البحرينيون يبنون جسور الثقة لرفض الأكاذيب المضللة حول الفيروس
الدولة نجحت في مكافحة جائحة كورونا بالتصدي لبث الخوف عبر الإنترنت
حبيب التومي، مستشار وزارة شؤون الإعلام البحرينية
يبدو أنَّ الحقيقة هي أول ضحية في الجائحات كما في الحروب.
مع أنَّ العالم واجه الأوبئة والجائحات على مدار قرون عدة، فلم يضطر قط للتعامل معها وسط تسونامي من المعلومات المضللة وحملات التضليل ونظريات المؤامرة المحيطة بفيروس كورونا (كوفيد-19).
فوفرة معلومات التواصل اليوم نتيجة دمج الصور والصوت والفيديو والرسائل النصية – ومن خلال التقارير المقدمة على أنها حقائق والتي يسهل إعادة إنتاجها وتوزيعها عبر البلدان – تتسبب في إعادة تشكيل الآراء وتحدي التوقعات وإرباك المجتمعات.
صاغت منظمة الصحة العالمية مصطلح «وباء المعلومات» للإشارة إلى الكم الهائل من المعلومات المضللة والمربكة المحيطة بكورونا والتي تقوض الجهود المبذولة للتخفيف من حدة الفيروس، ناهيك عن الوقاية منه أو علاجه.
فلطالما ارتبطت الأمراض التي تثير الخوف بالمعلومات المضللة منذ وقوع المصائب في فجر التاريخ، إذ كان البشر على مر العصور ينسبونها إلى السحر وعين الحسد والشيطان وغضب الآلهة.
فقتلت الأمراض ضحاياها، واستهدفت المعلومات المضللة الجناة المزعومين وتسببت في إعدامهم أو عزلهم أو طردهم.
استهدفت الافتراءات الملفقة لأسباب سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية كلاً من اليهود والنصارى والمسلمين والنساء والأفارقة والآسيويين والأقليات والمجذومين والمساكين والمتشردين والمغتربين، ويبدو أنَّ جعبة المدبرين الذين يتبنون هذه الروايات والأقوال المرسلة والشائعات لا تخلو أبداً من المعلومات المضللة.
بغض النظر عن العصر التاريخي الذي تظهر فيه، فإنَّ أهداف المعلومات المضللة وحملات التضليل لم تتغير؛ بل اقتصر الأمر هذه المرة على تحديث الروايات المتداولة لتعكس تفاصيل المرض الأخير.
يقول المؤلف جون لي في كتابه الصادر في عام 2014 بعنوان «وباء من الشائعات»: “يُعاد تدوير الروايات من تفشِّي مرض لآخر، ولا تتعدَّل في موضوعاتها وإنما في التفاصيل المحددة اللازمة لربط الروايات بالأوضاع الراهنة.”
وتنتشر بعض الصور الزائفة والروايات الباطلة بدافع الخبث والحقد اللذين يتأججان في الأزمات والخوف والقلق، وينتشر البعض الآخر بسبب إحساس مشوه باللعب وفكرة شاذة عن المرح.
وجعلت التكنولوجيا تحريف الحقائق واختراع الروايات عملاً بسيطاً وناجعاً، إذ مكنت التطبيقات الناس من إنشاء عالم خيالي يحل محل العالم الحقيقي ويلغي الحقائق، وتُستخدم القفزة الهائلة التي قفزتها التكنولوجيا استخدامات هدَّامة مع أنها من المفترض أن تغير هذا العالم نحو الأفضل.
في مطلع عام 2020، وفيما أدرك العالم انتشار فيروس كورونا، فإذا بوابل من الرسائل ينهال على الناس من شبكاتهم الداخلية كالأقارب والأصدقاء والزملاء والجيران، ووابل من المعلومات الخارجية من الأطباء وخبراء الصحة والمشاهير والمسؤولين والشخصيات السياسية.
أدركت قيادات معظم البلدان وجود ركيزة أساسية لاستراتيجية مكافحة المرض المتفشِّي، وهي مواجهة وابل المعلومات المضللة التي يمكنها أن تقوض فرص التخفيف من حدته لحين إنتاج لقاح.
والبحرين جزيرة صغيرة (765 كيلومتراً مربعاً) وواحدة من أكثر الجزر كثافة سكانية على مستوى العالم (نحو 2,052 نسمة لكل كيلومتر مربع)؛ وكانت من بين البلدان المعرَّضة بشدة لخطر العدوى. إلَّا أنَّ «العدوى» عبر الإنترنت ووسائل الإعلام الاجتماعي يمكن أن تكون شراً مستطيراً هي الأخرى.
