النهوض بالقوة البحرية القطرية
اللواء الركن بحري عبد الله بن حسن السليطي في مهمة لتوسيع وتطوير البحرية الأميرية القطرية
أسرة يونيباث
“ها هو الحلم تفسر.. ها هو الأمل تحقق.. ها هو الزرع قد أثمر.. أمواج مرتفعة ورياح قوية وليل يتلوه نهار.. والكل يتساءل هل تستطيع أن تُبحر سفينة مشروع حالول؟ فكان الجواب بسم الله مجريها ومرساها.. بسم الله نشق عباب البحر رغم رياحه.. نحن الموج ونحن رياحه.”
~ هذه كلمات اللواء الركن بحري عبد الله بن حسن السليطي، قائد القوات البحرية الأميرية القطرية.
تقتضي الخارطة الجغرافية من قطر أن يكون لديها قوة بحرية تتمتع بالمهارة واليقظة، فهي عبارة عن شبه جزيرة تمتد في الخليج العربي، ويبلغ طول سواحلها 563 كيلومتراً، ولذا لا يمكنها تجاهل قضية الدفاع البحري.
قاد اللواء الركن بحري عبد الله بن حسن السليطي العديد من السفن على مدار عقود من الزمان وتبوأ عدة مناصب، وتأهل لقيادة مسيرة تحديث القوات البحرية القطرية وتنويعها.
وتزامن توليه قيادة القوات البحرية مع عملية إصلاح استراتيجية للقوات المسلحة، وتستثمر البحرية الأميرية القطرية تحت قيادة اللواء السليطي في سفن أكبر لإبراز قوتها خارج مياهها الإقليمية في إطار تحالفات بحرية متعددة الجنسيات. ويتجسد تركيزها على التعليم العسكري في أكاديمية بحرية ومركز تدريب بحري جديدين على نفس القدر من الأهمية.
قال اللواء السليطي لمجلة «يونيباث» خلال مقابلة أجريناها معه مؤخراً: “حدودنا مفتوحة بمساحات كبيرة على البحر، مما يجعلها معرَّضة للتهريب والتسربات البحرية غير القانونية؛ كما أنَّ معظم التجارة تتم عن طريق البحر، وأيضاً اقتصادنا الوطني يقوم على الثروة الغازية والنَّفطية ومعظمها في البحر، كل هذا وغيره يجعل من مهمة الدفاع عن هذا الصرح الوطني والاقتصادي أمراً ذا أهمية بالغة.”
انضم اللواء السليطي إلى صفوف القوات المسلحة القطرية منذ 40 عاماً وترقى في رتب القوات البحرية، واكتسب خبرة قيادية مبكرة على متن زوارق حربية وزوارق هجوم سريع مزودة بصواريخ، وظلَّ يترقى حتى أصبح قائد قوات مقاتلة وأساطيل، واكتسب خلال مسيرته تلك معرفة عملية ونظرية من خلال الدراسة والتدريب في الخارج في كلٍ من مصر وفرنسا وبريطانيا وهولندا.
ووصل اللواء السليطي بفضل نجاحه في قيادة الأسطول والدفاع الساحلي القطري إلى الرتب العليا في القوات المسلحة: فأصبح نائب قائد القوات البحرية الأميرية القطرية في عام 2016 وقائدها في عام 2018.
وذكر اللواء السليطي أنَّ القوات البحرية تطورت على أربع مراحل منذ استقلال قطر في عام 1971؛ إذ شكلت زوارق المدفعية البريطانية العمود الفقري لأسطول البلاد الأول في سبعينيات القرن العشرين، ثمَّ تعززت قدرات البحرية باستلام سفن صاروخية من فئة «دامسة» من فرنسا في ثمانينيات القرن العشرين، ثمَّ أضافت قطر زوارق صواريخ بريطانية من طراز «برزان» إلى ترسانتها الدفاعية في تسعينيات القرن العشرين.
ويقول: “أمَّا المرحلة الرابعة، فهي ليست مجرد مرحلة ضمن مراحل تقليدية اعتيادية، بل هي قفزة نوعية بدأت مع الاعتماد والبدء بتنفيذ المشروع الجديد الذي تمَّ توقيعه مع شركة «فينكانتييري» الإيطالية. وتعتبر المرحلة الرابعة قفزة نوعية لأنها تحديث شامل ودقيق برؤية استراتيجية واضحة وعقيدة دفاعية سليمة.”
وستكون سفن «فينكانتييري» أكبر السفن وأفضلها تسليحاً تستخدمها قطر حتى وقتنا هذا؛ ومن بينها سفينة استراتيجية برمائية مزودة بمهبط للمروحيات، وتعمل قطر على إنشاء ميناء جديد خارج الدوحة لخدمة سفن الشحن والسفن البحرية ليكون قاعدة لهذه السفن الجديدة.
ويعتمد الدفاع عن الميناء وسائر الحدود البحرية للدولة على منظومة من بطاريات الدفاع الساحلي المزودة بمواصفات تكنولوجية عالية، وتعتبر قطر الدولة الوحيدة في مجلس التعاون الخليجي التي تمتلك هذه البطاريات.
