تحت المجهر الدفاع البطولي عن بيجي بواسطة Unipath في فبراير 22, 2019 شارك Facebook Twitter صمود القوات العراقية مايقارب سنة امام هجمات داعش على مصفى النفط الاستراتيجي العقيد الركن على سهم الكناني، جهاز مكافحة الإرهاب | صور جيتي إمجيز معارك مصفى بيجي لايمكن اختزالها بمقالة، وقصص البطولة هناك قادرة على انتاج أفلام سينمائية على مستوى أفلام الحروب العالمية، شراسة المعارك وسحب دخان حرائق خزانات الوقود التي تحجب اشعة الشمس وأهتزاز المكان من شدة انفجار المفخخات وقصص استشهاد رفاقنا التي نحفظها عن ظهر قلب. فتلك الـ 11 شهراً التي عشناها داخل مصفى بيجي، جسدت معنى حب الوطن والصمود بوجه اكثر العصابات الأرهابية وحشية. هذه ليس قصتي بل حكايات الـ 325 بطل الذين صدوا 40 هجوما واسعا و175 تعرضاً بكافة الأسلحة وبأعداد مضاعفة لعددنا وبمئات السيارات المفخخة، واستطعنا الحفاظ على تماسك القوة ودحر الهجمات. موقع مدينة بيجي الأستراتيجي جعلها هدف لعصابات داعش، حيث تمر من خلالها الطرق الرئيسية التي تربط بغداد والموصل وصلاح الدين وكركوك وديالى، والسيطرة على هذا الموقع يعني قطع طرق الأمداد والتموين القادمة من بغداد. ومصفى بيجي هو واحد من اكبر مصافي النفط في الشرق الأوسط ويتحكم بعائدات واقتصاد الدولة. داعش أراد بكل السبل السيطرة على المصفى لوجود خزانات وقود ضخمة وكذلك خزانات النفط الخام والنفط الأسود. بعد أن تمكن داعش من فرض سيطرته على مدينة بيجي ركز هجماته للسيطرة على المصفى، ولو تمكن من السيطرة عليها لأصبح لديه قاعدة عسكرية ذات تمويل ذاتي. ولأصبح من الصعب الوصول للمناطق الشمالية ولكانت معركة تحرير بيجي مدمرة. لذلك استماتوا لإقتحام المصفى لأنه كان سيزيد الدخل المادي ويوفر الوقود وله تأثير معنوي كبير لهم. ولربما كانوا يخططون لتفكيك المصفاة وبيعها لأحدى الجهات المشبوهة خارج العراق ليحصلوا على أموال طائلة لدعم عملياتهم الإرهابية. كما أن داعش يعرف جيدا ان للمصفاة رمز معنوي لأن معظم وكالات الأنباء تتحدث عنها في تلك الفترة. وقد أدعوا اكثر من مرة بانهم سيطروا عليها وكل مرة تنفي الحكومة رسميا الخبر. ولو استطاعوا احتلال المصفاة كان ذلك سيرفع معنويات مقاتليهم ويؤثر على معنويات جنودنا. جنود عراقيون في نقاط الحراسة في مصفاة بيجي في 2015 بدأت المعارك يوم العاشر من يونيو/حزيران عام 2014 لغاية الحادي والعشرين من مايو/ايار 2015، طوال هذه الفترة كانت المصفاة محاصرة من كل الجهات. في البداية كنا 35 مقاتل من جهاز مكافحة الإرهاب و40 مقاتل من الفرقة التاسعة، وبضعة مقاتلين من لواء المشاة 14 ومجموعة من رجال العشائر أي ان مجمل العدد كان 110 مقاتلين تقريبا. واستطعنا صد الهجمات الأولى على المصفى في 2014، وصمدنا برغم سيطرة داعش على معظم المدن المحيطة بنا. في أواخر 2014 استطاعت قواتنا فتح ثغرة لأرسال