كشفت مؤسسة «داتا ريبورتال» أنَّ معدَّل انتشار الإنترنت في البحرين بلغ نسبة 99% وانتشرت وسائل الإعلام الاجتماعي بنسبة 84٪ حتى كانون الثاني/يناير 2020، وكان بها في الوقت ذاته 1.65 مليون مستخدم للإنترنت و1.4 مليون مستخدم لوسائل الإعلام الاجتماعي.
تضمن الفريق الوطني الطبي متعدد الوزارات المشكل في مطلع شباط/فبراير 2020 للتعامل مع انتشار وتداعيات كورونا محوراً إعلامياً.
ففيما كان المسؤولون يكافحون الجائحة، التزمت الحكومة أيضاً بمكافحة المعلومات المضللة وحملات التضليل التي استغلت إدمان الناس للمنصات الرقمية لتقويض جهود الدولة.
فحث الفريق المواطنين على استخدام مصادر موثوقة للمعلومات وعدم الوقوع في الادعاءات المغلوطة والمضللة التي ينشرها الباحثون عن الشهرة وأصحاب نظريات المؤامرة والمتشدقون.
وأنشأ الفريق خطاً ساخناً للحرص على سلاسة التواصل بسبع لغات؛ ذلك لأنَّ أكثر من نصف سكان البحرين البالغ تعدادهم 1.7 مليون نسمة ينتمون لأكثر من 140 دولة.
وتصدر في البحرين أربع صحف يومية باللغة العربية، واثنتان بالإنجليزية، وواحدة بالمالايالامية (الهند) وواحدة بالتاغالوغية (الفلبين). وتصدر مجلات أسبوعية وشهرية بعدة لغات، كما تبث محطات الإذاعة والتلفزيون برامجها بعدة لغات.
وأعربت كافة هذه النوافذ الإعلامية عن إدراكها لخطورة الموقف وظلت ملتزمة بطباعة وبث الأخبار والتقارير من مصادر موثوقة فقط – أرقام رسمية وبيانات من خبراء ورجال شرطة وإعلانات الوزارات.
رفضت وسائل الإعلام في جميع الأحوال التهاون مع الادعاءات المشكوك فيها وكثيراً ما أرسلت مراسليها للتحدث مع الأطباء، ولا سيما استشاريي الأمراض المعدية والباطنية وعلماء الأحياء الدقيقة، الذين قدموا تفسيرات علمية لمساعدة المواطنين على فهم الموقف، وكان لهذا دور كبير في دحض المعلومات المضللة.
وقال رجال الدين في خطبهم ومواعظهم إنَّ نشر الأكاذيب ينافي تعاليم الدين وقيمه الأصيلة.
كما حرصت سلطات الأمن والعدالة على إصدار تحذيرات من أنَّ من ينشرون معلومات زائفة سيُتهمون بزعزعة السلم الاجتماعي وسيواجهون إجراءات قانونية تشمل أحكاماً بالسجن وغرامات كبيرة.
وعقد الفريق مؤتمرات إعلامية منتظمة لنشر المستجدات وإصدار الإيضاحات والدعوة إلى التحلي بالمسؤولية مع تذكير الجميع بالآثار السلبية للشائعات والافتراءات.
كان لارتفاع نسبة معرفة القراءة والكتابة وسط الكبار (97.5% في عام 2018) وحملة «كن واعياً» أهمية كبيرة في بناء الثقة بين المواطنين والمؤسسات الحكومية والخاصة، مما ساعد على التصدي لنشر نظريات المؤامرة الذي يكثر عادةً في الشرق الأوسط.
نتجت المكافحة الشاملة في البحرين للمعلومات المضللة وحملات التضليل عن مزيج من الإجراءات السريعة التي اتخذها الفريق، والتحذيرات الصارمة ضد المخالفين، وفتح قنوات التواصل مع الخبراء الطبيين والصحفيين الملتزمين.
وصل الكم الأكبر من المعلومات المضللة ورسائل التضليل إلى المواطنين في البحرين من خلال الواتساب الذي يعد أبرز تطبيق للتواصل في الدولة.
لم تكن الرسائل مرتبطة في الغالب بالسياسة أو بأجندات دينية أو طائفية سيطرت للأسف على الشرق الأوسط بسبب التناحر بين الطوائف والدول.
