ضرورة تعاون الجنود والمدنيين لتحقيق انتصار نهائي في المعركة ضد التطرف العنيف
پرویز أصغر، لواء بحري (متقاعد)، البحرية الباكستانية
فيما وراء شواطئ باكستان، أصبح لسوء الحظ الاسم العادل لباكستان مرادفًا للإرهاب والتطرف الإسلامي. وبالرغم من أن أغلبنا ما زال في حالة إنكار شديد، إلا أن الحقيقة البغيضة تكمن في أن المد المتصاعد للتطرف والانحصار الديني الذي ما يزال تحيط بنا منذ أوائل الثمانينيات من القرن العشرين قد سلك طريقه إلى الوعي الوطني دون أي عوائق.
ولم يكن الأمر دائمًا هكذا؛ فالصعوبات القاليلة التي تم مواجهتها في وقت مبكر – بعضها مثل أعمال الشغب المناهضة لحركة الأحمديين في عام 1953 – تولدت أكثر بسبب القصور السياسي والانتهازية وليس بسبب المعنى المتأصل للتعصّب.
إن الحروب الدائرة في أفغانستان تعد من بين أكبر الأسباب للوضع الحالي، وبعد مغادرة الاتحاد السوفيتي، أصبح الوضع في أفغانستان أكثر فوضوية نظرًا لأن المجموعات الإرهابية المختلفة بدأت في التسابق للاستحواذ على السلطة. أعطت حالة عدم الاستقرار الناجمة إلى ظهور حركة طالبان، التي ضمت في الغالب في صفوفها بقايا الحرب الأفغانية الذين تربوا في مدارس دينية متطرفة انتشرت على طول الحدود الغربية لباكستان.
ومع مواصلة حركة طالبان تحقيق انتصارات متتالية وتضخم صفوفهم بمجندين جدد، ارتقت طموحاتهم إلى ما هو أبعد من ذلك. لذا فبعد توطدهم وتجمعهم في الجنوب، بما في ذلك العاصمة كابول، واتجهوا بأنظارهم للثأر إلى الشمال تجاه مدن أوزبك وتاجيك وتركمان وهزارة، ما أضفى على الصراع المدني نكهة عرقية.
وفي الوقت الذي تكشفت فيه حقيقة أحداث 11/9، كانت حركة طالبان قد سيطرت على أغلب أفغانستان، وكانت تقترب من طرق الأبواب في وادي بانشير، آخر معقل للمقاومة. وبالرغم من أن تفجيرات 11/9 لم يقم بها أفغان، إلا أن التحالف قد حدد أن مصدر التخطيط الرئيسي هو تنظيم القاعدة الموجود في أفغانستان. تراجع فلول تنظيمي القاعدة وطالبان الذين بقوا على قيد الحياة إلى مخابئ الجبال الممتدة بطول الحدود الباكستانية الأفغانية، وقد وجدوا في النهاية طريقهم إلى المناطق القبلية في باكستان من خلال أحد الحدود المخترقة والتي لم تشكل عائقًا كبيرًا لقبائل البشتون الذين كانوا يعيشون على الجانبين.

وكالة الأنباء الفرنسية/جيتي اميدجز
ونظرًا لأنه كان بعيدًا عن الأعين ومتحررًا من أي تدخل حكومي، فقد منحت السنوات القليلة التالية تنظيم القاعدة القدرة على ترسيخ قواعده تمامًا في الشريط القبلي وزيرستان، والتودد مع السكان المحليين من خلال إغداق الأموال عليهم، ما مكّنه من توسيع شبكته من الفكر القائم على العنف في كل صوب وحدب. وقد أدى إلقاء القبض على عدد كبير من القيادات رفيعة المستوى بتنظيم القاعدة (الذين كانوا قد اختبئوا تحت الأرض في المدن الكبرى من باكستان) وتنفيذ عمليات محددة ضد المقاتلين الأجانب في وزيرستان الجنوبية إلى تنفيذ هجومين متتاليين ضد پرویز مشرف، الرئيس آنذاك، في أواخر عام 2003. وأجبرت حملة الاعتقالات واسعة النطاقات التي تبعت محاولات الاغتيال المجموعات الإرهابية، التي انضمت إلى تنظيم القاعدة وأصبحت تحت قيادته، إلى التفرق في جميع الاتجاهات.