التعزيزات بالقوة والعتاد لكن تم قطعه بعد أسابيع. وعندما اشتدت المعارك وزادت ضراوتها، توقفت الأمدادات. أود ان اذكر للتأريخ الموقف الشجاع للفريق أول الركن طالب شغاتي الكناني رئيس جهاز مكافحة الإرهاب، وقائد قيادة العمليات المشتركة آنذاك ودوره الكبير والفعال في صمود المصفاة. أتصل به العميد علي القريشي بطلب من اللواء الركن ضيف، في منتصف تموز، 2014 مباشرة وشرح له التحديات التي تواجهنا كقوة تابعة لجهاز مكافحة الإرهاب وكجزء من قاطع مسؤولية العمليات المشتركة في مصفاة بيجي ومخاطر قطع الأمدادات عن المصفى، وكان رد السيد الفريق طالب شغاتي الكناني مطمئناً ووعدنا بأنه سيستخدم كل صلاحياته من اجل إيصال التعزيزات. وبعد اجتماعات مكثفة بين قيادة طيران الجيش وقيادة القوة الجوية جاءنا اتصال بعد يومين من الرائد عمار عباس شرهان وأخبرنا بأن القيادة قررت ارسال أسلحة حديثة ومعدات وأرزاق عن طريق طيران الجيش وبحماية فريق متخصص من قيادة جهاز مكافحة الإرهاب. لقد واجهت المروحيات مقاومة عنيفة من دفاعات داعش والحمد لله استطاعوا تدمير تلك الدفاعات وشق طريقهم المحفوف بالمخاطر. كانت سعادتنا لا توصف ونحن نراقب الغبار المنبعث من هبوط المروحيات يوم الثاني والعشرون من أوغسطس/آب عام 2014 في منطقة الهضبة، داخل المصفاة وبحماية مروحيات مقاتلة من نوع أم آي 28. هذه العملية الجريئة رفعت معنويات الجنود كثيرا. وبقدر ماكنا سعداء بلقاء رفاقنا في قيادة جهاز مكافحة الإرهاب، كنا نتفحص ما وصلنا من سلاح وعتاد كأطفال يفتحون هداياهم يوم العيد! قاذفات الرمانMK19 والقناصات بعيدة المدى عيار8.6 ملم مجهزة بأجهزة كواتم الصوت والرؤيا الليلية والنهارية وتوفير كافة انواع الاعتدة الخاصة بها بكميات كبيرة. قام فريق العمليات الخاصة القادم من بغداد بتدريب افراد القوة على استخدام هذه الأسلحة الحديثة واستطلعوا المكان لنقل الصورة للسيد قائد العمليات المشتركة الذي نقل تحياته لكل فرد في القوة وأكد اهتمامه الشخصي في صمود المصفاة. فكان هذا الموقف بمثابة تحقيق النصر النهائي لنا. أقتصرت التعزيزات على مروحيات طيران الجيش، حيث تأتينا في مواعيد غير محددة، بسبب رداءة الجو والعواصف الترابية والنيران المعادية، لكنهم استطاعوا من نقل الأعتدة والمقاتلين أذ أصبح عددنا الكلي 325 مقاتل من كل الصنوف. كان الهدف ان نجلب تعزيزات اكبر. وسرعان ما تحطمت آمالنا عندما استهدف الأرهابيون المروحيات واستطاعوا اسقاط مروحيتين مما توقف طيران الجيش من إيصال التعزيزات. مر أسبوعين على توقف قدوم المروحيات من بغداد، والتي كانت تبعث الأرتياح في نفوسنا، وبدأنا نشعر بالإختناق بسبب شحة الأرزاق والعتاد ومواد الطبابة وأرتفاع أصوات انين الجرحى. في فجر ذلك اليوم المشؤوم بدأت مكبرات الصوت من مساجد بيجي القريبة من المصفاة تبث رسائل التهديد والوعيد لكسر