دروس النصر
اكتسبت القوات العراقية خبرات ميدانية في خوضها حرب تحرير المدن من الإرهاب يمكن توظيفها في خطط القتال مستقبلا
أسرة يونيباث | جميع الصور التقطت بعدسة جهاز مكافحة الإرهاب
رافقت اجتياح داعش لمناطق شاسعة من العراق، حملة إعلامية على صفحات التواصل الاجتماعي وبعض الفضائيات استطاعت التشويش على الرأي العام وزرع الخوف والقلق في قلوب الناس. من بين ملاحم البطولة التي خاضها أبطال جهاز مكافحة الإرهاب العراقي برزت قصة بطولية فريدة من نوعها وهي حكاية فوج الموصل الذي قاتل بشراسة في معسكر الغزلاني وانسحب بكامل سلاحه ومعداته بعد استلامه أوامر بالانسحاب من الموصل والتوجه لحماية قاعدة سبايكر الجوية في محافظة صلاح الدين. لا يعرف أغلب الناس أن قاعدة سبايكر صمدت 11 شهرا أمام هجمات شرسة. وعجز إرهابيو داعش من اقتحامها بفضل تضحيات رجال جهاز مكافحة الإرهاب. التقت مجلة يونيباث بالعقيد الركن منتظر الشمري، رئيس أركان قيادة العمليات الخاصة الثانية في جهاز مكافحة الإرهاب ليروي لنا بطولات فوج الموصل في الدفاع عن سبايكر ومعارك التحرير.
يونيباث: كنتم في الموصل أثناء سقوط المدينة بقبضة داعش، هل لك أن تسرد لنا الأحداث حتى انسحابكم من الموصل؟
العقيد ركن منتظر الشمري: قبل سقوط الموصل بأيام، بالتحديد يوم 6/6/2014 شن داعش الإرهابي هجوما على مخازن عتاد معسكر الغزلاني الذي يضم مخازن أسلحة وأعتدة ضخمة. كلفتنا القيادة بتطهير المنطقة وصد الهجوم وتأمين المخازن. كان هجوم داعش شرساً جداً وكان بين المهاجمين انتحاريين بأحزمة ناسفة، لكننا تمكنا من القضاء على الانتحاريين وتنفيذ المهمة بنجاح وتسليم الموقع لقوات الأمن العراقية.
وبسبب الوضع الأمني غير المستقر، أصدرت القيادة أوامرها لنا بحماية مطار الموصل ومعسكر الغزلاني. في تلك الفترة كانت تدور معارك داخل المدينة بين الإرهابيين والقوات الأمنية، وسماع أصوات اطلاق النار والانفجارات لم يتوقف منذ بداية شهر حزيران. وفي يوم 9/6 خلت الموصل من القوات الأمنية، خاصة الجانب الأيمن، لم تبق أي قوة هناك سوى فوج جهاز مكافحة الإرهاب. بقينا صامدين في تنفيذنا للواجب الذي كلفتنا به القيادة برغم محاولات العدو اختراق المعسكر. كنا نستلم الأوامر من اللواء ركن كريم عبود التميمي قائد العمليات الخاصة الثانية آنذاك. في يوم 10/6 صباحا صدرت أوامر القيادة لسحب الفوج من معسكر الغزلاني إلى قاعدة سبايكر الجوية في صلاح الدين، لأن القطعات التابعة لجهاز مكافحة الإرهاب المتواجدة في سبايكر تم تحركها فوراً لمنع تقدم داعش على مصفى بيجي. انسحابنا من الموصل لم يكن انسحاباً؛ بل كان عبارة عن معركة قاسية لشق خطوط العدو لمدة 9 ساعات وبمسافة 140 كم، لأن جميع الطرق كانت تحت سيطرة داعش حيث حفروا الطرق وبنوا سواتر ترابية وزرعوا عبوات على طول مسافة الطريق. وتمكنا من الوصول إلى قاعدة سبايكر بالقوة والمعدات ولم نترك أحداً.

