تهديدات الحرب الهجينة
البلدان تواجه خصوماً يتجنبون المواجهات المباشرة ويفضلون الهجمات غير المباشرة
أسرة يونيباث
دخلت أوكرانيا في نزاع مع روسيا عام 2016 حول تبعية منطقة واقعة بالقرب من البحر الأسود عندما انقطعت الكهرباء عن مئات الآلاف من المستهلكين.
ونفت روسيا تلاعبها بشبكة الكهرباء الأوكرانية، ولكن لا صحة لكلامها؛ إذ نسبت الولايات المتحدة الهجمات السيبرانية المتتالية للجهات التي ترعاها روسيا.
ويُعد هذا العدوان من أمثلة الأدوات التي تستعين بها الحرب الهجينة؛ وبالرغم من اختلاف تعريفاتها ، فإن الحروب الهجينة تشمل اللجوء إلى الدعاية وتدمير الاقتصاد واستخدام قوات الوكلاء أو العملاء بهدف تعزيز العمليات القتالية التقليدية. وممن يمارسون هذه النوعية من الحروب في العصر الحديث كلٌ من روسيا وإيران، وهي بلدان تبحث عن أساليب منخفضة التكلفة لتنفيذ أعمال عدائية يمكن نفي المسؤولية عن ارتكابها على نحو يمكن قبوله لتجنب الرد العسكري من الجبهة الأخرى.
ولذلك سعت القيادة المركزية الأمريكية إلى دراسة هذه التهديدات الهجينة باستضافة مؤتمر مديري الاستخبارات العسكرية لبلدان وسط وجنوب شرق آسيا في شباط/فبراير 2020، وحضر المؤتمر ضباط المخابرات بكلٍ من أفغانستان، وكازاخستان، وقيرغيزستان، وباكستان، وأوزباكستان، وتحدثوا عن انطباعاتهم عن الحروب الهجينة في ضوء ما تعرضت له جيوش بلدانهم.
واستمرت فعاليات المؤتمر على مدار ثلاثة أيام في مدينة تامبا بولاية فلوريدا، ودارت كلمات المتحدثين والحلقات النقاشية مع الخبراء في هذا المجال حول موضوع الحروب الهجينة التي تقوم بها إيران وروسيا وجنوب آسيا.
ونوّه العقيد أوليمجون سعيدكولوفيتش ساماتوف، مدير الاستخبارات العسكرية بأوزبكستان، أن بلاده كانت ضمن أول بلدان المنطقة التي تعرضت لاستخدام الجماعات الدينية المتطرفة لمناورات اقتبستها من الحروب الهجينة، وذكر أن تحوّل الحرب من ساحة المواجهات المباشرة إلى التأثير غير المباشر يتطلّب من البلدان أن تتبادل المعلومات الاستخباراتية فيما بينها لكي تتمكن من التصدي لها.
وقال العقيد ساماتوف: “تهدف الحروب الهجينة إلى تدمير سيادة الدولة دون الاستيلاء على أرضها علناً.”
تجربة أفغانستان
لطالما كانت أفغانستان في صدارة البلدان التي تتعرض للحروب الهجينة؛ فقد لجأت جماعة طالبان لمّا فشلت في الانتصار في أرض المعركة إلى الحروب الهجينة في محاولتها للتأثير، واشتملت استراتيجيتها استخدام التضليل الإعلامي، وأعمال التسلل والاغتيالات، والهجمات الإرهابية، وتجنب المعارك التقليدية ضد القوات التي تتفوق عليها.
وقال الفريق هلال الدين هلال، نائب مدير جهاز المخابرات، للحاضرين في المؤتمر: “إن دولة أفغانستان قد تحمّلت تضحيات هائلة.”
إلّا أنه ثمة أسباب تدعو أنصار طالبان إلى خيبة أملهم في نتائج أعمالهم؛ إذ فشلت طالبان في الإطاحة بالحكومة الأفغانية المنتخبة بالرغم من حملتها التي استمرت على مدار 19 عاماً لزعزعة الاستقرار في البلاد، وما تزال هذه الجماعة الإرهابية في عزلة دبلوماسية، وخسرت شعبيتها، ويقضي أعضاؤها معظم أوقاتهم في قتل أشقائهم المسلمين. ويشتد بأس قوات الحكومة الأفغانية مما يجرّد قوات طالبان من الأمل في تحقيق أي انتصار عسكري.
الأساليب الإيرانية الهجينة
أمّا فيما يتعلق بإيران، فقد ساعدها استخدام الأساليب الهجينة على فرض نفوذها في منطقة أغلب مسلميها من السنّة دون الانخراط في صراعات مباشرة، وتعطي البدائل المسلحة لإيران المرونة في تنفيذ سياستها الخارجية مع قدرتها في الوقت ذاته على نفي مسؤوليتها عن ارتكابها.
وقد استعانت على مدار العقود السابقة بمقاتلين عرب وأفغان لتقليص الحاجة إلى تحرك القوات الإيرانية؛ ومثال ذلك أن طهران قامت في أثناء الحرب بين إيران والعراق في ثمانينيات القرن العشرين بتشكيل وحدات أفغانية تؤمن بالفكر الإيراني لكي يستقتلوا ضد قوات صدام حسين.
