ستُ فئات من المجندين في الإرهاب
التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب يستضيف محاضرة تعريفية حول تحديد نقاط الضعف لدى الشباب الذين تستغلهم التنظيمات المتطرفة العنيفة
التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب
لاتدَّخر التنظيمات الإرهابية وُسعاً في استقطاب الشباب والزج بهم في عملياتها الإرهابية، وكثيراً ما تقوم بذلك باستخدام خلايا إلكترونية؛ وهذه الخلايا مسؤولة عن نسبة %70 من وسائل استقطاب الشباب.
وفي نهاية المطاف، يدرك الكثير من هؤلاء المجنَّدين زَيفَ ما خدعتهم به تلك التنظيمات، ويبحثون عن سبيل للخروج من جحيمها. ولكن يقتضي تخليص الشباب من براثن المتطرفين العنيفين وإعادة إدماجهم في رحاب المجتمع التساؤل عن سمات الشباب الذين ينجذبون إلى هذه التنظيمات.
وهكذا لجأ التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب إلى الدكتور عبد الله بن سعد الجاسر، الخبير في قضايا الشباب التي تشمل إعادة تأهيل العائدين من التنظيمات الإرهابية وإعادة إدماجهم، للإجابة عن هذا التساؤل.
وكان الدكتور الجاسر ألقى محاضرة رئيسية في مقر التحالف بالعاصمة السعودية الرياض في حزيران/يونيو 2021 تناولت تحليل الشخصيات الأكثر استهدافاً للتجنيد في صفوف التنظيمات المتطرفة العنيفة. وليس من المستغرب أن يتجنب الإرهابيون القائمون على التجنيد تجنيد الشخصيات التي لا تقدِّم الطاعة للتنظيم. إذن ما أنواع الشخصيات التي يبحثون عنها؟
يرى الدكتور الجاسر أنَّ الشباب المجنَّدين في صفوف الجماعات الإرهابية يندرجون في الفئات الست الرئيسية التالية:
الباحث عن الانتقام
ينظر هؤلاء المجنَّدون إلى أنفسهم أنهم ضحايا للمجتمع، ويرَون أنَّ هنالك عوامل خارجية هي السبب في شقائهم وتعاستهم؛ وتسمح التنظيمات الإرهابية لهؤلاء بعد تجنيدهم بالتنفيس عن استيائهم وغضبهم من خلال الانتقام، ويستخدم الإرهابيون هؤلاء على مستويين؛ الأول: نشر أفكار التنظيم، والآخَر: تنفيذ الأعمال الإرهابية.
الباحث عن المكانة
يصر هؤلاء على أنَّ مجتمعهم لا يفهمهم ولا يقدِّرهم، ويعتقدون أنَّ لديهم قدرات وإمكانات عاليةً لا تتجلَّى إيجاباً في قيم مجتمعاتهم. وكثيراً ما تكون إمكانات هؤلاء وقدُراتهم أقلَّ من طموحاتهم. والجماعات الإرهابية تلتقط هؤلاء وتُضفي عليهم ألقاباً فخمة كأمير أو قائد أو مجاهد؛ لتُشعرَهم بمكانتهم العالية، مع أنَّ معظم هذه الألقاب فارغة من اي معنى.
الباحث عن الهُويَّة
يبدي هؤلاء اهتماماً شديداً بالانضمام إلى جماعة أو تنظيم؛ ليكونوا جزءاً من كِيان ما. والحاجةُ إلى الانتماء أمر طبيعي وحاجة فِطرية ، ويحتاج طالب الهُويَّة إلى الانتماء إلى مجموعة؛ لأنَّ هذا الانتماء يحدِّد وظيفته ونشاطه في المجتمع. وغالباً ما ينشأ هؤلاء في عائلات لا تُشعرهم بقيمتهم ولا تقدر اهتماماتهم، فيشعرون بأنَّ وجودَهم وغيابهم سواء، فتتلقَّط الجماعات الإرهابية هؤلاء وتمنحهم الشعور بالانتماء.
الباحث عن الإثارة
أمثال هؤلاء ملأى بالطاقة والحيوية، ويبحثون عن التحديات والمغامرات لإثبات رجولتهم؛ فهم مجازفون باحثون عن الإثارة. ولذلك تخاطب التنظيمات الإرهابية هؤلاء بأفلام مثيرة عن عملياتها، وبطولات أفرادها المزعومة، وقوتهم المدَّعاة! ويشعر الباحث عن الإثارة بالملل من البقاء في المنزل، ويبحث دائماً عن تجرِبة أو مغامرة جديدة، وكثيراً ما يكون من الطبقة المتوسطة، ولا يملك رؤيةً واعية لمستقبله. وقد قابل الدكتور الجاسر واحداً من هذه الفئة من الشخصيات بين مَن كان يتولَّى إعادة تأهيلهم، وأخبره بأنه هو مَن بادرَ بالذهاب إلى التنظيم الإرهابي الذي كان يعمل معه، بلا أي جهد من التنظيم لتجنيده.
الباحث عن الهرب
يسعى أصحاب هذه الشخصية للهرب من مشكلات أسرية أو مجتمعية لا يستطيعون حلَّها أو مواجهتَها، فيسعَون للهرَب منها باقتحام تجارِب جديدة ولو كانت الانضمام إلى جماعة متطرفة. ويعتقد كثيرون أنهم ينقذون شرف أسرتهم بذلك. وهؤلاء كما يرى الجاسر هم الجزءُ الأكبر من الشباب الذين ينضمُّون إلى التنظيمات الإرهابية.
