بعد هزيمة داعش في العراق وسوريا، ستحتاج دول التحالف إلى استراتيجية اتصالات ناجحة للحفاظ على السلام
أسرة يونيباث
بعد طرد داعش من المدن العراقية والسورية، ينبغي أن تحول دول التحالف انتباهها إلى المقاتلين الأجانب الذين يفرون من ساحة المعركة ويتم إصدار تعليمات لهم بالقتال في يوم آخر. ولا يتوافر أمام عشرات الآلاف من المقاتلين الآن سوى خيارين: الاستمرار في اتباع فكر داعش الملتوي من خلال شن هجمات قاتلة في البلدان التي يسيطرون عليها، أو تجنب الروايات الزائفة التي يروج لها رعاة الإرهاب وفتح عقولهم إلى الأصوات العاقلة التي تتبني الوحدة والسلام.
إن تحديد هؤلاء المقاتلين الذين تم تلقينهم فكر داعش والوصول إليهم بالرسالة الصحيحة سيمثل أمرًا أساسيًا في الحد من الأضرار التي سيتسببون فيها في السنوات التي تلت هزيمة داعش في ساحة المعركة. وللتعاون بين دول التحالف أهمية حاسمة في نجاح هذا الجهد.
كما ينبغي على الحكومات تبادل المعلومات بشأن تحركات الإرهابيين المشتبه بهم، والمساهمة في وسائل الإعلام الاجتماعية العالمية التي تُواجه الرسائل المُضللة التي تستخدمها شبكات الإرهاب لتجنيد الاتباع. كما تؤدي الشركات الخاصة دورًا في ذلك. وتشير الدراسات إلى أن عملية تجنيد الأتباع التي تقوم بها داعش وغيرها من الجماعات تتعرقل بشدة عندما تبحث شركات الإعلام الاجتماعي الخاصة عن الحسابات المُستخدمة للتحريض على الإرهاب وتعطلها.
ولا تقل الأنشطة التي تبذلها منظمات مكافحة الإرهاب أهمية عن ذلك. فقد تبنى مركزا صواب وهداية في دولة الإمارات العربية المتحدة، ومشروع مكافحة التطرف، والصندوق العالمي لمكافحة الإرهاب، الصندوق العالمي لإشراك المجتمعات المحلية ومساعدتها على الصمود نهجًا عالميًا لمواجهة الرسائل البغيضة، وتوفير الأدوات اللازمة لوقف انضمام المجندين للمنظمات المتطرفة. فقد يصبح ملايين الأشخاص الذين شردتهم الحروب وأصابهم الإحباط بسبب العيش في مخيمات اللاجئين عرضةً للوعود الكاذبة من داعش والجماعات الإرهابية الأخرى.
في أبريل عام 2016، وقعت الأردن اتفاقية مع الولايات المتحدة لتوسيع الجهود المشتركة التي تستهدف الرسائل التي تنشرها الجماعات المتطرفة على الإنترنت. وستركز هذه الشراكة على منح الفرصة للأصوات المستقلة من الأردن وعبر المنطقة، الأمر الذي من شأنه إبراز الرسائل المعتدلة والبناءة وكذلك الرؤى الإيجابية السلمية للمستقبل” وذلك حسبما ذكرت صحيفة جوردان تايمز.
وتُعد هذه الاتفاقية جزءًا من النهج الأيديولوجي طويل الأجل لجلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين لمكافحة الإرهاب. حيث قال جلالته:”إذا لم ننظر إلى الأمر من وجهة نظر شمولية وندرك أن ذلك يمثل تهديدًا عالميًا يشملنا جميعًا، فلن يمكننا أبدًا القيام بالأمر بصورة صحيحة.”

رويترز
أنشأت المملكة العربية السعودية مركزًا للحوار بين الأديان لتعزيز الوئام بين الأديان العالمية وساعدت في إنشاء مركز الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب. وحث خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز خلال كلمته التي ألقاها في اسطنبول خلال مؤتمر القمة الإسلامي الثالث عشر لمنظمة التعاون الإسلامي في أبريل عام 2016، على أهمية التضامن والوحدة بين المسلمين.
وقال الملك سلمان: “إن واقعنا اليوم يحتم علينا الوقوف معاً أكثر من أي وقت مضى، لمحاربة آفة الإرهاب وحماية جيل الشباب من الهجمة الشرسة التي يتعرض لها والهادفة إلى إخراجه عن منهج الدين القويم والانقياد وراء من يعيثون في الأرض فساداً باسم الدين الذي هو منهم براء.”
حالة مُغايرة
إن براعة داعش في استخدام الإعلام الاجتماعي كانت السبب في وجودها الافتراضي وتحقيقها لنجاحات. وبحلول عام 2014، عندما كانت تُسيطر على مناطق في سوريا والعراق، تسببت رسائلها المُضللة في إثارة الأشخاص الساخطين في جميع أنحاء الشرق الأوسط وخارجه.