إلّا أن الحاضرين في المؤتمر نوّهوا إلى أن تبنّي الأساليب الهجينة ليس بالأمر الهيّن، ويرجع ذلك إلى أن مصالح الوكلاء قد تختلف أحياناً عن مصالح البلدان الراعية لهم؛ لأنه بوسع هؤلاء الوكلاء — الذين يتمركزون في بلدان غير مستقرة مثل سوريا واليمن — أن يتسببوا في تصعيد الصراعات على نحو غير متوقع بما يضر بمصالح تلك البلدان الراعية.
بل صعب نفي المسؤولية عن هذا التدخل بعد اكتشاف أسلحة إيرانية في اليمن بما يخالف قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة التي تحظر ذلك.
النشاط الروسي
قالت الدكتورة ماريا سنيجوفايا، الزميلة بكلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز الأمريكية، إنه عند مقارنة روسيا بإيران نجد أن روسيا تستخدم مناورات هجينة يتجلّى فيها ”التباين الأيديولوجي“ مما يعني أن موسكو لا تتردد في دعم حتى الجماعات الدينية المتطرفة العنيفة لتحقيق تطلعات تختلف عن تطلعاتها هي.
وذكرت سنيجوفايا أن القيادة الروسية تبتكر أساليب جديدة للإضرار بمصالح البلدان التي تحسبها خصوماً لها، وقد وضعت هذه المبادرة بين يدي عملاء أفراد للعمل كشركات ناشئة بهدف تنفيذ الأعمال القذرة لروسيا، وهذا يختلف عن سياسة التخطيط من أعلى لأسفل أيام الاتحاد السوفييتي.
وقسّمت سنيجوفايا أساليب روسيا الهجينة إلى فئات ثلاث: سوداء، ورمادية، وبيضاء؛ فأمّا الأساليب السوداء، فتشمل اختراق أجهزة الكمبيوتر، والإيقاع في فخ الأفعال الجنسية، وسرقة أسرار الدولة، وغيرها من الحيل الجاسوسية التقليدية. وأمّا الأساليب الرمادية، فتشمل استخدام المواقع الإلكترونية لنشر الأكاذيب التي يمكن ترويجها عن طريق الاستفادة من “الحمقى” و “المتعاطفين.”
أمّا المناورات البيضاء، فتقصد بها النوافذ الإعلامية المعترف بها دولياً مثل وكالتي أنباء «روسيا اليوم» و«سبوتنيك» اللتين تقومان بإعداد التقارير الإخبارية بما يتفق وآراء القيادة الروسية.
ونوّه الفريق هلال الدين إلى أن الأكاذيب الروسية قد حاولت إثارة الشكوك بين الأفغانيين وجيرانهم ببلدان وسط آسيا من خلال الترويج للشائعات التي مفادها أن أفغانستان تأوي «داعش»، وتأتي هذه الأكاذيب بالرغم من قيام أفغانستان بتدمير أكبر قوة لداعش حاولت الاختباء داخل أراضيها.
وقال الفريق هلال الدين: “لن نستخدم حدودنا أبداً لإرسال إرهابيين إلى جيراننا.”
الوحدة سبيل القوة
أشار الفريق محمد فريد أحمدي، قائد العمليات الخاصة بالجيش الوطني الأفغاني، إلى أن التهديدات الهجينة ستستمر في أفغانستان حتى وإن وقّعت الفصائل السياسية على اتفاقية سلام.
ويرجع ذلك إلى أن بعض القوى الإقليمية ترغب في أن يكون لها نفوذ سياسي في أفغانستان؛ لأنهم يتوهمون أن وحدة الصف الأفغاني تمثل تهديداً لهم، ويرى الفريق أحمدى أن هذه الاستراتيجية إنما تأتي بنتائج عكسية.
فيقول أحمدي: “إن دول الجوار تساعد نفسها في الواقع إن هي ساعدت أفغانستان.”
هذا، وأعرب ممثلو البلدان التي حضرت مؤتمر الحروب الهجينة عن دعمهم للعلاقات القائمة على المصداقية والشفافية بين بلدان المنطقة، وإن كانت العلاقات بينهم ليس على مايرام في السابق.
فلن تتمكن جيوش المنطقة من التصدي لتحديات الحروب الهجينة إلّا من خلال التعاون وتبادل المعلومات الاستخباراتية.
أو كما قال أحد قادة بلدان وسط آسيا: “لا تستطيع دولة أن تتصدى بمفردها لهذه التهديدات، ولن ننتصر إلّا بالتعاون.”
أبرز عناصرالحروب الهجينة
استخدام قوات الوكلاء/جهات لا تخضع لسلطة الدولة
الضغط الاقتصادي
النشاطات التخريبية والسرية
الهجمات السيبرانية/التكنولوجيا التعطيلية
حملات التضليل
الحروب غير النظامية
لماذا تفضّل بعد البلدان اللجوء إلى الحروب الهجينة
نفي المسؤولية عن ارتكابها
المرونة في تنفيذها
انخفاض تكلفتها نسبياً
تجنب الصراع المباشر
تضخيم القوة والنفوذ
التعليقات مغلقة.