ارادتنا: “أيها الصفويون، اقتربت نهايتكم ولايوجد من ينقذكم. من الذي سيجلب لكم الماء والطعام، ستنفد ذخيرتكم قريبا ونذبحكم ذبح النعاج ونصور جثثكم وننشرها على النت، لايوجد امامكم غير تسليم أنفسكم لمجاهدي الدولة الأسلامية قبل فوات الأوان.” تعودنا على بذاءة خطابهم، وتحطم المروحيات والحرب النفسية المعادية لم يفقدنا الأمل في القتال ولم يضعف اصرارنا على الصمود. لصغر عدد القوة وكبر قاطع المسؤولية كان الجميع يتناوب على الحراسة حتى قائد القوة يأخذ دوره في المناوبة في احد الأبراج. في البداية كنت انا معاون آمر قوة مكافحة الإرهاب في المصفاة وكان آمر القوة العميد علي القريشي، وقد أصبحت انا آمر القوة بعد إصابة العميد علي وأخلاءه من أرض المعركة قبل توقف المروحيات. لم يكن لدينا مستشفى ميداني، كنا نعالج الجرحى بالضمادات البسيطة الموجودة مع كل مقاتل كأسعافات أولية، وحين يرى المقاتل نفسه قادرا على حمل السلاح تجده يترك نقطة جمع الجرحى ويتوجه الى نقاط المناوبة، او في اوج المعركة يقاتل بالضماد الميداني. لأنه يعرف بأن ليس لدينا بديل عنه، وكان الجنود الجرحى يذهبون طوعا للقتال برغم أوامر ضباطهم لهم بالراحة. أما الحالات المستعصية فنرسلها مع طيران الجيش، أذا كان هناك طائرة قادمة وفي كثير من الأحيان يتعذر علينا انقاذ الإصابات الخطيرة بسب سوء الأنواء الجوية التي تحد من حركة المروحيات من طراز أم آي 17. نفذت كل المحاولات من فك الحصار عنا من قواتنا المسلحة، وبدأنا نشعر بأننا نقترب من نهايتنا بسبب نفاد الذخيرة والماء، وبعد نفاد كل الحلول لإيصال الأمدادات لنا، استعانت القيادة بشركائنا بقوات التحالف لإيصال العتاد والأرزاق بإستخدام مظلات خاصة كبيرة الحجم تلقيها طائرات سي 130 من ارتفاعات عالية. فشكرا لأصدقائنا في قوات التحالف على ادامة المعركة من خلال الدعم اللوجستي الذي كنا بأمس الحاجة له حيث كانت فرحتنا كبيرة في هذا الإنجاز الكبير. فقوات التحالف تملك التقنيات الحديثة في هذا المجال وقد بدأوا بتجهيز القوة الجوية العراقية بالمظلات لإلقاء الإمدادات العسكرية لنا والمواد الطبية. مرت علينا أيام صعبة وحرجة، خاصة حين تنقطع كل وسائل الإتصال وتنقطع الإمدادات العسكرية والتي لها تأثير سلبي على معنويات الجنود. أضافة الى الحرب النفسية التي كان يمارسها الدواعش كل يوم. عند الغروب، تبدأ أصوات النشاز في حرب احباط المعنويات وكسر الإرادة، مرة من خلال مآذن المساجد وأحيانا كثيرة من الساتر الترابي الذي يفصل بيننا: صورة من القمر الصناعي لبيجي في حزيران 2014 يرى فيها الحريق الذي اضرمته داعش باحد خزانات النفط أثناء المعارك. “لقد اقترب يوم النحر أيها الصفويون، سيكون يومكم كيوم سبايكر. لامفر من الموت. اعطيناكم الخيار بتسليم أنفسكم، لكنكم قررتم ان تموتوا أذلاء تحت سكاكين رجال الدولة الأسلامية!” اننا نتذكر