المضطرب
يعاني أصحاب هذه الشخصية اضطراباتٍ عُصابيةً أو ذُهانية، لا تظهر عادةً إلا عند تعرُّضهم لمواقف ضاغطة. وغالباً ما يكونون في المراحل الأولى من الاضطراب عندما تجنِّدهم التنظيمات الإرهابية وتستخدمهم في عمليات التفجير.
تناول الدكتور الجاسر سُبلَ إنقاذ مَن غرَّرَت بهم التنظيماتُ المتطرفة العنيفة، إذ يكتشف معظم هؤلاء زَيفَ الادِّعاءات التي تلقَّوها في سبيل تجنيدهم، ويرغبون بمرور الوقت في الهروب من محنتهم والبحث عن طوق نجاة للخروج من مأزقهم.
والأسرة خير سبيل للتعامل مع هؤلاء المتطرفين الذين خاب أملهم، بيد أنَّ العلاقة بين الشاب وأسرته تكون سيئة في معظم الحالات.
ومثال ذلك أنَّ الدكتور الجاسر ساعد على إعادة تأهيل شاب يبلغ من العمر 22 عاماً ذهب إلى إحدى مناطق الصراع هرباً من عار أسرته؛ إذ خرجت أختُه من البيت ولم تعُد. فرأى الشابُّ أنه بذهابه إلى مناطق الصراع سيُستشهَد ويطهِّر سمعة أسرته التي دمَّرها هرب أخته؛ أي الإقدام على الانتحار الشرعي! وتبيَّن لاحقاً أنَّ فعلة أخته هذه كانت بسبب أنها مريضةً وتعاني اضطراباً ثنائي القُطب، وقد عولجت.
وشاب آخر روى أنه ذهب إلى منطقة صراع هرباً من المشكلات القائمة بين أمِّه وأبيه، إذ تزوَّج أبوه امرأةً أخرى وأساء معاملةَ أمِّه، فردَّت عليه برفض طاعته. ورأى الشاب أنَّ والدَيه عاصيان لله تعالى وسيدخلان النار، وتوهَّم أنَّ ذهابه إلى مناطق الصراع وموته شهيداً ربما يشفع لهما.
ولكن يبدأ التعافي عادةً بالأسر التي تنشئ قنوات اتصال – عبر وسائل الإعلام الاجتماعي عادةً – مع أبنائها الذين يعيشون في الخارج؛ فإذا أرادوا الهرب من محنتهم، تنسق الأسر إجراءات العودة مع مختلف الأجهزة الحكومية المعنية.
ومعظم مَن يتورَّطون في الدماء تصعُب عودتهم؛ لخوفهم من مقاضاتهم، أو لاستمرائهم حياة العنف.
ويمر العائدون منهم بمرحلة التشخيص ويحصلون على الخدمات التي تكفل راحتهم الفكرية والنفسية والاجتماعية والصحية والتعليمية والاقتصادية والمهنية. ومن الأهمية بمكان في هذه المرحلة الانتباه إلى أنَّ الإرهابيين سيحاولون استعادة هؤلاء التائبين والضغط عليهم لمعاودة الانضمام إلى تنظيماتهم، ولذلك يتوجب على المجتمع المساعدة على حل مشكلاتهم وإعادة إدماجهم.
نقاشات ختامية
فُتح باب النقاش الجاد بعدما انتهى الدكتور الجاسر من كلمته؛ فأشار الدكتور زايد الحارثي، ممثِّل المجال الفكري للمملكة العربية السعودية في التحالف، إلى وجود عوامل فكرية وعَقيدية واجتماعية واقتصادية أخرى تقف وراء انضمام بعض الشباب إلى التنظيمات الإرهابية.
ومثال ذلك أنَّ الفكر ليس دائماً الذي يجذب بعض المجنَّدين؛ بل المال والمكافآت المالية الأخرى هي التي تجذبهم في بعض الأحيان، ويأتي جزء من هذا المال من بيع المخدرات وعمليات التهريب الأخرى.
فلا بدَّ من أخذ هذه الجوانب كافة في الحُسبان لإعادة إدماج أمثال هؤلاء الشباب في المجتمع؛ وفي هذا الصَّدَد تبرز تجرِبة المملكة العربية السعودية في تأهيل الإرهابيين التائبين ودمجهم في المجتمع، وهي تجرِبةٌ ثرية وناجحة، يمكن الاستفادة منها في دول أخرى.
وطرح العميد راشد الظاهري، ممثِّل دولة الإمارات العربية المتحدة في التحالف، السؤال التالي: ما سُبل حماية الشباب ممَّا تروِّجه وسائل الإعلام الاجتماعي من فكر متطرف؟ وأجاب الدكتور الجاسر أنَّ مواجهة هذه الظاهرة تحتاج إلى المبادرة، وليس الاكتفاء بردِّ الفعل، ولا ريبَ أنَّ وسائل الإعلام الاجتماعي ساحةُ الشباب المفضَّلة، ويجب أن نبادرَ بمبادرات استباقية جذَّابة في هذه الوسائل يقوم عليها شبابٌ نشيطون وواعون.
فالشباب إذا آمنوا بفكرة – كمكافحة الإرهاب في هذه الحالة – أعطَوها كلَّ جهدهم.
التعليقات مغلقة.