإشعال آلاف اللترات من النَّفط الثقيل المخزن في مكان قريب منها. وتطلب الأمر تضافر جهود عناصر القوات المسلحة ورجال الإطفاء والقوات الجوية اللبنانية لإخماد الحريق.
شركاءٌ يساعدون شركاءً
أعانت حزمة من المساعدات الإقليمية والدولية استجابة لبنان، إذ كان لوكالة الدفاع الأمريكية المعنية بخفض التهديدات دور أساسي في إنشاء سرية مكافحة الهجمات الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية التابعة للقوات المسلحة اللبنانية التي قامت بمثل هذا العمل الفذ بعد الانفجار.
وطلب علماء الفيزياء الذين كانوا يحققون في احتمالية وجود تلوث نووي في بيروت المساعدة من مركز طوارئ الحوادث في الوكالة الدولية للطاقة الذرية بفيينا، وشاركت الوكالة في طمأنة لبنان بأنَّ الكارثة تخلو من أي أسلحة نووية.
وانتشر متطوعون من 12 فريقاً دولياً للبحث والإنقاذ في أرجاء المرفأ والأحياء المحيطة به لإخراج الناجين من تحت الأنقاض.
وفي غضون أسبوع من الانفجار، وصلت 162 طائرة إلى لبنان محملة بمساعدات إنسانية من 40 دولة. وأفرغت ست سفن شحن تبرعات على أرصفة لم تتضرَّر من الكارثة. وتحملت وزارة الصحة العامة اللبنانية النفقات الطبية لأكثر من 7,000 من سكان بيروت.
الدروس المستفادة
اعتبر المسؤولون اللبنانيون – العسكريون والمدنيون – الانفجار فشلاً تنظيمياً تفاقم بسبب الفساد وعدم الكفاءة. وخلال مناقشة الكارثة في الندوة الإقليمية لمكافحة أسلحة الدمار الشامل، دعا مسؤول لبناني الى تبني ثقافة جديدة للمسؤولية التنظيمية داخل أجهزة الدولة ووزاراتها.
وقال: “لا توجد مؤسسة تريد أن تتحمل المسؤولية إذا أخطأت.”
ستشمل مثل هذه النظرة الجديدة تشديد الإجراءات التنظيمية للمواد الخطرة في المرفأ، وتحسين مستوى التنسيق بين أجهزة المرفأ، وزيادة التركيز على تدريب رجال القوات المسلحة وكوادر الاستجابة الأولى على التعامل مع المواد الخطرة.
تواصل مسؤولون عراقيون مع نظرائهم اللبنانيين لاستشارتهم بشأن جرد المواد الخطرة في ميناء العراق الرئيسي بالبصرة.
واقترح العراقيون إنشاء «خريطة بيئية» تعرِّف مسؤولي الدفاع المدني على أنواع المواد الخطرة وأماكن تخزينها، وذلك بهدف تجنيب ميناء البصرة وقوع كارثة كالتي وقعت في بيروت.
يمعن لبنان النظر الآن في تحليل الوضع الداخلي على إثر تعرضه لأضرار وخسائر بقيمة 5 مليارات دولار أمريكي في آب/أغسطس 2020؛ أضرارٌ ضخمة لدرجة تزيد المخاوف من وقوع تهديدات مماثلة في المستقبل.
التعليقات مغلقة.