وتم وتم ترويج فكرة الكيان الذي لايقهر بالاعتماد على النبوءات الدينية القديمة. فقد وعدت داعش بإنشاء مكان يمكن للمسلمين فيه العيش بأمان وممارسة الإسلام في أنقى صوره. ولقد أثارت مقاطع فيديو العنف البشع الذي يمارسونه اهتمام وسائل الإعلام، وقامت الجماعة الإرهابية أيضًا بالترويج لرواية زائفة عن خلافة قائمة. ومن بين ما يزيد عن 9000 نشرة إعلامية مرئية من النشرات الإعلامية التي تم تحليلها في التقرير الصادر عن مركز مكافحة الإرهاب في الأكاديمية العسكرية الأمريكية، ركز ما يزيد عن النصف على الحكم، وأهمية الممارسات الدينية. وأنشأت صور زائفة لأسر تعيش حياة طبيعية في ظل الخلافة.
وبمرور الوقت سقطت مدينتي الموصل والفلوجة في أيدي الإرهابيين، واستجاب عشرات الآلاف من المجندين من ما يصل الى 100 دولة لدعوة الانضمام. لكن مع تزايد الأعمال الوحشية لداعش، وبدء هزيمة مقاتلي داعش على أيدي قوات التحالف على أرض المعركة، انخفض عدد مجندي داعش بشكل سريع وكذلك محتوى وعدد رسائلها.
وتحول الحديث من إنشاء الخلافة الإلهية إلى دعوات لشن هجمات ضد الأبرياء في دول التحالف. ووفقًا لتقرير مركز مكافحة الإرهاب، بلغ ترويج داعش لدعواتها ذروته في أغسطس عام 2015 عندما أصدرت 700 منتج إعلامي منفصل ذاك الشهر. وفي أغسطس عام 2016، تم إصدار ما يقل عن 200 منتج. “باختصار، الصورة المتجانسة للخلافة ما هي إلا وهم؛” هذا ما خلص إليه مركز مكافحة الإرهاب.
ينبغي أن توسع دول التحالف هذه الرسالة وغيرها من الرسائل عند التعامل مع المجندين الذين تم غسل أدمغتهم — وأطفالهم وأراملهم — بعد تحقيق الانتصارات في المعارك الإقليمية في العراق وسوريا. حيث تشكل هذه الفئة المجهولة من السكان التي تُستغل لإلحاق الخسائر أو التجنيد وتدريب الآخرين لارتكاب الأعمال الوحشية، خطرًا دائمًا ضد جميع الدول السلمية.
وأوضح تقرير معهد لوي للسياسة الدولية أن “الحرب في سوريا والعراق شكلت جماعة كبيرة من المقاتلين المُدربين وذوي العلاقات الواسعة.” ”ولا يشكل هؤلاء الأفراد تهديدًا على الدول التي يعودون إليها فحسب، بل أيضَا على جميع الدول التي يسافر مواطنوها ويتاجرون في النظام الدولي.”
ماذا بعد؟
ما الذي يمكن فعله للمضي قدما؟ حث ألبرتو إم فرنانديز، نائب رئيس “معهد بحوث إعلام الشرق الأوسط” والمنسق السابق “بمركز الاتصالات الاستراتيجية لمكافحة الإرهاب” في وزارة الخارجية الأمريكية، في خطاب ألقاه عام 2016 الحكومات على إظهار داعش بأنها “مشكلة سياسية ذات بعد إعلامي وليس العكس.”
وشجع فرنانديز على القيام بحملات إعلامية تسلط الضوء على قصص الناجين من قبضة داعش ومن أعمالهم الإرهابية. وقال أن البعض يؤمنون أن أتباع داعش هم قتلة مضطربين عاطفيًا، ويلزم وصفهم على هذا النحو.
ولقد أثار تحليل لمؤسسة راند نقاط مُماثلة، ودعت المؤسسة على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” لمتابعة حملتها لحذف حسابات الأشخاص الذين يروجون للإرهاب. وأوضح تقرير مؤسسة راند أنه “من المرجح أن هذه الحملة ستزعج مستخدمي موقع التواصل الاجتماعي ‘تويتر’ التابعين لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام [داعش]، وستجبرهم هذه الحملة على إهدار وقت ثمين في إعادة اكتساب أتباع جدد، وقد تدفع البعض في نهاية المطاف إلى استخدام الإعلام الاجتماعي الذي يكون أقل انتشارًا واستخدامًا بين العامة من تويتر.”
ويوجد أسلوب آخر للتصدي لداعش، كما كتب الدكتور سام مولينز في مركز جورج مارشال الأوروبي للدراسات الأمنية في مقاله بمجلة يونيباث، ألا وهو الكشف عن نفاق أعمالهم مقارنة بأقوالهم. وكتب الدكتور مولينز في مقالته أيضًا أنه “ينبغي تسليط الضوء على واقع الحياة داخل المنظمات الإرهابية، مقارنة بالدعاية البراقة والتوقعات الساذجة للمجندين.” وأضاف أنه يمكن للتعليم وفرص العمل أيضًا تأدية دور مهم في ذلك.
وأكد الدكتور حسين علاوي، رئيس ومؤسس مركز أكد للشؤون الاستراتيجية والدراسات المستقبلية في العراق، على الحاجة إلى توافر برامج لاستكمال الحملات الإعلامية لمكافحة الإرهاب، وذلك من خلال التركيز على المواطنة والوحدة الوطنية في بعض الحالات. وأشار إلى أهمية توفير”دروس عملية، وفكرية، وقضائية، وتنموية، واجتماعية بنائه لإعادة غرس القيم الإنسانية والوطنية والاجتماعية في قلوب وعقول المتضررين من التطرف والأفكار التكفيرية.”