جريمة سباكير وكيف غدر داعش بالجنود العزل، كان صمودنا هو بمثابة تأكيد لأمهات وأطفال شهداء سبايكر بأن دماء ابنائهم لن تذهب سدى، ورسالة امل للأيزيديات والمسيحيات اللواتي أختطفهن الإرهابيون، لأن انتصارنا هو امل الخلاص لهن ولكل العراقيين الذين وقعوا تحت وطأة داعش. جرائم داعش كانت تزيدنا أصرارا على القتال وعدم تسليم المصفاة للقتلة مهما كلف الأمر. في بعض الليالي، كنا نتحدث عن مجزرة سبايكر والتي تعتبر جريمة بحق الأنسانية. نحن عشنا مجزرة سبايكر بتفاصيلها، لقربها من المصفاة حيث تبعد حوالي ٣٥ كيلومترا منا، وأغلب الجنود في المصفاة كان له أخ او أبن عم او صديق بين شهداء سبايكر. فكنا نتذكرهم ونستحضر ذكريات جمعتنا معهم. بعد سيطرة داعش على محافظة صلاح الدين، كان الجنود في معسكر سبايكر محاصرين وقد نفدت ذخيرتهم، وتمكن داعش من اقتحام المعسكر ولم يكن امام الجنود سوى تسليم انفسهم. قام داعش بجريمة يندى لها جبين الأنسانية، لأن الجنود كانوا عزّل ولايوجد في القوانين الدولية ولا في الديانات السماوية ما يبيح دم الأسرى. جمع داعش هؤلاء العزّل وأطلق عليهم النار امام الكاميرات. قسما القي في نهر دجلة وقسم دفن بقبر جماعي. وصل عدد القتلى الى 1700 جندي. داعش لم يكتف بالقتل بل مثّل بجثث الشهداء بطرق بشعة. بجانب اشباع رغباتهم السادية بالتلذذ بالقتل والوحشية، أرادوا ان يزرعوا الرعب في قلوب الجنود الآخرين، لكن ذلك زاد أصرارنا على القتال حتى النهاية. لذلك كنا نقاتل حتى الموت لهزيمة هذا العدو الأرهابي وجلب من قام بجريمة سبايكر للقصاص. معنويات المقاتلين داخل المصفى كان لها دور كبير بأعادة الثقة والحفاظ على معنويات القوات المسلحة العراقية. لأننا كنا قوة محاصرة من كل الجهات وعددنا قليل جدا مقارنة بعدد الأرهابيين الذين يطوقون المنطقة، أضافة الى ان مساحة المصفاة هي 24 كيلو متر مربع أي لايمكن لـ 325 مقاتل من مسك هذه المساحة الكبيرة. فبرغم هجمات داعش المتكررة والمستميتة وبرغم قلة الماء والطعام والعتاد كانت القوة متماسكة. كان القادة والآمرين الموجودين في قواطع العمليات الأخرى مثل كركوك وديالى وسامراء والأنبار يشيدون ببطولات وتضحيات المقاتلين داخل مصفاة بيجي وبدأوا يحفزون جنودهم على ذلك. في بداية المعركة، كانت معنويات داعش عالية ويملكون قدرات عسكرية كبيرة تفوق عدد قواتنا في قواطع العمليات، لكن معركة بيجي قلبت تلك الموازين لصالح قواتنا وأصبحت رمزا لقواتنا المسلحة في سوح القتال. المسافة الفاصلة بيننا وبين إرهابيي داعش تتراوح بين 5 امتار الى 500 مترا. كنا نسمع احاديثهم عند سكون الليل. لقد قام داعش بهجمات كثيرة خلال عشرة أشهر ودارت معارك ضارية وأستشهد عدد من الضباط والجنود. لقد اعطينا خيرة رجالنا في معارك المصفاة لكننا كنا مصممين على عدم تسليم الموقع لعصابات الإرهاب. وبرغم شراسة القتال