ظهرت الرسائل الأكثر إثارة للقلق يوم 26 شباط/فبراير، أي بعد يومين من اكتشاف أول إصابة لمواطن بحريني عائد من زيارة دينية إلى إيران؛ إذ انتقدت رسائل على الواتساب البحرينيين الذين سافروا إلى إيران واتهمتهم بجلب المرض وتعريض البحرين للخطر، وكشفت الشرطة أنَّ 30 رواية حملت رسائل مصبوغة بصبغة طائفية.
إلَّا أنَّ سرعة تدخل صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ساعد على نزع فتيل التوتر المتنامي بدافع الخوف، داعياً إلى الحفاظ على الوحدة الوطنية ومشدداً على أنَّ “كورونا لا يميز بين الناس على أساس الجنس أو العرق أو الدين أو الطبقة الاجتماعية.”
سعت محاولات التضليل الأخرى إلى خداع المستخدمين أو التأثير على سلوكهم، ومن أمثلة ذلك:
تداولت وسائل الإعلام الاجتماعي خبراً يفيد أنَّ الأطباء اكتشفوا حالات مصابة بكورونا في «مدينة التنين»، وهي عبارة عن مركز تسوق ضخم على الطراز الصيني، وأنَّ الشرطة داهمت المحال والمتاجر التي تبيع الإكسسوارات والديكورات المنزلية والمواد الغذائية.
تداولت وسائل الإعلام الاجتماعي في حالة أخرى إشاعة بأنَّ المصابين بكورونا هربوا من مراكز الحجر الصحي وكانوا يتجولون في الدولة؛ ونفت الشرطة على الفور كلتا الإشاعتين.
احتجزت الشرطة أحد المستخدمين بعدما نشر مزاعم بأنَّ كورونا ليس إلَّا كذبة كبيرة مستخدمة لأخذ أموال الناس.
وضعت مغنية مشهورة نفسها في مشكلة قانونية بعدما استخدمت الواتساب لتحذير المواطنين من البيتزا والطعام عبر خدمات التوصيل للمنازل، بدعوى أنها شديدة العدوى.
نفت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان الإشاعة المروجة لإصابة عدة سجناء في تقرير أعدته بعد زيارة ميدانية.
أشارت محاولات تضليل أخرى متداولة في الدولة إلى تقارير «موثوقة» أو «سرية» حول منشأ الفيروس وطرق علاجه.
واليوم، وبعد عامين من تفشِّي المرض، تصدَّرت البحرين دول العالم في «مؤشر نيكاي للتعافي من كورونا» لشهر تشرين الثاني/نوفمبر 2021، وواصلت المملكة اتخاذ خطوات كبيرة في مواجهة الجائحة والعودة إلى الحياة الطبيعية.
وقد نُشر المؤشر لأول مرة في تموز/يوليو 2021، ويختص بتقييم تعافي كورونا في 121 دولة ومنطقة بناءً على تسعة عوامل مقسمة إلى ثلاث فئات: إدارة العدوى، وطرح اللقاحات، والقدرة على التنقل.
فأمَّا إدارة العدوى فتشمل الحالات مؤكدة الإصابة بكورونا مقابل العدد الأقصى للحالات، والحالات المؤكدة بالنسبة لأفراد الدولة، والاختبارات لكل حالة.
وأمَّا طرح اللقاحات فيغطي إجمالي جرعات اللقاحات المعطاة لأفراد الدولة، وجرعات اللقاحات الجديدة المعطاة لأفراد الدولة، ونسبة المطعمين تطعيماً كاملاً.
وأمَّا القدرة على التنقل فتتناول قدرة أفراد المجتمع على التنقل، ومؤشر أوكسفورد للصرامة، وأنشطة الطيران.
وكلما ارتفع التصنيف، من صفر إلى 90، اقتربت الدولة من التعافي مع انخفاض الإصابات، وارتفاع معدَّلات التطعيم، وتخفيف إجراءات التباعد الاجتماعي.
وقد سجلت البحرين نسبة 73% تليها الكويت بنسبة 72% والإمارات بنسبة 70.5%.
وأعلنت الهيئة الوطنية لتنظيم المهن والخدمات الصحية البحرينية في تشرين الثاني/نوفمبر 2021 عن موافقتها على استخدام لقاح «فايزر-بيونتيك» في حالات الطوارئ للأطفال الذين تتراوح أعمارهم من 5 أعوام إلى 11 عاماً. وجاء القرار بعد تقييم لبيانات اللقاح أجرته لجنة التجارب السريرية بالهيئة ولجنة التطعيمات بوزارة الصحة.
التعليقات مغلقة.