يونيباث: هل كنتم داخل قاعدة سبايكر عندما حدثت المجزرة، وهل دخل الإرهابيون القاعدة؟
العقيد ركن منتظر الشمري: لم تسقط قاعدة سبايكر بيد داعش أبداً، وصمدت بحماية قواتنا 11 شهراً حتى تحرير محافظة صلاح الدين من داعش، وبقي الكثير من الجنود معنا. أما مجزرة سبايكر سيئة الصيت، فقد وقعت بحق شباب عزّل انسحبوا من سبايكر ومن الموصل قاصدين بيوتهم في الجنوب وبعد انقطاع الطرق انتهى بهم الأمر بالبساتين والقرى المحيطة بقاعدة سبايكر، كان الإرهابيون يمسكون بهم ويجمعونهم ثم يقتلونهم بدم بارد، كان ذلك يوم 11/6/2014. ارتكبت مجزرة سبايكر في مكان آخر بعيد عن القاعدة، لكن إرهابيي داعش حاولوا إيهام الإعلام بأنهم سيطروا على قاعدة سبايكر وقتلوا من فيها.
سبايكر قاعدة جوية استراتيجية وتضم مقرات فرق عسكرية ومخازن أسلحة وعتاد، لذلك قررت القيادة الدفاع عنها.
عند وصولنا قاعدة سبايكر مساء يوم 10/6/2014 – أي قبل المجزرة بيوم، وجدنا تسرب كبير بالوحدات الموجودة في القاعدة ورأينا الجنود يحاولون ترك المكان والهروب بسبب ما يسمعون من إشاعات وأنباء عما يحدث حولهم. جاءنا بعض الضباط والآمرين يستفسرون عن سبب قدومنا لسبايكر وشعروا بالارتياح لوجودنا وطلبوا منا المساعدة لإيقاف تسرب الجنود وبالفعل ذهبنا للطريق الرئيسي وحاولنا التحدث معهم ليعدلوا عن رأيهم لكن دون جدوى. بعدها قمنا بتبليغ القيادة بالموقف، صدرت لنا توجيهات بمحاولة اقناعهم بالبقاء لأن المنطقة سقطت بيد داعش، وقلت لهم “إن ذهابكم محفوف بالمخاطر والأفضل أن تبقوا داخل القاعدة ونحن سنتولى حماية القاعدة معكم.” كانت أعدادهم كبيرة لكنهم للأسف لم ينصتوا لنصائحنا واستمروا بالتسرب من يوم 10 الى صباح يوم 11/6 بينما كنا نحن منهمكين بنشر الفوج وتحصين المواقع الدفاعية والتهيؤ لمعركة الدفاع عن سبايكر.
نشر فوجنا داخل قاعدة سبايكر والعمل على تحصين الدفاعات أعاد الثقة والاطمئنان لقلوب منتسبي وحدات الجيش وأمر القادة جنودهم بالبقاء. قمنا بنشر الفوج حول المحيط الخارجي لقاعدة سبايكر وبعد أيام وصلتنا تعزيزات عن طريق الطائرات العمودية. وتم تكليف الواصلين تواً بحماية سبايكر وتحركنا نحن لتحرير جامعة الموصل والتمركز هناك.
يونيباث: كيف تصف معركة الموصل؟
العقيد ركن منتظر الشمري: معركة تحرير الموصل هي ضمن سلسلة معارك بدأناها في تحرير تكريت وبيجي وقاعدة الگيارة. تميزت معركة الموصل عن بقية المعارك بوجود عدد كبير من السكان وكثرة المباني وتعدد الطرق مما أجبرنا على تقليص حركة الآليات العسكرية في بعض المناطق واستخدامها بمناطق أخرى. لكن وجود المدنيين في أرض المعركة أضاف مهمة جديدة للقوات التي تقتحم المدينة لتحريرها من الإرهابيين وهي حماية المدنيين من انتقام الإرهابيين ومن استخدامهم كدروع بشرية وتأمين ممرات آمنة لنزوحهم.
يونيباث: هل تلقت القوة تدريباً وتجهيزاً قبل خوض معارك تحرير الموصل؟
العقيد ركن منتظر الشمري: اشترك الفوج بأغلب المعارك وكان بمثابة رأس الحربة، وللفوج أساس قوي في التدريب والتسليح وهو من الأفواج المميزة بالشجاعة والأداء بسبب التدريب المتقدم. اشتركنا بمعارك كثيرة كان أولها تحرير جامعة صلاح الدين واشتركت بعض السرايا بمعارك الرمادي 2014. ومن ثم معارك بيجي وتحرير المصفى وقمنا بتطهير القرى المحيطة بالمصفى وبعدها توجهنا لتحرير ناحية الگيارة وقاعدة الگيارة الاستراتيجية. أثناء هذه الفترة كنا منهمكين بالمعارك ولم تسمح لنا ظروف المعركة بالتدريب، لكننا كنا نكتسب الخبرات ونطبقها ميدانياً.