والخسائر، كانت معنوياتنا في تصاعد. لقد استخدم داعش أسلوب نشر الإشاعات على صفحات التواصل الاجتماعي وفبركة بعض الفيديوهات وبدعم من بعض القنوات المغرضة لنقل أخبار كاذبة عن سقوط المصفاة. كانوا يهدفون لنشر الفوضى والرعب في قلوب عوائل المقاتلين حتى يطلبون من أبنائهم ترك المصفى. في أحدى الليالي نادى احد الدواعش على الملازم وسام محمد خالد التكريتي قائلاً: “وسام انت ابن تكريت ونعرف اهلك جيدا، لماذا تقاتل اخوانك أهل السنة وتناصر الروافض. الدولة الأسلامية جاءت لتنقذ السنة من ظلم الحكومة الرافضية، عليك ان تعلن التوبة ولك الأمان. هؤلاء لايثقون بك وسيقتلونك فاقتل ما تستطيع منهم والتحق باخوانك المجاهدين.” مرت لحظات صمت شقها صوت الملازم وسام من خلف الساتر الترابي مجيباً بأنه يفتخر بعراقيته وسيقاتل حتى الموت مع رفاقه في السلاح. وأن داعش قتلت العراقيين السنة والشيعة والكرد بدون تمييز وأنهم عصابة أرهابية ستهزم على يد العراقيين. استشهد الملازم وسام محمد خالد التكريتي في معركة ليلة الرابع والعشرون من أوغسطس/آب عام 2014، كان شابا وسيما وضابطا شجاعا جداً. احبه الجنود كثيرا وأحرز ثقة القيادة بكفاءته العالية. لقد شهد الجنود على موقفه البطولي تلك الليلة، حيث ضحى بنفسه ولم يسمح لداعش من احداث ثغرة قرب موضعه الدفاعي. صلينا على جثمانه الطاهر عند الفجر وودعناه لمثواه الأخير. احتفظت بصورة والده وساعة يده لكي اسلمها لعائلته حين تنتهي هذه الحرب وأخبرهم عن بطولات وسام وعن حبه لعائلته ولمدينته تكريت. كانت معنويات الجنود تشد من عزيمتي لمواصلة المعركة. كان لدي بدالة سلكية يتصل من خلالها الجنود بعوائلهم. بعض الأحيان أكون هناك بأنتظار اتصال من المقرات العليا فكنت اسمع الجندي يخبر عائلته بأستقرار الموقف وعدم وجود أي هجوم او خسائر، برغم ان الليلة الماضية كنا نصد الهجوم. كنا نعاني كثيرا من شحة الأرزاق، لأننا كنا نعطي الأولوية لوصول العتاد على الأرزاق، لكننا نخبر الأهل بأن كل شيء متوفر. خلال فترة العشرة اشهر، كنا نستخدم فقط العتاد الخاص بنا ولايوجد لدينا مستودعات ضخمة لإدامة زخم المعركة. بعض الأحيان عندما نصد الهجومات نستفيد من العتاد والسلاح الذي نستحوذ عليه من قتلى داعش ونجمعه ونوزعه على الجنود. كانت الرصاصة تمثل البقاء، وكنا لا نطلقها عشوائيا. بعض الأحيان نضطر لعدم الرد على مصادر النيران. في أحدى المعارك بعد ان قطع العدو الطرق وبدأ بالضغط على القوة الموجودة بمنطقة المزرعة ومنطقة المالحة لوقف تقدم القطعات وإدامة التماس بين سبايكر وبيجي. كنا على وشك نفاد العتاد كليا، فطلبت من اللواء ركن ضيف بأعداد خطة جديدة للتقليل من ضغط العدو على المناطق الأخرى، بدأنا نحن بقطع النار. كانت خطتنا المحافظة على الأعتدة القليلة الموجودة بحوزتنا وإعطاء المقاتلين قسطا من الراحة وأستدراج العدو لمنطقة