شركاء متأهبون
تمرين «الأسد المتأهب» العسكري لعام 2022 يستقطب أكثر من 5,000 جندي إلى الأردن لاستعراض القوة العسكرية
تميَّز تمرين «الأسد المتأهب» لعام 2022 بهجوم تقليدي جريء على رمال الصحراء المتموجة المألوف مشهدها في الشرق الأوسط، واجتاحت الدبابات والمدفعية الثقيلة والمروحيات الهجومية والمقاتلات مواقع العدو ساحقة كل من كان بطريقها ولم تذر سوى الغبار المتطاير.
إلا أنَّ هذا الاستعراض التقليدي للأسلحة كان مجرد جانب من جوانب تمرين «الأسد المتأهب»، إذ احتفل بالنسخة الـعاشرة منذ انطلاقه في عام 2011، وتزايد تركيزه فيها على الطائرات المسيَّرة خفيفة الوزن والمسيَّرات الغوَّاصة الملساء والهجمات السيبرانية التي لا يتطلب شنها سوى نقرة واحدة على فأرة الكمبيوتر.
تحاكي سيناريوهات تمرين «الأسد المتأهب» ما يحدث في عالم الواقع، إذ يواصل التأكيد على التكامل العسكري والعمليات المشتركة ووحدة الهدف بداية من التكتيكات التقليدية في ساحة المعركة ووصولاً إلى ثورة المسيَّرات.
قال اللواء ستيفن دي ميليانو، مدير التدريب بالقيادة المركزية الأمريكية آنذاك، في اجتماع لكبار القادة خلال فعاليات تمرين «الأسد المتأهب» لعام 2022: “نعرض سوياً قوة جيوشنا وبأسها في مختلف البيئات.”
شاركت 28 دولة في تمرين «الأسد المتأهب» خلال الفترة الممتدة من 5 إلى 15 أيلول/سبتمبر 2022 في مواقع في ربوع الأردن، من منطقة الأزرق شمالاً إلى العقبة جنوباً. وشارك نحو 2,200 جندي أردني و1,600 جندي من الولايات المتحدة، ووصلت وحدات من الشرق الأوسط وجنوب آسيا وأوروبا.
وأرسلت البحرين والعراق وكازاخستان والكويت ولبنان وسلطنة عُمان وباكستان والمملكة العربية السعودية ممثلين لحضور مناورات «الأسد المتأهب».
وتجدر الإشارة إلى حجم المجموعة السعودية التي ساهمت بمشاة ودبابات خلال مناورة الرماية بالذخيرة الحية في ختام التمرين تحت أنظار اللواء السعودي عادل بن محمد البلوي، رئيس هيئة تعليم وتدريب القوات المسلحة السعودية. كما كان مشاة القوات البحرية الملكية السعودية من أبرز المشاركين في التدريب البحري في قاعدة القوة البحرية الملكية الأردنية بالعقبة.
وكما كانت الحال منذ أول نسخة من تمرين «الأسد المتأهب» في عام 2011، ركزت نسخة عام 2022 على التهديدات البرية والبحرية والجوية والسيبرانية التي تتطلب تنسيق العمل الجماعي بين القوات متعددة الجنسيات.
ولم تقتصر قدرات التوافق العملياتي هذه على العمليات بين القوات متعددة الجنسيات، وإنما تجلت بين مختلف الأجهزة العسكرية والمدنية داخل الحكومة الأردنية؛ فبينما انخرطت القوات متعددة الجنسيات في سيناريوهات لصد هجمات الزوارق السريعة في خليج العقبة وكسر شوكة الإرهابيين المتحصنين في إحدى القرى، نسَّق المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات بالأردن رداً حكومياً شاملاً على هجوم وهمي يستهدف النيل من أمن الأردن.
وصدت القوات هجمات سيبرانية شنها أعداء وهميون، وشاركوا في مناورات الدفاع الجوي والصاروخي، ودافعوا عن الحدود البرية والبحرية، وقاتلوا طائرات العدو المسيَّرة، وردوا على نموذج لهجوم بالأسلحة الإشعاعية، وقدموا المساعدات الإنسانية.
قال العميد محمد علي الصمادي، أحد رجال القوات المسلحة الأردنية الذي ترأس مركز القيادة والسيطرة للمشاركين في التمرين: “تقوم سيناريوهات تمرين «الأسد المتأهب» لعام 2022 على محاكاة البيئة الاستراتيجية الراهنة والتصدي للتهديدات داخلها، سواء أكانت تهديدات تقليدية أو غير تقليدية تشنها عناصر ضالة أم تهديدات إرهابية.”