أما بخصوص معركة الموصل فكانت معركة مهمه ولها صدى إعلامي، محلي ودولي، وكان لها اهتمام خاص من قبل الحكومة العراقية والقيادة العسكرية. فكانت الاستحضارات للمعركة من قوات ومعدات وأعتدة تأخذ اهتماماً كبيراً من الجميع، لذلك لم نتلق تدريبات سوى في فترة إعادة التنظيم التي عادة ما تلي كل معركة.

يونيباث: ماهو دوركم في معركة الساحل الأيمن للموصل وماهي التحديات التي واجهتكم في هذه المعركة؟
العقيد ركن منتظر الشمري: كانت بداية تقدمنا على طريق معسكر الغزلاني وحررنا منطقة وادي حجر. كان على جناحنا الأيمن قوات الشرطة الاتحادية وعلى يسارنا بقية قوات مكافحة الإرهاب. عادة تصل قواتنا على الأقل 24 ساعة قبل الهجوم حتى يتسنى لنا استطلاع المنطقة، لكن هذه المرة لم يكن لدينا متسع من الوقت حيث تحركنا من الساحل الأيسر إلى الساحل الأيمن قبل بدء المعركة بوقت قصير لكي نباغت العدو الذي كان يتوقع هجومنا من جهة النهر. كنا أمام عدة تحديات، أولها كان وضع القاطع حرج جداً لوجود خنادق ومعرقلات وأنفاق عديدة.
إضافة إلى أن وعورة الأرض تجعل اكتشاف العبوات الناسفة والالغام مستحيلاً، إذ كان العدو يزرع العبوات بطريقة حقول الإلغام. إضافة إلى أن داعش قرر الاستماتة بالقتال داخل المدينة وكانت لديه مجاميع كبيرة من القناصين والسيارات المفخخة والانتحاريين. كما زج داعش بأكثر مقاتليه ولاءً وشراسة من الأجانب في هذه المعركة واعتبر الموصل معركته المصيرية. وظف العدو الطائرات المسيرة لأول مرة في إلقاء قنابل صغيرة تستهدف الأشخاص، إذ كان يستخدمها لرصد التجمعات في السابق. هذه الطائرات عرقلت تقدمنا في البداية. فكان قرارانا هو أن نتقدم من اتجاه غير متوقع كي نفاجئهم ونتجنب حاجز الصد المنيع الذي وضع فيه داعش أغلب دفاعاته.
يونيباث: كيف استطعتم التغلب على هذه التحديات المميتة؟
العقيد ركن منتظر الشمري: بالنسبة لقوات جهاز مكافحة الإرهاب، كنا في تطوير مستمر لمعداتنا وعجلاتنا حيث قمنا بوضع غطاء فولاذي لبرج الرشاشة وحماية إطارات العجلات بغطاء فولاذي للحماية من القناصين ومن قنابل الطائرات المسيرة. أما بخصوص معالجة الطائرات المسيرة، فبعد أن تمكنا من اسقاط إحدى الطائرات استعنا بخبرات قوات التحالف في الحرب الإلكترونية حيث سلمناهم حطام الطائرة وتمكنوا من الحصول على معلومات مهمة مثل الترددات وقدرات ومسافة الطيران، وقد استجابوا بسرعة بتوفير أجهزة تشويش متخصصة لمحورنا. كان جهاز التشويش فعالاً جداً ويغطي مساحة 2 كيلومتر مربع فكنا نضعه في طليعة الأرتال المتقدمة لحمايتها من هجمات الطائرات المسيرة. فاستطعنا اسقاط مُسيّرات داعش التي تقترب من قواتنا المتقدمة وكان هذا بمثابة الصدمة الكبيرة لداعش الذي عول على الطائرات المسيرة في القتال داخل الساحل الأيمن.

التعليقات مغلقة.