التحشد. وبالفعل بدأ داعش بتحشيد قواته في محيط المصفى. كنا نرصد تحركاتهم من خلال الكاميرات الحرارية والنواظير الليلية وأجهزة التنصت وطائرات الأستطلاع التابعة لقوات التحالف الدولي. وبعد ان حددنا موقع التحشد في قاعدة الصينية و الهجوم الوشيك، طلبنا من القيادة قصف موقع التحشد، وقد تمكنا من تدمير الحشود من خلال القصف الجوي الذي قامت به القوة الجوية العراقية وقوات التحالف، وقد كبدناهم خسائر كبيرة بالأرواح والمعدات وحافظنا على كمية العتاد. لقد تم قتل اكثر من 150 إرهابي في هذا التجمع. كنا نتابع مجريات المعارك في تكريت وسيطرة قواتنا المسلحة على ناحية العلم شمال تكريت، كانت قلوبنا ترقص فرحا لهذا التقدم وكنا على يقين بأن تحرير مدينة تكريت وصمودنا في المصفاة هو حجر الأساس لهزيمة داعش. شن داعش هجوما عنيفا على المصفاة في 10 نيسان، 2015 بحوالي 1400 مقاتل أي ثلاث اضعاف عددنا ولمدة 11 يوما. كانت معركة شرسة جدا ومستمرة ليلا نهاراً. أستشهد العقيد خالد الجنابي يوم 12 نيسان حيث كان يقاتل ببسالة مع الجنود، وفي يوم 14 نيسان سقط معاون قائد القوة العميد عبد الكريم شبر شهيدا. ولم يتوقف القتال بل زاد ضراوة. وبعده بيوم أستشهد قائد القوة اللواء الركن ضيف الطائي. عند توقف القتال للحظات، كان داعش يستخدم مكبرات الصوت وينادي الجنود بتسليم انفسهم. “لقد قتل معظم قادتكم، وستقتلون جميعكم، جلبنا خيرة مقاتلي الدولة الإسلامية، هذه هي فرصتكم الأخيرة بإعلان التوبة وإلقاء السلاح. أرأيتم جثة اللواء ضيف والعميد كريم؟ كيف ستقاتلون بدون قائد. لقد تركتكم حكومة بغداد للموت هنا.” لكننا كنا نزداد عزما على مواصلة القتال لأننا عاهدنا بعضنا بأن لاننهزم وأن امل العراق بنا. وبعد ان يأس داعش من السيطرة على المصفاة، ركز على احداث خرق في الدفاعات ومحاولة اخذ جثث القادة الشهداء. كانت جثة اللواء ركن ضيف وجثة العميد كريم والعقيد خالد الذين استشهدوا اثناء المعارك في منطقة الأبراج الأمامية التي انسحبنا منها لأمتصاص الهجوم الأول وهي الآن بيننا وبينهم. أثناء المعركة وبعد أستشهاد اللواء الركن ضيف وتكليفي بقيادة القوة لأني الرتبة الأقدم. كنت جالسا عند منتصف الليل مع بعض الجنود في مقر القيادة لوضع خطة لسد الثغرة التي أحدثها داعش في احدى نقاطنا، جائني اتصال على الراديو العسكري وعرف عن نفسه بأنه قائد قوة الإقتحام التي ستهجم على المصفاة، من خلاله لكنته يبدو لي أنه من المقاتلين العرب، قال لي بأن لا أمل لكم بالنجاة، وبدأ بالتهديد والوعيد وقال بأنه سيهجم بمئة شاحنة مفخخة وسيدمر المصفاة ومن بها، كنا نستمع بهدوء، وبعد ان انتهى من التهديد قال بأنه يعدني وعد شرف أن يتركني اخرج بسلام أذا سلمته المصفاة والجنود. فأجبته بأن هيهات اخون وطني وجنودي وان المصفاة عصية عليكم وستكون مقبرة لك ولمن يقترب منها، وسوف نثأر لشهداء سبايكر