تحت المجهر داعش يغير استراتيجيته بواسطة Unipath في يناير 4, 2021 شارك Facebook Twitter الهجمات الإرهابية بأسلوب حرب العصابات على الأهداف السهلة تناسب التنظيم لتعويض قلّة أعداده ونضوب موارده عصام عباس أمين، المديرية العامة للاستخبارات والأمن في وزارة الدفاع العراقية ستساهم المتابعة الدقيقة لإعلام داعش في تحسين فهمنا لهذا العدو الذي أوغل في سفك الدماء منذ لحظة تكوينه، ويستخدم داعش الفضاء السيبراني في الترويج لفكره، وللتجنيد والتمويل وشن الحرب النفسية، ولتوثيق أعماله وأرشفتها وتسجيلها؛ فأرشيف داعش الإعلامي يشكّل رصيداً وذخيرة حية للدواعش، طالما كان الوصول إليه لا يستغرق سوى ضغطة زر. نريد من خلال دراسة المحتوى الإعلامي لداعش التساؤل عما إذا كان داعش لا يزال يشكل تحدياً أمنياً؛ وأعتقد أن الإجابة واضحة وقاطعة: يخطط داعش لتعويض خسائره العسكرية الكارثية في أماكن مثل الموصل والرقة عن طريق الانخراط في حرب العصابات والهجمات الإرهابية التي تقوم على مبدأ الكر والفر. من خلال ملاحظة أعمال داعش بعد هزيمته في الموصل، يجب علينا تحديد طبيعة العمليات الحالية في المناطق الواقعة في أطراف الأنبار وبغداد وديالى وكركوك ونينوى وصلاح الدين؛ ذلك إن المفتاح لكسب هذه الحروب وتوفير الأمن يكمن في معرفة طبيعة هذه الحروب والوقوف على التغيرات التي يشهدها العالم من حولنا. التحليل النفسي لداعش كباحث متخصص بإعلام داعش كان الاهتمام الأول لدينا بعد هزيمة داعش يتمثل في مراقبة سلوك قادة التنظيم ومفكريه للتعرف على كيفية تعاملهم مع ضياع سلطتهم ومكانتهم على أيدي القوات العراقية؛ فالثابت أن الهزيمة العسكرية تعني هزيمة العقيدة العسكرية وهزيمة العقيدة العسكرية تعني وجود خلل في العقيدة الفكرية، فالعقيدة العسكرية وإن كانت تُكتب في السلم لكنها تُختبر في الحرب. وفيما يتعلق بداعش، فقد كان جلياً إن إحدى أهم طرق التعامل مع الهزيمة العسكرية تتمثل في الإنكار، وتذهب مدرسة التحليل النفسي إلى أن الإنكار يشير إلى السلوك الملحوظ على مستوى الفرد، ولكن يمكن استخدامه أيضاً لتحليل رد الفعل الفكري لأي تنظيم أيديولوجي. فقد كانت أدبيات التنظيم تروج للنصر قبل بدء معارك التحرير، لكنها تحولت للحديث عن الصبر على الابتلاء والإيمان بالحكمة التي لا يعلمها إلا الله؛ وقد أكّد أبو بكر البغدادي، الذي كان يتولى قيادة داعش قبل مصرعه، على ذلك المعنى في الكلمة المنشورة في مقطع فيديو بعنوان «وبشّر الصابرين» عندما تحدّث عن أن الله يبتلي عباده أحياناً “ويذيقهم طعم الابتلاء” ليختبر قوة إيمانهم. ثمّ ختم البغدادي رأيه بمناقشة مسألة النصر في مقطع الفيديو المنشور بعنوان «في ضيافة أمير المؤمنين» في نيسان/أبريل 2019: “عليهم أن يعلموا أن الجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة وأن الله عز وجل أمرنا بالجهاد ولم يأمرنا بالنصر.” وفي تلك الأثناء، أعلنت صحيفة «النبأ» الموالية لداعش عن تبنّي التنظيم لأسلوب حرب العصابات في عملياته الارهابية لتعويض ضعف الجماعة وقلة أعدادها. وجاء في المقالة: “يقاتلون بما مكنهم الله فيه من عدد وسلاح، مستخدمين أسلوب حرب العصابات التي تضرب العدو وتستمر باحباطه.” يعتبر هذا التحول في النهج العسكري تحولاً خطيراً؛ وهو إعلان عن استمرار العمليات الإرهابية بما يُتاح للتنظيم من عدة وسلاح، لا سيما في المناطق الرخوة أمنياً، وهذا ما لاحظناه من خلال قيام داعش بعمليات إرهابية