وكانت محاولات الجيش الباكستاني المُجهضة لتأكيد سيطرته على تقسيم وانا في جنوب وزيرستان، حيث يوجد العديد من المتطرفين الأجانب، قد أدّت إلى توقيع اتفاقية السلام الشائنة شاكاي في نيسان/أبريل من عام 2004، والتي ساعدت على دعم صورة أحد الإرهابيين واسمه نك محمد، الذي بزغ صيته كبطل جرّاء هذه الحلقة البغيضة. وكانت سياسة تنظيم القاعدة في دعم الشباب الطموح المستقل في التفكير، ودفعه نحو أدوار قيادية على ما يبدو مثمرة؛ فقد أدّى منح العشرات من سيارات الدفع الرباعي الفارهة والمساعدات والأموال الطائلة لأفراد محددين مواليين لتنظيم القاعدة إلى القضاء على الأدوار التقليدية التي يمارسها شيوخ القبائل من أجل الحفاظ على الأمان.
وقد ساد التشويه منذ عام 2004 وحتى الآن، وبدا الأمر وكأن باكستان قد أذعنت لقوى الشر، والتي لم يكن هنا سقف لأحلامها ولا حدود لها، مع كون الانتحاريين الملقنين أفضل الأسلحة لديهم. وإلى جانب استهداف كبار ضباط الجيش، بما في ذلك قائد السلاح، اغتال الإرهابيون أيضًا رئيس الوزراء السابق بِينَظِير بُوتُو. وتعرض الشيعة، الذين يبادلهم المجرمون أصحاب التوجه الوهابي السلفي الديوبندي كرهًا كبيرًا، للموقف الأصعب، مع تعرض مجتمع الهزارة التابع لمنطقة كويته للمعاملة بوحشية، لدرجة أن الأفراد أُجبروا على الفرار أو البقاء معزولين تقريبًا. وكانت أنواع الأهداف المُختارة متنوعة بطريقة لا يمكن تصورها: فهناك الصوفية السنية، والعلماء المسلمين المعتدلين، والمثقفين الليبراليين، والمساجد، والكنائس، والأقليات، والمقابر، والأضرحة، والمدارس، والأسواق، والمحاكم، والحافلات، والأماكن العسكرية، وأجهزة إنفاذ القانون، ومنشآت الاستخبارات.
وحينما انخدع العالم في التفكير بأن العلاقة بين تنظيم القاعدة وطالبان لم تعد قائمة، فإنه تلقى صدمة قاسية بوقوع هجوم في فصل الصيف من عام 2006. وبعدما اكتوى الجيش الباكستاني بمزاعم التواطئ، تدهورت الجهود الجادة الأولى التي بذلها لاستعادة سلطة الدولة في المناطق القبلية في العام التالي (عملية راه الحق) بسبب رجال الدين المسيطرين على المسجد الأحمر (لال مسجد) في وسط مدينة إسلام آباد، الذين واصلوا إحراج الدولة بإصدار الفتاوى ضد القوات المسلحة، والقيام بتصرفات غريبة على غرار عمليات الأمن الأهلية. وبعد استنفاد جميع الوسائل لإقناع رجال الدين بالتصرف على نحو معقول، والذين كانت لهم قاعدة عريضة من الأتباع في الدوائر الإرهابية ويتلقون دعمًا كبيرًا داخل مقاليد الحكم، اضطرت الحكومة إلى اقتحام المجمع الكبير الذي يضم مسجدًا ومدارس وفندقًا في تموز/يوليو من عام 2007، وقتل كل الرافضين لإخلاء المجمع.
واستخدم تنظيم القاعدة، الذي أدّى تواجده في وزيرستان إلى نشر الفكر المتطرف بين رجال القبائل، ما حدث في لال مسجد إلى دفع المتطرفين لتكوين ائتلاف واسع تحت راية حركة طالبان باكستان لتنسيق الهجمات ضد الدولة. فإلى جانب تنفيذ اهجمات إرهابية داخل باكستان، انغمست المجموعة، التي واجهت ضرورة عملية لتوفير السيولة النقدية للحفاظ على نفسها، في عمليات تهريب المخدرات والسلاح، وعمليات الابتزاز، وطلب الفدية، بل وصل الأمر إلى السطو على البنوك.
زادت حركة طالبان باكستان من شدة العنف وارتقت به إلى مستوى جديد، وأجبر التهديد الذي شكلته على كابول الآن من الجانب الشمالي إلى اشتراك القوات الباكستانية وقوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) للقيام بعملية مشتركة أطلقوا عليها اسم “قلب الأسد”، وتُعرف أيضًا باسم “شيرديل”، من الأطراف العكسية للحدود الباكستانية الأفغانية. وقد نجح تنظيم القاعدة أيضًا في اختراق خيبر إيجنسي، وهي معقل أتباع المدرسة الصوفية البريلوية الأكثر تسامحًا في الإسلام.