فيقول اللواء السليطي: “فهي منظومة مخفية، وسلاح استراتيجي، ولها دور في بث الخوف في كل من يتجرأ على الدخول إلى مياه دولة قطر، بخلاف السفن التي يمكن رصدها في الرادار.”
وذكر اللواء أنَّ تطوير الموارد البشرية يأتي على نفس القدر من الأهمية؛ إذ ترتكز رؤية القوات البحرية للتطوير على ثلاث ركائز: التنمية البشرية، والتنمية العتادية، والتنمية الأخلاقية التي تقوم على الأمانة والإخلاص والإتقان.
كما أنشأت القوات البحرية القطرية «المركز البحري لدورات الحرب والتدريب العملياتي»، ويهدف هذا المركز إلى الاعتماد على الذات لتدريب الضباط محلياً وإعداد الكوادر اللازمة ورفدها بالمعرفة والخبرة العملياتية من خلال دورات الحرب والدورات العملياتية والمشبهات التدريبية. كما استقبلت «أكاديمية محمد بن غانم الغانم البحرية»، وهي معهد متخصص في العلوم البحرية، أول فوج من الطلبة لتعزيز صفوف القوات البحرية بكفاءات عالية.
وأخذت قطر ترحب بالعنصر النسائي في صفوف القوات البحرية في مجالات مثل الهندسة والإمداد والتموين والإدارة، وقد حدث التغيير الذي سمح للمرأة بالتطوع لخدمة وطنها في عام 2018.
فيقول اللواء السليطي: “اعتمدت القوات البحرية ضمن رؤيتها الجديدة على سياسة وطنية تستهدف استقطاب الطاقات من العنصر النسائي للدفاع – جنباً إلى جنب – مع أخيها الرجل عن المصالح العليا للوطن.”
كما يشرف اللواء على الجهود المبذولة لتعزيز القدرات الاستخباراتية والقوة القتالية للقوات البحرية، وذلك بإنشاء فرقة على مستوى لواء تحت اسم «مشاة البحرية»، وهي مقسَّمة إلى كتائب لكل منها مهام قتالية محددة، تجمع بين المهارات القتالية في المجال البحري والبري. ولا تقتصر أهمية مثل هذه القوة القتالية على الدفاع عن الشريط الساحلي المعرَّض للخطر؛ وإنما الدفاع عن أكثر من 200 محطة نفط وغاز تشكل أساس ثروة قطر.
فيقول: “بدأنا مفاوضات مع عدة دول تتميز باحترافية وعراقة في هذا النوع من القوات للاستفادة من خبراتهم والرفع من كفاءة وجاهزية هذه القوة التي سيكون لها شأن كبير بإذن الله في المستقبل القريب ضمن صفوف القوات البحرية الأميرية.”
ويشكل مثل هذا التعاون العسكري متعدد الجنسيات حجر الأساس لاستراتيجية قطر، وسيسمح امتلاك سفن حربية أكبر للقوات البحرية بالخروج من نطاق مياهها الوطنية.
فيقول اللواء السليطي: “وجدنا أنَّ أسطول السفن التي نمتلكها قد حد من حركتنا، فلم نستطع تجاوز الخليج العربي بحكم حجمها؛ لذلك حرصنا على الحصول على سفن جديدة ستعزز فرص مشاركتنا الدولية مع القوات الأوروبية بشكل عام ومع القوات الأمريكية في بحر العرب.”
يشجع اللواء السليطي، القارئ المثقف والبحار البارع، رجال البحرية الذين يترأسهم على الحرص على العلم والبحث عن المعرفة؛ فهو يتقن اللغة الفرنسية والتحق بالكلية البحرية الفرنسية، وحصل بعد ذلك على درجة الماجستير في العلوم العسكرية في مصر.
وعند ابتعاث الضباط للدراسة في الخارج، فيتوقع اللواء السليطي منهم أن يحلوا محل المحاضر والمدرب حين يعودون؛ فلا تقتصر المعرفة على المحاضرات والدورات والامتحانات.
فيقول: “فكل فرد مسؤول ومؤتمن عن مجال اختصاصه؛ فهذا أمن دولة، وقلة المعرفة يعد تقصيراً وخيانة لهذه الأمانة.”
ويرى اللواء السليطي أنَّ مهمته تتمثل في تنفيذ رؤية صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير دولة قطر والقائد العام للقوات المسلحة القطرية؛ وتنطوي تلك الرؤية على زيادة الاهتمام بالتعاون متعدد الجنسيات الذي يفيد أمن قطر في منطقة لا يمكن التنبؤ بأوضاعها في بعض الأحيان.
ويقول قائد القوات البحرية: “نحن حريصون على تقوية التحالفات الدولية سواء مع الدول القريبة أو البعيدة؛ ودائما نحاول قدر الإمكان أن نوطد التحالف الدولي مع الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة وتركيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا.”
التعليقات مغلقة.