في أطراف المدن والقرى والأرياف وخاصة في مناطق ديالى وكركوك وصلاح الدين. وقد ظل العراق طيلة الفترة المنصرمة منذ سقوط دولة داعش عام 2017 الساحة الأهم لمكافحة هؤلاء الإرهابيين، وهذا ما يتجلّى واضحاً في المقالات وإحصائيات الإنفوجرافيك التي تنشرها صحيفة «النبأ»، ومثال ذلك أن الصحيفة روّجت في مقالاتها لفكرة “إسقاط المدن مؤقتاً كأسلوب عمل للمجاهدين.” وكانت بحق تمثل جرأة من داعش؛ لأنها أعلنت عن نواياها وتحدّت قوات الأمن العراقية بالتدخل. وكان من بين أهداف هذه المقالات الإيقاع بقادة الجيش العراقي لنشر المزيد من القوات في جميع المناطق، وهي حيلة من حيل حرب العصابات مفادها أنه كلما زاد انتشار القوات، أصبحت أكثر عرضة للهجوم عليها. وبالمثل، فيمكن لداعش عن طريق “أسلوب إسقاط المدن مؤقتاً” الانسحاب من المنطقة قبل تمكن القوات العراقية من الوصول إليها. ومن الأهداف التي كانت تنشدها حملة حرب العصابات التي شنها داعش: جمع الغنائم، وفكاك معتقلي داعش، وكسر شوكة القوات العراقية، والتمهيد لتمكين داعش، وبما أن الغرض من أسلوب إسقاط المدن مؤقتاً ليس احتلال أرض أو قرية أو مدينة، فقد تضمنت مقالات «النبأ» شرحاً مفصلاً لخطة الانسحاب كذلك. الاستنتاجات لمّا كانت العمليات العسكرية لم تؤدِ إلى القضاء التام على داعش، فهذا يعني بقاء خطر هذا التنظيم، وإن تعرضت “خلافته” إلى التفكيك؛ كما أن التحول إلى حرب العصابات يزيد من خطر داعش لشن عمليات وحشية على الأهداف الرخوة. يمثل اعتماد داعش على استراتيجية الاستنزاف زيادة الخسائر البشرية والمادية، وما يزال التنظيم قادراً بما هو متاح لديه من مقاتلين وإن كانوا قلّة على تنفيذ تلك الاستراتيجية. وبما أن سلسلة المقالات التي تحدثت عن إسقاط المدن مؤقتاً قد نُشرت على الموقع الإلكتروني لصحيفة «النبأ» – التي تعتبر وسيلة الاتصال الأساسية لدى التنظيم في تبليغ التوجيهات المركزية – فهذا يجعلنا نعتقد بأن جميع قادة داعش وأمرائه على اطلاع بهذه التوجيهات. سوف يخدم أسلوب إسقاط المدن مؤقتاً أهداف داعش في الوقت الحالي؛ لأن تنفيذه لا يحتاج سوى مجموعات صغيرة من المقاتلين مع اختيار أهداف واهنة في أطراف المدن أو الضواحي والقرى والأرياف، وسيحقق أيضاً للتنظيم أهدافاً مهمة، وأبرزها التمهيد للتمكين، وتثبيط همة القوات الأمنية، وتأمين الغنائم. ومن الأهداف الخطيرة لحرب العصابات هو الدفع باتجاه توفير الأمن في جميع المناطق، مما لا يتطلب موارداً بشرية كبيرة فحسب، وإنما كلما اتسع انتشار القوات الأمنية، أصبح من الأسهل استهدافها. وتظهر طبيعة العمليات الإرهابية الحالية التي ينفذها داعش أنهم ماضون بتطبيق هذا الأسلوب، لا سيما وأن أغلب العمليات تتم خارج المدن، كما أن الهيكل التنظيمي الحالي لداعش – مجموعات صغيرة مسلحة تختبئ في الصحراء وتلال حمرين شمال شرقي العراق – تمكنه من خوض حرب العصابات. وتوحي العقيدة الفكرية التي تدعو إلى خوض حرب طويلة “إلى يوم القيامة” بأن الدواعش يتحلون بفضيلة الصبر. وخلاصة القول، نعم، لا يزال داعش يشكل تحدياً أمنياً بالنظر إلى الأسباب سالفة الذكر؛ ويمكن أن يكبر هذا التحدي كلما تفاقمت مشاكل العراق الداخلية، وكلما أخفقنا في فهم جوهر الحرب التي نخوضها وطبيعتها؛ فداعش اليوم هو تنظيم إرهابي عالمي شبكي يستمد قوته من توظيف النص المقدس والموروث الإسلامي للتلاعب بالعقول من خلال عملية غسل دماغ مستمرة. F Facebook Twitter شارك
التعليقات مغلقة.