وسط كل هذه الإثارة، فشلت باكستان في ملاحظة أن رجال الدين المتشددين من الشباب، الذين يواصلون تقديم خطبهم عبر أجهزة الراديو المتنقلة حول فضائل الحكم الإسلامي والحاجة الملحّة لتحقيق العدالة السريعة، قد لمسوا وترًا حساسًا لدى المواطنين في دمينة سوات، وهي جزء من المناطق القبلية الواقعة تحت الإدارة الفيدرالية. ومع ذلك، فقد دقّ ناقوس الخطر حينما سيطرت حركة طالبان باكستان، بفضل تسهيل من المُلا فضل الله، على وادٍ ذي مناظر خلابة واستبدل الموظفون العاملون بآخرين ممن يتبعونها، ما أدى إلى السماح بعودة عصر الإرهاب.
وصُدمت الدولة عندما نما إلى علمها أن الإرهابيين أيضًا أصبحوا على مشارف العاصمة إسلام آباد من اتجاهٍ شمالي آخر. ونظرًا لتدخل القوات وحفاظها على تلك المكاسب، هرب المُلا فضل الله إلى أفغانستان حيث أقام معسكرًا لأنشطته المناهضة لباكستان.
وحاولت الحكومة الجديدة في باكستان في منتصف عام 2013 بدء إجراء حوار مع حركة طالبان المحلية بدلاً من التصدي لها وجهًا لوجه، حتى عندما بدا واضحًا أن طالبان تعمد فقط إلى المماطلة. وبعد عام، وقع هجوم إرهابي كبير على مطار كراتشي لمجموعة من المقاصد والأغراض مثل أي شيء آخر. وبقدر ما كان الأمر متعلقًا برد فعل الجيش، إلا أنه لم يكن كذلك. فقد شنّ على الفور هجومًا واسع النطاق على شمال وزيرستان، حيث يتواجد المتطرفون من جميع الطوائف تحت مظلة تنظيم القاعدة. وكان الهجوم الانتقامي غير معلوم الأسباب على مدرسة حكومية عسكرية على مشارف بيشاور، والذي نتج عنه وقوع حالات ذبح وحشي لعدد 140 طالبًا، قد أثبت أنه القشة التي قسمت ظهر البعير؛ فقد اضطرت الحكومة إلى إعداد خطة عمل وطنية لمكافحة الإرهاب على جميع الجبهات. وبالرغم من أنه من السابق لأوانه قياس مدى ما تحقق من نجاح، إلا أن الإحصاءات تظهر انخفاضًا حادًا في عدد الحوادث الإرهابية التي وقعت في عام 2015 تصل نسبته إلى 60 بالمئة مقارنة بالعام السابق.
ويتطلع الآن عدد كبير من الباكستانيين بصورة متزايدة إلى مستقبل مشرق. فقد حقق الجيش ما لا يمكن تصوره من خلال إنشاء سلطة حكومية في أغلب الشريط القبلي بأكمله، بما في ذلك وادي شوال، الواقع استراتيجيًا عند منطقة التقاء أفغانستان وشمال وجنوب وزيرستان. وقد حولت الحكومة اهتمامها الآن إلى جنوب البنجاب، التي كانت منذ زمن معقلاً للتطرف والتعصب، والتي نجت من عمليات التطهير حتى الآن. وقد تم مؤخرًا تطهير المناطق النهرية الواقعة عند التقاء محافظات بلوشستان والسند وبنجاب، والتي مثلت مخابئ متنوعة للعصابات الإجرامية والطائفية. وأشار الجيش إلى نيته استهداف تلك المخابئ والخلايا النائمة للإرهابيين في جميع أنحاء البلاد. فمدينة كراتشي، المدينة الصناعية الأكبر في باكستان، والتي كانت قد انجرفت إلى حافة الفوضى بسبب وأعمال الابتزاز المنظم، والخطف للحصول على الفدية، وعمليات السطو على البنوك، وعمليات القتل المستهدفة التي قامت بها العصابات الإجرامية والطائفية، تستعيد الآن حياتها الطبيعية بقدرٍ كبير، بفضل مبادرة الجيش في ظل خطة العمل الوطنية. وأصبح إقليم بلوشستان هو الآخر مستقرًا إلى حد كبير بعد أن فلت زمام أمور الحكم فيه. فلا عجب إذن في أن رئيس هيئة الأركان العامة الجنرال رحيل شريف قد أصبح بلا جدال الشخصية الأكثر شهرة في البلاد بسبب شعوره بالوطنية والإخلاص.

رويترز