تثقيف قادة المستقبل في لبنان
العميد حسن جوني، نائب رئيس الأركان للعمليات بالقوات المسلحة اللبنانية، أفنى معظم مسيرته المهنية في غرس حب الوطن في نفوس الضباط الشباب
كان العميد حسن جوني يشغل منصب قائد كلية فؤاد شهاب للقيادة والأركان اللبنانية حتى عهد قريب؛ وهو رجل الهدوء سجيته والتواضع شيمته، صفتان نال بهما احترام الطلاب والأساتذة على السواء.
لقد اكتسب هاتين الشيمتين من الخبرات الكثيرة التي اكتسبها أثناء الخدمة في صفوف القوات المسلحة اللبنانية. ومن هواياته المفضلة، الشطرنج، التي خاض فيها الكثير من المعارك الشرسة على ألواح اللعبة قبل أن يظفر بلقب بطل الجيش في الشطرنج.
بعد أن خدم لسنوات طوال كرئيس لكلية القيادة والأركان، رُقي العميد حسن في عام 2023 إلى منصب نائب رئيس الأركان للعمليات في الجيش اللبناني. ومسيرته العسكرية حافلة بعلامات مشرقة على القوة والبأس والصمود. فقد التحق بالجيش في وقت عصيب كانت فيه الطائفية والفصائل المسلحة تمزق الدولة.
فيقول: “التحقت بالكلية الحربية في عام 1984 في ذروة الحرب الأهلية في لبنان، حين كانت ثقافة الأحزاب والميليشيات الطائفية والأيديولوجية سائدة في كل مكان، لكنني آثرت اختيار الشرعية والدولة والقانون لأنني أؤمن بأنها القيم الأساسية للحياة الوطنية؛ فوجدت نفسي أطرق باب الوطن الواسع عبر نافذة الكلية الحربية لألتحق بجيش الشرف والتضحية والوفاء.”
شكلت هذه الأوقات العصيبة شخصية الملازم حسن الشاب بعد تخرجه من الكلية الحربية.
وكان منوط به وبأقرانه الضباط فرض سلطة الدولة في بيئة تحكمها الميليشيات وأجندات خارجية غايتها القضاء عليها. وانتصرت شجاعة هؤلاء الضباط الشباب ووطنيتهم على وحشية سفكة الدماء وأجندات الميليشيات لينهض علم لبنان من تحت الأنقاض ويسود حكم القانون والسلام.
ويقول: “ذقت طعم أول قتال بعد شهرين فحسب من التخرج، ضد مسلحين منظمين؛ والقتال، الذي وجدت نفسي وسطه، كان شرساً للغاية ولم يكن لديَّ بعد خبرة عملية، إذ لم أكن أتجاوز 21 عاماً. وعرَّفتني هذه المعركة في بدايتي على طبيعة عملي كضابط في الجيش وجعلتني أبصر هدفي وغايتي، إذ وضعتني أمام تحدٍ جسيم ومسؤولية جبارة جعلتني أجتهد لتطوير المهارات القتالية التي يجب أن أتحلى بها.”
خاض معارك كثيرة واكتسب خبرة ميدانية كبيرة خلال حياته العسكرية طوال 39 عاماً، وتقلَّد عدة مناصب في الجيش، وصقل مهاراته في مجالات التدريب والأمن والاستخبارات. ووجد ضالته أخيراً في كلية القيادة والأركان، حيث وضع تجاربه وخبراته في دروس تعبوية واستراتيجية من شأنها أن تفيد تلك المؤسسة المعروف عنها بأنها «مصنع القادة». وعمل أستاذاً متفرغاً بالكلية لأكثر من ست سنوات قبل أن يتولى قيادتها في عام 2019.
ويرى العميد حسن أنَّ الضباط المثقفين والمدرَّبين يشكلون حجر الزاوية للقوة المتماسكة القادرة على تنفيذ المهام الصعبة، ويعتبر كسب ثقة الجنود واحترامهم أعظم أثراً من ممارسة السلطة لإجبارهم على الطاعة.
وقال: “البعد الفكري للقيادة وتطويره في مختلف المجالات يجعل القائد يمارس السيادة الفكرية على مرؤوسيه قبل اللجوء إلى الأنظمة والقوانين التي تلزمهم بطاعته؛ وفي ضوء تطور النفس البشرية، التي باتت أشد تحرراً وجموحاً، تتطلب القيادة الحديثة الآن الإقناع أكثر مما تتطلب القوة. وهنا تكمن الطوعية لأنَّ المرؤوس المقتنع يحركه الدافع الطوعي، أمَّا المرؤوس غير المقتنع فلا بدَّ أن يُساق.”
وذكر أنَّ أهم ما يميز القائد الحديث المتميز هو القدرة على التفكير النقدي والمرن لفهم الناس والظروف والمواقف من زوايا مختلفة. فالقائد الحقيقي هو الذي يشجع المبادرة الآتية من مرؤوسيه حين تتغير الظروف على الأرض.
واستفاد من حبه للشطرنج في شحذ مهارة التخطيط الاستراتيجي كقائد عسكري، فاكتسب خصال الصبر وحسن التصرف، فتمتع بالقدرة على فهم نوايا العدو.
فيقول: “للشطرنج أبعاد كثيرة وعمق أكبر يتجاوز بها سائر الألعاب. فهو ميدان صراع فكري مكثف بين لاعبَين تنشب فيه معركة شرسة لا تُسفك فيها الدماء، وسلاحها الوحيد هو قدرة الإنسان على التفكير.”
ومضى يقول: “أهم ما في لعبة الشطرنج هو دراسة الخيارات وتحليلها واتخاذ القرار الأنسب وتحديد الحركة الفضلى وتحمل العواقب، فهذه واحدة من أهم الوظائف التي يقوم بها أي قائد؛ وهنا تكمن العلاقة بين الشطرنج والقائد العسكري.”
وعلى المستوى الشخصي، فاز العميد حسن ببطولة الجيش للشطرنج وما يزال يترأس فريق الشطرنج العسكري، ودخل التصنيف الدولي بفضل مشاركته في البطولات اللبنانية والعالمية.
يقتدي العميد حسن بالشخصيات التاريخية لتشكيل منهجه في القيادة العسكرية.
فيقول: “لطالما تأثرت بالشخصيات الحكيمة التي أجالت النظر في فلسفة الحرب والعمليات العسكرية وكشفت أبعادها المعنوية والنفسية القوية. ولعل أهم هذه الشخصيات هو المُنظِّر العسكري والاستراتيجي البروسي، الجنرال كارل فون كلاوزفيتز، الذي برع في دراسة الحرب والسياسة والمجتمع وتحديد العلاقة بينها.”
وينهل من التاريخ والثقافة العسكرية لإسداء النصح لشباب الضباط الذين سيحملون مسؤولية أمن الوطن على أكتافهم. والركن الأول لقيادته العسكرية هو التميز في طلب العلم والمعرفة العسكرية وغير العسكرية. لكنه يتذكر الأوقات العصيبة التي مرَّ بها في بدايات مسيرته العسكرية – الفترة التي سادت فيها الميليشيات والانفجارات ومعارك الشوارع – ويعتقد أن الطلاب يجب أن يكتسبوا خصالاً أخرى لكيلا تعود تلك الأيام المظلمة أبداً.
“أقول دائماً لضباط كلية فؤاد شهاب للقيادة والأركان أن يتمسكوا بثلاث قيم أساسية في كل ما يفعلون، سواء على المستوى المهني أو الشخصي؛ وهي الإنسانية والضمير والوطنية.”
التعليقات مغلقة.