وشرف العراقيات اللواتي سبتهن عصاباتكم، وانهيت الإتصال. حاول داعش الوصول لجثة لواء ركن ضيف اكثر من مرة لكن كنا يقظين وأفشلنا محاولاتهم. كان هدفهم التمثيل بجثامين الشهداء وعرضها في اصداراتهم على النت كدليل لسيطرتهم على المصفاة، وبالتأكيد كان هذا سيرفع من معنويات داعش بعد نكسة تكريت. لكن بحمد الله، وبرغم عنف الهجوم وأستماتة الدواعش، فشلوا في تحقيق اهدافهم. اعددت خطة لدفع داعش خلف خط الصد، الذي اصبح ارض حرام، وتأمين جثث الشهداء، كنت متيقنا بأن هذه العملية ستكسر معنوياتهم وتحقق لنا النصر. فجر يوم 22 نيسان كان حزينا علينا، حيث أدينا مراسيم دفن اللواء الركن ضيف والعميد كريم. كانت احاديثهم والذكريات التي جمعتنا بهم شاخصة. سكون قاتل يشوب المراسيم ودموع تنهمر بلا وعي، كان لفقدانهم أثر كبير في نفوس الجنود. زج داعش في معارك المصفاة كل ما لديه من أسلحة ومهارات، حتى الدبابات وناقلات الجنود المدرعة. واستخدم السيارات المفخخة بكثافة لتدمير دفاعاتنا والمداخل الرئيسية، ووظف الطائرات المسيرة لتحديد مواقعنا وأستخدم غاز الكلور والقصف الكثيف بالهاونات. أستهدفوا خلال الهجوم قصف مكثف وضربوا خزانات وقود وأضرموا بها الحرائق من أجل حجب الرؤية على الطيران وإرباك مقاتلينا، لقرب الخزانات علينا وعزل جزء من المصفاة عن بقية القوة. المصفاة تحتوي على مواد سريعة الأشتعال وغازات سامة ولاتصلح ان تكون موقع دفاعي او ارض معركة. وبعض الأحيان تحرير المتر الواحد يحتاج لساعات من القتال الشرس بحكم طبيعة الأرض وتحصينات العدو أضافة الى قوة المفخخات. قد تسبب رصاصة واحدة حريق لمساحة كيلو متر مربع. أضافة الى استخدام كل الأساليب من أجل السيطرة على المصفاة لكنهم فشلوا امام صمود المقاتلين الأبطال. بدأت قواتنا المسلحة تضيق الخناق على داعش في المدن القريبة من قضاء بيجي، ضغط قواتنا منحنا قسطا من الراحة، لأن داعش ارسل معظم مقاتليه لعرقلة تقدم قواتنا. كانت تمر الأيام والأحداث سريعة وأنباء انتصارات جيشنا البطل تنتشر بسرعة. يوم 20 أكتوبر، 2015 وصلت المصفى همرات رجال مكافحة الأرهاب تتقدم من جهة البو طعمة والمزرعة. كنا نهزج فرحين، ونعانق بعضنا البعض، عناق النصر الذي لا يعرف نشوته سوى الجنود المنتصرين. هذه الليلة كانت الليلة الأولى منذ 11 شهرا أنام بها نوما هادئا دون ان أضع يدي على قبضة سلاحي. زفت خلية الاعلام الحربي نبأ تحرير بيجي للشعب العراقي وللعالم. كانت فرحتي كبيرة بأني سأعود لأطفالي مرفوع الرأس فخورا بما حققناه من نصر كان بمثابة المعجزة. لا ادري لماذا شعرت بالحاجة للذهاب الى مقبرة الشهداء واداء التحية لهم، لأن تضحياتهم هي التي حققت النصر. تفاجأت بأن بعض الجنود قد سبقوني للمكان. شعرت بأن الشهداء كانوا يبتسمون لنا من تحت ظل علم العراق الذي يرفرف عاليا فوقهم. Facebook Twitter شارك
التعليقات مغلقة.