وأضاف قائلاً: “من خلال سيناريوهات موضوعة لهذا الغرض، نتعامل مع هذه التهديدات في بيئة عمليات مشتركة بين مجموعات عسكرية وبلدان متعددة تتناسب مع العقيدة العسكرية للبلدان المشاركة. وشاركت بعض البلدان مشاركة مباشرة ومؤثرة في العمليات، كالأردن والولايات المتحدة والسعودية والعراق، بينما شاركت دول أخرى في التمرين بصفة مراقبين لاكتساب الخبرة في الأجواء العامة للتمرين.”
وفي منتصف فعاليات التمرين، عُقدت ندوة لكبار القادة اجتذبت لفيفاً من كبار القادة من أكثر من 24 دولة، وركزت المناقشات على القضايا التي تتصدر المشهد في الشرق الأوسط.
ركز الكويتيون على الدفاع الجوي والصاروخي المتكامل، والسعوديون على التصدي للعبوَّات الناسفة محلية الصنع والصواريخ الباليستية، والأردنيون على تأمين الحدود من تهريب المخدرات والتهديدات الأمنية الأخرى.
اللواء بحري كيرت رينشو، مدير العمليات بالقيادة المركزية الأمريكية، أدار مناقشة حول التصدي للمسيَّرات التي تُصنع مئات الأنواع منها كل عام.
وقال إنَّ سرعة التقدم التكنولوجي في مجال المسيَّرات تقتضي من الجيوش ألا تتوقف عن حماية نفسها من غوائلها. وأشد ما يثير القلق هو وجود طائرات مسيَّرة ثقيلة نسبياً وسريعة التحليق على ارتفاعات كبيرة يمكنها حمل أسلحة فتاكة.
وقال: “باتت المسيَّرات زهيدة الثمن لدرجة أنها يمكن أن تنتشر بسرعة كبيرة.”
شجع العميد الكويتي خالد الشريعان، نائب قائد القوة الجوية الكويتية، على إنشاء منظومة دفاع جوي مشترك في الخليج العربي؛ فمن شأن نظام إنذار مبكر مشترك توفير تغطية 360 درجة للحماية من الطائرات المسيَّرة ومن صواريخ كروز والصواريخ الباليستية.
وذكر أنَّ دول مجلس التعاون الخليجي بدأت بالفعل عملية التكامل العسكري، واستشهد بالعمليات البحرية متعددة الجنسيات في الخليج العربي في إطار القوات البحرية المشتركة المتمركزة في البحرين وقوات درع الجزيرة المشتركة التي تنشرها دول المجلس.
وجرت نقاشات حول العبوَّات الناسفة محلية الصنع غير المنفجرة والصواريخ الباليستية بناءً على الدروس المستفادة من الحرب الأهلية الدائرة في اليمن. وقال المسؤولون السعوديون إنَّ المتمردين الحوثيين باليمن أطلقوا 471 صاروخاً انتهكت المجال الجوي لدول المجلس، ونجحت قوات المجلس في إسقاط معظمها، لكن بعضها ضرب مصافي النفط والمطارات ومحطات الطاقة.
ونجح برنامج لإزالة الألغام في اليمن برعاية السعودية (برنامج مسام) في إزالة 345,000 قنبلة غير منفجرة.
وفيما يتعلق بمسألة أمن الحدود والتصدي لتهريب المخدرات، أشار القادة إلى أنَّ عائدات المخدرات تمول الإرهابيين، ودعا اللواء دي ميليانو إلى نشر الوعي المشترك لسد ثغرات أمن الحدود التي يستغلها المهربون.
ونوَّه الفريق الباكستاني محمد وسيم أشرف، نائب المدير العام لقيادة الأركان المشتركة الباكستانية، إلى أنَّ بلاده تمكنت من تقليل التحركات غير المشروعة عبر الحدود بنسبة 83% من خلال إنشاء سياج حدودي مع أفغانستان وإيران بطول 2,200 كيلومتر.
فساهم هذا السياج، مع الحصون المشيدة كل كيلومترين، في الحد من تهريب المخدرات والأسلحة بشدة، ومنها العبوَّات الناسفة التي كانت مسؤولة عن نسبة 70% من القتلى والجرحى في صفوف قواته التي تحرس الحدود الشمالية الغربية للبلاد.
وقال: “لقد كانت قصة نجاح.”
يستضيف الأردن تمرين «الأسد المتأهب» منذ أكثر من عقد من الزمان، وما يزال ينهض بمستوى التعاون والتأهب بين الشركاء متعددي الجنسيات في المجالات القديمة والجديدة: مكافحة الإرهاب، وأمن الحدود، والمسيَّرات، والأمن السيبراني، ومكافحة أسلحة الدمار الشامل.
وقال العميد كايد الجعارات، مدير التدريب العسكري بالقوات المسلحة الأردنية آنذاك: “نعيش في عالم لا يسلم من تهديدات يمكنها اجتياز الحدود والقارات، وتنتشر كالفيروس في الجسم؛ ولا توجد دولة تعيش في معزلٍ عن هذه التهديدات.”
التعليقات مغلقة.